بعد توزيع خلايا نحل مصري على شكل مساعدات للنحالين..دعوات لوقف تهجين النحل والمحافظة على السلالة السورية

بعد توزيع خلايا نحل مصري على شكل مساعدات للنحالين..دعوات لوقف تهجين النحل والمحافظة على السلالة السورية

أخبار سورية

الجمعة، ٢١ سبتمبر ٢٠١٨

محمود ديبو
هي ظروف الحرب العدوانية على البلاد التي أتت على كل مظهر من مظاهر الحياة السورية وتركت بصمتها السوداء القاتمة خراباً وتدميراً وقتلاً وتهشيماً.. فكانت الخسائر جسيمة وأكبر من أن تقدر بثمن أو تحصى بعدد،
فما بني بجهد سنوات وتعب ملايين السوريين بات اليوم بحاجة إلى إعادة إعمار جديدة من نواح مختلفة.‏
ولأن أي من مناحي الحياة لم تسلم من ضربات الإرهاب فقد نال قطاع تربية النحل ما ناله من تداعيات سلبية تجلت بتراجع عدد المربين ونقص حاد في عدد الخلايا وبالتالي في إنتاج العسل، بعد أن كان هذا القطاع يعتبر واحداً من أعمدة الاقتصاد الزراعي في البلاد.‏
محاولة لسد النقص‏
هذا الواقع الجديد دفع ببعض الجهات المعنية ومنها وزارة الزراعة لتقديم المساعي المناسبة التي تساهم في التعويض عن النقص الحاصل في عدد الخلايا والعمل على زيادتها بالتدريج، وأثمرت هذه المساعي بالتعاون والتنسيق مع منظمات دولية، لاستيراد خلايا نحل من مصر وتوزيعها على شكل مساعدات على الأسر المتضررة وعلى النحالين والمربين، ومع البدء بتنفيذ هذا الإجراء وإيصال الخلايا إلى الأسر المستهدفة بالدعم والمساعدة، ظهرت أصوات تدعو إلى التوقف عن استيراد هذا النوع من النحل واستبداله بأنواع أفضل نظراً لما أسموه بالمخاطر المحدقة بسلالة النحل السورية التي باتت معرضة للاضمحلال وظهور سلالات هجينة لا تحمل صفات النحل السوري التي هي الأفضل والتي تتفوق على غيرها من سلالات النحل بصفاتها وقدرتها على تحمل الظروف المناخية وإمكانية إنتاج كميات أكبر من العسل بنوعيات مميزة.‏
موت المساعدات‏
باسم العطار رئيس لجنة النحالين بغرفة زراعة دمشق يقول إن قطاع تربية النحل تأثر بشكل كبير بتداعيات الحرب العدوانية على البلاد، وهناك آلاف الخلايا التي فقدها النحالون، وضاقت فرصة تنقيل ما تبقى من خلايا بين المراعي، بالنظر إلى وقوع المراعي في مناطق ضربها الإرهاب، وهذا ساهم إلى حد كبير في تراجع النشاط في مجال تربية النحل وإنتاج العسل.‏
وفي إطار المساعي المبذولة لترميم النقص الحاصل في أعداد الخلايا تم توزيع خلايا من النحل المصري المستورد على المربين والنحالين كمساعدات بحيث تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران من جديد، إلا أنه وفي ضوء التجربة العملية تعرض عدد من هذه الخلايا للموت وهناك حالات كثيرة لدى عدد من المربين مات عندهم النحل المستورد.‏
النحل المصري غير أصيل‏
