علاج السرطـان… أمل حقيقي… أم رحلة معاناة ..«البيروني» يعانـي نقصاً في الكوادر وقسم الكاما كاميرا من دون طـبيب

علاج السرطـان… أمل حقيقي… أم رحلة معاناة ..«البيروني» يعانـي نقصاً في الكوادر وقسم الكاما كاميرا من دون طـبيب

أخبار سورية

الأحد، ١٧ ديسمبر ٢٠١٧

بادية الونوس - ميليا إسبر
عندما تدخل مستشفى معالجة الأورام السرطانية(البيروني) تحمد الله وتدعوه ألا تكون يوماً من بين تلك الوجوه الحزينة.. يراجع المستشقى نحو 600 مريض يومياً, والعلاج مجاني من قبل كادر طبي متواضع كأن تجد طبيباً أو اثنين في القسم الواحد وقد لا يوجد طبيب واحد في بعضها الآخر كقسم الكاما كاميرا!, ولكن هل يجد كل واحد من أولئك المرضى علاجهم في البيروني الذي غالباً ما تنقصه الأدوية أو الجرعات أو تتعطل الأجهزة، ما يعني مزيداً من الانتظار, وغير ذلك من التفاصيل التي تقصم ظهر المريض وذويه, وفي المقابل يؤكد د. ايهاب النقري مدير المشفى: إن هذا المشفى لا يتعدى كونه شعبة تؤدي خدمات بحجم مشفى أجبرتنا الظروف فتحها وتسهيلا لوصول المرضى إليها، مضيفاً أن 90% من الأدوية متوافرة والأجهزة لا تتوقف عن العمل إلا في ظروف ضاغطة والكادر الطبي متوافر, وهذا ما يخالفه فيه الكثير من المرضى الذين تحدثت تشرين إليهم ..
مع المرضى
ما يغطي على الأعمال التي يقدمها كادر طبي متواضع, الروتين والإجراءات الإدارية لموعد صورة أو جرعة.. الازدحام هي الصفة التي تطغى على المشفى لدرجة تصدمك، فالممرات الضيقة التي تغص بالمراجعين إلى حد الاختناق, عليها التحمل والأمل بالشفاء ليبقى أشد أنواع الموت بنكهاته المتعددة حالياً هو الموت قهراً بانتظار «جرعة الحياة» ..!
الانتظار المنغص الأكبر
شاءت الأقدار أن يكون أبو أحمد القادم من حلب من مرضى أورام الرئة لدى مشفى البيروني الجامعي، وهذا يعني أن يكون مراجعاً بشكل دوري في كل موعد جرعة إلا أن الانتظار والازدحام هما المنغص الأكبر له يقول: إن التعامل من قبل الأطباء بمنتهى الرقي ولكن تبقى المواعيد طويلة, ويجب الانتظار لأخذ جرعة إضافة إلى مشكلة جهاز الرنين المغناطيسي المعطل, وآخر مرة طلبوا منه رقم هاتفه لإبلاغه بموعد الصورة بعد اجراء الصيانة اللازمة للجهاز كانت بتاريخ /6/ تشرين الثاني, وأما موعد صورة الطبقي محوري فهي بتاريخ 26/2/2018 أي في العام القادم.. وما عليه إلا التحمل.
يضيف أبو أحمد أن أجور المواصلات تقصم ظهره لارتفاعها, فضلاً عن شراء الجرعة أحياناً في حال عدم توافرها متمنياً على الجهات المعنية فتح مركز للجرعات في أحد مشافي حلب لاستكمال العلاج في مدينته له ولأمثاله من المرضى.
المبيت في الحدائق
ليال عديدة قضاها في الحديقة العامة أو حتى في الطرقات في الصيف الماضي ريثما ينهي إجراءات العلاج, يقول محمد الشيخ القادم من ريف الرقة الشرقي: أدفع أجرة الطريق نحو 50 ألف ليرة في حال كنت بمفردي ويتضاعف الرقم في حال رافقني أحد من عائلتي وهذا يعني عبئاً إضافياً, أما المواعيد فهي دقيقة لكوني من المناطق البعيدة ولكن المشكلة هي عدم توافر الجرعات بشكل دائم مثل كاربو بلاتين عيار /50/ ما يضطرني لشرائها على حسابي الخاص من الصيدليات الخاصة، وثمن كل جرعة نحو ثمانية آلاف ليرة.
