اقتصاد الظل… هدر مليارات الليرات.. والمواطن يدفع ضريبته مرتين

اقتصاد الظل… هدر مليارات الليرات.. والمواطن يدفع ضريبته مرتين

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٤ يناير ٢٠١٨

يوسف الحيدر  
لم يكن تمدد اقتصاد الظل مرهوناً بظروف الحرب وتداعياتها السلبية على الاقتصاد المحلي بجميع قطاعاته، وإنما كان موجوداً قبل تخييم ظلها الثقيل على البلاد، وإن ساهمت بطبيعة الحال في تعظيم نسبته، التي يقول الخبراء الاقتصاديون إنها قاربت 80%، أمام أنظار ومعرفة الجهات الرقابية والمسؤولة، ليصبح بنوعيه «الإيجابي والسلبي»، شكلاً شبه رسمي من أشكال التبادل التجاري والسلعي في الأسواق وبين المواطنين، وربّما مع قادم الأيام ستحكم طريقة عمله السوق أو توجهه أو تخلق فيه معادلات جديدة، في ظل انشغال أصحاب الشأن بالجولات والصولات، وهنا نتساءل: إذا كان اقتصاد الظل بات يشكل النسبة الأكبر من الاقتصاد الرسمي، فلماذا لا تبادر الوزارات المعنية إلى إعداد خطة مدروسة بدقة بناء على إحصاءات وأرقام حقيقية تضمن بلورة آلية معينة لتنظيمه والعمل على دخول مشتغليه في دائرة الاقتصاد النظامي بدل نهشه وهدر مليارات الليرات على الخزينة لتذهب إلى جيوب المهربين والتجار المحتكرين على حساب المواطن والتاجر الحقيقي والاقتصاد المحلي.
المولود الطبيعي للفساد
الباحث الاقتصادي وعميد كلية الاقتصاد السابق الدكتور رسلان خضور، قسّم اقتصاد الظل إلى ثلاثة أقسام: قسم غير رسمي كالورش الحرفية الصغيرة، وآخر قانوني لا يصرح عن جزء من نشاطه كالعمالة غير المسجلة والأخير غير قانوني كالتهريب، وبيّن أنّه بسبب طبيعة هذا الاقتصاد يصعب عملياً تقدير حجمه رغم أنه منتشر في كل مكان ومن أهم عوامل تطوره تطور التكنولوجيا المالية بفعل التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات حيث تغيب الرقابة القانونية، وحسب تقديراته تصل نسبة هذا النوع من الاقتصاد إلى 80% من الاقتصاد الكامل ويمكن حسابها من عدة طرق كمراقبة سوق العمل، والتهرب الضريبي أيضاً، إضافة إلى فائض الأوراق النقدية.
ويوضح خضور أنّ أهم الآثار الاقتصادية المترتبة على اقتصاد الظل هو الضياع الضريبي، وهذا يعني تراجعاً في الإيرادات العامة وزيادة عجز الموازنة، وتترتب عليه زيادة الضرائب غير المباشرة التي تصيب الفقراء أكثر من الأغنياء، وتراجع قدرة الدولة على الإنفاق على الخدمات العامة والقيام بوظائفها تجاه مواطنيها، ويعني تحديداً استثماراً أقل في الصحة والتعليم، إضافة إلى آثار غير السلبية كالمساهمة في خلق الكثير من فرص العمل وتخفيف حدة البطالة وتوفير الكثير من السلع والخدمات التي تلبي حاجات المجتمعات لبعض السلع التي قد لا يوفرها الاقتصاد الرسمي أو قد تكون أسعارها مرتفعة كبعض الخدمات التعليمية والسلع الغذائية، مشيراً في النهاية إلى أنّ قسماً كبيراً من اقتصاد الظل يعدّ المولود الطبيعي للفساد.
ودعا خضور إلى أنّه لمعالجة جوانب هذا الاقتصاد على الجهات المسؤولة حصر هذه الأنشطة وتبويبها وتصنيفها من أجل دمج النشاطات المشروعة في الاقتصاد الرسمي المنظم، وإنشاء جهاز خاص لمكافحة العمل غير المعلن قياساً بتجربة الدانمارك والاتحاد الأوروبي.
له إيجابياته
رغم سلبيات اقتصاد الظل الكثيرة لكن له إيجابياته أيضاً، حيث يرى طلال قلعجي عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها أنّ بعض الورشات الصغيرة التي انتقلت بفعل الحرب إلى داخل المدن التي لا تدفع ما عليها يجب تشجيعها، لذا لا يمكن فتح موضوع تنظيم هذا النوع من الأعمال الآن لأنّه غير منطقي بل علينا مساعدتهم، وطرح أمثلة عن الورشات الصغيرة التي تعيل الأسر إن كان من خلال العمل داخل بيوتها أو في الأقبية، والمفروض لإنصاف هؤلاء الصناعيين إعفاؤهم من كل شي لتشجيعهم على العمل، والحكومة بدورها أيضا تريد تشجيع هذه الورشات الصغيرة ومتناهية الصغر، وكل صناعي يجب منحه كل التسهيلات، فلماذا نحاسب من بقي في البلد بينما البعض خرج وعمل في الخارج؟.
