«الرايات السود» نحو التفرّق: طور الضعف والانحطاط

«الرايات السود» نحو التفرّق: طور الضعف والانحطاط

أخبار سورية

الاثنين، ٣٠ أبريل ٢٠١٨

الجسد «الجهادي» في سوريا ذاهبٌ نحو مزيد من التفسّخ. صحيح أنّ «الجهاديين» ما زالوا حاضرين في المشهد لكنّ فاعليتهم قد انخفضت بصورة كبيرة. وسُجّل في خلال الشهور الأخيرة اشتغال بعض المجموعات «الجهاديّة» على تحقيق حضور «مستقلّ» لها، على رغم أنّها كانت سابقاً قد ذابت في النسيج «القاعدي»
«العقد الجهادي» في سوريا يؤذن بالانفراط. وعلى رغم أنّ «الرايات السود» ما زالت حاضرةً في كثير من الجبهات، فإنّ هذا الحضور قد فقدَ الزخم والفاعليّة بصورة غير مسبوقة. ومنذ مطلع العام الحالي دخلت «التجربة الجهاديّة الشاميّة» حقبةً جديدة تمكن تسميتها «حقبة التفرقة والانحطاط». يُعدّ هذا التحوّل تطوّراً طبيعيّاً بفعل عوامل عدّة، على رأسها الهزائم المتتالية التي مُني بها «الجهاديّون» بمختلف انتماءاتهم التنظيميّة على امتداد العام الماضي. أوضح ملامح المرحلة جنوح معظم التنظيمات نحو الافتراق التنظيمي والتخلّي عن كونها أجزاء من كيانات «تحالفيّة» كبرى. ويبدو هذا الجنوح صالحاً ليكون مقدمة لمزيد من الانكفاء «الجهادي»، لا سيّما في ظلّ استمرار أسباب الاقتتال الداخلي حاضرةً في الكواليس.
«منعطف حلب» و«فخّ إدلب»
كانت الهزيمة في «معركة الكليّات» الشهيرة (حلب، أيلول 2016) علامةً فارقةً في سجلّ التنظيمات «القاعديّة» التي دخلت مؤشّراتها العسكريّة بعدها في مسار هابط، وبتزامنٍ مع انكفاء تنظيم «داعش». وعلى رغم أنّ «القاعديين» استمرّوا في التربّع على هرم القوى العسكريّة في إدلب بعد هزيمة حلب، فإنّ الهشاشة لم تلبث أن لحقت بصفوفهم على وقع الخلافات الداخليّة. وليس المقصود هنا جولات الاقتتال المتتالية بين «جبهة النصرة» وعدد من المجموعات المسلّحة (لا سيّما «حركة أحرار الشام الإسلاميّة»)، فـ «النصرة» خرجت من تلك الجولات منتصرةً ومعزّزة قبضتها على إدلب. «مربط الفرس» كان تخلخل العلاقة بين تنظيم أبو محمد الجولاني والتنظيم الأم «القاعدة»، وهو تخلخلٌ بدأ خلف الكواليس ولم يلبث أن انتقل إلى العلن مع بثّ كلمةٍ لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري في نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2017، جاءت بمثابة «تحذير نهائي» للجولاني قبل إلقاء «الحرم الجهادي» عليه). وعلى رغم أن الظواهري كان قد دعا أنصاره و «مبايعيه» في الكلمة ذاتها إلى «التوحّد» فإنّ النتائج جاءت معاكسةً تماماً. الاتفاقات التي عقدها الجولاني مع أنقرة في شأن دخول الجيش التركي إلى «نقاط المراقبة» في إدلب لعبت دوراً مفتاحيّاً في وصول العلاقة بينه وبين الظواهري نقطة اللّاعودة، لا سيّما أن تلك الاتفاقات لم تكن أوّل سلوك يُقدم عليه الجولاني منفرداً برأيه. 
 
