معاناة وأعباء عديدة مدينة جرمانا.. كثافة سكانية كبيرة.. ومشكلات متفاقمة.. ونقص حاد في عمال النظافة!

معاناة وأعباء عديدة مدينة جرمانا.. كثافة سكانية كبيرة.. ومشكلات متفاقمة.. ونقص حاد في عمال النظافة!

أخبار سورية

الخميس، ١٦ أغسطس ٢٠١٨

تشكّل مدينة جرمانا مثالاً وأنموذجاً حقيقياً عن سورية المصغرة بكل أطيافها وثقافاتها، التجأ إليها مئات الآلاف من السوريين من كل المدن والقرى السورية بعد أن استباحت المجموعات الإرهابية مناطقهم، حيث وجدوا فيها أمانهم واستقرارهم، ويشهد للمدينة وأهلها استقبالهم الآلاف من العراقيين واللبنانيين في السنوات السابقة، ما جعل المدينة تتحمّل عبئاً كبيراً، ومعاناة من كثافة سكانية فاقت حدود طاقتها، وبالتالي معاناة سكانها المستمرة من نقص حاد في كثير من الخدمات كالماء، والنظافة العامة، ومشكلة الازدحام الخانق، وغيرها من المشكلات التي كانت نتيجة طبيعية لوجود مئات الآلاف من السكان في رقعة جغرافية ضيقة.
 
اكتظاظ وكثافة
عدد سكان جرمانا، وفق ما هو مسجل في القيود المدنية، يتراوح بين 25و28 ألف نسمة فقط، في حين أن عدد سكانها اليوم أصبح يفوق المليون ونصف المليون، إضافة إلى استقبالها في الآونة الأخيرة لـ 60 ألف شخص قدموا من درعا، ما زاد في الضغط على المدينة، وخاصة فيما يتعلق بملف النظافة الذي تحول إلى كارثة حقيقية كانت البلدية والجهات المعنية مسيطرة عليها إلى حد كبير، وتدير هذه الكارثة من دون أن تشعر المواطن بوجودها إلى أن خرجت عن السيطرة مؤخراً، وعلى الرغم من أن كل القرى والمناطق المحيطة بالمدينة قد تحررت، إلا أن عدداً كبيراً من الأهالي لم يرجع وبقي في جرمانا، لذلك بقي الضغط فيها، لا بل زاد في كثير من الأحياء.
 
الأسباب الفعلية
الأستاذ خلدون عفوف، رئيس بلدية مدينة جرمانا، تحدث مطولاً عن المعاناة، والأعباء الكبيرة التي تتحمّلها المدينة نتيجة الضغط السكاني الكبير فيها، وخاصة فيما يخص ملف النظافة العامة للمدينة، والمنظر العام لها، موضحاً أنه وفي شهر واحد فقط نزل عدد العاملين بقطاع النظافة من 140 عاملاً إلى 26 عاملاً فقط بعد أن تم سحبهم إلى الغوطة، وهنا لم يعد لدينا عمال لتغطية الضواغط الموجودة، خاصة أن العدد بالأساس قليل على مدينة كمدينة جرمانا تعادل بمجموع سكانها محافظة، وبالتالي تقوم بتقديم خدمات مثل تلك التي تقدمها المحافظات، وليس المدن الصغيرة، مضيفاً: اليوم يوجد مثلاً ضاغطتان متوقفتان عن العمل لعدم توفر العمال والسائقين، ما أدى إلى عدم تخديم الأحياء التي كانت هاتان الضاغطتان تخدمهما، ما جعل المشكلة جلية وواضحة، وهنا اضطررنا إلى أن نقوم بإرسال الضاغطة التي تقوم بترحيل النفايات في حي البلدية القديم على سبيل المثال ليوم في الحي المذكور، وليوم آخر في حي ثان، مع العلم أنه يلزمنا في كثير من الأيام ترحيل النفايات عن أحياء كثيرة أكثر من مرة في يوم واحد، فكمية القمامة التي يتم ترحيلها يومياً من المدينة وبشكل وسطي 1100 طن، كما أن المشكلة الحقيقية تكمن في النقص الكبير للعمال، لأن كل الإمكانيات الموجودة إذا لم يكن هناك عنصر بشري على رأسها فهي لن تحقق النتيجة والهدف المرجوين، ولذلك عملت البلدية على استئجار المعدات والعمال من القطاع الخاص، ما أدى إلى التخفيف من حدة المشكلة بشكل نسبي ومحدود مؤقتاً، ولكن هذا لا يحل المشكلة المتفاقمة التي تحتاج إلى حل جذري.
 
