تطبيقاً لشعار إيصال الدعم لمستحقيه الحقيقيين.. هل باتت البطاقة الذكية حاجة ملحة لوقف «تجاوزات» الأفران في طرطوس؟!

تطبيقاً لشعار إيصال الدعم لمستحقيه الحقيقيين.. هل باتت البطاقة الذكية حاجة ملحة لوقف «تجاوزات» الأفران في طرطوس؟!

أخبار سورية

الثلاثاء، ١١ سبتمبر ٢٠١٨

أيهم إبراهيم:
الأرقام والمؤشرات (الإيجابية) التي قدمتها وزارة النفط حول عمل البطاقة الذكية في محافظتي طرطوس واللاذقية يشير بشكل لا لبس فيه على نجاح التجربة رغم (المنغصات) التي شابتها في الأيام الأولى للتطبيق، فحجم (الوفورات) إن صح التعبير المحققة من مادة البنزين كبيرة ولافته، وقد يعتبر ذلك مؤشراً خطراً على حجم الفساد والتهريب الذي كان يعتري قطاع المحروقات لسنوات طويلة، الأمر الذي دفع إلى الواجهة التساؤل عن إمكانية تعميم هذه التجربة الناجحة القائمة على شعار (إيصال الدعم لمستحقيه الفعليين) على قطاع لا يختلف في همومه وأوجاعه وفساده عن قطاع المحروقات، قطاع لا يزال يُسْتَنْزَف من قبل بعض (ضعاف النفوس) من بوابة (الدعم) المقدم لإنتاج الرغيف الذي يكلف الخزينة العامة للدولة مئات المليارات سنوياً متكئين على أساليب (ملتوية) تبدأ بالتهريب والتصرف بمخصصات الدقيق التمويني في السوق السوداء وقد لا تنتهي ببيع الخبز كعلف للحيوانات!. ولمن لا يعلم فإن الدولة تقدم الدقيق التمويني (المدعوم) للمخابز العامة والخاصة بسعر 18 ألف ليرة تقريباً للطن الواحد في حين يبلغ سعره في الأسواق أكثر من 180 ألف ليرة ؟!
شبه مستحيل
في تصريح خاص لـ «تشرين» قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عبد الله الغربي: لا يمكن مقارنة قطاع إنتاج رغيف الخبز بقطاع المحروقات، مضيفاً: كنت من الأوائل الذين طرحوا قضية أتمتة صناعة رغيف الخبز من المطحنة إلى المخبز، لافتاً إلى أنه من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل تطبيق البطاقة الذكية للحصول على مادة الخبز في ظل الظروف الراهنة لارتباط الموضوع بعوامل فنية ولوجيستية، متسائلاً: كيف يمكن لمواطن في الريف النائي أن يحصل على الخبز بواسطة البطاقة الذكية في ظل انقطاع التيار الكهربائي على سبيل المثال؟!
وشدد الغربي على حرص الوزارة لتأمين الخبز للمواطنين بالجودة المطلوبة، متوقفاً عند الضبوط التموينية الأخيرة المتعلقة بضبط كميات كبيرة من الدقيق التمويني المعد للاتجار به في السوق السوداء في كل من محافظتي حمص وطرطوس، الأمر الذي يعكس الدور الذي تقوم به مديريات التجارة الداخلية في كل المحافظات وخاصة المتعلق بمتابعة عمل الأفران. وختم الغربي متوعداً الفاسدين والمخالفين بأقسى العقوبات.
تنمية إدارية غائبة
لأكثر من شهر و«تشرين» تحاول التواصل مع مدير التنمية الإدارية في محافظة طرطوس رفعت سليمان المنوط بمديريته مسؤولية الإشراف على تطوير العمل بالبطاقة الذكية على مستوى المحافظة لكن من دون فائدة ، إضافة إلى امتناعه عن الرد على اتصالاتنا الهاتفية المتكررة وصولاً لعدم الإجابة على الأسئلة الصحفية المقدمة له الأمر الذي دفعنا للاستعانة بالأرقام والإحصاءات التي قدمها المهندس حسان حسن عضو المكتب التنفيذي المختص لشؤون التجارة الداخلية في المحافظة المتعلقة بعدد البطاقات الذكية الاجتماعية الموزعة في المحافظة والتي وصلت إلى 108 آلاف بطاقة عائلية تقريباً، وهو رقم كبير نسبياً يشير من دون شك إلى حجم التطور والخصوصية التي وصلت لها تجربة البطاقة الذكية في محافظة طرطوس، وللعلم فقد وزعت مادة المتة للمواطنين عبر البطاقة الذكية الاجتماعية في منطقة القدموس ونجح الأمر، مما يدفعنا لسؤال المعنيين: ما الذي يمنع من توزيع الخبز على البطاقة الذكية حالياً في ظل الكلام عن أزمة خبز تعيشها المحافظة، اتهمت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الأفران بافتعالها ؟!
