مع هجرة الأطباء النفسيين.. تضاعف المشكلات والاضطرابات النفسية.. يكشف قلة الاهتمام وغياب دور الجهات الصحية

مع هجرة الأطباء النفسيين.. تضاعف المشكلات والاضطرابات النفسية.. يكشف قلة الاهتمام وغياب دور الجهات الصحية

أخبار سورية

الاثنين، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٧

بتنا نلامس الاضطرابات النفسية التي نعيشها جميعاً جراء ما أصابنا من حزن وخوف وفراق للأحبة، أو خسارة أعضاء في أجسادنا، وغيرها الكثير من الأسباب التي شوهت حياتنا،  فأصبحنا بأمس الحاجة للعيادات والمشافي النفسية، لكن المشكلة أننا لم نعتد على إعطاء الأولوية للصحة النفسية في مجتمعاتنا، بل على العكس،  نرى أنه من المعيب أن نتحدث بشأن الاضطرابات النفسية ونعتبرها نوعاً من الجنون، وهنا لا نستطيع لوم الأفراد، خاصة أن اهتمام وزارة الصحة على مدى سنين لم يكن يتعلق إلّا بحملات اللقاح والأمراض الجسدية، وأهملت أهم جانب لعمله والمتعلق بالصحة النفسية التي نحن بأمس الحاجة لها في الوقت الراهن، فواقع الصحة النفسية يعتبر شبه غائب، ولا يوجد له أي دور في هذه الحرب التي سلبت منا قوانا وطاقاتنا وشعورنا بالأمن، ولعل الأكثر غرابة في هذا الواقع المؤلم للصحة النفسية في سورية أننا إلى الآن لم نسمع أي صوت من وزارة الصحة يتحدث عن الدور الهام للصحة النفسية في هذه المرحلة، أو حتى  عن قيام أي إجراءات توعية لحماية الأطفال نفسياً من مشاهد العنف التي يرونها، أو الظروف القاسية التي عايشوها أثناء الحرب.
تضاعف النسب
الواقع المرير للصحة النفسية في سورية قديم الأزل، فهناك أرقام لا يستهان بها من خريجي الطب النفسي الذين حصلوا على شهاداتهم ليبحثوا عن فرصة عمل خارج البلد، ويبدو أن الوزارة غير معنية بهم، أو ربما غير معنية بالجانب النفسي للصحة بالأصل، وهذا ما توصلنا إليه بعد لقاءات مختلفة لبعض الأطباء النفسيين في عياداتهم الذين فضّلوا البقاء في الظل حتى لا تطالهم ملامة أصحاب النفوذ بالوزارة، أما البعض الآخر فقد قدّم لنا اقتراحات تُساهم في ردم الفجوة التي شكلها تقاعس الوزارة في هذا الجانب، إذ يرى مدير الصحة النفسية في الوزارة الدكتور رمضان محفوري أن للصحة النفسية وضعاً خاصاً في أثناء حالات الطوارئ بسبب ثلاث مسائل شائعة، أولها ازدياد معدلات مشكلات الصحة النفسية والاضطرابات النفسية الشديدة التي تتضاعف تقريباً حوالي 1-2% في الحالات العادية، وتصبح 3-4% أثناء حالات الطوارئ، والاضطرابات المتوسطة والشائعة بنسبة 8-10%، أما في حالات الاستقرار، فتصل إلى 15-20% أثناء الطوارئ بالإضافة إلى  الاضطرابات النفسية الخفيفة وغير المستقصاة التي تتضاعف هي الأخرى، ثانياً أن أغلب البلدان لديها بنية تحتية ضعيفة في الصحة النفسية، وكلما كان البلد أكثر فقرا، كان الوضع أكثر صعوبة بسبب قلة الإنفاق على الصحة النفسية والوصمة، وقلة عدد الكوادر العاملة في الصحة النفسية بسبب وضعهم المادي، ولأن الكثير من الاضطرابات النفسية قابلة للتأجيل بعكس أغلب الأمراض والاضطرابات الجسدية الأخرى، ثالثاً الصعوبات في عملية التنسيق بين الوزارات والمؤسسات والجهات المختلفة مع الكوادر الذين يوفرون خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي.
فرصة جديدة
لن نبحث كثيراً عن سبب غياب الصحة النفسية في واقعنا الاجتماعي، لكن الظروف الحالية تحتاج إلى ردم فجوة عميقة، سببها ذلك الغياب، إذ يؤكد محفوري أن حالات الطوارئ تقدّم فرصاً جديدة لتوفير رعاية أفضل لجميع الأشخاص ممن لديهم احتياجات صحية نفسية، كما في أثناء الطوارئ وبعدها مباشرة تركّز وسائل الإعلام بحق على محنة الأشخاص الناجين بما في ذلك استجاباتهم النفسية لأوضاع الشدة والضغوط التي يواجهونها، وبشكل يثيرقلق شديد حيال الصحة النفسية، وهذا عادة ما يتبعه رغبة وقدرة مادية من جانب الجهات المحلية والدولية لدعم الصحة النفسية، وتوفير المساعدة النفسية الاجتماعية للأشخاص المحتاجين، بمعنى آخر أنه في حالات الطوارئ يجري تحويل الاهتمام والموارد إلى الرفاه النفسي للأشخاص المتأثرين، ويصبح أصحاب القرار مستعدين للتفكير في خيارات أبعد من الوضع الراهن، ويضيف محفوري: جميع هذه العوامل تخلق إمكانية تقديم خدمات صحية نفسية مستدامة وتطورها، وهذا الزخم يجب أن يبدأ مبكراً، ويستمر الاستثمار فيه بعد الأزمة، وبشكل خاص في البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط، حيث الموارد غالباً ما تكون ضعيفة وشحيحة، وعلى الدول التي تواجه حالة طارئة ألا تفوت فرصة الاستفادة منها للتغيير والبدء بإصلاح الصحة النفسية.