حلول استراتيجية
عفوف أوضح بأن مشكلة النفايات في المدينة متعددة الأوجه، لذلك يتطلب حلها توفير كل الظروف الموائمة لحل كل الصعوبات التي تقف عائقاً في طريق حلها، ومن ضمن الحلول المقترحة التي تمت مناقشتها مع محافظة ريف دمشق أولاً بناء محطة تبعد كيلومتراً واحداً فقط عن المدينة، لأن المحطة الحالية تبعد حوالي 35 كيلومتراً، والسيارات قديمة، وبالنسبة للحل الثاني فهو إدخال القطاع الخاص، وبالفعل تم تجهيز دراسة وأرسلت للمحافظة، لأن القطاع الخاص بإمكانه أن يوظف عمالاً برواتب جيدة، لأننا في البلدية عندما أعلنا عن مسابقة لعمال فئة خامسة، وبعقد ثلاثة أشهر، لم يتقدم إليها أحد بسبب الراتب القليل، وعدم إمكانية تجديد العقد، وهنا يجب أن نعترف فيما يخص عمال التنظيفات من الذين تهضم حقوقهم، على الرغم من أننا جميعاً لا نستطيع الاستغناء عنهم، بأن علينا إعادة النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع هذه الفئة المهمة من المجتمع.
 
النظافة مسؤولية الجميع
علينا أن نعترف بأن المجتمع المحلي في أية منطقة تقع عليه مسؤولية كبيرة أيضاً عن نظافة منطقته، ونحن لدينا ضعف بمفهوم الثقافة الشعبية فيما يخص المحافظة على نظافة الأماكن العامة، فالجملة المعتادة التي يرددها معظم من يرمي الأوساخ أو القمامة، سواء في الشارع، أو حتى من شرفات المنزل، “هي وقفت عليي”، وهذا المفهوم الخاطئ والعادات السيئة للأسف نقلناه لأطفالنا، لأن الطفل يقلّد أهله بطبيعة الحال!.
الكثير من أهالي مدينة جرمانا يضعون اللوم على البلديات المتعاقبة ويحمّلونها المسؤولية، السيدة جانيت كيوان من سكان المدينة تقول: هناك استهتار بالتعاطي مع مشكلة النفايات من قبل البلديات المتعاقبة، لأننا مع الأسف لم نلمس حتى الآن دراسة جدية للإنقاذ من هذه المشكلة التي يجب أن تكون من ضمن قائمة الأولويات، لأنها تتعلق بصحة وحياة سكان المدينة، لما قد تحمله من أمراض وأوبئة على الجميع، أما الدكتورة مها محمد التي قارب على وجودها في المدينة حوالي عشر سنوات فتقول: مدينة جرمانا قاومت الإرهاب، وتحمّلت فوق قدرة أية مدينة أو حتى محافظة، والمشكلة هنا لا تخص عمل البلدية، بل تتعلق بعدد لابأس به من القاطنين فيها الذين يرمون قمامتهم من الشرفات، أو يضعونها أمام مداخل الأبنية، وبجانب الحاويات حتى لو كانت فارغة، بينما ذهب أحد أصحاب المحلات التجارية إلى أبعد من هذا، وتحدث عن أن المدينة تحتوي على أكثر من ستمئة معمل ومشغل للخياطة، وهو شخصياً يتشاجر بشكل شبه يومي مع أحد أصحاب هذه المشاغل الذي يقوم برمي قمامته بشكل عشوائي من دون أي إحساس بالمسؤولية!.
 
تفعيل القوانين المتعلقة بالنظافة
ربما تفعيل القوانين المتعلقة بفرض غرامات على المخالفين في كل المناطق السورية هو الحل الأجدى، فالجميع هنا يجب أن يتحمّلوا المسؤولية، فنظافة أي بلد تعكس الثقافة والرقي لأهله، وتعطي انطباعاً جيداً عن مدى حرص سكانه على أن يكون دائماً بالمظهر اللائق، والتعاون مع عمال التنظيفات يشكّل رديفاً بأن يكون الحي الذي نسكن به، والمنطقة، والمدينة دائماً نظيفة وجيدة المظهر، وضرورة تعليم أطفالنا وتربيتهم على عدم رمي الأوساخ في الطرقات العامة، أو المدارس، وتنشئتهم على عادات صحية سليمة، لأن نظافة الشارع من نظافة بيوتنا، وتعكس ثقافتنا وتربيتنا.
وفي النهاية، إن تعاطي البعض باستهتار مع ملف النظافة يعكس الجهل بأهميته، لأننا هنا نتحدث عن ملف يمس صحة الإنسان، وصحة أطفاله بشكل مباشر، ويعكس المظهر الحضاري لبلدنا، لذلك يجب أن يكون لدينا الوعي والحرص الكبير على هذا الملف، وألا نغفل أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع من دون استثناء، وهناك بلدات وقرى أقل اكتظاظاً من مدينة جرمانا، ومع ذلك تعاني من قلة النظافة، ما يؤكد أن جزءاً من المشكلة متعلق ببعض مفاهيمنا الخاطئة، وعاداتنا اليومية المتبعة!.