موسم الحرائق في ذروته “الزراعة” تحصّن نفسها لمجابهة النيران.. وواقع التعديات.. قانون الحراج لا يكفي

موسم الحرائق في ذروته “الزراعة” تحصّن نفسها لمجابهة النيران.. وواقع التعديات.. قانون الحراج لا يكفي

أخبار سورية

الأربعاء، ٣ أكتوبر ٢٠١٨

من المعلوم أنه في فصل الخريف يصل موسم الحرائق في الساحل السوري إلى ذروته، حيث تأكل النيران العشوائية أشجاراً هنا، وتخلّف رماداً هناك، بالتوازي مع ازدياد عدد التعديات على الغابات التي خرجت عن كونها أحراجاً وغابات، وأصبحت جرداء بطور التصحر، واقع الحال بات ملحاً بشدة لإيجاد حلول عملية لمكافحة الحرائق، ووقف التعديات الجائرة على الحراج والغابات، ولجم المعتدين، وكل من يقف خلفهم من مستفيدين يرون أنفسهم فوق القانون، فيمعنون في التعدي على الغابات، سواء من أجل التفحيم، أو التحطيب، أو لغايات أخرى بهدف الربح الخالص!.
في محافظة اللاذقية، وكما في كل عام، استبقت مديرية الزراعة موسم الحرائق، وأعدت خطة سنوية بهدف إدارة مكافحة حرائق الغابات من خلال وضع آلية للاستفادة من جميع الإمكانيات المتاحة لدى مديرية الزراعة التي اتخذت كافة الإجراءات الخاصة بمكافحة الحرائق الزراعية والحراجية.
الزراعة تحاصر الحرائق
باسم دوبا، مدير دائرة حراج اللاذقية، أكد أن الحرائق تعد التهديد الأكبر للغابات في اللاذقية، وخاصة في فصل الخريف الذي تصل فيه الحرائق إلى ذروتها، حيث تزداد الرياح الشرقية الجافة، وتنخفض الرطوبة النسبية، الأمر الذي يؤدي إلى سرعة انتشار النيران، وازدياد شدتها، وبالتالي صعوبة إمكانية السيطرة عليها، الأمر الذي يتطلب، برأي دوبا، جاهزية دائمة من العاملين في إخماد الحرائق.
وأضاف دوبا: وتيرة الحرائق الزراعية التي تشكّل نصف مساحة الأراضي المزروعة تزايدت بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية، وأخذت منحى آخر غير المعتاد، عازياً السبب في ذلك إلى شدة التداخل بين الأراضي الحراجية، والأراضي الزراعية، ووجود القرى ضمن الأراضي الحراجية.
واستعرض دوبا عدد الحرائق في السنوات الماضية، وخلال العام الحالي، مبيّناً أنه في عام ٢٠١٦ اندلع (٢٥٤) حريقاً حراجياً، و(١٠٥٠) حريقاً زراعياً، أما في عام ٢٠١٧ فقد اندلع (١٠٠) حريق حراجي، و(٧٠٤) حرائق زراعية، بينما في عام ٢٠١٨ وحتى تاريخ 18أيلول الجاري بلغ عدد الحرائق الحراجية (٤٣) حريقاً، و(٤٢٨) حريقاً زراعياً.
وبيّن دوبا أن مديرية الزراعة أقرت خطة سنوية لإدارة مكافحة حرائق الغابات تتضمن وضع آلية للاستفادة من جميع الإمكانيات المتاحة لدى مديرية الزراعة، بالإضافة للصعوبات والمقترحات، مشيراً إلى أنه لدى المديرية خمسة مراكز إطفاء في: الحفة، زاما، القرداحة، القليلة، بلوران، بالإضافة إلى 34 إطفائية مع 3 صهاريج تغذية، و19 جراراً مع مقطورة، و10 سيارات نقل عمال، و16 فرقة تدخل سريع، و10 أبراج مراقبة.
وأكد دوبا أن الإمكانيات المتوفرة بحالة فنية جيدة، والفرق على اتصال مباشر مع غرفة العمليات في مديرية الزراعة الجاهزة على مدار الساعة لاستقبال الاتصالات على الرقم المجاني 188، والتعامل الفوري مع أي حريق.
