الشجرة في رحاب عيدها وحملات الاحتفاء بغرسها.. تحديات تعصف بغطائنا الحراجي وتنذر بانحساره وتراجع موارده

الشجرة في رحاب عيدها وحملات الاحتفاء بغرسها.. تحديات تعصف بغطائنا الحراجي وتنذر بانحساره وتراجع موارده

أخبار سورية

الاثنين، ١٨ ديسمبر ٢٠١٧

تتعرض ثروتنا الحراجية لتحديات طبيعية وبشرية حقيقية، لا تزال تعصف بها، وتستنزف مواردها، وتلتهم غطاءها الأخضر لتتسع بؤرة مفاعيلها السلبية المحدقة راهناً ومستقبلاً بالتوازن البيئي، والتنوع الحيوي، وبحسب التقديرات الأولية التي كشفت عنها مديرية زراعة اللاذقية، فإن الحرائق والأضرار تخطّت أكثر من 10 آلاف  هكتار، فتكت بها نار الإرهاب،  تضاف إليها مساحات حراجية واسعة التهمتها الحرائق خلال السنوات الماضية، والحصيلة خسارة بيئية واقتصادية بكل المقاييس، وأيضاً خسارة إنتاجية ناجمة عن ضياع الموارد والنواتج الخشبية، ولأنّ لغاباتنا واقعاً مريراً ومؤسفاً في ظلّ شبح الخطر الداهم المتربّص بها حريقاً وتعدّياً وعبثاً بها، فإنّ الرهان الأزلي يبقى على النأي بها من الأخطار المحدقة بها، وما أكثرها ليكون التعويل على الجانب الوقائي، والوعي البيئي، والنهج التشاركي، ولكن تبقى العبرة دائماً في التنفيذ، وجدوى التطبيق، ومدى التحقيق الملموس من هكذا برامج، وخطط ومشروعات.

حماية الغطاء الحراجي

يؤكد المهندس منذر خير بك، مدير زراعة اللاذقية، أنّ الاحتفال بعيد الشجرة في مثل هذه الفترة من السنة يؤدي  إلى توسيع مشاركة فعاليات المجتمع المحلي والرسمي والأهلي في رفع مستوى الوعي بأهمية الشجرة، وتحقيق مساهمة لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع في عملية التوسع في المساحات الخضراء، وترسيخ ذهنية المحافظة على الغطاء الأخضر، وزيادة مساحته في إطار ثقافة عامة تقع على عاتق الجميع، ولا تقتصر على جهة بحد ذاتها، وتعمل مديرية زراعة محافظة اللاذقية وفق خطة معدّة مسبقاً تتضمن إنتاج الغراس، وتحريج المواقع المقترحة للتحريج، وكذلك الاحتفال بعيد الشجرة للمساهمة في إنجاح حملات التشجير التي تجري انطلاقتها في احتفالية عيد الشجرة، وكذلك تقديم الغراس الحراجية للمواطنين بسعر تشجيعي.

خطة إنتاجية للتحريج

وأوضح المهندس خير بك أن الخطة الإنتاجية للموسم الحالي في مجال الغراس الحراجية وصلت إلى 508 آلاف غرسة من أصل المخطط له البالغ 500 ألف غرسة حراجية، ويتم توزيع هذه الغراس في خطة تحريج الموسم 2017 – 2018، حيث توزع الغراس على المواقع المقررة والمحددة في خطة التحريج، وذلك للغراس الجديدة والمدوّرة من العام الماضي والمواسم السابقة، حيث يتم توزيع الغراس على المؤسسات والأفراد والمنظمات الشعبية والجمعيات الأهلية والوحدات الإدارية، أما الأنواع المنتجة الجاهزة للتوزيع في مشاتل المحافظة، فتتوزع على خمسة مشاتل (الهنادي – جوبة برغال– البلاط– البارد– بسمالخ )، وبمجموع كلي للغراس الجاهزة للتوزيع في مشاتل المحافظة (476179) غرسة من الأرز والشوح في الجوبة والبارد والبلاط وبسمالخ، وهناك 30 صنفاً حراجياً في مشتل الهنادي لأغراض التحريج الاصطناعي، وإحياء عيد الشجرة، وتوزيعها على الإخوة الفلاحين والمواطنين كمصدات رياح، وتتم زراعة غالبية مواقع التحريج بغراس الصنوبر الثمري، كون هذه الشجرة تتمتع بمدى بيئي واسع، وبمرونة من ناحية المتطلبات البيئية ولما تحققه من شعبية واهتمام لدى المجتمعات المحلية، إضافة إلى جمال منظرها وقيمتها الاقتصادية العالية، وذلك بالتوازي مع إدخال الأنواع الحراجية عرضات الأوراق في خطة إعادة تأهيل وتحريج المواقع الحراجية المحروقة، كون هذه الأنواع أقل حساسية للحرائق، حيث تتم زراعتها على شكل أشرطة عازلة بين الأشجار، وخاصة الصنوبريات وعلى جوانب الطرق.

