المعاينات الطبية همٌّ وعبءٌ حقيقيٌ على حياة أغلب السوريين.. نقيب الاطباء: كل الأطباء مخالفون للتسعيرة وعدم تعديلها يحول دون المحاسبة

المعاينات الطبية همٌّ وعبءٌ حقيقيٌ على حياة أغلب السوريين.. نقيب الاطباء: كل الأطباء مخالفون للتسعيرة وعدم تعديلها يحول دون المحاسبة

أخبار سورية

الخميس، ٧ ديسمبر ٢٠١٧

يسرى ديب 
«آخ..آخ» هكذا قال أبو محمدعندما سمع الحديث عن معاينات الأطباء!
استرسل الرجل بالحديث وهو يروي طريقة تعامل أحد أطباء العصبية معه عندما أسعف ابنته إلى عيادته. مضى على الحادثة أكثر من ثلاث سنوات لكنه يتحدث عنها وكأنها حصلت في الأمس لشدة مشاعر الغبن التي يحتفظ بها.
يقول أبو محمد: إن الطبيب الاختصاصي طلب منه قبل أن يسأله أي سؤال عن حالة ابنته أن يدفع مبلغ ألفي ليرة.. ويعقب أبو محمد «الآن يمكن أصبحت معاينته أكثر من خمسة آلاف ليرة».
ثم قال له الطبيب هذا المبلغ للمعاينة فقط «انساه»، أما عن التشخيص فهو لا يستطيع أن يخبره أي شيء عن حالة ابنته قبل أن يجري لها تخطيط دماغ وتصويراً للرأس، وطلب منه أن يذهب للسكرتيرة في الجانب الآخر ويحجز دوراً، قال الأب «البنت ما فيها شي دوخة صغيرة، ولا طاقة لي بدفع كل هذه التكاليف» يضيف الموظف المهجر أبو محمد أن الطبيب أجابه بكل عجرفة «هاد مو شغلك، انتظر في الخارج»!
لا يحتاج الأمر إلى الكثير من البراهين وذكر الحالات عن حجم معاناة الناس من ارتفاع معاينات الأطباء، ويمكن القول من دون مبالغة: إن أغلبية الناس يشعرون بالغبن وهناك الكثير من الناس يقتصرون على شرح الحالة للصيدلاني لكي يصف لهم الدواء ويتجنبوا دفع معاينة الطبيب.
المفارقة في هذا الموضوع هي أن كل الأطباء يخالفون التسعيرة المحددة من قبل وزارة الصحة، وهذا ما يؤكده نقيب أطباء سورية د. عبد القادر الحسن، فلا يوجد طبيب يلتزم بتسعيرة الصحة، وأن عدم تعديل وزارة الصحة للتسعيرة جعل فوضى المعاينات بلا معالجة!.
بعض المعاينات قد تصل تسعيرتها إلى العشرة آلاف ليرة مع بعض الإجراءات التشخيصية خاصة عند الأطباء الذين ذاع صيتهم في اختصاصهم، ومع ضغوط الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع نسبة الإصابة بالكثير من الأمراض تحولت المعاينات الطبية إلى هم وعبء حقيقي على حياة أغلب السوريين.
تقول مها التي تراجع أكثر من طبيب في الشهر إنها تبحث عن الطبيب الأقل معاينة لمتابعة الحالات المرضية لها ولأولادها كما لو أنها تقصد سوق الملابس أو الخضر.
لكن هذا الكلام لا ينطبق على جميع الأطباء، فطبيبة أمراض الدم د. وسمة العشاوي تكتفي بمعاينة «مخالفة لتسعيرة وزارة الصحة» لكنها أقل من أقرانها بكثير فهي تتقاضى مبلغ 1500 ليرة مع دراسة اللطاخة الدموية التي تصل تسعيرتها وحدها إلى ألفي ليرة. في حين يتقاضى بعض أقرانها للإجراءات ذاتها أكثر من 15 ألف ليرة، كما أكد أحد مرضاها.
أما الظاهرة التي تستحق كل التقدير فهي قصة الطبيب العام د. إحسان عز الدين في جرمانا الذي رفع تسعيرته خلال الأزمة من خمس وعشرين ليرة إلى خمسين! ويقال عن د. عز الدين إنه أخذ على عاتقه مسؤولية خدمة الناس عندما لم يكن في منطقته سوى طبيبين اثنين، وإنه اعتاد منذ ذاك الزمن على تقديم المساعدة ومعالجة الحالات الإسعافية بل زيارة المرضى في منازلهم من دون مقابل.
أقل من تسعيرة «سندويشة»
يرى بعض الأطباء الذين تحدثنا إليهم أن تسعيرة وزارة الصحة ظالمة ولا يمكن الالتزام بها، وأن كل الأسعار ارتفعت أكثر من عشرة أضعاف بينما ظلت معاينة الطبيب أقل من سعر «سندويشة الشاورما»!