المشكلة الثانية التي تحدث عنها المريض الشيخ الصورة الشعاعية والتي تحتاج لأسبوع لتظهر نتيجتها, الأمر الذي يضطره إلى المبيت في الحديقة العامة أو حتى على الطرقات وهذا الأمر مقبول في الصيف لكن في الشتاء لا يعرف كيف سيتدبر أمره، متسائلاً: لماذا لا تتوافر الإقامة في المستشفى.؟
تعطل الأجهزة
كغيرها من المشافي العامة قصة تعطل الأجهزة قديمة حديثة في السلم وفي الحرب, والنتيجة مزيد من الانتظار وهذا ما أكده لنا مرضى كثيرون ليضيف لنا د. فوزات العنيني أن المشفى يخدم كل السوريين إلا أن المشكلة التي قد تحدث تأجيل المواعيد والمزيد من الانتظار بسبب تعطل الأجهزة لكونها قديمة, الأمر الذي يوجب تبديلها، فعلى سبيل المثال جهاز الرنين المعناطيسي معطل حالياً وعمره الفني تجاوز الـ 15 سنة وأعطاله متكررة, إضافة إلى وجود أجهزة عمرها عشرون عاماً وهذا ما يسبب مشكلة كبيرة فضلاً عن الضغط الكبير والأعداد الهائلة للمرضى المراجعين.
د. ايهاب النقري يؤكد وجود جهازين طبقي محوري يعملان بشكل مستمر إضافة إلى أجهزة الكاما كاميرا حيث يتم تأمين المادة المشعّه لها من الطاقة الذرية, وفي حال لم يتم تأمينها لا يمكن تصوير المريض, مضيفاً رداً على رأي بعض المرضى أن تعطل الأجهزة سببه قطع التيار الكهربائي أنه كلام غير دقيق لأن الكهرباء لا تقطع في المشفى ولكن ربما يكون رد الممرضة أحياناً اختصاراً للشرح حسب تعبيره!..
الطبقي المحوري
يراجع قسم الطبقي محوري من 40-50 مراجعاً يومياً, بمواعيد محددة مسبقاً، وحسب د .عامر منى مشرف الطبقي محوري في المشفى, يوجد ثلاثة أطباء فقط بينما يتطلب الوضع وجود عشرة أطباء ليقوموا بمهام العمل, إذ يتم أحياناً إجراء صورتين بدل صورة واحدة لتتم فيما بعد مقارنة بين الصورتين القديمة والحديثة، بمعنى عملياً يتم تصوير 90 صورة يومياً لـ 45 مريضاً.
فحسب د. منى إن جهازي الطبقي المحوري يعملان بشكل دائم وعلى مدى سنوات الحرب لم تتوقف هذه الأجهزة عن العمل إضافة إلى وجود جهاز جديد متعدد الشرائح وهو الوحيد الذي يعمل في دمشق اذ يقوم بتصوير 64 شريحة في الثانية الواحدة وفي هذا الصدد يقترح أن يدفع المريض مبلغاً رمزياً يدخل في ميزانية المشفى من أجل المصلحة العامة.
90% من الأدوية متوافرة
كثيرة هي المرات التي يضطر فيها المريض لشراء الجرعات أو الأدوية على حسابه الخاص, كما الليالي التي قضاها البعض في الحدائق العامة أوحتى في الطرقات، ونقصد هنا المرضى القادمين من المناطق البعيدة, كحال المريض محمد الحطب القادم من دير حافر يقول: أنفقت حوالي 200 ألف ليرة لقاء معاينات وتحاليل وأدوية في حلب إلى أن طلب مني المشفى الخاص في حلب مبلغ 700 ألف ليرة تكاليف عملية جراحية لورم في الرأس وأجبرتني الظروف على مراجعة مشفى البيروني لكن المشكلة أن الأدوية غير متوافرة في بعض الأحيان وتمنى على إدارة المشفى إيجاد حل لاستكمال علاجه في مشافي حلب، ليضيف مريض آخر في الحنجرة قائلاً: إن الجرعات غير متوافرة ونضطر لشرائها من القطاع الخاص بأسعار مرتفعة تتفاوت بين صيدلية وأخرى.
بينما يؤكد مدير المشفى أنه فيما يتعلق بالجرعات فقد تعرض المشفى للحصار كغيره من القطاعات إذ منعت المشافي من بينها البيروني في عامي 2014-2015 من أن تأخذ الدواء إلا عن طريق فارمكس حيث تعطى الجرعات لجميع المرضى, مؤكداً: نحن في الوقت الحالي بأحسن حالاتنا بالنسبة للدواء مقارنة مع فترة بداية الحرب حيث كانت نسبة توافر الأدوية لدينا 30-35%، أما في الوقت الحالي فقد توافرت بنسبة 90%، وذلك سبب من أسباب اكتظاظ المرضى.