يوافقه الرأي بالعموم رئيس غرفة تجارة دمشق غسان القلاع الذي رأى أنّ للاقتصاد غير المنظم إيجابيات رغم سلبياته الكثيرة، فمنه بدأ عدد من أصحاب الحرف والورش والباعة الصغار عملهم حتى أصبحوا تجاراً وصناعيين كباراً، وللأسف بعضهم مازال يستخدم أساليب الاقتصاد غير المنظم حتى الآن، ويرى أنّ قوننة هذا القطاع وتسهيل الإجراءات أمر لابد منه وذلك أفضل من محاربته.
التهريب أهم روافده
باسل هدايا أحد تجار دمشق وصف الاقتصاد غير المنظم بشكله السلبي والذي يشكل التهريب الجزء الأكبر والمهم في تغذيته، إضافة إلى بعض الممارسات الأخرى، بأنّه يؤثر سلباً في دخل الخزينة من رسوم جمركية، وفي المستهلك من حيث نوع البضاعة، وفي التاجر من حيث قدرة المهرب أو من يتعامل معه على منافسته لأنّه لا ضريبة لديه أو رسوم لا منشأة أو دفع تكاليف، ودائماً ما رفعنا الصوت لوزارة التجارة كي تساعد على وضع الحلول وخاطبناها حول هذا الأمر كثيراً، وطالبنا كذلك بإصلاح النظام الجمركي لأنّه الأساس وهو من يقوم بالعدل بين التجار، فلا يمكن لتاجر إدخال بضاعة بطرق ما مختلفة أو بعيدة عن الصحيحة، وعدّ هدايا أنّ ضوابط الاستيراد الجديدة التي وضعت ساهمت في ازدهار الاقتصاد غير المنظم وازدياد الفساد، وطالب بالرجوع عنها لأنّ السوق هو الضامن بما فيه من عرض وطلب.
بينما يرى محمد الحلاق خازن غرفة دمشق أنّ منع استيراد أيّ مادة يوقف العاملين فيها عن العمل فيأتي أشخاص آخرون يعملون في المجال ذاته من خلال الاقتصاد غير الرسمي السيئ والتهريب.
ضرائب إضافية!
الأعمال التي تندرج تحت مسمى اقتصاد الظل إن لم تضرّ بشكل مباشر إلا أنّ ضررها اللاحق يصل للاقتصاد الحقيقي والتاجر والمواطن والمجتمع ككل، فوفق قول عمار البردان نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، الذي أكد أنّه نتيجة هذا الشكل السلبي تقوم وزارة المالية لتعويض النفقات التي لا تدخل خزينتها بسببه بفرض رسوم وضرائب على التاجر المسجل لديها نتيجة تهرب غير المسجلين الذين يعملون باقتصاد الظل أو غير المنظم، وبهذا يكون الضرر أكبر على الجميع لأنّهم سيتحملون الضائع من هذه الأموال، وعلى جميع الوزارات والأجهزة الحكومية التنبه لهذا الأمر، مبدياً أسفه لعدم وجود متابعة وإحصاءات رسمية من قبل الجهات المعنية بشأنه.
إذن عمل مؤقت
وزارة الصناعة وفي سعيها لمعالجة هذا الأمر ومن باب إحياء العملية الصناعية ولكن بشكل رسمي وقانوني لم تقف متفرجة، فكما يوضح المهندس بشار زغلولة مدير الاستثمار الصناعي في وزارة الصناعة أنّه نظراً لازدياد هذا النوع من الأعمال بسبب ظروف الحرب، وللأضرار الناتجة عن عملها الصناعي غير النظامي من تهرب من دفع الرسوم والضرائب وضياعها على خزينة الدولة، بعكس الصناعيين الذين يعملون وفق القوانين ويتحملون التكلفة كاملة وتجد منتجاتهم منافسة كبيرة في السوق، فإنّ الوزارة سعت وضمن خطتها لتشجيع أصحاب هذه المنشآت لدى رئاسة مجلس الوزراء لإصدار القرار رقم /77/م.و/ الذي منح المنشآت القائمة والمستثمرة غير الحاصلة على الترخيص الإداري الواقعة خارج المخططات التنظيمية المصدقة لمدن مراكز المحافظات قبل صدور هذا القرار في 17/12/2017، إذناً بمزاولة نشاطها بشكل مؤقت لمدة سنتين مقابل غرامة قدرها 5 آلاف ليرة للمتر المربع الواحد عن كامل مدة الإذن، على أن يتقدم صاحب المنشأة بالطلب خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار، ثمّ أصدرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة الآلية التنفيذية الخاصة به التي شملت منح الإذن بالعمل المؤقت للمنشآت الصناعية والحرفية والسياحية وأيّ جهة مختصة بهذا النوع من العمل، وتمّ الإيعاز من خلالها لمديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك لمنح أصحاب العلاقة السجل التجاري المؤقت أيضاً، وبناء على الحصول على هذا الإذن تمنح المديريات الصناعية أصحاب هذه المنشآت السجل الصناعي أو الحرفي الخاص بها.