ويوضح العطار أن مشكلة النحل المصري بالأساس أنه ليس سلالة أصيلة، وأصل النحل المصري هو هجين بين النحل المصري (الذي هو سلالة غير مدروسة وغير معروفة) والنحل الكرينوري (وهي سلالة جبلية موجودة بين روسيا وأوروبا)، وهذا يشكل خطورة على سلالة النحل السورية التي تتعرض لحالات تهجين مستمرة من سلالات مختلفة ومنها النحل المصري المستورد والذي تم توزيعه على شكل مساعدات، ونحن اعترضنا على ذلك وطالبنا بإيقاف استيراد هذا النوع من النحل لما له من مضار وآثار سلبية على سلالة النحل السورية.‏
السلالة السورية أصل النحل‏
ودعا العطار إلى ضرورة المحافظة على السلالة السورية لما تحمله من مواصفات لها الأفضلية على غيرها من سلالات النحل في عدد من دول العالم، ويشير في هذا إلى أن أحد الباحثين الفرنسيين وهو (ليونيل غارنري) قام بتحليل الجينات لسلالة النحل السورية وأثبت أن النحل السوري (سيرياتا) هي أصل النحل في العالم وأفضل أنواع السلالات، كما أن الخبرات التي تم اكتسابها عبر الأجيال تثبت أن النحل السوري هادئ وجَمَّاع للعسل ومقاوم للأمراض، وبالتالي فإن عملية التهجين بسلالة غير أصيلة ستضعف من هذه المواصفات خاصة وأن السلالة المصرية ليست بمواصفات السلالة السورية، وبالأساس، يقول العطار، إن كل النداءات في العالم تدعو إلى إيقاف عمليات تهجين النحل، وعدم نقل السلالات وأن يعمل كل بلد على المحافظة على السلالة الأصلية وعدم تهجينها بسلالات أخرى.‏
المهندس إياد دعبول الأمين العام المساعد في الأمانة العامة للنحالين العرب تحدث بلغة الأرقام عن حجم الخسائر التي طرأت على قطاع تربية النحل وإنتاج العسل فبين أن عدد الخلايا في سورية كان 732 ألف خلية بحسب إحصائيات عام 2010، أي قبل بدء الحرب العدوانية على البلاد، ويعمل في هذا المجال حوالي 32 ألف نحّال، ووصل حجم الإنتاج إلى 3200 طن من العسل، تغطي حاجة السوق المحلية البالغة 1500 طن ويتم تصدير الباقي (1700) طن.‏
لكن وبفعل الإرهاب الذي ضرب البلاد وأتى على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية فقد تراجع عدد الخلايا إلى حوالي 150 ألف خلية فقط بنسبة تقدر بحوالي من 60 إلى 70% وانخفض عدد النحالين إلى حوالي 10 آلاف نحال هم من بقي يعمل في تربية النحل، وبالتالي هذا أدى بالضرورة إلى انخفاض حجم الإنتاج من العسل السوري إلى جانب عدم القدرة على إنتاج بعض الأنواع التي كانت تنتج سابقاً بالنظر إلى صعوبة تنقيل الخلايا من مرعى إلى آخر بسبب الظروف الأمنية.‏
على العموم يقول المهندس دعبول إن هذا الواقع فرض ضرورة إيجاد سبل لتعويض جزء من النقص الحاصل في عدد الخلايا وزيادة حجم الإنتاج من العسل الذي تراجع إلى حوالي 500 طن فقط، لافتاً في هذا السياق إلى نقطة مهمة وهي أن تراجع عدد خلايا النحل كان له تأثير على مستوى الزراعات أيضاً لكون النحل يساهم بشكل كبير في عمليات الإلقاح الخلطي للنباتات تتراوح ما بين 40 - 70 %، وهذه النسبة خسرناها وكانت تشكل قيمة مضافة للإنتاج النباتي، حيث تشير دراسة أوروبية إلى أن قيمة الزيادة في الإنتاج الزراعي الناتجة عن التلقيح الخلطي تقدر بحوالي 16 مليار يورو، ولنا هنا أن نقدر حجم الخسارة.‏
