في مشروع التعافي الصناعة السورية.. خطوات مترنحة وتشويش في التوجه.. والأولويات تصطدم بالتحديات

في مشروع التعافي الصناعة السورية.. خطوات مترنحة وتشويش في التوجه.. والأولويات تصطدم بالتحديات

أخبار سورية

الأربعاء، ٤ يوليو ٢٠١٨

آمال كبيرة تعلّق اليوم على نهضة الصناعة السورية وانطلاقتها مجدداً، فانفراج الأفق المعيشي عند المواطن وتحسن واقعه الاقتصادي مرتبط إلى حد وثيق بانتعاش هذا القطاع، وعودة دوران عجلات الإنتاج لمختلف تفرعاته، والمؤكد أن الملامح الأولى للتعافي الاقتصادي بدأت فعلاً من خلال نهوض وعودة الكثير من الصناعات الغذائية وغيرها للساحة الصناعية مجدداً، وخاصة في محيط العاصمة التي شهدت استقراراً أمنياً كبيراً في السنة الحالية بفعل الانتصارات المتتالية للدولة السورية، وترجمة هذا الواقع من خلال فعاليات كثيرة للصناعيين السوريين، والمشاركات في مهرجانات مختلفة محلياً ودولياً تحمل شعار صنع في سورية، ولكن هل بالصناعات الغذائية وحدها وبعض الصناعات الأخرى المكملة نحقق القفزة النوعية التي نرجوها في هذا القطاع؟! وما هو واقع الصناعات الأخرى، والنظرة التي تحدد مسار التوجه الصناعي، خاصة في ظل توجه حكومي لدعم الصناعيين السوريين، والعمل الجدي على إعادة واستقطاب رؤوس الأموال للمستثمرين ورجال الأعمال السوريين بالدرجة الأولى من الدول المجاورة التي خرجت في وقت سابق نتيجة ظروف الأزمة؟!.
 
أولويات صناعية
يبدو أن تحديد الأولويات الصناعية على أسس واضحة سيكون له دور كبير في وضع المسار الصناعي على الطريق المطلوب مستقبلاً، شريطة أن يواكب هذه الأولويات على الأرض تحرك سريع، وخرائط واضحة للمطلوب إنجازه في المرحلة المقبلة، خاصة في الوزارات المعنية، حيث تؤكد وزارة الصناعة على لسان معاون وزيرها الدكتور نضال فلوح بأن أولويات وزارة الصناعة خلال المرحلة المقبلة ستتضمن إعادة تأهيل كافة الشركات والمعامل المدمرة نتيجة الأعمال الإرهابية، حسب أهميتها، ونسبة الضرر والدمار، يقول د. فلوح: نحن كوزارة صناعة بدأنا بإعادة تأهيل الشركات والمصانع التي تضررت بشكل جزئي، أما الشركات التي دمرت بالكامل فتم تأجيل العمل بها لمرحلة مقبلة، على سبيل المثال بدأنا العمل في شركة كابلات حلب، وتم تأهيل آلاتها لأهمية الشركة في إعادة الإعمار، ونحن كذلك بصدد إعادة تأهيل خط كامل هو خط كابلات توتر المتوسط، ويتوقع أن ينتهي تأهيله بنهاية العام، أما الشركات المدمرة بشكل كامل مثل الموجودة في المليحة كالأهلية للمطاط، وتاميكو، فهذه شركات مدمرة كلياً، وتحتاج لأموال كبيرة، فتم التريث بموضوعها حالياً، وتم إيجاد أمكنة بديلة لبعضها بشكل مؤقت مثل شركة تاميكو لأهميتها، وما تقدمه من احتياجات دوائية، وركزنا بالوزارة على إقامة المشاريع التي تتوفر موادها الأولية مثل الصناعات الزراعية، ومن الأمور التي نعمل عليها اليوم مع الأصدقاء والدول الحليفة، مشروع إنتاج البازلت، فالمعروف أن سورية فيها كميات وافية من هذه المادة، وينتج منها الكثير من الصناعات كالألبسة المضادة للحريق، وأنابيب النفط، وهذه مشاريع حيوية ومهمة جداً.
 
