لم تشفع لها مقوماتها السياحية  قرى الحدود الإدارية بين حمص وطرطوس.. نسيها الزمن وإمكانيات خدمية متواضعة!

لم تشفع لها مقوماتها السياحية قرى الحدود الإدارية بين حمص وطرطوس.. نسيها الزمن وإمكانيات خدمية متواضعة!

أخبار سورية

الخميس، ٤ أكتوبر ٢٠١٨

في نهاية وادي النضارة من الجهة الشمالية، وقبل أن تترك المنطقة مودعاً محافظة حمص، تطالعك القرى الثلاث: قرب علي، بيدر رفيع، وجنكمرة على الحدود الإدارية بين المحافظة ومحافظة طرطوس، والقرى تتمتع بموقع جغرافي، وطبيعة جبلية، بحيث تبدو وكأنها معلّقة بسفوح الجبال باتجاه الشرق والجنوب، المنطقة تمتلك كل المقومات كي تكون القرى سياحية بامتياز، ولكن شتان ما بينها وبين جاراتها في الوادي، هنا تغيب كل النشاطات السياحية أو المرتبطة بها، وتبقى الرياح الجبلية الباردة تصفر في المكان لتعطيك صورة عن الواقع المر لسكان القرى الفقيرة بالمادة، والخدمات، وكل شيء إلا محبة الوطن، والتمسك بالأرض، وحب الخير.

ثلاث قرى والمعاناة واحدة

تقول المهندسة حبور مسلم، رئيسة البلدية: القرى الثلاث متشابهة من حيث الطبيعة الجبلية الصعبة التي تحتاج إلى الكثير من الجهد والإمكانيات، وتنفيذ المشاريع في غاية الصعوبة إذا ما توفر المال، وقد تعرّضنا لضغط سكاني نتيجة الهجرة من المدن بسبب الحرب، ما جعل الإمكانيات الخدمية غير قادرة على تلبية الحاجة والطلب.

وأضافت: يبلغ عدد السكان حالياً حوالي ثمانية آلاف نسمة، ثلاثة آلاف في قرب علي، والباقي في القريتين الآخريين، وقد نفذنا مشروعاً للصرف الصحي بقيمة حوالي 20 مليون ليرة، ونحتاج الآن لمشروع آخر بقيمة تقديرية حوالي 75 مليوناً، والشبكة الكهربائية بحاجة إلى تحويل من الهوائية إلى الأرضية نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية التي تشتد فيها سرعة الرياح في أوقات كثيرة، ما يعرّض الشبكة الهوائية للأعطال، كما أن قرية قرب علي بحاجة لمحولة للبئر الذي يغذي القرية بالمياه، وهو يعمل على الديزل المكلف جداً في حال توفره، وتحتاج المنطقة أيضاً لتعبيد الطريق الواصل مع الكفرون، وهو حيوي وهام، وقد تم شقه منذ مدة.

يقول حيدر مهنا أحمد، معاون رئيس البلدية: إن الحي الجنوبي في جنكمرة بحاجة ليشمل بالمخطط التنظيمي، وهناك حوالي 800 نسمة يقطنون خارج المخطط، أي دون خدمات، والطريق العام من جنكمرة حتى الحواش بحاجة لصيانة، فهو مازال على وضعه منذ حوالي ثلاثين عاماً!.

أعمال متنوعة

ياسين يوسف، رئيس الجمعية الفلاحية في قرية قرب علي، قال: يعمل قسم كبير من السكان في الوظائف الحكومية، وبالزراعة، ومن أهمها التفاح 280 دونماً، والكرز، والكرمة، والزيتون، والتين، والذرة الصفراء البعل، نظراً للرطوبة الكبيرة في المنطقة، وكذلك القمح، والشعير، وتربية الثروة الحيوانية، والإنتاج محدود، أو غير اقتصادي، لأن الحيازات ضيقة، والأمراض تفتك بالثمار، والأدوية الزراعية غائبة، ونضطر لشرائها من القطاع الخاص الذي يوفرها من خلال التهريب، وهي تؤدي إلى نتائج عكسية، وهي إما غير فعالة، أو منتهية الصلاحية، والحل في بناء مركز للرعاية في القرية، مع أنه يوجد مركز للأدوية الزراعية في قرية الكيمة، لكنه يعاني هو الآخر من عدم توفر كافة المتطلبات!.

