مع انتشارها.. المخدرات آفة اجتماعية متفاقمة في ظروف الأزمة.. وجهود كبيرة لاستئصالها

مع انتشارها.. المخدرات آفة اجتماعية متفاقمة في ظروف الأزمة.. وجهود كبيرة لاستئصالها

أخبار سورية

السبت، ٣ مارس ٢٠١٨

حين نتحدث عن الويلات التي تأتت عن الأزمة السورية، والأحداث التي طالت النواحي الاجتماعية منذ سبع سنوات مضت وحتى اليوم، لا نستطيع أن نغفل الحديث عن إحدى أهم مشكلاتها، وهي المخدرات، ورغم أننا لسنوات طويلة كنا نفاخر بخلو سورية منها، لكن الأحداث المتتالية، ويد الإرهاب التي طالت العديد من المناطق، جعلت من انتشار هذه المواد السامة ظاهرة تطفو على هرم المشكلات الاجتماعية، فتم الترويج لها في المناطق التي سيطرت عليها العصابات الإرهابية، وبدت استثماراً مربحاً لمتزعميها من ناحيتين: الأولى مادية لتمويل العمليات الإرهابية، والثانية في السيطرة على تصرفات الإرهابيين، وأفراد هذه العناصر الذين تحولوا إلى أدوات، وآلات للقتل، ودون أي إحساس أو تفكير نتيجة تعاطيهم لهذه المواد المدمرة للجسد، ومن ناحية أخرى كان من أهداف نشر هذه المواد السيطرة على الشباب في المناطق الآمنة لضمهم، واستثمارهم أيضاً في تنفيذ عملياتهم، ورغم تحسن الأمور وسيرها في طريق الانحسار مجدداً، لكن مواضيع أخرى كوجود مراكز تأهيل متخصصة، ومراكز تأهيل ودعم نفسي للمدمنين، تبدو من الأشياء الهامة التي ينبغي التركيز عليها في الفترة المقبلة.
 
بلد عبور
 
هناك من يرى أن مشكلة المخدرات في سورية لا تكمن في سورية بإنتاج المخدرات أو استهلاكها، وإنما تتمثّل في كونها ممراً إجبارياً لعبورها بين دول الإنتاج ودول الاستهلاك بحكم موقعها الجغرافي، ولطالما عانت سورية من مشكلة تهريب المخدرات عبر حدودها، وسعت جاهدة لمواجهتها باتباع كل الآليات والسبل الممكنة، فسورية، وبشهادة المجتمع الدولي، نظيفة من زراعة وصناعة المخدرات غير المشروعة، وهي بالرغم من كل شيء لاتزال في مقدمة الدول التي لا تعاني مشكلة حقيقية مع المخدرات، ولاتزال تحت السيطرة بفضل ما تم من تشريعات، وما تبذله الأجهزة المعنية بمكافحة المخدرات، وما يمتلكه شعبها من تراث روحي، وقيم أخلاقية محصنة.
 
اتفاقيات مصدقة
 
في المقابل دعمت الجمهورية العربية السورية كل السبل التي من شأنها التخلص والحد من المخدرات وآثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات، وصادقت على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة المخدرات، بدءاً من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961م، والمعدلة ببروتوكول سنة 1972م، إلى اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971م، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988م، وهي عضو فاعل في العديد من اللجان الدولية والإقليمية المتعلقة بالمخدرات، حيث تسعى دائماً أن تكون فاعلة في صياغة مقررات هذه اللجان، وكذلك تبادر دائماً إلى حضور كافة المؤتمرات والاجتماعات التي تقيمها هذه اللجان، إلى جانب استضافتها لأكثر من ندوة أو مؤتمر حول المخدرات، ولعل آخرها استضافة الدورة 45 للجنة الفرعية المعنية بالإتجار غير المشروع بالمخدرات، والمسائل ذات الصلة في الشرقين الأدنى والأوسط، التي عقدت في دمشق في عام 2010، وتسهم سورية من خلال المكتب العربي لشؤون المخدرات في الحد من انتشار هذه الآفة ضمن الوطن العربي عبر تفعيل التعاون، وتبادل المعلومات، بهدف ضبط شبكات التهريب، وكذلك قيامها بتنفيذ عمليات مشتركة مع العديد من الدول العربية والصديقة من خلال أسلوب التسليم المراقب، إضافة إلى مساهمتها في إعداد مشروع القانون العربي الموحد للمخدرات.
 
