تعددت الأسباب سوق العقارات والإيجارات في اللاذقية.. أسعار فاقت كل التوقعات ومواطن يكتوي بنيران الجشع

تعددت الأسباب سوق العقارات والإيجارات في اللاذقية.. أسعار فاقت كل التوقعات ومواطن يكتوي بنيران الجشع

أخبار سورية

الأربعاء، ٧ فبراير ٢٠١٨

شهدت محافظة اللاذقية ارتفاعاً جنونياً في أسعار العقارات خلال سنوات الأزمة، وكانت كلمة السر وراء هذا الارتفاع غير المبرر هي “الوافدون” الذين كلما زاد عددهم، زادت الأسعار، وزاد الطمع، ليس عند تجار البناء، وأصحاب المكاتب العقارية فحسب، بل عند أصحاب العقارات أيضاً الذين اتبعوا المثل الشعبي “ما حدا أحسن من حدا”، وعلى هذا المنوال حلّقت أسعار العقارات عالياً، حيث أصبح شراء المنزل حلماً بالنسبة للغالبية العظمى التي اعتقدت للوهلة الأولى عندما سمعت الأرقام المطلوبة، أنها تشتري منزلاً  في باريس أو في لندن، وليس في اللاذقية، في وقت بات فيه استئجار المنزل لعائلة واحدة من دون شريك لها في السكن، لمن استطاع إليه سبيلاً.
الشكوى لغير الله مذلة
معظم المواطنين الذين التقيناهم، اشتكوا من ارتفاع الأسعار، ومن الاستغلال الذي يتعرضون له من تجار العقارات.. أحمد صالح مهجّر من محافظة دير الزور، ورب لعائلة مؤلفة من أربعة أطفال، قال: كل ستة أشهر تتجدد معاناتي مع صاحب المنزل الذي يطلب زيادة في الإيجار عند تجديد العقد، موضحاً أنه قبل ثلاثة أعوام استأجر المنزل  المؤلف من غرفتين بـ25 ألف ليرة، واليوم يدفع إيجاره 40 ألف ليرة، لافتاً إلى أن صاحب البيت يطالبه بزيادة 5 آلاف ليرة مع بداية العام القادم، ويضيف: الشكوى لغير الله مذلة، لكنني أعمل في ورشة خياطة، وما أجنيه بالكاد يغطي تكاليف المعيشة الأساسية، والإيجار الذي يقصم الظهر.
عبد الكريم خليل “مهجّر”، قال: أصحاب البيوت استغلوا وفود المهجرين إلى المحافظة ليتاجروا بالعقارات، ويضاربوا بالأسعار على بعضهم، ويضيف: ما في رحمة ولا شفقة، والأنكى أنه لا حسيب ولا رقيب على أفعالهم.
وفيما حرقة ارتفاع الإيجارات تكوي المستأجرين الذين لا حول لهم ولا قوة، تصيب الصدمة من يملك بعض الملايين، ويظن أنه باستطاعته أن يشتري بيتاً.. لؤي حسن واحد من الأشخاص الذين قضوا سنوات طويلة يجمعون المال عن طريق القروض والجمعيات ليحققوا حلمهم بشراء منزل، ويضيف: ظننت أنه يمكنني بمبلغ 7 ملايين ليرة “شقا العمر”، أستطيع شراء منزل لعائلتي والتحرر من عناء الإيجارات، إلا أنني تفاجأت بأن ما معي لا يشتري لي، ولا حتى غرفة واحدة مستقلة، فالواقع العقاري فلكي، ولا يمت للمنطق بصلة.
 