«حرّاس الدين» بلا فاعليّة
غياب «بديلٍ سوري قوي» يرِث الجولاني في تمثيل الظواهري داخل سوريا كان مقدّمة لانفراط عقد التنظيمات «القاعديّة» وانكفاء كلٍّ منها على نفسها. وفيما كان تيّار داخل «القاعدة» يرجّح كفة أبو ماريّا القحطاني ليكون «رجل المرحلة»، برز رأي مناقض يقول بضرورة «استخلاف مجاهد سوري». وتشير مصادر «جهاديّة» إلى أنّ التشبّث بالرأي الأخير كان ذريعةً لإزاحة القحطاني من قائمة المرشّحين على رغم أن الظواهري كان يفضّله. ولعب التيار «الأردني» دوراً بارزاً في الوصول إلى هذه النتيجة، لا سيّما أنّ هذا التيار يحظى بثقلٍ داخل التنظيم الأم، كما في «الساحة الشاميّة». أمام هذه المعطيات وقع الاختيار على «القائد العسكري» السابق لـ «النصرة» سمير حجازي (أبو همام الشّامي) ليكون على رأس تنظيم «حرّاس الدين» الذي أريد له أن يكون ممثلاً جديداً لـ «القاعدة» في سوريا.
وحتى اليوم ما زال التنظيم المذكور أشبه بـ «حبر على ورق» ولم يُظهر أي حضور عسكري فاعل نتيجةَ أسباب عدّة وعلى رأسها أنّه لم يُنشأ أصلاً بغرض الانخراط الفوري في القتال. كانت المهمّة الأساسيّة التي أنيطت بالتنظيم الوليد هي السعي إلى استقطاب أكبر قدرٍ ممكنٍ من «البيعات»، والعمل على اجتذاب شرائح من المقاتلين المنضوين تحت راية الجولاني. لم يفلح أبو همام الشامي في إحداث أي أثرٍ يُذكر داخل صفوف «النصرة»، وتردّ مصادر «جهاديّة» تحدّثت إليها «الأخبار» هذا الفشل إلى أن الشامي «لا يحظى بالكاريزما المطلوبة، ولا يصلح ليكون ندّاً للجولاني». وترى المصادر أنّ الرجل «لم يكن يحظى بثقلٍ خاصّ داخل النصرة حتى في فترة قيادته عملياتها العسكريّة، ولم يُجرّب أن ينافس الجولاني بل اكتفى بكونه ذراعاً له». ويشير أحد المصادر «الجهاديّة» إلى أنّ حجازي «ما زال حتى اليوم يرفض أن يزاحم الجولاني، بل إنّه عقد تفاهماً شفهيّاً معه ينصّ على عدم قبوله أي بيعة من أيّ مجموعة تقاتل تحت راية الجولاني في معاركه المستمرّة ضدّ جبهة تحرير سوريا». واقتصرت «البيعات» التي حصّلها «حرّاس الدين» على مجموعات صغيرة كانت في الأصل قد جمّدت نشاطها العسكري، مثل «كتيبة البتّار»، و «سرية غرباء»، و «سرايا كابل»، قبل أن يعلن أمس عن اندماجه مع تنظيم أقدم هو «أنصار التوحيد».
 