إجراءات وطنية
 
ويتحدث الرائد يوسف إبراهيم، مدير اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، عن مجموعة من الإجراءات التي تم اعتمادها على الصعيد الوطني للمساهمة في التخلص والوقاية من هذه الآفة الخطيرة، ابتداء بتشكيل اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات عام 1988م، وتعنى برسم السياسة العامة للدولة حول ظاهرة المخدرات، وأسس مكافحتها والوقاية منها، والتي تفرعت عنها لجنة إعلامية لوضع الخطط وبرامج التوعية لحماية المجتمع وتحصينه من هذه الآفة، وقد وضعت في هذا العام في خطة عملها برنامجاً توعوياً تشارك فيه الجهات الممثّلة باللجنة الإعلامية، كلاً فيما يخصه، حيث يشمل حلقات تلفزيونية، وبرامج إرشاد دينية، ودروساً في المساجد، ومحاضرات في الجامعات، والمعسكرات، والملتقيات، والتجمعات العمالية، وكذلك بث رسائل توعية عبر الجوال، ونشر مقالات عن المخدرات في الصحف الرسمية، وإقامة الندوات للتعريف بظاهرة المخدرات، وسبل الوقاية منها، ومن ناحية التشريع يتحدث إبراهيم عن إجراءات مشددة تصل إلى الإعدام بالنسبة لجرائم زراعة وصناعة وتهريب المخدرات والإتجار بها، إلى جانب ما تضمنه القانون من نظرة إنسانية، حيث ينظر للمتعاطي كمريض، ويعفيه من العقاب إذا تقدم من تلقاء نفسه أو أحد ذويه لأحد مراكز المعالجة الرسمية، وتكفل الدولة سرية ومجانية العلاج، كذلك أصدر المشرّع السوري المرسوم التشريعي رقم 59 لسنة 2003م لمكافحة غسل الأموال، وبصفة خاصة المتأتية منها عن طريق جرائم المخدرات، إضافة إلى ما تبذله وزارة الداخلية من جهود في مجال المكافحة، وحملات التوعية، والمشاركة أو إقامة العديد من الندوات والمؤتمرات للتعريف بالمخدرات وأضرارها، حيث تم إحداث إدارة خاصة لمكافحة المخدرات، وتم تزويدها بطواقم خبيرة ومتخصصة بأعمال المكافحة، وتأمين متطلبات عملهم ليتمكنوا من تفكيك العديد من شبكات الإتجار والتهريب والترويج، ومصادرة كميات كبيرة من المواد المخدرة، وتسعى الإدارة دائماً إلى رفع سوية عناصرها بالتأهيل  والتدريب المستمر، وإيفاد البعض للتعرف على الجديد في مجال المكافحة، تماشياً مع تطور أساليب التهريب والترويج.
 
أساليب خبيثة
 
وأضاف إبراهيم بأنه وخلال الفترة الماضية لوحظ ازدياد نشاط تجارة المخدرات فيما يتعلق بأنواع خاصة من هذه الآفة، منها مادة الحشيش المخدر، ومادة أقراص الكبتاغون التي كان يتم اعتمادها من التنظيمات الإرهابية بصورة خاصة، حيث تشبه هذه المواد، وخاصة حبوب الكبتاغون، بتأثيرها الآلة التي تعمل باستمرار دون توقف، لكن التأثير يكون مخيفاً بعد فترة، حيث تأكل هذه الآلة نفسها بنفسها، وتتدمر نتيجة عملها المتواصل، وكان ملفتاً العرض الذي قدمه الرائد إبراهيم لبعض القضايا التي تم كشفها من قبل إدارة المخدرات حول بعض الأساليب الخبيثة التي تعتمدها شبكات ترويج المخدرات، و”الابتكارات” التي يقومون من خلالها بتهريب هذه المواد، وإخفائها في مواد مختلفة، بعضها غذائية، وبعضها مواد بناء، أو قطع أثاث، وختم بضرورة تركيز الجهود على إحداث مراكز دعم نفسي للمتعاطين، وهذا الأمر منوط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهو مهم جداً لضمان عدم عودة المدمن للتعاطي مجدداً، فالنكس بعد المعالجة من أكثر الأشياء خطورة بالنسبة لمدمني المخدرات، وهو أمر ممكن جداً في ظل غياب المراكز المتخصصة.
 
لجان إعلامية
 
في المقابل يتحدث الدكتور عربي المصري، المحاضر في كلية الإعلام، عن ضرورة التعاطي الأخلاقي من ناحية، والحذر من ناحية أخرى عند الاقتراب إعلامياً من قضايا المخدرات، حيث يجب عدم التشهير أو الحديث عن أسماء الأشخاص الذين يثبت تعاطيهم لهذه المواد، والنظر إليهم كضحايا للمروجين والتجار، أو مرضى بحاجة إلى علاج، وبالتالي فالتشهير بهؤلاء لن يكون ذا جدوى في معالجة قضاياهم، ومن ناحية أخرى من المهم الاقتراب بحذر في التحقيقات، والمواد الاستقصائية التي تتحدث عن هذه القضايا، وتحاول الخوض في كشف شبكاتها وتجارها، لأن أعضاء هذه الشبكات مجرمون خطيرون لن يتورعوا عن إيذاء الصحفي الذي يحاول تسليط الضوء على تجارتهم، أو الطرق والأساليب التي يعتمدونها، وبالتالي فمن المهم جداً توفير الدعم اللازم للإعلاميين العاملين في هذا المجال، سواء من الناحية التقنية، أو من ناحية التدريب اللازم، والتخصص للصحفي في هذه القضايا، ودعا مصري إلى ضرورة تشكيل لجان دائمة، أو فرق من الإعلاميين متخصصة في هذا النوع من القضايا، وتعمل ضمن خطة عمل واحدة.
 
بالأرقام
 
في إحصائية للمواد المخدرة المضبوطة في الجمهورية العربية السورية خلال العام الماضي، بلغ عدد القضايا المتصلة بتجارة المخدرات 5595 قضية، كما بلغ عدد المتهمين 7113 متهماً، وتم ضبط ما يقارب الـ 1,5 طن من مادة الحشيش، و13 كغ من مادة الهيروين، و30 كغ من نبات القنب الهندي “القات”،  و48 غ ماريجوانا، و34 كغ بذور القنب الهندي، وتم ضبط 1206168 من حبوب نفسية دوائية، و 8746054 حبة كبتاغون، و 1,7 كغ مسحوق أوراق الحشيش، أما المواد الأولية لصناعة المخدرات فقدرت المضبوطات منها بـ 1346 كغ، وذلك بحسب إحصائية الإدارة العامة لمكافحة المخدرات.
 
محمد محمود