الإيجار.. استغلال من نوع آخر
تواصل حركة الطلب على الإيجارات انتعاشها في المحافظة وسط زيادة الطلب على العقارات من قبل المهجّرين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل اتفق الجميع على أنه مبالغ فيها إلى حد لا يقبله واقع الحال الذي يئن تحت وطأة الأعباء المادية، والطامة الكبرى التي تزيد من معاناة المستأجرين، أن المؤجر قادر على التحكم والتسلط عليهم، فهم معرضون للطرد كل ستة أشهر، فمعظم عقود الإيجار شهرية لا تتجاوز 12 شهراً، وحينذاك سيضطر المستأجر للبحث عن مأوى جديد، سيكلفه دفع مقدار نصف الأجرة لمكتب الوسيط العقاري، فضلاً عن تحميلهم كلفة تسجيل العقود في الدوائر الحكومية المعنية، وكذلك التلاعب بحقيقة الأسعار المعلن عنها في العقد، إذ  أن أعلى سعر يمكن أن يقبل المؤجر بكتابته في العقد هو ألف ليرة سورية، وذلك تهرّباً من الضرائب، كما أن جميع المؤجرين لا يقبلون إلا بتقاضي قيمة الإيجار المتفق عليها، وعن كامل المدة المحددة في العقد مسبقاً، وقبل توقيع عقد الإيجار، لا يملك المستأجر إلا الرضوخ لرغبة المؤجر.
والإيجارات، كما عمليات البيع والشراء، تسعّر بحسب المنطقة وتخديمها، وفيما إذا كانت داخل المخطط التنظيمي أو خارجه في العشوائيات، حيث تبدأ قيمة إيجار منزل سكني عادي يبلغ غرفتين مع صالة من 50 ألفاً في مركز المدينة لترتفع إلى 80 ألفاً حسب تجهيز المنزل وموقعه وطلبه، وتصل في بعض الأحياء إلى 100 ألف، فيما تتراوح أسعار الإيجار في الضواحي القريبة من المدينة بين 25 ألفاً و 30 ألف ليرة.
 
المشكلة بالأراضي
ارتفاع الأسعار برأي تجار البناء أسعار مقبولة إذا ما قورنت بالأسعار الفلكية للأراضي، إذ يؤكد أبو سامر “تاجر بناء” أن أصحاب الأراضي ينتهزون حقيقة أنه لا توجد في المحافظة أراضٍ صالحة للبناء ضمن المخطط التنظيمي ما أدى بالضرورة إلى ارتفاع سعر متر البناء، وغلاء العقارات بشكل عام، وخاصة في المناطق المنظمة.
وعدا عن ارتفاع أجور اليد العاملة، يشير أبو سامر إلى أن الضريبة الكبيرة التي تفرضها مديرية الكهرباء على منح الترخيص للبناء كارثية، وتساهم بزيادة كبيرة على الأسعار والتي تبلغ 1200 ليرة على كل متر، ناهيك عن زيادة تبلغ 50 ألف ليرة على كل متر بسبب ارتفاع أسعار الأراضي، ويوضح أن سعر المتر  في الطوابق العلوية في الأحياء العادية في المحافظة وصل إلى 110 ألف ليرة، والتجاري بين 800 ومليون ليرة، فيما في منطقة الزقزقانية في اللاذقية، وهي منطقة تقع خارج المخطط التنظيمي، تباع شقة 100 متر على الهيكل بـ 12 مليون ليرة.
 
لا رقابة على الأسعار
كلام تجار البناء يتناغم مع كلام أصحاب المكاتب العقارية الذين دافعوا بشراسة عن ارتفاع الأسعار، سواء للبيع أو للإيجار، أبو جميل صاحب مكتب عقاري يقول: لا يوجد ضابط لأسعار المنازل، فمن يحدد الأسعار هو صاحب العقار نفسه، ولا دخل لأية جهة رسمية بتحديد قيمة المبيع، نافياً أن تكون لسعر صرف الدولار علاقة بأسعار العقارات، وحتى لو هبط سعر الدولار إلى 100 ليرة فلن تنخفض أسعار العقارات!.
ويوضح أبو جميل بأن اختلاف الأسعار يعود إلى اختلاف المنطقة، فسعر متر البناء يتراوح ما بين 100 إلى 500 ألف ليرة، بحسب المنطقة، والترخيص، والتصنيف، مشيراً إلى أن المحلات المرخصة تجارياً، والتي تطل على الشارع الرئيسي، يتراوح سعر المتر فيها ما بين مليون ومليون وخمسمئة ألف ليرة، وينطبق ذلك على معظم الشوارع التجارية في المدينة، فيما يتراوح سعر المتر في مناطق المخالفات ما بين 75 ألفاً إلى 150 ألف ليرة!.
بدوره أكد أبو أكثم، صاحب مكتب عقاري، أن سعي الكثير من مالكي الأموال المجمدة إلى استثمار أموالهم في شراء عقارات وتأجيرها، ساهم بشكل كبير في زيادة أسعار العقارات، ويضيف: الكثيرون يعتقدون أن ارتفاع الأسعار سببه طمع أصحاب المكاتب العقارية الذين يتقاضون عمولة مبالغاً فيها، لكن الحقيقة أن أصحاب العقارات أصبحوا أكثر طمعاً من أكبر تاجر عقارات في المحافظة، وما يجري في اللاذقية من ارتفاع بالأسعار ينطبق على العديد من المحافظات السورية!.
 
