في عفرينَ.. "اتّفاقُ ضرورةٍ" قد يُنهي تجاذباتٍ دوليّة

في عفرينَ.. "اتّفاقُ ضرورةٍ" قد يُنهي تجاذباتٍ دوليّة

أخبار سورية

الأحد، ١٨ فبراير ٢٠١٨

 تضاربت الأنباءُ حولَ الاتّفاقِ الذي سيدخلُ بموجبه الجيش السوريّ إلى مدينة "عفرين" والمناطق الحدوديّة بريف حلب الشماليّ الغربيّ، فما بينَ ترحيب الوحدات الكرديّة بدخول الجيشِ السوريّ، وصمتِ دمشق رسميّاً إلى الآن، تؤكّدُ مصادرُ لـ"وكالة أنباء آسيا"، أنّه لمْ يتمّ التوصّل إلى صيغةٍ نهائيّةٍ للاتّفاقِ بين الطّرفين، على الرغم من أنَّ دمشقَ والوحدات الكرديّة توافقانِ من حيث المبدأ على انتشارِ القوّاتِ السوريّة في المناطق الحدوديّة مع تركيا، بهدفِ وقفِ دفع الحكومة التركيّة لوقفِ عمليّتها العسكريّة المعروفة باسم "غصن الزيتون" في الأراضي السوريّة.
وتصفُ مصادرُ سياسيّة سوريّة، الاتّفاق بأنّه يعدُّ بالنسبة للوحداتِ الكرديّة بمثابة "اتّفاق الضرورة" الذي سيُنقذُ الموقفَ المتأزّمَ في مناطق شمال غرب حلب، خاصّةً وأنَّ الإدارةَ الأمريكيّة لمْ تُبدِ أيّ موقفٍ حاسمٍ حولَ العمليّة التركيّة باتّجاه عفرين، إذ ما تزالُ واشنطن إلى الآن تميلُ إلى إجبار الوحداتِ الكرديّة من خلالِ تركيا على تركِ كامل مناطق "غرب الفرات"، والاكتفاء بالمناطق الواقعة إلى الشرق منه، وهذا يؤمّنُ للإدارة الأمريكيّة العددَ اللازم من العناصرِ لضمانِ بقاء نفوذها في مناطق النفط السوريّ ﻷطولِ فترةٍ ممكنة.
وفي حين أنَّ الموقفَ الأوروبيّ لم يختلف كثيراً عن الموقفِ الأمريكيّ المُبرِّر للعمليّة التركيّة بذريعةِ "حقّ أنقرة بالدفاعِ عن أمنها القوميّ وحدودها الجنوبيّة"، فإنَّ "الوحداتِ الكرديّةَ" لمْ تجد بديلاً عن القبولِ بدخول الجيشِ السوريّ إلى المناطق الحدوديّة لقطع الطريقِ "سياسياً" على أنقرة لمواصلةِ عمليّتها العسكريّة، فالحكومةُ التركيّة تُبرّر هذه العمليّة بـ "محاربة حزب العمّال الكردستانيّ وإبعاده عن الحدود مع تركيا".
ومع أنَّ الوصولَ إلى صيغةٍ نهائيّةٍ للاتّفاق بين "دمشق" و "الوحدات الكرديّة" لمْ يتمّ بعد، وأنَّ مصادرَ ميدانيّة في عفرين أكّدت لـ "وكالة أنباء آسيا" أنَّ المدفعيّةَ السوريّة تُسهمُ بشكلٍ كبيرٍ باستهدافِ مواقع تنظيم "جبهة النصرة" و"الحزب الإسلاميّ التركستاني" على جبهاتِ جنوب عفرين، فـ"قلعة سمعان" التي تُعدُّ مُنطلقاً لهجماتِ النصرة على قرية "بانصوفان" تقعُ إلى الغربِ من مواقع الجيش في بلدتي "نبّل" و"الزهراء"، كما تقولُ معلوماتٌ متقاطعةٌ إنَّ مجموعاتِ الدفاع الشعبيّ التي تُعدُّ من "القوّاتِ الرديفة" للجيش السوريّ، تُقاتلُ إلى جانبِ "الوحدات الكرديّة" في عددٍ من نقاطِ التماسِّ المباشر مع "الجيش التركيّ" والفصائل المواليةِ له.
