الإعلانات.. ثقافة لم تكتمل بعد..! معلنون يخشون النفقات.. ومستهلكون بعيدون وغيرُ مكترثين!

الإعلانات.. ثقافة لم تكتمل بعد..! معلنون يخشون النفقات.. ومستهلكون بعيدون وغيرُ مكترثين!

أخبار سورية

السبت، ٣ مارس ٢٠١٨

فراس القاضي – لمى علي 
قال البريطاني ديفيد أوجيلفي, وهو من رواد المجال الإعلاني في القرن العشرين: الإعلان الجيد هو الذي يبيع المنتج من دون أن يلفت الانتباه له. ومن الأقوال المصنفة تحت بند (مؤثر) في عالم الإعلان أيضاً، ما قالته صحفيّة غربيّة: على الأغلب، يرفض أطفالي أن يأكلوا أي شيء لم يرقص في التلفزيون.
فكيف نتعامل نحن مع الإعلانات؟ وهل الإعلان – الذي يصنفه البعض رفاهية – موجود كثقافة في مجتمعاتنا التي كلما بدا أنها ستتجه إلى الرفاه أعادها أصحاب ثقافة إعلان الكوبوي والعطور الفاخرة إلى البداية.. إلى لقمة العيش؟
(تشرين) استطعت آراء مجموعة من الأشخاص حول موضوع الإعلان ومدى تأثيره في الناس ومدى الاستجابة له،
 
آراء مختلفة
قال يوسف غانم: إن الإعلانات مؤثرة، والإعلان الذكي هو الأكثر تأثيراً، ومع إن تحديد وسيلة الإعلام المناسبة يتم بحسب شريحة المستهدفين، إلا أننا من دون شك في عصر التلفزيون.. كذلك جورج أنطون أوضح أن الإعلانات تؤثر فيه، وقد تدفعه لشراء المنتج بشكل فوري، أو النفور منه، وذلك بحسب الإعلان, أما بشرى يعقوب، فرأت أن السعر الأرخص هو الجاذب الأكبر للناس، لكن – وبكل الأحوال – يجب أن يكون الإعلان جاذباً وليس مبتذلاً.
نداء صالح قالت: إن مواقع التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأفضل والأسرع للإعلان، ومثلها مرام زيدان التي أكدت أنها تتأثر بالإعلان بحسب حاجتها لما يتم الإعلان عنه، لكن التأثير الأقوى هو لمواقع التواصل الاجتماعي لأنها تسمح بطرح الأسئلة والاستعلام المباشر.
لين محمود ولويزا الحرشاوي ونور علي وخزامى العرودة ووفا حمدان، أكدن أنهن لا يتأثرن بالإعلانات، وبررت خزامى موقفها بأن الغاية من الإعلان هي الربح من دون التركيز على جودة المنتج، ومثلها لين التي خصّت الإعلانات المحلية بعدم التأثير، أما لويزا، فأوضحت أنها لا تشتري إلا وفق حاجتها ومن دون الالتفات للإعلانات، بينما أكدت وفا أنها تتقصد عدم شراء أي منتج له دعاية لعدم ثقتها بالإعلانات, وكانت عتاب جديد الوحيدة التي ربطت الموضوع بالحرب، موضحة أن الإعلان كانت له قيمة بصرية وسمعية ونفسية قبل الحرب على سورية، أما بعدها فكل الاهتمام تحوّل إلى تدبير تكاليف الحياة.
إعلاميون يتفاعلون
وكان للإعلاميين حضور لافت في الإجابة عن الاستطلاع، فقالت الإعلامية ديمة ناصيف (مديرة مكتب قناة الميادين في دمشق): إن ثقافة الإعلانات لتسويق منتج ما أو مركز أو مطعم ليست حاضرة في الحياة السورية على غرار أغلبية دول العالم، فالاعتماد الأساس في الشراء والتبضع لا يزال يعتمد على الانطباعات المتبادلة بين الناس، بمعنى مديح أحد ما لمكان ما أو لمنتج معين، حتى لو كان هذا المديح قادماً من صاحب المحل أو السوبر ماركت الذي تأتي نصيحته غالباً لتسويق المنتج وربما بالاتفاق مع الشركة المنتجة، لذلك ليس للإعلانات تأثير في المشهد السوري، ناهيك بضعف الأفكار المطروحة للإعلانات سواء في الإذاعية أو الطرقية التي قلما نرى فيها تصميماً لافتاً ومقنعاً.
تيماء إدريس (منتجة برامج في تلفزيون أبو ظبي) كانت من القلة الذين أكدوا أن الحملات والإعلانات التوعوية لها تأثير فيهم، مؤكدة أن هذه الحملات تجعلها أكثر انتباهاً لممارساتها سواء كانت صحية أو بيئية…. إلخ، لكن بشرط أن تقوم بها جهات معروفة مثل وزارات الدولة والهيئات الدولية.