اختصاصي العظمية د. سلمان محمد من محافظة طرطوس تمنى أن نكون منصفين مع الأطباء ولاسيما أن عدداً كبيراً منهم «طفش» خارج البلد بعدما أجبرتهم الظروف الصعبة على ذلك، وأن وجود بعض الأطباء الجشعين لا يعني تعميم هذه الصفة، ويرى أن الكثير من شرائح المجتمع اعتادت على «النق» والشكوى من دون مبرر، ومهما قدم لهم، وأكد أنهم في مستشفى الباسل بطرطوس يجرون عمليات كبيرة وعديدة رغم أنهم لا يتقاضون سوى راتب محدود كأي موظف في معمل، بل قد يسمعون الشتائم عليهم وعلى المستشفى.
ويرى د. محمد أن الأمر لا يتعلق فقط بمعاينة الأطباء, فالنظام الصحي في سورية برمته قديم جداً يحتاج إلى إعادة هيكلة وتحديث, ونحتاج إلى تصنيف مهني للأطباء كما هو معمول في كل دول العالم يحدد من هو الطبيب العام والممارس والطبيب المقيم والاختصاصي والاستشاري ولكل منهم حدود في الممارسة الطبية وأتعابهم تختلف حسب درجتهم.
أضاف د. محمد أن معاينة الأطباء ترتبط بالحالة المعيشية للناس وبالوضع الاقتصادي للبلد وهي ضعيفة تعادل 2-3 دولارات, لذلك قسم كبير من أطباء سورية هاجروا خارج البلد حتى إلى الصومال وموريتانيا للأسف الشديد.
ويرى أن الحل يكون بتغطية جميع السوريين بنظام التأمين الصحي ورفع الأجور وأتعاب الأطباء في التأمين الصحي بحيث تكون المعاينة 3000 ليرة كحد أدنى وكذلك رفع أجور العمليات بنظام التأمين، إذ لا يعقل أن تكون المعاينة 1200 ليرة (2 دولار) وكذلك أجور العمليات زهيدة.
ويؤكد د. محمد أن التأمين الصحي يحتاج إلى إعادة نظر وتحديث بحيث يكون أسرع ويلبي كل الاحتياجات الطبية للمريض والطبيب مقدم الخدمة.
لماذا هؤلاء؟!
استشاري التأمين الصحي د. هشام ديواني واختصاصي جهاز الهضم، يتساءل: لماذا التركيز على الأطباء مادامت الزيادة في الأسعار طالت كل نواحي الحياة ومن بينها معاينات الأطباء؟ فالمواد الكهربائية والمازوت وأجور العاملين وكل ما يتعلق بحياة الطبيب الشخصية والمهنية ارتفعت تكاليفها وأسعارها، ومن الطبيعي أن يرفع الطبيب تسعيرته بما يتناسب مع الأسعار الجديدة.
ويرى أن المشكلة الأساسية تكمن في عزوف وزارة الصحة عن تعديل تسعيرة المعاينات والرقابة عليها، ويرى أن هذا الأمر يشوبه الغموض من قبل وزارة الصحة، والأغرب من هذا، كما يضيف د. ديواني، أن وزارة الصحة ما زالت تخضع تسعيرة مقدمي الخدمات للتسعيرة المقررة في القرار 79 لعام 2004 المتعلق بالخدمات الطبية للأطباء وشركات النفقات الطبية، ويرى ديواني أن هذا غير صحيح غير واقعي، خاصة أن الصحة أنهت العمل بلائحة سميت «التسعيرة الطبية المرجعية» لعام 2012 للخدمات الطبية، ويصفها ديواني بالتسعيرة المنصفة،لأنها وضعت وفق جداول عالمية وباستعمال الكود العالمي، وأن تطبيقها كان كفيلاً بحل مشكلات التسعير الطبي.
ولماذا لم يعمل بهذه التسعيرة؟
يجيب د. ديواني: ليس لأحد مصلحة في هذه الفوضى سواء كان الطبيب أو المريض أو نقابة الأطباء التي تتلقى الشكاوى من دون إمكانية حل تلك المشكلات، لأنها تقع بين مأزقين: الأجور غير المنصفة من جهة، ومخالفة تسعيرة الصحة الظالمة للأطباء من جهة ثانية.
ويضيف ديواني: أنه لم يجد تفسيراً لتعطيل العمل بالتسعيرة المدروسة حتى الآن رغم أنها تنصف الطبيب والمواطن والشركات الطبية، ويلقي باللائمة على وزارة الصحة التي لا تعدل التسعيرة وفقاً للواقع الحالي والدراسات التي أجرتها الصحة نفسها!