أفران مدعومة
في السياق ذاته أكد عماد صقور رئيس نقابة المخابز الخاصة في طرطوس ضرورة دراسة موضوع تطبيق البطاقة الذكية للحصول على مادة الخبز بشكل معمق ودقيق، والأهم برأيه تحديد احتياجات كل عائلة، فبعض العائلات تحتاج إلى ثلاث ربطات خبز في اليوم، مضيفاً: ليس من مصلحة المسؤولين عن قطاع إنتاج الرغيف تطبيق البطاقة الذكية لأنها ستحد بالتأكيد من حجم الفساد والهدر الحاصل حالياً في قطاع المخابز، لكن الأفضل من البطاقة الذكية – حسب صقور – رفع الدعم والتعويض للمواطنين بشكل نقدي.
وعزا صقور أزمة الخبز الحالية إلى قرار وزارة التجارة الداخلية الأخير القاضي بتخفيض مخصصات الأفران، مشيراً إلى بلوغ نسبة التخفيض 30% منذ بداية العام الحالي والتي تشكل ثلث مخصصات الأفران، الأمر الذي أدى إلى ازدحام كبير على الأفران وحدوث اختناقات في توفير المادة في بعض المناطق، مسجلاً استغرابه لاستثناء مديرية التجارة الداخلية في طرطوس بعض الأفران المدعومة كما وصفها من قرار تخفيض المخصصات وعددها خمسة أفران قائلاً: بعض الأفران لا تخبز أكثر من 100 كيلو من مخصصاتها وأتحمل مسؤولية ما أقول؟!
محضر رقم 27
في المعلومات التي حصلت عليها «تشرين» استعرضت لجنة التعليمات رقم 1 لعام 2016 أثناء اجتماعها برئاسة مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في طرطوس بمحضرها الذي يحمل رقم 27 عدة بنود منها محضر اجتماع سابق برقم 24 المتضمن تخفيض مخصصات جميع المخابز العاملة في محافظة طرطوس (عامة وخاصة) من الدقيق التمويني بنسبة 15% باستثناء المخابز التي تقل مخصصاتها عن واحد طن والذي تم تنفيذه بتاريخ 18 الشهر الماضي، لكن الأهم في الاجتماع القرارات التي اتخذتها اللجنة بعد الدراسة والاطلاع باقتراح استثناء 5 مخابز من التخفيض أربعة منها خاصة ومخبز يعمل بالإشراف (احتياطي) بحجة عمل هذه المخابز بآلات حديثة وبطاقتها القصوى، ونتيجة الضغط الحاصل على هذه المخابز بسبب الكثافة السكانية المرتفعة في منطقة عملها، والأهم وجود حاجة تموينية ماسّة للإبقاء على مخصصاتها من الدقيق التمويني على ما كانت عليه قبل تاريخ 18/8/2018.
لكن اللافت في محضر الاجتماع رقم 27، اقتراح اللجنة إعادة كميات الدقيق المستهلكة من قبل المخابز الآلية والاحتياطية زيادة على مخصصاتها بعد التخفيض بنسبة 15% الأخيرة والتي تم ضخها في هذه المخابز لتلبية الحاجة المتزايدة والطلب على مادة الخبز خلال فترة عيد الأضحى وبعده من تاريخ 18/8 لتاريخ 27/8 بسبب ازدحام محافظة طرطوس بالوافدين والسياح خلال المدة المذكورة على أن تسترد هذه الكميات المستهلكة بعد انتهاء فترة العيد خلال مدة 10 إلى 15 يوماً، وإعادة مخصصات هذه المخابز إلى ما كانت عليه بعد التخفيض مع التنويه إلى عدم إشارة المحضر رقم 27 لكميات الدقيق التي تم ضخها خلال الفترة المذكورة للمخابز، وهل لفضيحة فرن الشيخ بدر الآلي الأخيرة علاقة بهذه الكميات التي تم ذكرها بعد ضبط أكثر من 100 كيس من الدقيق التمويني في الفرن كانت معدة للإتجار بها في السوق السوداء ..؟ سؤال نضعه برسم الجهات المسؤولة عن التحقيق المنوط بها كشف ملابسات القضية.