أهل الاختصاص
حصلت (تشرين) على آراء بعض العاملين (حالياً وسابقاً) في المجال الإعلاني، فقال ماجد ويس إن الإعلان التجاري يلعب دوراً كبيراً في تصريف البضائع حتى لو كانت غير جيدة، فطرق الإعلان تعتمد على طرق علمية ونفسية تلامس – عادة – مشاعر المستهلك بطريقة فنية وتقنية، خاصة عندما يكون الإعلان بالتوقيت الصحيح من حيث الحاجة لهذا المنتج، وأضاف أن الإعلان بالوسائل الإلكترونية, وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي, من أنجح الطرق للإشهار والدعاية لمنتج ما، لكون الناس يتابعونها أكثر من غيرها من وسائل الإعلام الأخرى.
أما بشار خوّام، فأوضح أن المنطقي هو أن يكون الإعلان التلفزيوني هو الأقوى، لكن, بسبب نسبة المشاهدة الضعيفة جداً للقنوات المحلية، يلجأ المعلن السوري للإعلان الورقي والإذاعي والطرقي، مضيفاً أن الإعلان الطرقي هو الأكثر مشاهدة في سورية. أما عن الإعلان التوعوي، فقال: إن نجاحه ومدى تأثيره يرجع لعدة عوامل، منها فكرة الإعلان (الكونسبت) والوسيلة الإعلانية التي يطرح من خلالها، والأهم مدى وعي الفئة التي يستهدفها الإعلان، وثقته بالجهة التي تطرحه.
فادي كدو (ماجستير تسويق وإعلان) بدأ حديثه قائلاً:
أن الغاية من الإعلان ليست بيع المنتج فقط، بل هو في حد ذاته وسيلة لخلق الوعي لدى المستهلك، سواء لتبني فكرة أو شراء منتج أو خدمة.
وأضاف أن التأثير الذي يتركه الإعلان مطلوب ومقياس أساس، ومن الممكن أن يكون سلبياً (إن توقف تشغيل التلفزيون)، أو إيجابياً (تتفاعل أو تشتري)، وهذا يعود لعدة عوامل، أهمها الرسالة وطريقة إخراج الفكرة.
أما الوسيلة المسيطرة، فهي – بحسب كدو – التلفزيون، لأن مساحة الإعلان فيه تكون أكبر، ووقت تقديم الرسالة أطول.
وأضاف كدو أن الإنفاق على الإعلان يتبع لميزانية الجهة المعلنة، ولا يوجد قانون أو معادلة تحكمه، وفي سورية تصعب معرفة ما ينفق على الإعلانات لعدم وجود شركات تخصصية في هذا الموضوع، بينما في أماكن أخرى فيمكن إحصاؤه بدقة، وهناك مواقع وشركات متخصصة بهذا الشأن، وقد بلغ الإنفاق العالمي على الإعلانات في العام 2017، حوالي 535 مليار دولار.
الإعلان يرتبط بالاقتصاد
ولا يكتمل الحديث عن الإعلان وحجمه ومدى تأثير، من دون الحصول على معلومات من الجهات العاملة فيه وعليه، وأهمها في سورية المؤسسة العربية للإعلان التي ربط مديرها العام وسيم حمزة الإعلان بالقوة الاقتصادية، وتالياً فمن الطبيعي أن تكون الأزمة قد أثرت في كمية الإعلانات والمعلنين بشكل كبير، مبيناً أن عدد وكلاء المؤسسة العربية للإعلان كان يصل إلى 85 في العام 2010، بينما الآن لا يتجاوزون الـ 15 وكيلاً، كاشفاً أن المؤسسة في العام 2013 كانت خاسرة للمرة الأولى منذ تأسيسها، فتم القيام بعدة إجراءات للتشجيع على الإعلان أهمها تخفيض قيمة الإعلان التلفزيوني والإذاعي على مرحلتين بنسبة 65%، لكن، وفي العام 2013، تم رفع قيمة الإعلان الصحفي بنسبة 100%، وذلك بسبب تكلفة الأحبار والطباعة التي ارتفعت كثيراً، فشهدت بداية 2016 – وبشكل تدريجي – تحسناً ملحوظاً، وبدأ إيراد المؤسسة يرتفع، وكان عام 2017 أفضل من الأعوام السابقة بكثير، ووصلت الإيرادات إلى 1,7 مليار ليرة.