مقبول وصحي وبسعر جيد!
مدير حماية المستهلك علي الخطيب في وزارة التجارة الداخلية، أوضح أنّ ما يهم الوزارة هو أن يكون ما ينتجه هذا الجزء من الاقتصاد من العمل مقبولاً وصحياً وذا جودة وسعر مقبولين للمواطن، فليس كل ما يتعلق بهذا الاقتصاد سيئاً لأنّه يوفر بعض المواد غير الموجودة في السوق، أما عن إجراءات الوزارة للمساعدة في الحدّ منه ودفعه إلى العمل بشكل نظامي فقال الخطيب: دورياتنا خلال عملها تتحرى عن نظامية تسجيل أي صاحب منشأة بسجل تجاري وتحثه على الحصول على السجل التجاري إن لم يكن لديه بعد إصدار المخالفة بحقه، ودعا إلى التشجيع على الانتساب للجمعيات والغرف التجارية والصناعية لكي يرد العاملون من خلالها للدولة جزءاً مما تقدمه.
«الاقتصاد».. إلى «المالية»
وعند مراجعة «تشرين» وزارة الاقتصاد لقياس مدى ضرر هذا القطاع وتأثيره، والإجراءات التي من الممكن القيام بها للحدّ من تأثيره وتشجيع العاملين به لقوننة نشاطاتهم، قامت الوزارة عن طريق مكتبها الصحفي وفي ردّ شفهي على تساؤلاتنا بتوجيهنا إلى وزارة المالية فهي المتضرر الأكبر -حسب رأيها- وهي تملك جميع الإحصاءات والبيانات، أما ضرره على «الاقتصاد» فليس كبيراً، وهنا نتساءل: هل يعقل ألا تملك وزارة الاقتصاد معلومات وإحصاءات على تأثير هذا الاقتصاد غير المنظم على الاقتصاد المحلي وخاصة في ظل تقدير الباحثين الاقتصاديين أنه بات يشكل حوالي 80% منه.
كيف ترسم سياساتها إذاً!
عمار البردان كان له رأي مختلف بضرر ذلك على الاقتصاد الحقيقي، عندما تساءل: كيف تقوم وزارة الاقتصاد بأيّ دراسة اقتصادية أو بحوث من دون إحصاءات تتعلق بالسوق، وكيف ترسم سياساتها وتضع خططها ما لم تكن لديها معلومات أو معرفة بهذا السوق، آفتنا التي توقف تطور اقتصادنا هي النسبة الكبيرة لما يسمى اقتصاد الظل أو غير المنظم، وهو موجود في كل بلاد العالم ولكنه ليس بالنسبة التي توجد لدينا.
أما الباحث الاقتصادي د.أدهم شقير فرأى أنّ الاقتصاد الأوروبي لم يتطور إلا عندما قام بدراسة هذا النوع من الاقتصاد وشكلت له هيئات لمحاربة النشاطات الاقتصادية غير الناجحة بعد البحث في أسبابها، ثمّ وضع الحلول المناسبة له لتشجيعه وجعله يعمل ضمن الاقتصاد الحقيقي وبالفعل نجحت في ذلك، ورأى أنّ عدم دراسة هذا الأمر ومحاولة معالجته في بلدنا أمر غريب، مقترحاً وضع القوانين والتشريعات لهذا السوق وتشجيع العاملين في ذلك السوق إلى الانضمام للعمل داخل كنف المؤسسات الحكومية.
عودة إلى الاقتصاد الحقيقي
ولكي لا يشوّه الاقتصاد المنظم اقتصادنا الحقيقي تمنى الحلاق أن تتخذ الإجراءات لتشجيع من يعملون في هذا المجال على الدخول في الاقتصاد الحقيقي والعمل به ضمن القانون، وتقديم امتيازات لهم لكي يتحول من يعمل فيه إلى الاقتصاد الحقيقي.
ومن هنا يرى هدايا أنه يأتي دور وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال سنّ القوانين والتشريعات والتدخل عند وجود تصرفات شاذة والوزارة، فمن غير المعقول التدخل بالعمل اليومي في الأسواق لأنّ أهل السوق أدرى به، والدليل الضوابط حول إصدار إجازات الاستيراد التي سببت افتعال المزيد من المشكلات ليس أكثر، مطالباً بعدم تقييد التاجر الحقيقي لأنّ ذلك يشجع على العمل في الاقتصاد غير الرسمي وخارج القوانين.