تأهيل المواقع المتضررة

ويبيّن مدير الزراعة أنّه نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة  جراء الأزمة في المحافظات، وتوافد الأهالي إلى محافظة اللاذقية، وإشادة المخيمات لهم ضمن المدينة الرياضية، ونتيجة للضرر الذي تعرضت له المرافق العامة فيها، فقد تمّ التوجه نحو إعادة تأهيلها، وذلك بعد عودة الأهالي والشاغلين إلى منازلهم بفضل انتصارات رجال الجيش العربي السوري، وعودة الأمن والأمان إلى معظم مناطق وطننا الحبيب، ومن خلال جولة للسيد محافظ اللاذقية، فقد تمّ اختيار موقع المدينة الرياضية للاحتفال بعيد الشجرة السادس والستين، حيث تبلغ المساحة المقترحة لإقامة حملة التشجير في الموقع 24 دونماً، إضافة إلى عدة مواقع أخرى ضمن محافظة اللاذقية يتم اختيارها بالتنسيق مع الفعاليات المشاركة كافة، أما حرائق الغابات خلال عامي 2016 – 2017، فقد بلغ عددها الكلي في العام الماضي 254 حريقاً حراجياً بمساحة تقريبية للمواقع المحروقة 364 هكتاراً، أما عدد الحرائق الزراعية في العام المذكور، فقد بلغ 1050 حريقاً زراعياً، في حين بلغ عدد حرائق العام الجاري 100 حريق حراجي و688 حريقاً زراعياً وبمساحة حراجية محروقة قدرها 95 هكتاراً.

ترميم المساحات المحروقة

ومن جهته المهندس باسم  دوبا، رئيس دائرة الحراج والغابات في محافظة اللاذقية، يتحدث عن خطة استراتيجية متكاملة لإعادة ترميم الغطاء الحراجي المتضرر جراء الاعتداءات الإرهابية، كاشفاً عن قيام  مديرية زراعة اللاذقية بإنجاز دراسة متكاملة لإعادة تأهيل، وترميم المساحات الحراجية المتضررة بالاعتداءات الإرهابية في غابات اللاذقية، وتناولت الدراسة  حجم الأضرار والمساحات والأصناف  والخسائر والآثار السلبية  الناجمة والتكلفة التقديرية لمشروع إعادة تأهيل الغطاء الحراجي المتضرر في ريف اللاذقية الشمالي، مبيّناً أنّ التقديرات الأولية للمساحات الإجمالية المحروقة في المناطق المحررة بريف اللاذقية الشمالي قاربت 10 آلاف هكتار، وذلك وفق التقديرات الأولية منذ تعرّض الغابات للاعتداءات قبل خمس سنوات، وأوضح أنّ هناك مشروعاً ترميمياً قيد الدراسة لإعادة تأهيل الغابات، وهناك مسعى لتأمين التمويل اللازم لهذا المشروع، مبيّناً أنّ الدراسة وبياناتها أظهرت أنه يمكن من خلال هذا المشروع إعادة تأهيل 5 آلاف هكتار خلال 3 سنوات كمرحلة أولى، وأن مشروع التأهيل مطروح للتمويل، وهناك مسعى حثيث لتأمين التمويل  لهذا المشروع الحيوي، وبالتوازي مع السعي الجاد من خلال وزارة الزراعة لزيادة الخطة السنوية للتشجير والتحريج في محافظة اللاذقية، وبيّن المهندس دوبا أن المساحة التي تم  تقديرها في الغطاء الحراجي المحروق بنار الإرهاب في عام 2012  كانت نحو 10 آلاف هكتار، وحينها كان متعذّراً معاينة الخسائر والأضرار على الأرض، ولكن بعد تحريرها قامت الكوادر الحراجية بالدخول والكشف الميداني على المساحات المتضررة، حيث تبيّن أن هناك تفاوتاً في الأضرار، وهذا من شأنه أن ينعكس على تناقص حجم الأضرار والمساحات، وأكد دوبا أن مديرية زراعة المحافظة أعدت دراسة فنية تفصيلية حول مشروع إعادة ترميم، وتأهيل المناطق الحراجية المتضررة بنار الإرهاب، ومنها مشروع تأهيل كمرحلة أولى لمساحة 5 آلاف هكتار، وقد تم رفع دراسة المشروع  إلى وزارة الزراعة، لأن أعمال الترميم تتطلب عملية استصلاح، وإعادة زراعة، وبنى تحتية، وإدخال أصناف حراجية إنتاجية، ونباتات طبية، وأعشاب عطرية وزيتية ورحيقية، بما يجعلها مصدر دخل حقيقياً للمجتمع السكاني المحلي المجاور للغابة، وبما يعود من هذه الغابات بفوائد إنتاجية، وبعائدات اقتصادية.