وأضاف حمزة أن نسبة كبيرة من الإعلانات التلفزيونية والإذاعية هي إعلانات تجارية، أما الإعلان الصحفي، فينقسم إلى قسمين، الأول رسمي (مزايدات – مناقصات – محاكم)، وقسم تجاري، وهو يشكل نسبة لا تتجاوز 45% من حجم الإعلان الصحفي، وحالياً، الكثير من الشركات إلى الإعلان، وخاصة التلفزيوني والإذاعي الذي توقف تقريباً خلال الأزمة، لتؤكد أنها لا تزال موجودة في الأسواق، وهناك شركات تكرر الإعلان شهرياً بعد دراسة الجدوى منه ونسبة الفائدة وإقبال المواطن على السلعة أو المنتج.
التوعوي أولوية
وأوضح مدير عام المؤسسة أن الإعلان التوعوي, وخاصة في الفترة الحالية، يحتل مكانة مهمة بالنسبة لسياسة المؤسسة العربية للإعلان التي تسعى لزيادة كميتها، إذ إن من افتعلوا الأزمة في سورية حاولوا ضرب كل القيم، ولاسيما التي تخص المجتمع وسيادة الدولة وأخلاق المجتمع، وستبدأ المؤسسة بالتعامل مع عدد من منتجي الأفلام ذوي الأفكار والأهداف والرسائل التوعوية بمختلف المجالات (تربية – تعليم – بيئة – ترشيد… إلخ)، وستقيم المؤسسة كذلك مستقبلاً ورشات عمل عن التوعية المرورية والإرشاد الزراعي وعن ثقافة التأمين، ومواضيع أخرى، وكل هذا هدفه رفع الوعي الإعلاني، وبث رسائل لدعم مفاهيم الانتماء والولاء للوطن وخاصة عند الأطفال.
وختم حمزة حديثه بأن كل إعلان توعوي يأتي من جهة حكومية هو إعلان مجاني بالكامل، حتى الإعلانات التوعوية التي تقدمها منظمات وهيئات دولية يكون لها أجر جزئي بسيط، وستسعى المؤسسة لتطوير هذه الرسائل التوعوية لتكون أكثر إتقاناً، وتترك بالغ الأثر لدى المتلقي، مبيناً أن المؤسسة العربية للإعلان منذ تأسيسها حتى اليوم راعية لهذا الأمر، وتقوم بهذا الدور الوطني الطبيعي.
أهداف محتملة وصورة ذهنية خاطئة
وفي لقاء مع الدكتورة أميمة معراوي (مدرّسة في قسم العلاقات العامة والإعلان -كلية الإعلام جامعة دمشق) أوضحت أن للإعلان وظائف كثيرة أهمها؛ الوظيفة التعريفية، حيث يقدم الإعلان معلومات كافية عن المنتج تتيح للمستهلك الإعجاب بالمنتج ومن ثم اتخاذ قرار شرائه، كما أن الإعلان يوسّع خيارات المستهلك فيختار ما يتناسب مع احتياجاته وقدرته الشرائية، إضافة إلى أن وجود الإعلانات يشكل منافسة بين المعلنين ما يدفع المنتجين إلى خفض سعر السلعة والعمل على المحافظة على جودتها، ومن جانب آخر يعمل الإعلان على رفع التطلعات ومستوى الأذواق الاستهلاكية، وتعليم المستهلك أسلوب حياة جديد، وهذا يؤدي إلى المساهمة في عملية التطوير الاجتماعي.
وبينت د. معراوي أن تكرار الإعلان ضروري، لكن المشكلة في صياغة وإنتاج وإخراج الرسائل الإعلانية، والتي يجب أن تصمم وفقاً لرغبات المستهلك وليس لوجهة نظر المعلن، وبما أنه لا يوجد إعلان للجمهور العام بالمطلق، يجب توجيه الإعلان لشرائح معينة من الجمهور، وخاصة المستهلك المتوقع، ولكل شريحة الطريقة والأسلوب ليكون الإعلان مؤثراً فيها وفي قرارها الشرائي, كما تكمن صعوبات تأثير الإعلان في المستهلك بوجود صورة ذهنية خاطئة لدى شريحة كبيرة من الجمهور السوري. بأن المنتج الجيد لا يحتاج إعلانا.
وهذه الصورة أبعدت الجمهور عن متابعة الإعلان، والسبب في ذلك طريقة الإعلان المملة والمتكررة بشكل غير مناسب، حيث إن الإعلان يجب أن يجذب الجمهور من اللحظة الأولى فلا يهرب المتلقي من المتابعة، ولاسيما أن الإعلان يجب أن يكون مادة مسلية.
جدوى الإعلان أكاديمياً
وعن جدوى الإعلان وتأثيره الفعلي في المستهلك، أضافت د. أميمة: الهدف الأساس من الإعلان هو دفع المستهلك إلى اتخاذ قرار الشراء، وتراكم التعرض للإعلان من الممكن أن يدفع المستهلك إلى شراء سلعة قد لا يحتاجها، لكن حسب القدرة الشرائية التي تحكم في النهاية، إلا أنه من دون إعلان لن يتجه المستهلك إلى قرار الشراء، خاصة مع وجود آلاف العلامات التجارية من الصنف الواحد، وتالياً من الضروري أن تكون هناك إعلانات للسلع في جميع الأوقات حتى في الأزمات، حيث تستمر التطلعات وعمليات الشراء.