وبالتوازي مع جاهزية الإمكانيات المادية، شدد دوبا على أن الكادر البشري العامل في مجال إخماد الحرائق بكامله مستنفر بشكل دائم، سواء فرق الإطفاء ضمن المراكز، أو فرق التدخل السريع المنتشرة على مستوى المحافظة، وحتى عمال الأبراج، لافتاً إلى أن هذه الأرقام تعد جيدة على مستوى المحافظة، حيث يتم العمل والسيطرة على الحرائق بأقل المساحات، مع الطموح الدائم لزيادة عدد الآليات العاملة بإخماد الحرائق، نظراً لصعوبة تضاريس المواقع الحراجية في المحافظة.
وبيّن دوبا أن العمالة الموسمية تشكّل أساس العاملين في إخماد الحرائق بالرغم من صعوبة تأمين هؤلاء العمال، نظراً لتدني أجور العمالة الموسمية، الأمر الذي أدى لرحيل معظم العمال القدامى، مضيفاً: انطلاقاً من مبدأ معرفة المشكلة والعمل على حلها، قامت مديرية الزراعة العام الماضي بتعيين 90 عامل إطفاء بصفة “دائم”، كما تم مؤخراً إجراء مسابقة لتعيين 300 عامل إطفاء بموجب عقود سنوية.
وحول الإجراءات الوقائية المتبعة للحد من الحرائق، قال دوبا: تقوم المديرية بترميم الطرق الحراجية، وخطوط النار حسب الخطة السنوية المقررة للعام الحالي، بالإضافة إلى شق طرق حراجية جديدة في مختلف المناطق الحراجية بحسب أهمية كل موقع، ودعم مراكز حماية الغابات بأعداد إضافية من العمال الموسميين خلال موسم الذروة، وتوسيع دائرة المشاركة من خلال التعميم على كافة العاملين في مديرية الزراعة، ومسؤوليتهم الكاملة في حال نشوب أي حريق بالتدخل أو بالإبلاغ عنه، وتوزيع سيارات الإطفاء لدى المديرية على المواقع الحراجية بحسب أهمية كل قطاع، ووضع الجرارات المزودة بمضخات مركبة على مقطورة الإطفاء لاستخدامها كإطفائية مع الفرق الميدانية في بعض المناطق البعيدة والحساسة، وتزويد فرق الإطفاء بمضخات ظهرية، وذلك لاستخدامها في المواقع التي يصعب وصول الآليات إليها.
وأضاف: كما تقوم المديرية بتشكيل مجموعة من فرق التدخل السريع في المناطق الحراجية ذات الخطورة المرتفعة بالنسبة للحرائق، وتكون مهمتها إيقاف الحرائق بحدودها الدنيا، فضلاً عن  قيام الدوائر الحراجية بتنظيف جوانب الطرقات العامة، وتحت الشبكات الكهربائية “التوتر العالي” من الأعشاب، والنباتات القابلة للاشتعال بعرض يتراوح ما بين 5-10 أمتار.
وبالرجوع إلى سبب الحرائق الحراجية التي تم إخمادها خلال العام الماضي، أكد دوبا أن الإهمال ساهم بشكل كبير بنشوب وانتشار الحرائق، بالإضافة إلى مساهمة الأعمال الإرهابية بعدد لابأس به من الحرائق نتيجة القذائف التي تسقط في الغابات والأراضي الزراعية.
وفي إطار حماية الغابات من التعديات الجائرة، أكد دوبا أنه مادامت الغابات الخضراء موجودة فستبقى هناك تعديات عليها، مشيراً إلى أن العاملين في قسم الحراج يتابعون مهامهم من خلال المخافر الحراجية الموزعة على كامل مساحة المحافظة في المواقع الحراجية الأكثر أهمية، مبيّناً أنه يوجد في المحافظة  28 مخفراً يعمل فيها 153 عنصر ضابطة حراجية، مهمتهم الأساسية ضبط التعديات على المواقع الحراجية، وتنظيم الضبوط بحق المخالفين، ومن ثم إحالة الضبوط إلى القضاء.