بدائل غير مجدية
إخفاقات وزارة الصحة، فيما يتعلق بالطب النفسي، تجلت بهجرة خريجيه للعمل في بلدان أخرى، ونحن الآن أمام مشكلات نفسية طالت جميع شرائح المجتمع، وهي تحتاج إلى كوادر مؤهلة لعلاجها، لكن وبحسب مدير الصحة النفسية أننا لا نختلف كثيراً عن باقي البلدان في العالم، فالإمكانيات لدينا متواضعة نسبياً في هذا المجال، إذ أن عدد أطبائنا النفسيين 70 طبيباً إلّا قليلاً، والإمكانيات المادية والمالية المتاحة لهم متواضعة هي الأخرى، ونحن نحتاج للكثير من العمل والجهد لإيجاد الآليات والبدائل التي تعوضنا عن هذا النقص، لذلك نحاول جاهدين من أجل ذلك، وتم إيجاد بدائل سريعة، منها تدريب مئات الأطباء غير النفسيين في برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية، وعشرات المرشدين النفسيين على بعض العلاجات النفسية، ومئات الممرضين على تقديم الخدمات النفسية الإسعافية ضمن نشاطات الإسعاف النفسي الأولي من العاملين في وزارة الصحة والتربية والمنظمات والجمعيات الأهلية والمدنية كجمعية تنظيم الأسرة والهلال الأحمر وغيرها، وتطوير حملات توعية في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي لتكون أكثر قدرة على الوصول إلى  فئات المجتمع كافة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ولتكون أكثر جدوى مما هو موجود حالياً.
توزيع المهام
تعمل مديرية الصحة النفسية على بناء قدرات المثقفين الصحيين في مديريات الصحة والمنظمات غير الحكومية والأهلية، ووضع آلية تنسيق وطنية لبرنامج الصحة النفسية وبرامج الدعم النفسي الاجتماعي بين   الجهات العاملة كافة في هذا المجال، وتطوير نظام الإحالة لذوي الإعاقة يساعد على إدماجهم واستفادتهم من الخدمات النفسية المختلفة المقدمة بشكل صحيح، ويتابع محفوري: نعمل على تطوير وتفعيل قوانين الصحة النفسية، وسد الثغرات القانونية الموجودة كافة، وتطوير مناهج التعليم الحديثة في المدارس والجامعات بما يتلاءم مع احتياجات الصحة النفسية،  ووضع التشريعات المناسبة لعمل كوادر الصحة النفسية كافة من أطباء ومعالجين ومرشدين وممرضين نفسيين بما يتلاءم مع التطورات الحاصلة على المستوى العالمي في هذا المجال، وبما يحسّن وضعهم المالي والمعيشي، ويجذبهم للعمل في الصحة النفسية، كما هو معمول به في أماكن أخرى، وإطلاق حملات متواصلة ومتتالية للحد من العنف بكل أنواعه، والتركيز أكثر على العنف القائم على النوع الاجتماعي والفئات الهشة الأخرى في المجتمع، والحد من التمييز بين الجنسين، والحد من ظاهرة الزواج المبكر، واعتبارها نوعاً من العنف من خلال تسليط الضوء على آثاره النفسية السلبية.
آثار سلبية
تحولت المدن والمناطق في سورية إلى ساحات للقتال خلال فترة الحرب، حيث استغل الإرهابيون تواجدهم بين  السكان المدنيين، فطالت الخسائر المجتمع المدني بكل النواحي النفسية والفيزيولوجية والصحية والتعليمية وغيرها، ومن وجهة نظر خبير الحماية الاجتماعية ماهر رزق فإن الآثار السلبية لتلك الخسائر بدأت تظهر مع تحرر العديد من تلك المناطق والمدن التي تعرّض أهلها لأقسى أنواع العوز والاضطهاد والعنف والتعصب بالإضافة إلى مشاهد القتل والاعتداء ومختلف أساليب التعذيب على يد إرهابيين لا رحمة في قلوبهم، تسببت بانتشار الأمراض النفسية والمشكلات الاجتماعية التي أثرت على قدرة الناس على إقامة علاقة صحية بين الأفراد وفي المجتمع، فتلك المشاهد التي بقيت في ذاكرة الأفراد، لا يمكن نسيانها أو تجاوزها بسهولة، بل تحتاج إلى رعاية نفسية لاحتواء المشاكل النفسية التي قد تتفاقم  خطورتها ما لم يتم العمل على تقديم العلاج النفسي لجميع الحالات، واستنفار الجهود من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من المتضررين نفسياً.
وجهة نظر
لا يمكننا التفاؤل كثيراً ببعض الإجراءات التي ستقدمها مديرية الصحة النفسية لحماية المجتمع من المشكلات والاضطرابات النفسية التي يعاني منها أكثر من نصف المجتمع السوري من أطفال ونساء، فقدوا عائلاتهم، وتعرضوا للعنف، وأشخاص بترت أعضاؤهم نتيجة إصابات الحرب، وخاصة بعد أن علمنا من جهات نقابية أنه إلى الآن لا يوجد قانون للصحة في سورية، وذلك ما تسبب برفض القانون المتعلق في الصحة النفسية و التي أعدته بعض الجهات المختصة لرفع سوية العمل في هذا المجال.
ميادة حسن-البعث