قطع الطريق على الحرب الاستباقية الأميركية

قطع الطريق على الحرب الاستباقية الأميركية

أخبار سورية

الأربعاء، ١٩ سبتمبر ٢٠١٨

عامر نعيم الياس

أثار الاتفاق الروسي التركي في سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب التشاؤم في العديد من الأوساط المحسوبة على محور مكافحة الإرهاب في سورية، والواضح أن عنصر المفاجأة في ضوء التحشيد العسكري، والتصريحات الروسية الإيرانية في قمّة طهران التي أكدت ضرورة إنهاء ملف إدلب بالوسائل العسكرية، والافتراق في هذا الموقف بالتحديد عن تركيا، قد جعل من إمكانية توقع اتفاقٍ ما أمراً غير مقبول بالنسبة للبعض.
لكن اعتماداً على الحيثيات السابقة فإن التوصّل إلى اتفاق أمرٌ ليس مفاجئاً، نظراً لأن الخلاف التركي مع روسيا وإيران كان خاضعاً لضوابط تفاوضية ممثلة بمسار أستانا والدول الضامنة لمناطق خفض التصعيد في سورية، ولم يتخلّ أردوغان في خطابه وخطاب مسؤوليه الذي تلا قمّة طهران عن هذا المسار، وطالب أكثر من مرة بالتشاركية في مسار حلّ قضية إدلب، ومن ثم شكّل هذا نافذةً لعمليةٍ تفاوضية بين الدول الثلاث الضامنة والأكثر حضوراً في شمال سورية، وتحديداً في ما يخص محافظة إدلب.
حسب تعبير صحيفة لوفيغارو الفرنسية فقد «انتزع بوتين الاتفاق من الرئيس التركي أردوغان»، والواضح أن الأولوية لدى روسيا هي الحفاظ على علاقة منسجمة مع تركيا، بهدف الحفاظ على مسار أستانا الذي أفرز مناطق خفض التصعيد في سورية التي لم يتبق منها سوى إدلب. وهنا يمكن الإيضاح بأن التدخل العسكري التركي في سورية الذي ما كان له ليحدث لولا ضوء أخضر روسي وإيراني في مثلث إعزاز جرابلس الباب، جاء في أحد أوجهه لضبط خيوط اللعبة في سورية بمواجهة الوجود العسكري الأميركي المدعوم بميليشيا كردية تحلم بالانفصال عن سورية في منطقة شرق الفرات.
وعليه فإن الأولوية الروسية هي الحفاظ على عدم انسجام الموقف الغربي والتركي مما يحدث في سورية، وهذا يتحقق في وضع إدلب حالياً، أي بعد الاتفاق، أما في المرحلة التي سبقته فقد كان التركيز الأميركي والغربي منصباً على استغلال الخلاف التركي الروسي حول إدلب، والعمل بكل الوسائل المتاحة على نسف مسار أستانا، وتحقيق تقارب بين محور واشنطن-بروكسل-أنقرة على أرضية الدفاع عن محافظة إدلب في وجه محور مكافحة الإرهاب.
الأمر الثاني، هذا الاتفاق يشير إلى منطقة منزوعة السلاح تأتي لضمان عدم التشويش على تحركات الجيش السوري المقبلة في مرحلة الهدنة في إدلب، وحماية المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية من أي تحرّك إرهابي محتمل.
الأمر الثالث، الاتفاق محدّد بمهل زمنية لنزع السلاح الثقيل، وتحييد الجماعات الإرهابية عن تلك المحسوبة على ما يسمى الاعتدال لغاية 9 تشرين الثاني المقبل، وهذا يرمي الكرة في ملعب أنقرة بخصوص التعامل مع إسلاميي إدلب أو قندهار سورية كما يحلو للبعض تسميتها. وهذا الأمر الذي حاولت أنقرة تجنّبه منذ اتفاق أستانا حول مناطق خفض التصعيد، والذي يحاول الغرب الالتفاف عليه منذ سنوات، بات اليوم اتفاقاً ملزماً وقّع عليه كل من وزيري الدفاع الروسي والتركي.
الأمر الرابع، لا تقسيم في سورية هكذا كان الحديث عند إبرام اتفاقية مناطق خفض التصعيد بأنها اتفاقيات تقسيم، واليوم تصبح منطقة نزع السلاح هي رمز التقسيم مع أنها داخل مناطق المسلحين، وهو أمر يفرز صراعات بين مختلف الجماعات الجهادية، وهو ليس بالسلبيّ على الدولة السورية والحلفاء.
الأمر الخامس والأهم، أن المعركة الرئيسية في سورية هي المعركة مع الاحتلال الأميركي لشرق الفرات، والمدعوم من مكوّن سوري له طموحات انفصالية، ويعمل بكل ما أوتي من قوة على تغيير كل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منطقة شرق الفرات، وهذه المعركة هي الأكثر خطورة وتعقيداً، ومن ثم فإن إعادة الهدوء إلى إدلب في الوقت الحالي وتحييدها عبر اتفاقات ملزمة وخطية، يساعدان في التفرّغ لمواجهة العدو الأقوى في سورية. وبطبيعة الحال يجب إعادة تأكيد أن الصراع في سورية، هو صراع بين الناتو ممثلاً بالولايات المتّحدة وروسيا، وهو صراع مرتبط بإعادة توزيع مناطق النفوذ في العالم، وفي أحد أوجهه هو صراع إقليمي، والوضع في العراق نموذج له وحتى في سورية، ومن ثم فإن الأولوية الروسية أيضاً هي التفرّغ لمواجهة الوجود الأميركي في سورية، من دون وجود عوامل تشويش إضافية على الوجود العسكري الروسي وعلى تحركات محور مكافحة الإرهاب في سورية.
إن الاتفاق الحالي هو أفضل الموجود في ظل حملةٍ غربية أرادت أن تركب على موجة معركة إدلب، لاستعادة تركيا أولاً، وخَوض المعركة الأخيرة استباقياً في إدلب قبل وصول الجيش السوري والحلفاء إلى شرق الفرات والتفرّغ له، فضلاً عن نسف صيغة أستانا والعودة إلى جنيف والضوابط التفاوضية التي تحكمها، ولأجل ما سبق فإن الاتفاق المؤقت الروسي التركي في سورية الذي جرى بموافقة الحكومة السورية هو جزءٌ من مسار إدارة الصراع المعقّد مع الولايات المتّحدة سواء في سورية أم في الإقليم أم على المستوى الدولي.