نزعاتٌ «استقلاليّة»
في خلال الشهرين الأخيرين بدأت بعض المجموعات «الجهاديّة» في العمل على تحقيق حضور «مستقلّ» لها، على رغم أنّها كانت سابقاً قد ذابت في النسيج «القاعدي» في سوريا. وأسفر الشقاق بين «النصرة» و «القاعدة» عن جنوح عدد من المجموعات نحو إعادة تجميع صفوفها في هيكليّات منفردة، مع الحفاظ على «بيعاتها» للتنظيم الأم (القاعدة)، لا سيّما أن تنظيم «حرّاس الدين» لم يُشكّل حتى الآن بديلاً تنظيميّاً جاذباً لها. ومن بين تلك المجموعات يبرز تنظيم «إمارة القوقاز الإسلاميّة لنصرة أهل الشام». وعلى رغم أن التنظيم المذكور لم يحقق حضوراً مؤثّراً منذ تشكيله (أواخر عام 2015) على يد صلاح الدين الشيشاني (قُتل في كانون الأول 2017) فإنّه بدأ أخيراً عملية «إعادة تجميع واستقطاب» تطمح إلى زيادة عديد منتسبيه. وفي موازاة ذلك أصدر التنظيم بياناً حول «الأحداث الأخيرة في المناطق المحرّرة» في إشارة إلى اقتتال «جبهة النصرة» و «جبهة تحرير سوريا». وحرص التنظيم على تعريف نفسه في مستهل البيان بأنّه «فصيل مستقلّ على أرض الشام»، وشدّد على اعتزاله «الفتنة» كما تنطّح لتقديم النصائح والتوجيهات «لعموم المجاهدين». وفي السياق نفسه سُجل نشاط مماثل داخل صفوف «مجاهدي التركستان». وأسفر انخراط مجموعات من «الحزب الإسلامي التركستاني» في الاقتتال الداخلي إلى جانب «النصرة» عن ظهور بوادر تشقّق في صفوف «الكتلة التركستانيّة». وبرزت في هذا السياق «كتيبة الغرباء التركستانيّة» التي أفلحت منذ مطلع العام الحالي في استقطاب عدد غير قليل من منتسبي «الحزب الإسلامي التركستاني» إلى صفوفها. وعلى رغم أن «كتيبة الغرباء» كانت تحافظ على «استقلال تنظيمي» منذ نشأتها في جبهات الليرمون (حلب)، فإنّها كانت تعمل بتنسيق عالٍ مع «الحزب الإسلامي» إلى حدّ أنّها صارت أشبه بجزء منه بعد انسحابها من حلب (عقب معركة الكليّات)، قبل أن يتغيّر الحال في خلال الشهور الأخيرة. وتتوقّع مصادر «جهاديّة» أن «تتكشّف الأيام تباعاً عن كثير من السلوكيّات المماثلة مما يدور في الخفاء، لنكون على موعد مع إعادة تداول أسماء كتائب وألوية كثيرة بصفتها مجموعات مستقلّة».
 
 
«حرّاس الدين» يبحث عن «أنياب»
بعد أن فشل في استقطاب «بيعات» مؤثّرة، لجأ تنظيم «حرّاس الدين» أخيراً إلى أسلوب جديد لرفد صفوفه بـ«جهاديين» من أصحاب الخبرة العسكريّة. وأصدر التنظيم أمس بياناً مقتضباً أعلن عبره عن تشكيل «حلف نصرة الإسلام» بالتشارك مع تنظيم «أنصار التوحيد». وقال البيان «من باب البرّ والتقوى نعلن عن حلف نصرة الإسلام». وبدا لافتاً أنّ البيان لم يقدّم أي إيضاح حول طبيعة «الحلف»، وهل هو تشكيل اندماجي أم تحالف موقّت. وكان الطرفان قد شنّا قبل أيام هجماتٍ موضعيّة ضد مواقع الجيش السوري في ريف حماة الشمالي يعاونهما في ذلك «جيش العزّة»، ليُسجّل «حرّاس الدين» أول نشاط عسكري له. وتفيد مصادر مطّلعة على الكواليس «الجهاديّة» بأنّ «تنظيم حرّاس الدين لا يحظى حتى الآن بوجود قوي، وتحالفه مع أنصار التوحيد يأتي لترميم هذا العجز». وتجدر الإشارة إلى أنّ «أنصار التوحيد» ليس سوى مجموعة من منتسبي تنظيم «جند الأقصى» المتطرّف السابقين ممّن اعتقلتهم «جبهة النصرة». وأُعلن عن تشكيل «أنصار التوحيد» في آذار الماضي في بلدة سرمين (ريف إدلب الشمالي الغربي).