هكذا أنهى الرئيس الأسد المشروع الأمريكي في سورية

هكذا أنهى الرئيس الأسد المشروع الأمريكي في سورية

أخبار سورية

الثلاثاء، ٧ أغسطس ٢٠١٨

عمر معربوني
عندما نكون أمام مواجهة عسكرية طويلة كالتي حصلت في سوريا، من المهم أن نعرّف هذه الحرب ونعرّف أدوات الصراع فيها لنكون خلال مرحلة خوض الصراع قادرين على مُقاربة المشهد الكلّي ومُتفرّعاته التي لا عدّ لها ولا حَصْر.
وإن كانت المساحة هنا لا تكفي للخوض في تعريف طبيعة الصراع وأدواته، لذلك أكتفي بالإشارة إلى الميل بإطلاق مُسمّى “الحرب اللانمطية” التي حصلت على مسرح العمليات وإطلاق مُسمّى “الجيوش البديلة” على الجماعات التي خاضت الحرب بمواجهة مؤسّسات الدولة السورية وعلى رأسها الجيش والقوات المسلّحة، حيث كان الاستهداف الأساسي هو ضرب وتفكيك القوات المسلّحة للدولة السورية كتوطئةٍ لتفتيت سوريا وإنهائها كدولةٍ في صيغتها الحالية منذ ما بعد الانتداب الفرنسي.
في الأساس هي الحرب على سوريا وليست الحرب في سوريا وقد يسأل البعض عن الفرق بين المُصطلحين، وهو في الحقيقة فارق كبير تترتّب عليه نتائج إنهاء مفاعيل الحرب والمباشرة بالولوج في مرحلة ما بعد انتهائها، ولأن قرار إطلاق الحرب على سوريا كان مُرتبطاً بنظرية إعادة تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” وليس منفصلاً عنها، نرى الآن القائد والراعي الأساسي للجماعات الإرهابية وأعني به أميركا ينخرط في مباحثات مع روسيا فرضتها المُتغيّرات الجذرية للصراع، حيث تنتصر سوريا ومعها كل محور محاربة الإرهاب على المشروع المُعادي.
وفي حين إننا نشهد صعوداً كبيراً في الخط البياني لمحور مُحاربة الإرهاب، نشهد هبوطاً مُتسارِعاً في الخط البياني لمحور الهجمة على سوريا والمنطقة وتغييراً غير مسبوق في ميزان القوى المرتبط ليس فقط بتحقيق الهزيمة بالجماعات الإرهابية بل بما يتعلّق بالصراع مع الكيان الصهيوني.
عسكرياً: شكّل انتصار حلب النقلة الاستراتيجية الكبرى في مضمون الصراع وما نتج منه من مُتغيّرات جيوسياسية هامّة بدأت مع جذب تركيا بنتيجة هزيمة جماعاتها في حلب إلى “أستانة 1″ الذي كان له مفاعيل كبرى أهمها حصر مساحة الاشتباك، وهو ما أتاح للجيش السوري والحلفاء حَسْم سلسلة معارك كبرى في اتجاهات البادية المختلفة وصولاً حتى البوكمال، مروراً بفكّ الحصار عن دير الزور والدخول في مرحلة تطويع الجغرافيا اعتمد فيها الجيش السوري على خوض حرب لا نمطية بمواجهة الجماعات الإرهابية.
ويبقى أن التحوّل الأكثر أهمية رغم عدم تفعيله في المرحلة الحالية هو ربط الحدود السورية – العراقية، فعملية الربط هي الآن محور المُباحثات الروسية – الإسرائيلية والروسية – الأميركية حيث تحاول كل من أميركا و(اسرائيل) الخروج بتثبيت قواعد اشتباك لمصلحتهما، وهو أمر مخالف لأبسط قوانين الصراع، لهذا نرى تراجع الأميركيين والصهاينة المستمر ومحاولة الروس إيجاد مخارج تثبيت مرحلة طويلة من عدم حصول مواجهة تراها روسيا ومعها الدولة السورية والحلفاء ضرورية لتخطي مرحلة الانتقال من انتهاء الحرب والدخول في مرحلة إعادة البناء، مع استمرار الاستعداد للمواجهة الشاملة الحتمية، في حين أن المسؤولين الإسرائيليين يعيشون مأزق الرغبة في خوض المواجهة والخشية منها في آنٍ معاً.