وبيّن دوبا أنه منذ بداية العام وحتى تاريخ 30-8 تم تنظيم 303 مخالفات بين قلع وحرق وقطع وتفحيم وكسر وتشويه، مؤكداً في الوقت ذاته أن الإجراءات التي يتم اتخاذها بموجب قانون الحراج غير رادعة لبعض المخالفين، مضيفاً: نحن بحاجة إلى مؤازرة جهات أخرى لضبط كبار المسيئين الذين يرون أنفسهم فوق القانون، ولا تستطيع مخالفتنا لهم أن تلجمهم عن الاستمرار في التعدي على الغابات والحراج!.
الحق على قانون الحراج
الدكتور أمجد عبد الله، عضو الجمعية البيئية، أكد أن الحرائق تعد العدو الأكبر للغابات الحراجية التي تمتد على نحو 85 ألف هكتار، منها 50 ألف هكتار مكونة من أشجار أوراق إبرية، وأشجار صنوبرية، و35 ألف هكتار تسمى بأشجار عارضات الأوراق، مبيّناً أن هذه الحرائق غيّرت كثيراً من شكل المناظر الطبيعية للغابات في الجبال الساحلية عموماً، فشوهتها وأفقدتها قيمتها السياحية والاقتصادية، وأضاف: لقطع ونقل الأشجار المحترقة تأثير سلبي على مواطن الكائنات الحية بشكل عام، كما كان لها تأثير على انجراف التربة.
وبيّن عبد الله أن قطاع الغابات يمثّل ثروة طبيعية ذات مصلحة وطنية كبرى، إذ يساهم في إقرار التوازن البيئي والبيولوجي للبلاد، والحدّ من تأثيرات تغيّر المناخ، حيث يلعب دوراً أساسياً في حماية أديم الأرض من الانجراف، ومقاومة التصحّر، والمحافظة على الأحياء البرية.
كما لفت عبد الله إلى أن حرائق الغابات تؤدي إلى أضرار كارثية، أولها  تدمير النظام البيئي في تلك الغابات، والقضاء على كافة أنواع الحياة فيها، وذلك إما بموت الكائنات الحية أثناء الحريق، أو هجرتها للغابة التي لا يتبقى منها سوى الرماد، وبعض الأشجار المتفحمة، وهو ما يجعلها غير مناسبة لعيش كثير من أنواع الكائنات الحية، ناهيك عن تدمير كميات هائلة من الأشجار المعمرة ذات القيمة العالية التي تصل أعمارها أحياناً إلى مئات السنين.
وعدا عن التصحر، تؤدي الحرائق أيضاً، بحسب عبد الله، إلى تآكل التربة وانزلاقها، وشح المياه، إذ تحافظ أشجار الغابات على المياه الجوفية التي تساعد التربة على امتصاص مياه الأمطار، وتقوم جذورها بتصفية المياه الجوفية من بعض المواد الضارة قبل أن تصل إلى الينابيع، ومن هنا يتضح لنا سبب غياب عدد كبير من الينابيع التي كانت تنتشر ضمن المناطق النباتية، ولاسيما في المناطق الساحلية.
وأضاف عبد الله: كما تؤثر حرائق الغابات على الاقتصاد لما تتضمنه من كلفة إعادة التشجير، وإخماد الحرائق، وتأثيرها على الزراعة، ونوعية الحياة، والسياحة البيئية، فضلاً عن الدخان الناتج عن احتراق الغابات، والحبيبات المتناثرة من الأشجار المحترقة، والغازات التي تنتج عن هذا الحريق يمكن أن تؤذي العينين، وتسبب حالات اختناق، وتزيد من حدة أمراض القلب والرئة.
وإذ شدد عبد الله على ضرورة القيام بحملات وندوات توعية حول أهمية الغابات، وضرورة المحافظة عليها من الحرائق والتعديات، فإنه أكد أن قانون الحراج المعمول به من قبل مديرية الزراعة ليس كافياً لردع التعديات الحاصلة على الغابات، مستدركاً: لو كانت هذه الإجراءات كافية لما كانت التعديات مستمرة على الغابات دون رادع أو وازع؟!.
باسل يوسف