التحاليــل المخبريــة تؤكــد تلــوث ميــاه شــرب مصيــاف.. والمتهــم الوحيــد الصــرف الصحــي ومجلــس المدينــة!

التحاليــل المخبريــة تؤكــد تلــوث ميــاه شــرب مصيــاف.. والمتهــم الوحيــد الصــرف الصحــي ومجلــس المدينــة!

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧

ألحقت مياه الشرب الملوثة في مدينة مصياف بحيها الشرقي المئات من الإصابات بحالة التلوث المعوي الجرثومي، ما شكّل قلقاً وخوفاً لدى المواطنين، ودفع بمواقع التواصل الاجتماعي إلى كيل التهم هنا وهناك، فمن أحب مجلس المدينة اتهم مؤسسة المياه، ومن أحب هذه الأخيرة اتهم مجلس المدينة، فغابت الموضوعية، والعقلانية، بل والدقة، وبين هذا وذاك تجلّت الحقيقة التي لم تكن بحاجة إلى برهان، فالمتهم الوحيد مياه الصرف الصحي، وصاحب المشروع مجلس المدينة، وهو من يقوم باستبدال شبكة المجارير الذي بدأها ولم ينهها، ما سبب إسالة مياهها إلى خط جر مياه الشرب حيناً، ووصولها إلى حوض البئر، فكان ما كان من إصابات أدت إلى الإقياء الشديد، والإسهالات، والالتهابات المعوية!.
خبراء صحة
العديد من أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي نصّبوا أنفسهم جيولوجيين، وخبراء بيئة وصحة، دون أن يكلّفوا أنفسهم التقصي والاستفسار، ما حيّر المواطن، من يصدق، كذبة هذا أم كذبة ذاك، رغم أنه في علم أية قضية لابد من البحث عن السبب، فكان لابد من إيقاف ضخ المياه، ثم معرفة نوع الحالات المرضية التي انتابت المواطنين، ومن ثم تأمين مصدر مائي نظيف للمواطنين طالما تم إيقاف الضخ من البئر المتهم بالتلوث، وهذا ما فعلته المؤسسة العامة لمياه شرب حماة!.
الآن وقد تجلّت الحقيقة، وتبيّن أن سبب تلوث المياه كان مسيل مياه الصرف الصحي المالحة التي اختلطت مع خط مياه الشرب، فضلاً عن صبيبها بالقرب من حرم البئر، تضاف إلى ذلك كومة القمامة “الزبالة”، وما تحتويه من مواد صلبة وسائلة متحولة بالقرب من البئر!.. في هذا الصدد لابد لنا من التنويه إلى أن هناك دراسة يابانية كان قد أعدها باحثون يابانيون للتعاون الدولي في منتصف التسعينيات، جاء فيها بأن سورية ستواجه اعتباراً من بداية عام 2015 وحتى عام 2025 أهم المشاكل، تلك المتعلقة بالبيئة، وتلوث الأحواض المائية، وهذا ما لمسناه خلال السنتين الماضيتين في كل من بلدة الصقلية بسلحب، وبلدة عين حلاقيم بريف مصياف، وقبلها في ضواحي مدينة حماة السكنية، واليوم في مدينة مصياف!.
وكي لا نذهب بعيداً، يبدو أن رئاسة مجلس الوزراء أدركت خطورة ما يسببه الصرف الصحي، وإسالته مع المنصرفات الصناعية الأخرى، للصحة العامة، وتلويث المسطحات الخضراء، والأحواض المائية، والتربة الزراعية، فباشرت بتنفيذ المزيد من محطات المعالجة للصرف الصحي، ليس في محافظة حماة فحسب، وإنما في مختلف المحافظات.
وبالعودة إلى موضوع تلوث مياه شرب مصياف، فإن التحاليل المخبرية المتعددة سيدة الأحكام، وهي لا تعرف المجاملة، ولا تخجل من أحد، وليس صحيحاً أن المياه غير مكلورة كما ردد البعض وصرح لوسائل الإعلام، فلو كان الأمر كذلك، أي غياب الكلور منذ أشهر، لظهرت الإصابات قبل أشهر من الآن، فمادة الكلور موجودة بكميات كبيرة منها في مستودعات مؤسسة المياه، ولا صحة لهذا الاتهام بتاتاً، لنتابع إذاً التفاصيل، فماذا قال المواطنون؟ وماذا كانت نتائج التحاليل المخبرية؟.
شهادات من قسم الإسعاف
في قسم الإسعاف بالهيئة العامة لمشفى مصياف الوطني، في الساعة السابعة والربع مساء، كان عدد المراجعين، وفقاً لحديث العاملين هناك، حوالي 45 مراجعاً، والقاسم المشترك بين الجميع هو الإقياء والإسهال الشديدان، فضلاً عن اصفرار في الوجه، وتألم في البطن، وهذا يفسر أن السبب هو عامل جرثومي، والمصدر واحد، ومن أحياء بعينها في مدينة مصياف، والقضية ناتجة عن مياه ملوثة، إلا أن العدد الذي لم يراجع هيئة مشفى مصياف الوطني كان أكبر من ذلك، فهناك أشخاص آثروا عدم الذهاب للمشفى الوطني، فإما راجعوا العيادات الخاصة، أو اكتفوا بمراجعة الصيدليات بحثاً عن مسكنات وتهدئة للمغص، وكي لا نجعل من القضية بحجم المأساة، ولكن بالمقابل لا يجوز التقليل من أهميتها، وما لحق بالمواطنين من هلع وخوف، وبخاصة لجهة الخشية من الإصابة بمرض ذات الرئة، والتهاب الكبد، فكل من كان يشعر بالمغص كان يبادر إلى زيارة الطبيب، أو لإجراء التحاليل المخبرية، لاسيما أن هناك تجربتين ماثلتين أمام الناس حدثتا العام المنصرم، والعام ما قبل المنصرم في كل من الصقلية وعين حلاقيم، وهذا يشي بأن مياه الشرب أكثر عرضة للتلوث جراء إلقاء المنصرفات الناتجة عن الصرف الصحي المالحة.