وتقارنُ المصادرُ نفسها بين حجمِ الخسائر الميدانيّة بالنسبة للوحداتِ الكرديّة منذ بداية معركة "غصن الزيتون"، مع خسائر الجيشِ التركيّ والفصائل الموالية له، فتؤكّدُ أنَّ خسائرَ "الوحدات" ما زالت في حدِّ المقبولِ على المستوى العددِ والعتاد، فالجيشُ التركيُّ خَسِرَ عدداً كبيراً من الدبّابات والمروحيّاتِ القتاليّة خلالَ هذه العمليّة، كما أنَّ الفصائلَ المشارِكة إلى جانب أنقرة في هذه العمليّة تعرّضت لخسائرَ كبيرة، ما دفعَ أنقرة لاستقدامِ مجموعتَين من "قوّاتِ النخبة" التابعة لـ "فرقة الحمزة" و "لواء المعتصم".
وتُوضّحُ المصادرُ أنَّ كِلتا المجموعتَين سابقتي الذكر، مُشكلَتانِ من المجنّدين الجدد الذينَ أُخضعوا لدوراتٍ قتاليّة خاصّة في معسكراتٍ تتبعُ للجيشِ التركيّ بالقربِ من مدينة "كيليس" التركيّة، وبحسبِ مصادرَ متعدّدة، فإنَّ غالبيّةَ عناصر هاتين المجموعتين هُمْ من الشبّانِ السوريّينَ الذين يعيشونَ في محيطِ مدن "جرابلس - مارع - أعزاز" بريفِ حلب الشماليّ الشرقيّ، ونُقلوا إلى الأراضي التركيّة عبر "جرابلس" لتلقّي التدريب العسكريّ قبلَ إشراكِهم بقتالِ "الوحدات الكردية".
بحسب مصادرَ متعدّدة، فإنَّ المُعرقِلَ الأساس للوصولِ إلى اتّفاقٍ نهائيٍّ بين "دمشق" و "الوحدات الكرديّة"، هو عددٌ من الشخصيّاتِ القياديّة الكرديّة من غير السوريّين، إذ تتواجدُ في عفرين مجموعاتٍ من المقاتلينَ الأجانب الذين أرسلتهم "قوّات سوريّة الديمقراطيّة" في مراحل سابقة إلى "عفرين" بهدفِ زيادةِ تحصينها دفاعيّاً، ومن ضمنِ هذه "كتيبة المقاتلين الأمميّين"، وهي مجموعةٌ مُؤلّفةٌ من مقاتلينَ ينحدرونَ من عددٍ من الجنسيّاتِ الأجنبيّة، ناهيك عن وجودِ مجموعاتٍ من "الكريلا" التي تُعدُّ جناحَ حزب العمال الكردستانيّ في جنوب شرق تركيا، إضافةً لـ"وحدات سنجار" القادمة من العراق.
في السياسةِ، تُعدُّ معركةُ عفرين من أكثرِ المعارك تعقيداً في تاريخ الأزمة السوريّة، فالتجاذبات الدوليّة حولَ المدينة ومصيرها في ذروتها، خاصّةً بين الدولِ الراعية لـ"مفاوضات أستانة"، فالحكومةُ التركيّة التي تعَدُّ واحدةً من الأطرافِ الضامنةِ لهذه المفاوضات هي الطرفُ العسكريُّ المُهاجِم لـ"عفرين"، في حين أنَّ روسيا التي فَشِلَت في إقناعِ تركيا بالعدول عن مهاجمةِ المدينة، فضّلت سحبَ قوّاتها من مركز المصالحة الذي أقامتهُ في قرية "كفر جنة" شمالي عفرين قبلَ بدء العمليّة التركيّة وذلك حفاظاً على سلامتهم، إلّا أنّها ومن خلالِ نشرِ قوّاتها في منطقة "تل رفعت" بريفِ حلب الشمالي الأوسط، رسمت خطّاً أحمرَ للعمليّةِ التركيّة لا تقبل بتجاوزه، كما أنَّ إيرانَ التي تعَدُّ الطرفَ الثالث بين ضامني "مفاوضات أستانة" توتّرت علاقتها بـ "أنقرة" على خلفيّةِ معركة عفرين.