ويتساءل ديواني لماذا لا يشكل وزير الصحة لجنة بالتنسيق مع النقابات لوضع التسعيرة المجزية وعرضها على المجلس الصحي الأعلى برئاسة مجلس الوزراء لاتخاذ القرار بعد الدراسة إذا لم يكن لدى الوزارة الجرأة في اتخاذ القرار؟!.
الشكوى ذاتها
الشكوى ذاتها يؤكدها نقيب أطباء سورية د. عبد القادر حسن بأن مشكلة فوضى تسعيرة المعاينات وعدم إمكانية محاسبة الأطباء المخالفين هي نتيجة تدني التسعيرة الحالية وعدم تعديلها منذ عام 2004، تلك التسعيرة التي تحدد للاختصاصي الذي تقل خدمته عن العشر سنوات قيمة المعاينة بمبلغ 500 ليرة، وللأكثر من 10 سنوات بمبلغ 700 ليرة، في حين للطبيب العام الذي تقل خدمته عن عشر سنوات مبلغ 300 ليرة، ولمن تجاوز السنوات العشر 400 ليرة! أي أقل من سعر «سندويشة الشاورما»!، وقد تصل حصة بعض مدرسي الخصوصي إلى مبلغ 6 آلاف ليرة، ويتقاضى الحلاق أكثر من ألف ليرة «لكل رأس».
ويتساءل د. حسن فيما إذا كان من المنطقي أن نحاسب الأطباء على عدم الالتزام بهذه التسعيرة؟
ويرى أن هذا الواقع يتسبب بفوضى، ويحول دون إمكانية محاسبة الأطباء الذين يتقاضون مبالغ عالية، لأنه لا توجد أسس منصفة، ومتوافقة مع الواقع المعيشي، وهذا الأمر يجعل كل الأطباء مخالفين. وأكد د. حسن أن هناك شكاوى تصل النقابة سنوياً بسبب تقاضي تسعيرة أعلى، لكن الطبيب مواطن أيضاً ارتفعت عليه تكاليف الحياة، والعمل الطبي التشخيصي والعلاجي بسبب ارتفاع سعر المواد المستهلكة في تشخيص العلاج إلى أكثر من عشرة أضعاف، إضافة إلى ارتفاع أجور العيادات وتشغيلها سواء من ماء أو كهرباء أو موظفين وضرائب.ويرى د. حسن أنه لتصويب الأمر لا بد من إعادة النظر بهذه التسعيرة وبتسعيرة كل الإجراءات الطبية، خاصة أن كل المهن حصل تعديل على أسعار أعمالها وبشكل موافق عليه ما عدا الأجور الطبية ظلت على حالها.
هم الأقل
ويؤكد د. حسن أن الشركة السورية للتأمين أخذت قراراً منعزلاً بتعديل مشروع التأمين الصحي منذ 6 أشهر، فأصبح الطبيب يتقاضى مبلغ 1500 ليرة رغم أن هذا المبلغ غير مرضٍ للأطباء، يطالبون بمبلغ لا يقل عن ألفي ليرة كما المحامون والمهندسون الذين يحصلون على الرقم الذي يريدونه.
أضاف د. حسن أن نقابة الأطباء في مؤتمرها 34 اقترحت رفع التسعيرة إلى 1500 ليرة، ودراسة الملف الطبي بنحو 2500 ليرة كخطوة لإنصاف الطبيب ومن ثم محاسبته، لكن وزارة الصحة رفضت الموافقة على هذا المقترح لأنه كما أجيب في إحدى المرات أن «المواطن خط أحمر!!!!»
يبرر د. حسن للأطباء عزوف أكثر من 90% عن قبول إحالات الصندوق المشترك رغم أن هذه مخالفة، ولكن لا يمكن إرغامهم على ذلك أمام تسعيرة «كشفية» لا تتجاوز 275 ليرة، أو يرتكب مخالفة أخرى بأن يتقاضى مبالغ إضافية من المريض.
يضيف د. حسن أنهم طالبوا بتصنيف علمي تراتبي للشهادات العلمية لأن هذا ما تفتقده المهنة الطبية أيضاً، فيمكن أن تجد من تخرج في الأمس وظروفه المادية تسمح له بأن يفتح عيادة إلى جانب أستاذه وهذا لا يصح، بل يجب مراعاة القدم في ممارسة المهنة، ففي كل بلاد العالم هناك تراتبية كمختص ومستشار ثم مستشار أول وهذا المنصب تسعى إليه كل دول العالم لتلقفه.