وأضاف: يوجد روتين محكم وصعب بهدف تجنب حدوث أي خطأ في إعطاء الأدوية للمرضى والتأكد من أن المريض يأخذ جرعته أو لا، حيث يذهب المريض بنفسه إلى صيدلية المشفى لأخذ علاجه وبعدها يوقع ويبصم أنه استلمها, لأن الدواء باهظ الثمن ولضمان ألا يبيع المريض الدواء خارج المشفى كما حدث مع بعض المرضى لذلك نضطر أن نطلب منه العلبة الفارغة في كل مرة للتأكد من أنه أخذها ولم يبعها.. مشيراً إلى أنه قد يوجد بعض الروتين لكن لمصلحة المريض.
العلاج مثالي
الوضع مثالي مقارنة بالواقع والإمكانات المتاحة إذ إن الكادر يعمل بكامل ساعات العمل، وحسب د. حسان السبع- رئيس قسم العلاج الشعاعي إن السلبية الوحيدة هي أن حجم العمل أكبر من حجم المشفى، ورأى أن الأدوية كلها حديثة والمعالجات الموجودة في المشفى تعادل المعالجات الموجودة في المشافي المتطورة في أمريكا وهذا يعد سبقاً علمياً في المشفى.. مضيفاً أن الخدمات متكاملة من كل النواحي الجراحية أو الشعاعية وغيرها، نافياً في الوقت ذاته تعطل بعض الأجهزة إلا لساعات أو لنقص بعض القطع وعدم توافرها.
ملائكة الرحمة!!
الجميع يكنّ احتراماً عميقاً لشريحة «ملائكة الرحمة» ومهنتهن الشاقة, والتفهم لأمزجة الجميع والعطاء الكبير, لكن في المقابل نغضب كثيراً عندما نرى إحداهن تعامل مريضاً بطريقة مهينة علماً أنه قد يكون لديها ظروف أقسى بكثير من هذا المريض الذي ينتظر منها نظرة أو ابتسامة مبشرة بعلائم الشفاء من مرضه..
خلال حديثنا مع المرضى وذويهم تبين أن بعضهم يشتكي من مزاجية التعامل والمحسوبيات من قبل بعضهن, فالتعامل حسب الواسطات وأحياناً كثيرة نقدم الهدايا ليتغير المزاج في لحظة.
لا يوجد طبيب!!
تعمل عواطف محمد (قسم الكاما كاميرا) لساعات بعد دوامها المفترض حتى إنها تتعرض لكمية أكبر من الأشعة من الحد المسموح به تقول: إن هذا الجهاز هو الوحيد الموجود في سورية ما يعني أنه يوجد ضغط كبير وأننا نتعرض لكمية أكبرمن الأشعة من الحد المسموح به, والجميع يعرف تبعات ذلك صحياً, لتضيف أن العمل الإضافي لساعات بعد الدوام بسبب نقص في الكادر الفني.
وتضيف أن المشكلة الأكبر في هذا القسم هي أنه لا يوجد طبيب اختصاصي لكتابة التقارير بعد الصورة بسبب تقاعد الطبيب الوحيد في القسم, لذلك نعطي الصورة للمريض على أن يراجع الطبيب أو المشفى الذي أرسله علماً أن كتابة التقارير هي من مهمة طبيب القسم الاختصاصي, علما أنه تمت مراسلة وزارة التعليم العالي بهذا الخصوص.
تضيف زميلتها رحاب(أشعة): إن عدد المراجعين يفوق طاقتنا, إذ يصل عدد الصور يومياً لفترتنا الصباحية إلى نحو 25 صورة، وفي مقابل هذه الخدمات لا يوجد أي حوافز أو طبيعة عمل ولا حتى مكافأة..
د. محمد القادري- معاون المدير العام للشؤون الطبية علق قائلاً: إن الكادر التمريضي متفاوت بطبيعة عمله وطريقة تفاعله مع المرضى, وهذا أحياناً يكون بسبب الضغط الكبير, وعلينا ألا ننسى أن الممرضة تعمل ثلاثة أضعاف عملها الأساسي، ما يولّد ضغطاً عليها حيث إن بعضهن يقمن يومياً بحل 200 جرعة الأمر الذي يبرر لهن أحياناً بعض التصرفات مؤكداً في الوقت نفسه أن الإدارة تعاقب من يخالف وأغلبية العقوبات بسبب سوء التعامل أو الغياب أو التأخر عن الدوام أو المناوبة.