في ظلّ هذه المُتغيّرات وبعد تقلّص التأثير السعودي والقطري بنتيجة حسم الجيش السوري لمعارك الغوطة الشرقية، وإلحاق الهزيمة بـ ” جيش الإسلام” وهو المدعوم سعودياً، وكذلك الجماعات الأخرى في الجنوب المدعومة سعودياً أيضاً تبقى تركيا هي اللاعب الأقوى من أطراف الهجمة على سوريا، حيث تمتلك ورقة الجماعات الإرهابية في محافظة إدلب وأجزاء من الريف الشمالي الشرقي للاذقية وأجزاء من الريف الغربي والغربي الجنوبي لحلب، إضافة إلى سيطرة تركيا عبر “قوات درع الفرات” على عفرين وأجزاء من الريفين الشمالي والشمالي الشرقي لحلب.
وفي حين أنّ الأميركيين فقدوا القدرة الاستراتيجية للتأثير في الميدان السوري وفي ظل نجاح المباحثات بين ممثلين عن الكرد قدموا إلى دمشق مع المسؤولين السوريين، وهي مباحثات أسفرت عن نتائج إيجابية تجري ترجمتها بإجراءات تُعيد للدولة السورية سيادتها على مناطق سيطرة الكرد، وتحفظ لهم حقوقهم على ما يبدو ضمن صيغة اللامركزية الإدارية والتي من الممكن أن تشمل كل المحافظات السورية كحلٍ يحفظ مركزية الدولة في السياستين الدفاعية والخارجية، ويمنح المحافظات سلطات أوسع في البُعد الإداري الإنمائي.
وأما وقد انتهت معركة الجنوب السوري رغم التعقيدات الإقليمية والدولية التي واكبتها، ولأن المنطقة الشمالية الشرقية تحت سيطرة الكرد ستعود للدولة السورية ضمن اتفاقات واضحة، يبقى أن نشير إلى أننا بعد حسم معركة الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي قلنا إن مرحلة المعارك الصعبة قد ذهبت إلى غير رجعة، حيث كانت المُعطيات تشير إلى ذلك بسبب تراجع التأثير السعودي والأميركي، وتنامي قوّة الجيش السوري وتشكُّل الاحتياطي الاستراتيجي في العديد والوسائط القتالية ما سهّل العمليات العسكرية المتوازية مع عمليات التسوية والمُصالحة، وهو النموذج الذي سنشاهده في معركة الشمال الغربي حيث يفرض بيان “أستانة 10” على تركيا كطرفٍ ضامنٍ للمشاركة الفاعلة في إنهاء وضع الجماعات الإرهابية هناك سواء عبر دفعهم للتسوية أو عبر المشاركة في ضربهم عسكرياً.
يُعوّل الجانب الروسي على الجانب التركي الكثير في دفع الأمور نحو التسوية والمُصالحة، وهو ما تبدّى من خلال الكلام الروسي الإيجابي عن دور تركيا.
وفي حال لم تلتزم تركيا مضمون بيان “أستانة 10” فالمؤكّد أن الجيش السوري سيُنجز عملية تحرير الشمال الغربي بأكمله، حيث بدأ بحشد قوات كبيرة على جبهات ريف اللاذقية وريف حماه الشمالي والشمالي الشرقي وفي ريف حلب الجنوبي، عِلماً بأن المعلومات تشير إلى حصول ضغوط شعبية على الجماعات الإرهابية على غرار ما حصل في الجنوب السوري، مضافاً إليها فتح ممرّات آمنة بإشراف روسي وترتيبات لإدارات الدولة السورية المختلفة، وهو السيناريو نفسه يتكرّر من تحرير حلب حتى تحرير الجنوب السوري.
انطلاقاً من مُعطيات الميدان فإن المعركة العسكرية في الشمال الغربي ستكون على شاكِلة ما حصل في الجنوب، وسيرى الجانب التركي من مصلحته المشاركة إيجاباً في ترتيبات المرحلة القادمة سواء عسكرياً أو سياسياً، وحينها سنكون أمام مقدّمات إعلان الدولة السورية للنصر في بُعده العسكري، والانتقال إلى مرحلة المُعالجات الأمنية للبؤر والخلايا النائمة، وكذلك لمستودعات الأسلحة والذخائر المُخبّأة بمُوازاة البدء بعملية سياسية نشطة تنتقل بسوريا من حالة الحرب إلى مرحلة إعادة البناء.
الميادين