مواجهة الخوف من نفقات الإعلان
وعن النفقات التي تُدفع من قبل المعلنين والمردود منها، أوضحت د. معراوي أن أغلبية المعلنين في سورية يخافون من دفع تلك النفقات، ولا يعرفون أن الإعلان عمل استثماري سيعود عليهم بمبالغ أكبر، وإقدامهم على الخطوة الأولى في هذا المجال سيؤدي إلى تنشيط المنافسين ونشر ثقافة الإعلان بشكل أكبر في المجتمع، وفي بعض الأحيان يحاول المعلن تقليص نفقات الإعلانات والوقوف عند حملة إعلانية واحدة، إلا أن هذا غير مجدٍ، فكل منتج له دورة حياة كاملة، وفي كل مرحلة منها وظيفة معينة للإعلان لا يمكن الاستغناء عنها، حتى في مرحلة الشهرة تكون السلعة بحاجة إلى إعلانات تذكيرية، وهذا ما يبرر استمرار الماركات العالمية الشهيرة بطرح إعلانات للمنتج نفسه بين فترة وأخرى، إلا أنها تجدد الإعلان بالقالب والأسلوب والمضمون.
ولدى سؤالنا عن أكثر وسيلة يكون للإعلان تأثير أكبر في الجمهور، أكدت د. معراوي أنه من الممكن عدُّ الإعلان التلفزيوني الأكثر تأثيراً، وهذا مرتبط بطبيعة الوسيلة نفسها، فالجمهور ينجذب للحركة أكثر، والإعلان التلفزيوني يتمتع بهذه المواصفات، إلا أنه وحده لا يكفي، فالحملة الإعلانية يجب أن تكون متكاملة بين الطرقي والتلفزيوني والإذاعي والصحفي، للوصول إلى الجمهور أينما كان.
مؤشرات الجدوى متعذرة
وعن جدوى الإعلانات التوعوية التي تقوم بها الجهات الحكومية بهدف الترشيد التقت (تشرين) الدكتور سنجار طعمة- معاون المدير العام للشؤون العلمية والفنية في المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع لوزارة الكهرباء، الذي أوضح:
أن المركز يعمل منذ أكثر من 5 سنوات على نشر الوعي الطاقي في كل الوسائل الإعلامية حسب الإمكانات المتاحة، وبالتعاون أيضاً مع الوزارات المختلفة، لتشمل حملة الترشيد الطاقي في بدايتها إعلانات بجميع أشكالها؛ الطرقي والتلفزيوني والإذاعي والصحفي، إلا أنه بعد فترة من انطلاق الحملة كان التركيز على اللقاء المباشر مع الجمهور من خلال الندوات والورشات والجلسات التعريفية، وتقسيم الجمهور إلى شرائح وتخصيص حملة توعوية لكل شريحة، حيث إن الإعلانات التوعوية الموجهة للجمهور العام مفيدة لكن في بعض الأحيان قد لا تعكس الصورة بالشكل المطلوب، وخاصة مع وجود تباين في المستويات العمرية والفكرية للجمهور.
وعن آثار وجدوى حملات الإعلان التوعوي على تقليص حجم الهدر في استهلاك الكهرباء.
أشار د. سنجار إلى أنه – بحسب دراسة – قُدر حجم الهدر الناتج عن التعامل بطريقة سلبية مع الطاقة بكل أنواعها بنسبة 30- 40%، لكن حالياً، لا يمكن قياس التحسن من عدمه في نسبة الهدر، بسبب عدم وجود استقرار في التغذية الكهربائية ونقص الموارد الطاقية بشكل عام، ما جعل انخفاض استهلاك الطاقة ليس مؤشراً حقيقياً لفعالية حملات الترشيد، فالمستهلك لا يحصل على الكمية التي يريدها من الطاقة ليتخذ قرار الترشيد من عدمه.
وأضاف سنجار: المؤشر الحالي الذي نعتمد عليه لمعرفة آثار حملات الترشيد هو اللقاءات المباشرة مع الجمهور ومعرفة مدى إدراكهم لتفاصيل ترشيد الطاقة والإجراءات المتبعة، وبالفعل نجد في كل عام تحسناً عن العام الذي سبقه بمعلومات الجمهور واتجاهاتهم نحو الترشيد، وهذا المؤشر وحده مقبول إلى حدّ ما إلا أنه غير كافٍ ويجب العمل أكثر في هذا المجال.