الازدحام
بالرغم من الجوانب الإيجابية والمضيئة التي أكدها مدير المشفى من جهود وتقديم العلاج لآلاف من المرضى إلا أن الازدحامات والأعداد الهائلة التي تغص بها الممرات تشوب تلك الصورة، بل هي فعلا تؤثر سلباً في الإنسان السليم فكيف يكون حال المريض الذي عليه أن يعتاد على كل شيء بما فيه مرضه والازدحامات وانتظار الدور وو ..
يعيد د. النقري مراراً كلمة أن هذا المشفى الموجود في المزة هو شعبة تقدم خدمات بحجم مشفى لكن بسبب الظروف الأمنية في المنطقة التي يقع فيها المشفى (حرستا) والذي لم يخرج من الخدمة يوماً واحداً اضطررنا لفتح شعبة في المزة، مبيناً أن قسم القبول مخصص لاستقبال خمسين مراجعاً جديداً يومياً بينما في الواقع يستقبل600 مريض، لذلك في ظل هذا الكم الهائل من المراجعين لا يمكن أن ينتظم الدور في ممر لا يتجاوز عرضه متر ونصف المتر حتى أنه تم الاقتراح على المهندسين فيما إذا كان بالامكان توسيع ذلك الممر, لأن هذا الاكتظاظ مشكلة حقيقية حتى لو كان وجودنا مؤقتاً حسب قوله، ولكن هذا يحتاج إلى دراسات هندسية كبيرة، معرباً عن أسفه وعدم رضاه عن هذا الوضع فكيف سيرضى عنه المريض؟! بينما الوضع مختلف في مستشفى حرستا إذ تصل مساحة البهو وحده إلى مساحة هذه الشعبة تقريباً، ومشهد الازدحام لا نراه لأن الدور إلكتروني..
وأضاف أن السبب الآخر لهذا الضغط خروج مشفى الكندي في حلب من الخدمة بعد أن دمر بالكامل وتالياً لجوء مرضى كل المحافظات الشرقية الحسكة والرقة ودير الزور إضافة إلى حلب إليه، كذلك مرضى مستشفى تشرين العسكري، وبسبب الحالة الأمنية وقطع الطرقات اتجهت أغلبية المرضى إلينا، مبيناً أن نحو 90%من استشارات مرضى تشرين يأخذونها من هنا و70% من مرضى الأورام في سورية يتلقون علاجهم الأمر الذي ينتج عنه ازدحام شديد حتى إن البعض يحتاج إلى فترة ثلاثة أسابيع لأخذ العلاج الشعاعي.
للأشقاء أيضاً!
أيضاً يقدم المشفى العلاج لمرضى من مختلف البلدان العربية كالسودان واليمن ولبنان بأقل كلفة من بلدانهم، فمثلاً تكلفة المعالجة الشعاعية تصل إلى 500دولار وهي تعادل سعر جلسة واحدة في بيروت..!
40 مليون ليرة تكلفة علاج مريض دم
ختاماً سألنا: هل زادت الحرب من انتشار السرطان وأي المناطق أكثرها انتشاراً؟
يبين د. النقري أنه لا يمكن أن نعرف المناطق الأكثر انتشاراً للسرطان إلا بعد انتهاء الحرب وقد تم انشاء سجل يتضمن المنشأ – العدد, مبيناً أنه قبل الحرب كان المشفى يستقبل 12 ألف مريض سنوياً كحالات جديدة في حين انخفضت إلى 8 آلاف حالة جديدة ويعود السبب إلى الهجرة الكبيرة للسكان وليس لانخفاض انتشار المرض، وتبقى أكثر الحالات تأثيراً هي أن الكثير من المرضى ينقطعون مجبرين عن المجيء في مواعيد الجرعات بسبب قطع الطرقات والظروف السائدة الأمر الذي يؤثر سلباً في علاج المريض والدولة التي تتكفل العلاج مجاناً، والنتيجة هدر للمال العام.. وحسب إحدى الدراسات إن تكلفة مريض دم من عام 2001 إلى هذا اليوم تصل إلى نحو 40 مليون ليرة، وفي مقارنة بسيطة فإن صورة الطبقي محوري في المشافي الخاصة نحو 60 ألف ليرة وصورة ومضان العظام نحو 25 ألف ليرة والمرنان تكلف 100 ألف ليرة.