أزلية
أما القضية الأزلية التي لم تخرج للنور بعد فهي موضوع التفرغ الطبي، ويعتقد د. حسن أن ما يعوق صدور هذا القانون هو حاجته لكتلة مالية كبيرة، إضافة إلى تحضير بنية تحتية وتهيئة عيادات للأطباء في المشافي، لأن التشدد الآن بتطبيق القانون قد يدفع الكثير من الأطباء للفرار من الالتزام مع مشافي القطاع العام وهذا يفرغ المشافي الحكومية من الخبرات، ويرى أن منح الطبيب المفرغ تعويضاً تصل نسبته إلى 300% وعيادة ضمن المشفى سيحسن كثيراً من الأداء الطبي، ففي فرنسا يعوض الطبيب بضعف ما يحصل عليه من عيادته كي يتفرغ، ويعتقد أن تحقيق هذه الشروط يدفع بنحو 60% من الأطباء لقبول التفرغ. ويؤكد د. حسن أن اعتماد سياسة التفرغ أساس استقامة العمل الطبي.
وللحقيقة شاع الكثير من الممارسات غير الأخلاقية من قبل كثير من الأطباء الذين يتعاملون مع مرضى المشافي العامة كمشاريع زبائن إلى عياداتهم أو المشافي الخاصة.
تتركز في دمشق
يؤكد اختصاصي العظمية د. سلمان محمد أن المعاينات في محافظة طرطوس تتراوح بين1500 -2000 ليرة، وهذا ما يؤكده د. حسن، فالمشاكل الأساسية للمعاينة تكاد تنحصر بدمشق، ويعتقد أن السبب يعود لتركز معظم الاختصاصات والأساتذة في دمشق، وعددهم أكثر من 8 آلاف طبيب، وأن هناك نحو ألف طبيب يحملون مرتبة المستشار أو شهادات عالمية، وأن أطباء دمشق يقصدهم المرضى من كل المحافظات، وعددهم في دمشق وصل خلال سنوات الحرب لأكثر من15 ألف طبيب بعدما جاء عدد كبير من الأطباء من بقية المحافظات هرباً من المناطق الساخنة كمحافظات القنيطرة ودرعا، ودير الزور.
ويعتقد أن الموضوع الأهم هو في التأمين الصحي لكل المواطنين، فالتأمين الصحي ليس لكل العائلة، ولو أن كل جهة «منظمات، اتحادات، نقابات…الخ»، تؤمن على أفرادها وأسرهم، لن يبقى سوى نسبة ضئيلة تعالجهم الدولة، فأغلبية المواطنين مؤمن عليهم في كل دول العالم وحتى دول الجوار، وفي الكثير من الدول يلزم المواطن بالتأمين من أرض المطار.
يؤكد د.حسن أن هناك حالات استغلال من بعض الأطباء، لكن وضع الأساس يعالج هذا الموضوع ويضع قاعدة يمكن الاعتماد عليها للمحاسبة.
لماذا لا تعدل؟
نعم هي تسعيرة غير منطقية في عام 2017، والأهم أنه تتم اختراقها بشكل غير منطقي أيضاً من قبل الكثير من الأطباء، كما أن مطلب وضع تسعيرة منصفة كي تتم المحاسبة عليها منطقي، إذاً ما الذي يحول دون تعديل هذه التسعيرة؟
للحصول على المسوغات تواصلنا مع وزارة الصحة بالطريقة التي تريدها الوزارة أي أرسلنا ما نريد من أسئلة كي يجيب أحد ما من هذه الوزارة، لكن بعد انتظار كان علينا «تدبير راسنا» والاطلاع على إجابات وزير الصحة أمام مجلس الشعب عن هذا الموضوع، لأنه ليس عند الوزير إضافة ولا داعي لتكرار إجابته ثانية.
ومما جاء في مداخلة وزير الصحة د. يازجي.
وصف الوزير موضوع الأجور الطبية بالموضوع «الشائك» مؤكداً عدم وجود قرار بزيادتها في الوقت الراهن….!!! أما لماذا؟ وما الذي يحول دون تعديلها فهذا ما لم نتمكن من معرفته!.
للاطلاع
• عدد الأطباء المسددين للرسوم النقابية في سورية نحو 27 ألف طبيب، بينما كان العدد في العام الماضي 18.5 ألف طبيب، في حين كان العدد قبل الأزمة 35 ألف طبيب.
• نقابة أطباء سورية ليس لديها أي معلومات عن أطباء حلب البالغ عددهم نحو 4 آلاف طبيب، وأطباء دير الزور البالغ عددهم 1080 طبيباً، والرقة 800 طبيب.
• الخسائر تتركز في أصحاب اختصاصات عدة أبرزها الجراحة العصبية والتخدير وأغلب أصحاب هذا الاختصاص عندما يهاجرون يحصلون على أجور تفوق أضعافاً كثيرة ما يتقاضونه هنا.
تشرين