الحكومة توزع «فيتامين C» على الشعب: اللاذقية... «أرض البرتقال الحزين»

الحكومة توزع «فيتامين C» على الشعب: اللاذقية... «أرض البرتقال الحزين»

أخبار سورية

الاثنين، ٥ فبراير ٢٠١٨

«الدولة تمدّ الشعب بفيتامين C»، عبارة ساخرة ردّدها اللاذقيون تعقيباً على توزيع الحكومة البرتقال في أحياء مدينة اللاذقية الشعبية. غير أنّ هذا الموضوع ليس مجرد نكتة عادية، وسط تساؤلات عن واقع فروع «المؤسسة الاستهلاكية»
استفاق أهالي الأحياء الشعبية في اللاذقية قبل أيام على مرور سيارات شاحنة توزع فاكهة البرتقال مجاناً على الناس. فرصة لطيفة تلقفها المواطنون بلهفة، إذ ازدحموا حولها لنيل ما يستطيعون حَملهُ من المنتج المتوافر، أساساً، بأرخص الأسعار. وبعد شائعات انتشرت في الشارع الساحلي عن تاجر ثري اشترى المحصول المتوافر لدى المؤسسات الاستهلاكية الحكومية ووزعه على الناس مجاناً، كنوع من عمل الخير، تبيّن أن «المؤسسة السورية للتجارة» نفسها توزع البرتقال مجاناً في الأحياء الفقيرة، لتفتح صفحة لا تنتهي من الأخذ والرد لدى اللاذقيين.
في حي الرمل الفلسطيني، على الشاطئ الجنوبي للمدينة، أرسلت خديجة ابنها ليحجز دوراً حول إحدى شاحنات التوزيع المجاني، غير أن الولد عاد خالي الوفاض، بسبب الازدحام الهائل. تعلق على الأمر بالقول: «البعض نال أكثر من حصة ومضى لبيعها لدى المحال التجارية». تجيب عن سؤال حول هوية الموزعين، بقولها: «إنها المؤسسة الاستهلاكية». وتعقّب ساخرة بلهجة محببة تشبه لهجة ممثلي المسلسل الشهير «ضيعة ضايعة»: «الحكومة توزع فيتامين C على الشعب. الله يخليلنا الحكومة». لا تحتوي المؤسسات الاستهلاكية القريبة، وفق قولها، الكثير من المواد، بل تكتفي المرأة بشراء المواد الأساسية منها كالسكر والأرز، وبعض المؤن. لا فرق في الأسعار بين باعة «المفرق» والمؤسسة. «أحياناً يصل الفرق إلى 10 ليرات للكيلو الواحد. وقد يجعلنا الموظف ندفعها ثمناً للكيس الكبير الذي نعبئ فيه كيلوغرامات عدة من السكر مثلاً»، تقول المرأة الخمسينية بأسى. وتضيف: «مع ذلك نفضل أن نشتري من الدولة بدلاً من إفادة التجار الذين لم نرَ منهم سوى الاحتكار في الأيام الصعبة». وفي حي الدعتور، على الأطراف الشمالية للمدينة، يرى أبو غسان خطوة توزيع البرتقال مجاناً على الناس إيجابية من قبل الحكومة، إذ يصل سعر كيلو البرتقال لدى باعة «المفرق»، إلى 150 ليرة، إن كان من النوعية الجيدة. غير أنه يضيف قائلاً: «لكننا يجب أن نسأل مزارعي البرتقال عن هذه الخطوة، فهم يعانون ما يعانونه من صعوبات البيع».
وإن كان من حق المؤسسة الحكومية توزيع مخزونها من البرتقال قبل أن يكسد، مع كسب بعض الود في الشارع السوري، فمن الواضح أن الأمر لم يستفز كثيراً المزارعين. يقول هاشم، المزارع العتيق للحمضيات: «الدولة حرة في تصريف المنتجات التي تشتريها. توزيع الفاكهة مجاناً لن يؤثر في الموسم. إنه سيئ في كل الأحوال». يرى الرجل أن توجّهاً خطيراً لاقتلاع أشجار الحمضيات واستبدال زراعة الكيوي بها بدأ يغزو بيّارات البرتقال في الساحل السوري. يشرح الأمر بقوله: «لا ألوم المزارعين بعد التضييق الكبير عليهم لتصريف ثمار تعبهم. غير أن الأمر تلزمه دراسة أكبر. ثم من قال إن ما أصاب زراعة البرتقال من معوقات لن يصيب أيضاً أي زراعة أُخرى في الساحل السوري. ما نالته زراعة التبغ لا يزال في ذاكرتنا». لدى الرجل شجون كثيرة حول استبدال الساحليين زراعة التبغ بالحمضيات منذ عشرات السنين، بعد وضع الدولة يدها على المحصول ومنع بيعه في السوق السوداء، إلا في حالات نادرة. أرباح المزارعين تقلّصت رغم جودة المنتج الساحلي، ما اضطر كثيرين إلى زراعة أنواع أُخرى من المحاصيل.
ومن اللافت، الفرق الشاسع بين أداء المؤسسات الاستهلاكية في الساحل والعاصمة، حيث يمكنك أن تشاهد أجود الأنواع وأعلاها سعراً، كالمانغا والأناناس والقشطة والأفوكادو، إضافة إلى جميع الخضر والفواكه والمواد التموينية المعبأة لدى «السورية للتجارة»، في فرع المؤسسة الكائن في حي المزة فيلات.
بينما تجد مواد أولية فقط في فروع أخرى فقيرة بالسلع وأنواعها. أمر يلفت نظر علاء، الموظف الذي يرتاد فروع المؤسسات الاستهلاكية، بغرض البحث عن القليل من التوفير. «يمكن ملاحظة الفرق في الأسعار بين فروع المؤسسة وخارجها، بالنسبة إلى المواد المستوردة الباهظة السعر. وهي مواد يتحكم التجار في الخارج بأسعارها، حسب المنطقة ومستواها الاجتماعي والطبقي»، يقول علاء. ويضيف ملاحظاته على النظافة داخل الفروع، وضرورة السرعة في التخلص من المنتجات الكاسدة وتنظيف مخلفات النباتات يوماً بعد آخر، خشية تزايد الروائح الكريهة. ويحيل أسباب الفروقات في مستوى السلع المتوافرة بين فرع وآخر إلى إدارة المؤسسة نفسها، متسائلاً: «هل للأمر علاقة بالتفتيش والتدقيق على بعض الفروع في المناطق الغنية والواقعة قرب منازل المسؤولين؟ وهل رقابة الإدارة فاعلة على فروعها في المحافظات؟». أسئلة كثيرة يطرحها الناس، وقد تكون الإجابات المتفائلة تتمثل في ما يردده بعض القيمين حول تصريف المواد المرتفعة الثمن في بعض المناطق، والخشية من كسادها في مناطق أُخرى. ولعله السبب ذاته الذي جعل المؤسسة توزع البرتقال على الناس مجاناً في أحياء قنينص والدعتور والرمل الفلسطيني في اللاذقية. وبهذا يمكن الابتعاد قليلاً عن الفرضية الساخرة حول حرص الحكومة على الشعب من الزكام، ومناقشة الأمر بجدية من قبل الرأي العام، في محاولة للتأثير في الأداء الحكومي المتأرجح.