ولكن في مقارنة أخرى، كما نقل لنا من الهيئة العامة للمشفى الوطني، فإن النسبة نفسها من الإصابات كانت قد راجعت الهيئة العام الماضي، وهذا بدوره يحمّل مجلس المدينة جزءاً من المسؤولية، فتكرار الحالة يعني عدم اتخاذ التدابير للحيلولة دونها؟!.
اتهامات لا أساس لها
رئيس مجلس المدينة قال عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي بأن المشكلة عمرها عدة أشهر، أي حالة التلوث جراء فقدان مادة الكلور، وهذا ليس صحيحاً، فمادة الكلور تملأ مستودعات مياه شرب حماة، هذا أولاً، وثانياً لو كانت الواقعة صحيحة لكانت الإصابات قد ظهرت منذ شهر أو شهرين من الآن، وهذا يدحض بأن الكلورة ليست سبباً بالمطلق، وهذا ما نفاه جملة وتفصيلاً مدير عام مؤسسة مياه حماة المهندس مطيع عبشي، حيث قال: لدينا ما تضيق به مستودعاتنا من الكلور، وعملية التعقيم تجري بسلاسة، ووفقاً للمعايير السليمة والصحية.
وزاد عبشي على ذلك بأن التلوث ناتج عن مياه الصرف الصحي المختلط مع مصادر مياه الشرب مئة بالمئة، وبالعين المجردة الأمور واضحة، فكان ما كان؟!.
المحضر الذي لم يقل شيئاً
اجتمعوا ويا ليتهم لم يجتمعوا، ففي قراءة متأنية لما جاء في المحضر الذي سمي بمحضر عمل مشترك لممثّلي الصحة، والبيئة، والمياه، والمخبر، وكل من يعنيه الأمر، نلاحظ بأنه غاص في العموميات دون ذكر سبب التلوث، أو دون الإشارة إلى ملامسة الجرح، حيث جاء في المحضر رقم 661 /ص م ص تاريخ 26/11: لقد تم القيام بجولة ميدانية مشتركة لعناصر فنية البيئة والصحة والمياه، وتم الاتفاق والقيام بالكشف على موقع بئر دوار ربعو، وتم لحظ وجود مشروع للصرف الصحي دون استكماله من قبل مجلس مدينة مصياف، مثل أعمال قساطل المسيل المائي، وتنظيف الموقع العام جانب البئر، موضوع التلوث، كما تم قطف عينات من مياه البئر قبل التعقيم، وفحص نسبة الأمونيا 4 بالمئة/مغ/ليتر، وعكارة المياه 2وفاصل 63، وتم القيام بتعقيم مياه البئر بنسبة كلور حر، فضلاً عن قطف عينات مياه بعد التعقيم من غرفة تفتيش على خط الضخ، وتم التأكد من الأمونيا والكلور الحر، وأضاف ما سمي بمحضر العمل المشترك، ليقول وبعد تماثل نصف ساعة تبيّن بأن الأمور “كلها عال العال فيزيو كيمياء”!.
ماذا نستنتج من كل ما سبق؟.. لا شيء، بمعنى أوضح فسر الماء بالماء، حيث لم يقدم المحضر بكل موقعيه أي جديد، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى سبب التلوث، بل لم يشر إليه لا تلميحاً، ولا تصريحاً، ولا خجلاً، وهذا ينافي الواقع، والأمور لا تستوي بهكذا طروحات؟!.
تعاميم لم تنفذ
من المعروف أن هناك تعميماً صادراً من وزارة الإدارة المحلية يرسل باستمرار إلى الوحدات الإدارية، وقد أرسل قبل أسابيع من الآن من المحافظة، وفقاً لما نقله مصدر مطلع ومؤكد بالمحافظة، إلى الوحدات الإدارية، يقضي بتعزيل وتنظيف المجاري المائية، والأنهار، والأقنية قبل موسم الشتاء تحسباً من الفيضانات، لكن شيئاً من هذا لم يتخذ بما يتعلق بالمجرى القريب من بئر مياه الشرب، إلى أن حدث ما حدث، فأسرع مجلس المدينة لإزالة القمامة وترحيلها، وتعزيل المجرى والمسيل المذكور؟!.
باختصار ما ردده مجلس مدينة مصياف بأنه ليس طرفاً في القضية، أثبتت تحاليل المخابر بأن تلوث المياه مصدره مياه الصرف الصحي، وما لحق بالمواطنين جراء هذا التلوث المفاجئ لم يكن ليحصل لو تم استكمال مشروع الصرف الصحي، وعدم تركه لتنفيذه على دفعات، فضلاً عن وجود القمامة أكواماً بجوار البئر، وكذلك لم يتم تعزيل مجرى مسيل الملوثات أياً كان نوعها قبل بدء الموسم المطري، وبين اتهام مجلس المدينة ونفيه، وبين أن ما حصل قد حصل، في كل الأحوال مرت القضية على خير، ولكن هذه هي الأسباب، وهذه هي المعالجات؟!.
محمد فرحة-البعث