والطرق الزراعية

ويضيف رئيس الجمعية: في الطبيعة الجبلية التي تتميز بها المنطقة تزداد الحاجة للطرق الزراعية من أجل الوصول للأراضي، وقد قامت مديرية الزراعة بشق الطرق، وهي تحتاج للغطاء الاسفلتي الذي يحل المشكلة، وخاصة في فصل الشتاء حيث أمطار المنطقة مرتفعة، ما يجعل الوصول صعباً للغاية.

على أرض الواقع

تنتشر البيوت في القرية بشكل متلاصق تقريباً على غير عادة القرى التي تتوزع المساكن فيها، بحيث تبقى مساحات للدور الفسيحة، والزراعات المنزلية التي تؤمن حاجات الاستهلاك اليومي، وفي هذا يقول مواطن جاء من دمشق بعد أن خسر كل شيء على حد تعبيره، مسكنه وعمله، وهو من أسرة مكونة من تسعة أشقاء، ونظراً لأن الحيازات قليلة فقد اضطر الإخوة لبناء مساكن كيفما اتفق أشبه بالخيمة، كما يقول، تقيهم برد الشتاء وحر الصيف.

حكايا مع الشتاء

عندما انطلقنا من مدينة حمص كانت الرياح جنوبية شرقية خفيفة، ولكن هناك في قرب علي الأمور مختلفة تماماً، فهذه الخفيفة شديدة جداً، وفي الشتاء فيها من البرودة ما يجعلك تخمن أن الثلوج سوف تتساقط في الحال، والمواطنون يقولون إنه جزء بسيط جداً من برودة الشتاء، حيث تغطي الثلوج المنطقة، وموجات الصقيع تجعل الحياة شاقة للغاية، ومازوت التدفئة لا يمكن من خلاله مواجهة الموقف، وعماد الدفء عندهم الحطب الذي تطالعك أكداس منه نتجت عن التقليم من أجل مواجهة البرد الذي يقولون عنه إنه كان معتدلاً في الشتاء الحالي، والـ 200 ليتر من المازوت إذا توفرت، أو استطاع المواطن دفع ثمنها، لا تكفي نصف شهر!.

والتعليم

في قرب علي هناك تجمع يضم الحلقتين الأولى والثانية للتعليم الأساسي في مدرسة الشهيد حمزة سليم علي، المكان ضيق للغاية، والصفوف معتمة وصغيرة، وهي بحاجة لصيانة سريعة كحل إسعافي فوري، على أن يضاف طابق يضم أربع شعب صفية يجب أن تكون جاهزة مع بداية العام الدراسي القادم.

أما التعليم الثانوي فيتوجب على الطلبة الذهاب جنوباً إلى قرى الوادي، يقول المواطنون: إن الطالب يدفع ثمانية آلاف ليرة كأجور مواصلات شهرياً إذا أراد متابعة تعليمه للحصول على الشهادة.

أما في بيدر رفيع فهناك ثانوية الشهيد بهاء بيطار التي تحتاج إلى ترميم وصيانة عاجلين أيضاً، على أن يضاف طابق آخر خلال الصيف يكون جاهزاً مع بداية العام الدراسي.

السورية للتجارة حاضرة

في بيدر رفيع هناك منفذ للسورية للتجارة، قدمت البناء الجمعية الفلاحية، وفي قرب علي يجري العمل على استكمال بناء صغير قدم من المواطنين كعمل شعبي يمكن أن يساعد في توفير السلع بأسعار تنافسية مع أسعار القطاع الخاص، لكن ما ينغص الأهالي غياب التسويق لما ينتجونه، ما يضطرهم للوقوع تحت رحمة التجار الذين يأخذون المنتجات بالسعر الذي يفرضونه.