ويقرأُ محلّلونَ سوريّونَ، التصريحات التركيّة حولَ طلب أنقرة من وزيرِ الخارجيّة الأمريكيّ خلالَ زيارتِه لها، بنقلِ طلبٍ تركيٍّ إلى واشنطن بقبولِ الأخيرة بخروجِ "قسد" من منبجَ إلى مناطق شرق الفرات، وأنَّ الحكومةَ التركيّة التي تتدهورُ علاقتها بنظيرتِها الأمريكيّة بخطٍّ تصاعديّ، تُحاولُ الإبقاءَ على "شعرةِ معاوية" مع حليفها الأقوى، فإنْ قَبِلَت واشنطن ببقاءِ مدينة منبج تحتَ سيطرةِ "قوّاتٍ أمريكيّةٍ - تركيّة"، فستكونُ قد تلقّفت من تركيا ضماناتٍ بأنَّ نقاطَ الوحداتِ الكرديّة على امتدادِ الشريطِ الحدوديّ من "عين العرب" بريفِ حلب، إلى "المالكيّة" بريفِ الحسكة لن تشهدَ أيّ استهدافٍ هجوميٍّ من قبلِ الجيشِ التركيّ، وسيُبقي ذلك على طموحاتِ واشنطن بإنشاءِ كيانٍ مستقلّ أو شبه مستقلّ تحت حكمٍ كرديٍّ في مناطقِ النفطِ السوريّة، ولعلّ واشنطن تذهبُ نحو تقديمِ ضماناتٍ ببقاءِ "القوّة الكرديّة" عسكريّاً محصورةً ضمنَ الحدودِ السوريّةِ لتضمنَ ألّا يكونَ ثمّةَ مُعارَضة من الحليفِ التركيّ، الذي يعتبرُ وجود مثل هذا "الكيان" تهديداً مباشراً له.


بحسبِ مراقبون، فإنَّ "عفرين" ستحدّدُ مصيرَ علاقة القوى الكرديّة المسلّحة بجملةٍ من الأطرافِ الدوليّة، فإنْ ذهبت للاتّفاق مع الدولة السوريّة بما يضمنُ عدم خروجِها من عفرين ومناطق ريف حلب، ستكونُ "الوحداتُ الكرديّة" قد وضعت علاقتها بـ"واشنطن" على المحكّ، وهنا يبرزُ "الروس" كبديلٍ عن الأمريكيّين بالنسبةِ لـ"الكرد"، كما أنَّ التنسيقَ مع دمشقَ سيعزّزُ من طموحاتِ الوحداتِ الكرديّة في الوصولِ إلى تسويةٍ لمجموعةٍ من المطالبِ التي تصفها دمشق رسميّاً بين الحين والآخر بـ"المطالبِ المحقّة"، مع الإشارةِ هنا إلى أنَّ المواقفَ السياسيّة والعسكريّة لـ"الوحدات الكرديّة" في عفرين، تختلفُ عن مواقف الوحداتِ الكرديّة المنتشرةِ شرقَ الفرات من الدولةِ السوريّة، وقد يكونُ سببَ هذا الاختلافِ هو التنسيقُ المستمرُّ ميدانيّاً خلالَ معارك أحياء حلب أواخر العام 2016 ومطلع العام الماضي.