ضعاف النفوس
جمال داؤود، عضو مجلس مدينة جبلة، أكد أن ارتفاع أسعار العقارات، وتخديم المنطقة، ونوعية البناء، وموقعه في الشوارع الرئيسية، أو بالقرب من المراكز الخدمية، كلها عوامل أساسية تساهم في تحديد سعر متر البناء، مشيراً إلى أن زيادة الطلب على العقارات من قبل الوافدين ساهمت بارتفاع الأسعار إلى مستويات خيالية.
ولفت داؤود إلى أنه ثمة الكثير من التجار، وأصحاب المكاتب العقارية، وحتى أصحاب العقارات من ضعاف النفوس الذين يسعون وراء الربح الكثير، غير آبهين بحال الناس، وتدني مستوى المعيشة، ناهيك عن آلاف الوافدين الذين وقعوا فريسة الطمع، وهم بالكاد يستطيعون تدبر أمرهم لدفع إيجار المنزل، واقع الحال الذي يجعلنا لا نستغرب وجود أكثر من عائلة في بيت واحد، حيث يتقاسمون دفع الإيجار؟!.
وبرأي داؤود فإن السبب وراء الارتفاع غير المسبوق في أسعار السوق العقارية هو ارتفاع أسعار الأراضي المخصصة للبناء، ناهيك عن الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء، ومستلزمات الإكساء، ولاسيما التمديدات الصحية، والكهربائية، والدهانات، والارتفاع الكبير في رسوم الرخص مثل رسوم نقابة المهندسين، ورسوم المرافق العامة، كلها عوامل ساعدت في زيادة الأسعار التي تأثرت أيضاً بارتفاع تكاليف النقل، بالإضافة إلى رخص الكهرباء التي ارتفعت رسومها بمقدار/150/ ضعفاً، وذلك بعد إلزام المتعهد من قبل وزارة الكهرباء بدفع تكاليف إيصال التيار الكهربائي من محطة التزود بالطاقة الكهربائية إلى المحضر السكني، وهو الأمر الذي تسبب في دفع المتعهد لتكاليف كبيرة انعكست في النهاية على المشتري، كون المتعهد سيحسب هذه الكلفة مع هامش ربح يتناسب معها على سعر بيع المتر المربع، مبيّناً أن بعض الأبنية يضاف إليها مبلغ ما بين 10 إلى 15 مليوناً ثمناً لرخصة الكهرباء، وهذا المبلغ يقسم على عدد الشقق ضمن البناء، لافتاً إلى أن معظم الرخص المتوقفة بالبلديات بسبب رخصة الكهرباء؟!.
 
عرض وطلب
سليمان علي، دكتور في الاقتصاد، يرى أن سوق العقارات كبقية أسواق الاقتصاد الوطني يخضع إلى قوى العرض والطلب لتحديد سعر العقار بيعاً وشراء من جهة، وأسعار الإيجارات من جهة أخرى.
ويؤكد علي أنه لا يستطيع أحد أن يشتري منزلاً إذا لم يكن في جيبه على الأقل 7 ملايين ليرة، كما لا يمكن لمن يرغب باستئجار منزل أيضاً أن يفعل ذلك من دون أن يدفع 25 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى، مشيراً إلى أنه في أحد الشوارع التجارية يزيد سعر المتر الواحد عن بقية الشوارع التجارية الأخرى ما بين 50 إلى 75 ألف ليرة بسبب قلة عدد الشقق الفارغة بهذا الشارع؟!.
ويؤكد علي أنه كلما ارتفع الطلب على العقارات ارتفعت أسعاره، وكلما انخفض تراجعت الأسعار، مؤكداً أنه مع بداية الأزمة الحالية شهد سوق العقارات ركوداً نسبياً في أسعار العقارات، حيث لم تكن هناك أية حركة عقارية بيعاً أو شراء خلال العامين الأولين من الأزمة، ولكن الوضع تغير منذ عام 2013، حيث حدث ارتفاع مطرد لأسعار العقارات في اللاذقية بلغ خمسة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب الإرهابية على سورية!.
 
باسل يوسف