مواطنو القرى قالوا: ثلاث سنوات لم نستفد من محاصيلنا، وإذا خرج المنتج دون خسارة فتلك نعمة كبيرة، لقد فتكت الآفات بمحصول التفاح، وغاب التسويق المجدي، وبقينا مكانك راوح.

رعاية صحية

للمرء أن يتصور أنه لا توجد عيادة خاصة في القرى الثلاث، توجد أشباه مراكز صحية هي بالأساس تقدمة من الأهالي، في إحداها ثلاث ممرضات مع طبيب متمرن يتغير شهرياً، يقول المواطنون إنهم لا يرونه، وفي الآخر ممرضة واحدة دون وجود طبيب، وفي التعليل يقول الدكتور حسان الجندي مدير الصحة بحمص: إن غياب الطبيب لعدم توفره، وهو من الأشياء النادرة في مثل هذه القرى، والطبيب الذي يعين أو يفرز إلى المنطقة يفضل الاستقالة أو الهجرة على الذهاب لأنه مكلف.

ويضيف بأن المديرية مستعدة للتعاقد مع أي طبيب من أبناء المنطقة من أجل سد النقص القسري الذي حدث مع سنوات الحرب، وقد اتخذ قرار لإحداث مخبر للتحاليل الطبية في مستوصف قرب علي.

وفي أقوال الأهالي بأنهم يضطرون لإسعاف مرضاهم بشتى الاتجاهات نحو الوادي، أو مشفى تلكلخ، أو مدينة حمص، وفي الكثير من الأوقات يقضي المسعف قبل أن يصل إلى مشفى أو عيادة طبيب!.

ومع البيئة

في مثل هذه القرى الجبلية تستحق البيئة المزيد من العناية والاهتمام علّها تجذب المستثمرين لإقامة نشاطات ومشاريع تساهم في تسليط الأضواء على المنطقة، هناك مساحات يمكن استغلالها لإقامة مشاريع من هذا النوع، كما قالت رئيسة البلدية، ولكن لا توجد الأموال.

البيئة تتعرّض للاعتداء من خلال مكب القمامة المتواجد في قرية قرب علي، تتوافد إليه الأكوام من 16 قرية متجاورة، وهو ساكن دون تفعيل، ومياه الصرف الصحي تصب في الأودية، حيث أشجار التفاح، وغيرها من المزروعات تنال نصيبها من الإرواء أو السقاية القسرية غير النظيفة.

وكما ذكرنا مشروع الصرف الصحي يغطي جزءاً ليس كبيراً من الأبنية، ويعتمد قسم كبير حتى الآن على الحفر الفنية التي تكثر مشاكلها واختناقاتها، لأن التربة في المنطقة من النوع الكتيم الذي لا يمتص المياه.

المهندس أمين العيسى، مدير الخدمات الفنية، أوضح بأن مشروع القرية للصرف الصحي مرتبط بالمشاريع والخطوط المركزية، وسوف ننفذ حلاً إسعافياً سريعاً يمنع المياه الناتجة عن الصرف الصحي من الوصول إلى المزروعات، كما أن القرى مخدمة هاتفياً، لكن الخدمة من محافظة طرطوس، وليست من محافظة حمص، حيث تتبع إدارياً، وهذا يعني أن مكالماتهم وتواصلهم مع من يريدون في محافظة حمص يتطلبان نداء المحافظة الآلي التي يتبعون لها.

ووصلت الأمانة السورية للتنمية المنطقة بقروضها التشغيلية والتعليمية بـ 200 ألف ليرة للأولى، و50 ألفاً للثانية كحد أقصى دون فوائد، والغرض منها مساعدة الأسر الفقيرة، وأسر الشهداء في إقامة مشروع صغير، أو دعم القائم، ومساعدة الطلبة في إتمام تعليمهم، وبلغ عدد المستفيدين 45.

عادل الأحمد