الوقاية أولوية

وبحسب المهندس دوبا فإن مديرية الزراعة تعوّل في موازاة كل برامج ومشروعات ترميم الغطاء الحراجي المتضرر على خطة الوقاية من الحرائق عبر تدابير وقائية مشددة لحماية الغطاء الحراجي، ولمكافحة الحرائق الحراجية، ومنع التعديات على الغابات، وتعزيز برامج تنمية مواردها الطبيعية، ولاسيما خلال فصل الصيف الذي يحمل تحدياً خطراً للغابة بفعل حرارة الجو، والجفاف، وارتياد السكان للغابات، مؤكداً أن الحفاظ على سلامة الغطاء الحراجي يشكّل برنامج عمل على مستوى المحافظة من خلال إجراءات مشددة لحماية الثروة الحراجية من الحرائق ومن التعديات، والتركيز على حماية الغابات بطرق وقائية، ومنع التعدي عليها، ومنع قطع الأشجار بأي شكل، وفرض أشد العقوبات بحق كل من يتسبب بالتعدي على الغابات.

بدائل لمنع التفحيم

وأوضح المهندس دوبا بأن أهم أسباب الحرائق الحاصلة خلال الفترة الماضية كانت التحريق الزراعي، والتنزه، والإهمال، والتفحيم، والصواعق، وأشار إلى أهمية وأولوية التركيز على الإجراءات التي من شأنها التخفيف والحد والوقاية من أسباب الحرائق من خلال  تجهيز فرق وكوادر الإطفاء، ووضعها في أعلى مستوى من الجاهزية، وأيضاً تجهيز مراكز الحماية والإطفاء، وتأمين الكشف السريع عن الحريق، وسرعة الوصول إليه، وتكثيف برامج التوعية والإرشاد الحراجي، وفصل الأراضي الزراعية عن الحراجية، وتحديد مواقع السياحة البيئية في الغابات، وتفعيل النهج التشاركي مع المجتمع المحلي، وزيادة الدوريات والحراسة لمنع الحرائق المقصودة، وتطبيق خطة استراتيجية متكاملة، والعمل على إيجاد بدائل للسكان المحليين لمنع التفحيم، وتطبيق نهج تشاركي يهدف إلى حماية الغابات، وترميم الطرق الحراجية، وخطوط النار، وتوزيع سيارات الإطفاء لدى مديرية الزراعة على المواقع الحراجية، وأجهزة قياس الرطوبة والحرارة والرياح على الشعب الحراجية، ومراكز الحماية، وتزويد فرق الإطفاء بكل المستلزمات الضرورية، والتركيز على بناء شراكة مع كل الجهات للقيام بأعمال الوقاية من الحرائق ومكافحتها، وإشراك السكان في ذلك، وتفعيل دور جميع مؤسسات ومديريات المحافظة في الوقاية من الحرائق ومكافحتها.