تناغم مطلوب
والمؤكد أن التنسيق بين الوزارات المعنية سيكون مطلوباً بدرجة عالية، ويجب أن يكون على أسس واضحة، وخاصة عندما يكون الحديث عن الصناعات الغذائية، وهو ما أكده د. فلوح حين أوضح بأن هناك اهتماماً بالمشروعات الغذائية، وهو ما أكدت عليه رئاسة مجلس الوزراء في خططها بالتوجيه نحو هذه الصناعات كالأجبان والألبان، والكونسروة، وما بدأ فعلاً في محافظة حماة، فبمساعدة وزارة الزراعة تم تخصيص الوزارة بأرض لإنشاء معمل كونسروة سننطلق فيه بالقريب العاجل، وبالنسبة لموضوع الأجبان والألبان نبحث عن أرض مناسبة لإقامته، والمطلوب فعلياً تحقيق التناغم بين وزارة الصناعة والزراعة، والتنسيق الدائم لتوليد صناعات هامة وحيوية ضمن الإمكانيات المتوفرة التي تخدم مرحلة إعادة الإعمار، وعن التعاون مع جهات القطاع الخاص قال فلوح بأنه يتم عرض الفرص الاستثمارية على جميع المستثمرين للاستثمار الخاص، أو للمشاركة، ونأمل أن تكون السنة القادمة سنة انطلاقة كبيرة للوزارة في الأمور الأساسية والهامة، والقيام بمشاريع استراتيجية أيضاً، ومن المشاريع الأخرى التي تحدث معاون الوزير عن ضرورة استكمالها وإنجازها مشاريع استراتيجية كتأهيل شركة قضبان حماة لأهميتها في المرحلة المقبلة، والتركيز على مادة الاسمنت، وإقامة معامل جديدة غير الموجودة في طرطوس، والرستن، وعدرا، والفكرة المطلوبة إقامة معامل بطاقات إنتاجية عالية تؤمن حاجة القطر.
 
صناعات محرضة
القيمة المضافة مطلوبة في أية صناعة سورية قادمة في المرحلة المقبلة، لذلك يجب التفكير بهذا النوع من الصناعات التي تؤمن العمالة، وتعطي القوة للاقتصاد، بهذا العنوان يكمل د. فلوح موضحاً الإشكالية التي تم الحديث عنها مؤخراً بكثرة بخصوص موضوع تجميع السيارات فيقول: في السابق كان استيراد السيارات متاحاً، ولكن نتيجة الظروف تم إيقاف هذا الموضوع، لذا لجأت الكثير من الشركات لاستيراد مكونات السيارات، اعتماداً على مبدأ شركات الصالة الواحدة التي تجمع القطع، بعكس الشركة الوحيدة الموجودة في سورية سيامكو التي لديها ثلاث صالات: “دهان ولحام وصالة تجميع نهائي”، فأصبحت تأتي السيارات شبه مجمعة، وهذا الموضوع هو في الواقع التفاف على القانون إلى أن صدرت التعليمات التي توضح كيفية استيراد هذه المكونات خلال أربع سنوات، فالهيكل يجب أن يكون عارياً تماماً، ثم تجمع القطع عليه، لنصل لاحقاً إلى صيغ أكثر تطوراً من التجميع أو حتى الصناعة، فالسماح لهذه الصناعة “التجميع” كان من باب التحريض لتشجيع الصناعيين على صناعة مكونات السيارات “كالتابلو”، أو “الأضوية”، أو القطع الأخرى، ولكن هذا الأمر يتطلب كماً كبيراً من المبيع لتحقيق جدوى اقتصادية، ويختم د. فلوح: بالنسبة للصناعات الحرفية تم الاجتماع مع الحرفيين أكثر من مرة ومع شيوخ الكار، والوزارة تشجع الكثير من الصناعات اليدوية المشهورة في سورية لمنع هذه الحرف من الاندثار، ونأمل أن تكون الأمور في المستقبل أكثر انطلاقة لهذه الصناعة.
 