أزمة (مفتعلة)
لا يمكن وصف ما يحدث من تجاوزات ومخالفات في أفران طرطوس بالحالة الخاصة وإنما يندرج في إطار السياق العام لواقع قطاع الأفران على مستوى البلاد والتي نمت وترعرت للأسف في بيئة يشوبها ضعف الرقابة وغياب المحاسبة، لكن ما أعاد موضوع رغيف الخبز إلى واجهة الأحداث (الطرطوسية) مؤخراً قرار تخفيض المخصصات الأخير المتهم من قبل أصحاب الأفران بمشكلة الازدحام وأزمة الخبز الحالية (المفتعلة) بحسب توصيف وزارة التجارة الداخلية والتي ثبت صحة توصيفها بعد قيام «تشرين» بجولة على عدد من الأفران في مدينة طرطوس تحديداً ولقائها عدداً من المواطنين وتوصلها لخلاصة مفادها أن السببين الرئيسيين للازدحام الحاصل حالياً على الأفران هما آلية البيع المتبعة، فعامل واحد لا يكفي بالتأكيد لبيع الخبز لثلاث كوات مكتظة بالمواطنين أما السبب الثاني فمشكلة المعتمدين الحاصلين على موافقات لبيع الخبز ومنحهم الأولوية في الحصول على المادة، الأمر الذي وثقته «تشرين» في مخبز التموين الاحتياطي الملاصق تماماً لمبنى مديرية التجارة الداخلية حيث توقف البيع للمواطنين لأكثر من نصف ساعة لتأمين الخبز لأحد المعتمدين (على ذمة المخبز) الأمر الذي أدى لازدحام كبير على كوات البيع في ظل سؤال ردده أغلبية الموجودين في المخبز (أين يذهب المعتمدون بالخبز في مدينة طرطوس)؟
إلا أن الدليل على أن أزمة الخبز مفتعلة في مدينة طرطوس ما شاهدته «تشرين» في أحد المخابز الخاصة القريب من مؤسسة المياه فالازدحام شبه معدوم وربطات الخبز مكدسة على الرصيف بالعشرات تتجهز لتفريغها في السيارات.
لا مانع
لا مانع لدينا من تطبيق البطاقة الذكية التي يمكن أن تساعد في ضبط تهريب الدقيق، هذا ما قاله يحيى عبد الرحمن مدير فرع المخابز بطرطوس، مضيفاً: إن كميات الخبز العلفي المنتجة في الأفران العامة غير ثابتة لارتباط ذلك بظروف العمل ونوعية الدقيق وانقطاع الكهرباء، مشيراً إلى أنه يسمح بحسب تعليمات التصفية العلفي نسبة 5 بالألف فقط من إجمالي الإنتاج والقانون يسمح ببيعه عن طريق عروض أسعار أو مزايدة لأن تراكمه في المخبز قد يحوله إلى بؤرة للحشرات والجرذان. وفي رده عن استفسارات «تشرين» المتعلقة بادعاء بعض الأفران وجود أعطال وامتناعها عن بيع الخبز للمواطنين، والآلية المعتمدة من قبل الفرع للتحقق من صحة هذه الادعاءات قال عبد الرحمن: في حال تعطل أحد المخابز الآلية أو العاملة بالإشراف (احتياطي) يتم إبلاغ الإدارة فترسل عناصر من الدائرة الفنية لتقصي الأمر ومعالجته وعدم تصرف الفرن بالمخصصات، مؤكداً أنه لم يحصل أن تعطل فرن من دون إبلاغ الإدارة، وفي حال حصل ذلك يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخبز المعني بالأمر.
حديث مدير فرع المخابز بطرطوس حول موضوع الخبز العلفي غلب عليه طابع العمومية من دون التطرق إلى الأرقام التي استفسرت عنها «تشرين» وتحديداً المتعلقة بكميات الخبز العلفي المنتجة في الأفران العامة منذ بداية العام الحالي، خصوصاً أن الاستفسار جاء بعد ضبط كميات كبيرة من الخبز العلفي من قبل مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بطرطوس خلال الآونة الأخيرة من دون معرفة مصدر هذا الخبز والملابسات المتعلقة بالموضوع والإجراءات المتخذة بحق الأفران التي يثبت تورطها بالقضية، والتي حرصت «تشرين» على استيضاحها من قبل مديرية التجارة الداخلية لكن من دون جدوى.
تشرين