مساحات حراجية

تشغل الغابات في محافظة اللاذقية أكثر من ثلث مساحتها، حيث تبلغ المساحة الإجمالية لمحافظة اللاذقية /229689/ هكتاراً، ويشكّل الغطاء النباتي بشقيه الحراجي والزراعي: (غابات، وأشجار مثمرة، ومحاصيل حقلية)، حوالي 65٪ من تلك المساحة، وتمثّل الغابات نسبة 37٪، أي ما يعادل مساحة قدرها /85/ ألف هكتار، مشكّلة بذلك نسبة 30٪ من مساحة الغابات الطبيعية في سورية، وتعتبر الغابات من أهم الموارد الطبيعية التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها، نظراً لدورها الكبير من الناحية البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية، إذ تعمل على دعم وتغذية الموارد المائية من خلال حماية مساقط المياه، وحماية التربة من الانجراف، وتوفير النباتات والأعشاب الطبية، ورفع مستوى التنوع الحيوي، وتلطيف الجو، إضافة إلى فوائدها في تأمين كميات لابأس بها من الأخشاب، وتشغيل اليد العاملة في الأعمال الحراجية، وكذلك الأمر بالنسبة لأهميتها السياحية، إذ تشكّل الغابات متنزهات طبيعية يؤمها الكثير من طالبي السياحة، وتتميز معظم غابات اللاذقية بكثافة نباتية عالية، حيث تتشابك التيجان الشجرية مع بعضها بجمالية طبيعية ساحرة وجاذبة.

البعد البيئي

وفي رحاب عيد الشجرة الذي يجري التحضير له، فإنه لا يمكن إغفال الأضرار البيئية التي طالت الرقعة الزراعية، وبالأخص الغطاء الحراجي، ما يحتم لحظ هذه الأضرار ومنعكساتها وآثارها في البرنامج التنموي المطروح في المناطق الريفية الساحلية، وضرورة وضع كافة المؤسسات، بما فيها الجمعيات المعنية بالجانب البيئي، أمام مسؤولياتها المباشرة، وتقييمها على هذا الأساس من خلال إسهامها في العمل التشاركي الذي يتطلب منها “الرفع عن السواعد والزنود”، والقيام بمبادرات نوعية ملموسة في التنمية البيئية كونها الأرضية للمشروعات الإنتاجية، لأن الأضرار البيئية الناجمة عن الحرائق والتعديات وغيرها لا يمكن حصرها، في وقت ترتفع على نحو متزايد الأصوات العلمية التي تحذر من منعكسات التلوث البيئي على التنوع الحيوي، والموارد الطبيعية في الغابات، وضرورة كبح جماح المخالفات والتعديات التي تطال هذه الموارد، كونها باتت تشكّل تحديات بيئية تنذر بتراجع الموارد الطبيعية وعائداتها الاقتصادية في الساحل السوري، وبضياع مردود استثمارها في التنمية المستدامة، ما ينعكس على مؤشرات الإنتاج الزراعي، وقد شكّلت هذه التحديات قضايا بحثية تناولها  أكاديميون مختصون مشاركون في ورشات عمل تخصصية حول الموارد الطبيعية، وآثار الممارسات البيئية الخاطئة على تنوع وتنمية المصادر بجميع أشكالها، وهي ضرورية لاحتياجات المشروعات، ولاسيما أن أهم أسباب الحرائق متعددة، ومنها التحريق الزراعي، والتنزه العشوائي، والإهمال، والتفحيم، والصواعق، وغيرها، وهنا تكمن أهمية تحقيق تلازم العمل الحكومي والأهلي في التخفيف من أسباب الحرائق كإقامة أحزمة عازلة لفصل الأراضي الزراعية عن الحراجية، وتحديد مواقع السياحة بتهيئة بنية تحتية خدمية ولو على نطاق بسيط، وتفعيل الإرشاد الحراجي، وإزالة كل النباتات والأعشاب تحت شبكة التوتر الكهربائي والمحولات الكهربائية، وإمكانية استبدال شبكة التوتر المتوسطة بأسلاك معزولة، وخاصة في الغابات الصنوبرية ذات الحساسية العالية للحرائق، وتطبيق خطة استراتيجية متكاملة، والعمل على إيجاد بدائل للسكان المحليين، وتطبيق نهج تشاركي يهدف إلى حماية الغابات، وإيجاد نظام استثمار مدروس لها، وتنظيف جوانب الطرقات العامة، وتحت شبكات التوتر الكهربائي،  والتركيز على بناء شراكة مع كل الجهات للقيام بأعمال الوقاية من الحرائق ومكافحتها، وإشراك السكان، وتوسيع دور جميع المؤسسات من الحرائق ومكافحتها، وإصلاح ما تم تخريبه من شبكات مياه، وكهرباء، واتصالات.

مروان حويجة