مطالب صناعية
في المقابل تبدو الأهمية ملحة للتعاون مع الصناعيين السوريين، وجعلهم شركاء فعليين في صناعة القرار الاقتصادي السوري، حيث يؤكد الصناعي السوري عصام زمريق أهمية الجلوس مع الصناعيين، والاستماع لهم، وتطبيق قانون التشاركية بشكل جدي وفعلي، وليس نظرياً فقط، ويقول: بالنسبة إلينا كصناعيين لدينا الكثير من المطالب لتحقيق القفزة النوعية في الصناعة مستقبلاً، كتأمين مصادر التمويل، وتذليل العقبات، وتأمين البنية التحتية، والتصدير والترويج، وهذا بمجمله يسهم في إعادة إحياء الصناعة وإنعاشها مجدداً، والأهم من هذا وذاك ترغيب رؤوس الأموال التي غادرت القطر بالعودة، وذلك من خلال الوضوح في السياسة النقدية، ورفع أسعار الفائدة، فإعادة الأموال تنعش الصناعة، والمعروف أن الدول المجاورة استفادت كثيراً من الأموال السورية التي خرجت، وبالنسبة لموضوع التشاركية الأهم من القانون هو تطبيق مبدأ إرادة التغيير وإدارة التغيير، فيجب أن تكون جميع القرارات والقوانين التي تصدر لإعادة بناء الصناعة استثنائية بناء على مؤتمر يجمع الصناعيين، ويبحث بطرق الحلول، فأهل مكة أدرى بشعابها، وتقديم الحلول من وراء الطاولات ليس بحل، بل يجب وضع الحلول من الصناعيين أنفسهم بالتشارك والتعاون مع من يضع القرار، فالحكومة ليست طبيباً لتعالج كل مشكلة وتحلها، وختم زمريق: من الأمور التي ينبغي التأكيد عليها خلق تسهيلات ائتمانية، وألا تكون هناك قيود على المواد الأولية الداخلة في العمليات الصناعية، فاليوم على سبيل المثال عندما نطلب مادة أولية معينة نحتاج للكثير من الموافقات الروتينية التي تعرقل عمل الصناعي، كالبيئة وغيرها، وهناك أمور روتينية وإدارية ينبغي تجاوزها في المرحلة الحالية إن كنا نبحث عن نهضة صناعية.
 
وضوح رؤية
من جهة أخرى تؤكد غرفة الصناعة السورية على لسان الصناعي طلال قلعجي، عضو غرفة صناعة دمشق، أن الصناعة السورية عملت وتعمل ضمن تحديات كبيرة، وهو ما يتطلب في المستقبل رؤية محددة وواضحة، يتم وضع الصناعيين في إطارها وآليات عملها بالنسبة لشكل الانفتاح، والمسار الاقتصادي الذي سنسير عليه، خاصة بعد النجاح في التصدي لكل الدول التي حاربتنا، والتي عملت على تدمير البنية التحتية والصناعية، ودور الصناعي السوري الذي تكامل مع الحكومة، في المقابل تحدث قلعجي عن التسهيلات التي تقدمها الحكومة للصناعيين، وقال بأنه لا يمكن أن نصنفها ضمن إطار أو توجه محدد، فالحكومة مهتمة بدعم المشاريع المختلفة، سواء الكبيرة منها، أو المتوسطة، أو متناهية الصغر، مع إعطاء الاهتمام للمشاريع متناهية الصغر، فالورشات الصغيرة هي أسس ثابتة لخلق فرص للعمل، بالإضافة للمصانع الكبيرة، وهو ما يؤدي لفتح آفاق كبيرة للصناعة السورية، خاصة بعد بدء التعافي الاقتصادي، فالصناعة السورية تعافت بشكل ملحوظ في العامين الأخيرين، 2016 بدأت العودة، و2017 شهدت تحسناً إضافياً، واليوم في الـ 2018 تعطي وتنتج، وتم فتح أسواق جديدة، وبالنسبة للإحصائيات كان هناك تصدير لحدود 80 دولة، وفي مطلع السنة الحالية نحن نقوم بالتصدير لأكثر من 100 دولة، وخاصة بالنسبة لقطاعي الصناعات الغذائية، والنسيجية التي تأخذ أولوية التصدير بالنسبة لسورية، وكانت أكثر القطاعات التي شهدت انتعاشاً، وهناك معامل كثيرة غذائية افتتحت هذا العام، ونستطيع القول بأن منتجاتها تغطي حاجة السوق بشكل شبه كامل محلياً، وهذا الأمر له بوادر إيجابية، أهمها أن المستهلك السوري أصبح يثق بالمنتج السوري، والصناعة التي نعتقد أنها تنافس محلياً وعالمياً.
 