ويوضح المهندس دعبول أن المساعدات نفذت بالتعاون ما بين الأمانة السورية لاتحاد النحالين العرب ووزارة الزراعة والمنظمات الدولية للزراعة، (حيث كان توجه وزارة الزراعة رفد الخلايا المحلية بخلايا مستوردة) وتم استيراد نحل من مصر بإشراف وزارة الزراعة، ومن المعروف أن سورية من الدول التي تتشدد بمسألة الحجر الزراعي وقد تم حجر كامل للنحل المستورد لمدة ثلاثة أيام وأخذت عينات من قبل مديرية الوقاية ومديرية الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة وتم فحص النحل من حيث الأمراض والطفيليات والجراثيم، وتم الإفراج عنها بعد ثبوت خلوها من الأمراض.. وأما مسألة اختيار مصر كمصدر للاستيراد، فذلك يعود إلى الحصار الاقتصادي المفروض على سورية وصعوبة تأمين النحل من دول أخرى.‏
وقد تم ملاحظة أن الكثير من المستفيدين من المساعدات المقدمة والذين حصلوا على 3 خلايا أصبح لديهم 18 خلية وهذا موثق بالأسماء والأعداد، وبشكل طبيعي حيث تأقلم النحل المستورد مع النحل المحلي وبعضهم ضم ملكات أجنبية وصارت الخلايا تعطي إنتاجاً جيداً من العسل.‏
السماح بالاستيراد حلٌّ مؤقت‏
وفي هذا السياق يشير المهندس دعبول إلى أنه وأمام هذه المشكلة المتمثلة بنقص عدد الخلايا وتراجع كميات الإنتاج، تم اقتراح حل يتضمن السماح باستيراد العسل بكميات محدودة ولفترة زمنية محددة بحيث يتم تأمين حاجة السوق المحلية من العسل.‏
ويمكن الاستفادة من العسل المستورد بصناعة الكريمات ومواد التجميل وبعض العلاجات، دون الحاجة هنا لاستهلاك العسل السوري، كما أنه يمكن أن يتم استيراد كميات من العسل وإعادة تصديرها بعد أن يتم تعبئتها وإعطاؤها قيمة مضافة.‏
إلا أن هذا المقترح لم يحظ بموافقة الحكومة وما نزال ننتظر أن يقتنع المعنيون بضرورة السماح باستيراد العسل لتأمين حاجة السوق المحلية، في وقت تشهد فيه أسواقنا انتشاراً للعسل المغشوش ومجهول المصدر.‏
تراجع كبير في السلالة السورية‏
وحول المحافظة على سلالة النحل السوري وإعادة ترميمها بين المهندس دعبول إن الدراسات تشير إلى أن سلالة النحل السورية تراجعت بشكل كبير وحل مكانها سلالات محلية أكثر منها سورية وذلك بسبب دخول ملكات نحل من مختلف دول العالم بشكل عشوائي خلال السنوات الماضية، ولذلك فإن لدى وزارة الزراعة خطة لإعادة تأصيل السلالة السورية بالتعاون مع الأمانة السورية لاتحاد النحالين العرب، حيث يجري حالياً إعادة تأهيل محمية في منطقة بريف اللاذقية لهذا الغرض.‏
تعافٍ على مدى خمس سنوات‏
كما أن الأمانة السورية لاتحاد النحالين العرب لديها خطة لإحداث مركز لإكثار النحل المحلي وبيعه للنحالين بسعر التكلفة مع هامش ربح بسيط وهذا من شأنه إعادة التوازن لهذا القطاع من خلال زيادة عدد الخلايا وتحسين كميات إنتاج العسل.‏
معتبراً أن الأمر يحتاج لخمس سنوات قادمة للبدء بالحصول على نتائج إيجابية في هذا المجال، خاصة بعد أن بدأ هذا القطاع يستعيد عافيته، وبعد أن توفرت الإمكانية للنحال لنقل خلاياه بين مراع متنوعة بعد أن تم تخليص الكثير من المدن والمناطق من الإرهاب بفضل انتصارات الجيش العربي السوري.‏