كلف عالية
عضو غرفة صناعة دمشق تحدث عن أن الكثير من القطاعات الصناعية بحاجة إلى عمل وجهود مضنية لإعادة النهوض بها مجدداً، فالقطاع الهندسي مثلاً بحاجة للكثير من العمل والتأهيل والدعم، فمعظم معامله خرجت عن الخدمة وتهدمت، ومعامل هذا النوع من القطاعات يحتاج للكثير من المتطلبات، والمواد الأولية المتعلقة بإعادة إحيائها، وهي ذات كلفة عالية جداً، وبحاجة إلى الكثير من الدعم لتنهض الصناعة الهندسية كما كانت قبل الأزمة، في حين أن القطاع الكيميائي عاد للازدهار، ويمكن أن نتحدث عن أكثر من 30 معملاً عادت للإنتاج خلال السنة الأخيرة، تغطي اليوم حاجة القطر، وهناك تصدير للخارج أيضاً، وهو أمر له بوادر طيبة أيضاً، ومن ناحية أخرى فالاجتماعات التي تجري بين غرف الصناعة والجهات المعنية في الحكومة تساهم بشكل كبير في تذليل العقبات التي تعترض عمل الصناعي، وإعادة تأهيل منشآتهم المتضررة، حيث كانت هناك زيارة مؤخراً لمعامل منطقة القابون، وبحث طرق وإمكانية إعادة تأهيلها، وخاصة أنها كانت تحتوي معامل نسيجية مميزة مثل التريكو في منطقة الزبلطاني، وهذه كلها ستعود للعمل بأقرب الفرص الممكنة.
 
قوانين مواكبة
قلعجي أكد أنه من الضروري أيضاً أن تكون في المرحلة المقبلة قوانين خاصة تساعد قدر الإمكان على عودة الصناعيين السوريين، وتمكينهم مجدداً، وقال: هناك كتب نوجهها بشكل دائم ومتواصل من غرفة الصناعة، وكذلك من قبل الحكومة بالنسبة للصناعيين المتواجدين خارج القطر لمن يرغب بإعادة مكناته خاصة من خلال الفرصة التي منحها السيد الرئيس بتقديم سنة كاملة لتخريج المكنات الجديدة والمستعملة دون جمرك، وهذا تشجيع كبير للصناعي السوري للعودة، وإعادة إحياء المعامل دون أية صعوبة، وخاصة للصناعيين الذين فتحوا معامل خارجية في الدول المجاورة، وبعض الصناعيين تركوا معاملهم في تلك الدول، وعملوا على بناء معامل جديدة، وختم عضو غرفة الصناعة بالقول: من المهم أيضاً العمل على موضوع التشاركية الذي طرح منذ أكثر من عامين، فاليوم نجد أن أي نشاط تعتزم الحكومة القيام به يتم التعاون فيه معنا، فنعمل كيد واحدة، فالمطلوب أن نكون متعاونين ليس كصناعيين وحكومة فقط، بل كمجتمع بأكمله، وهنا أيضاً يجب الحديث عن دور الصحافة والإعلام الذي كان له تأثير إيجابي كبير من خلال الحديث عن هموم الصناعيين، وطرح قضاياهم.
 
نظرة مختلفة
في الجانب الأكاديمي يتحدث الخبير الاقتصادي والمدرّس في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور زكوان قريط عن حاجة ماسة لسياسة اقتصادية واضحة المعالم تنتهجها سورية في المرحلة المقبلة، وفترة إعادة الإعمار تترافق مع قوانين وتشريعات ملائمة، فبعد تشخيص المشكلة، واستعراض الواقع الصناعي في سورية، وتحديد نقاط القوة والضعف فيه على أرض الواقع، نجد أن العديد من المشاريع لا يمكن تطبيقها إن لم ترافقها قوانين وسياسة اقتصادية واضحة تربط كل هذه الأمور، خاصة أن السياسة الاقتصادية الحالية غامضة، فلا توجّه لاقتصاد سوق اجتماعي، ولا اقتصاد لسوق حر، ولا أي نوع من الاقتصاديات، وللأسف بعد أن بدأت سورية تأخذ منحى سياسة اقتصادية محددة في بداية الـ 2000، وبدأت الاستثمارات تؤتي أكلها في نهاية الـ 2009، وبدأ الصناعي السوري بالتفكير بتطوير الصناعات البسيطة، وإدخال تقنيات حديثة، أتت الأزمة وأنهت كل ما تم البدء به، فالصناعي لا يمكن أن يفكر بصناعات أكثر تقدماً إلا حين يشعر بالاستقرار، ولا يمكن أن يبدع وهو محصور بقوانين جامدة، ومن ناحية أخرى فالتراخيص الصناعية بحاجة لإعادة دراسة، وللأسف نحن مشهورون في سورية بعملية التقليد، فمثلاً حين يفتح أحدهم محلاً أو استثماراً ما، يقوم الآخرون بتقليده، كما حدث في عام 2000 حين انتشرت ورشات الخياطة بشكل واسع في سورية نتيجة التقليد الأعمى، وهذا الأمر لم يكن ليحدث لو رافقته نظرة اقتصادية مختلفة!.
محمد محمود