عندما يصبح العمل التطوعي ثقافة.. انخراط مجتمعي في الأنشطة التطوعية.. وأدوار مهمة للعمل المؤسساتي

عندما يصبح العمل التطوعي ثقافة.. انخراط مجتمعي في الأنشطة التطوعية.. وأدوار مهمة للعمل المؤسساتي

أخبار سورية

الجمعة، ١٧ نوفمبر ٢٠١٧

لا تزال مايا، خريجة قسم اللغة الفرنسية،  تتذكر تفاصيل المعسكر الإنتاجي الذي شاركت فيه قبل دراستها الجامعية، تستعيد أيام النشاطات المتعددة في مدرسة يعقوب الكندي منطقة إقامة المعسكر، وذكريات العمل التطوعي الممتعة، حين كانت تخرج مع أصدقائها بهمة ونشاط لإزالة الملصقات العشوائية عن الجدران في الأماكن العامة، وغرس الأشجار، وتنظيف الحراج في مناطق مختلفة من جبل قاسيون، ولا تنسى باقي التفاصيل من أنشطة وتدريبات رياضية، كانوا يقومون بها فترة المعسكر وغيرها  من الحفلات، ورقصات الدبكة، والأيام الجميلة التي حظيت خلالها بالكثير من الأصدقاء، وتعلمت الكثير، وشجعت لديها روح التعاون، والإيمان بالعمل الجماعي، تقول مايا: ساهمت بالكثير من الأنشطة التطوعية في الفترة التالية، وخاصة مع الظروف الصعبة التي عاشتها سورية، وعملت مع الكثير من الفرق الشبابية التطوعية، لكن لسبب ما كانت تفاصيل تلك الأيام ذات أثر كبير، وكانت لها نكهة خاصة، ومن المؤكد أننا اليوم بحاجة لاستعادة وتوسيع تلك التجارب والمعسكرات التي كانت تدفع الشباب في بداية طريقهم بعد المرحلة الثانوية للعمل التطوعي بمحفز بسيط، وهو تقديم بضع علامات إضافية عن مجموع الطالب للتسجيل في كليات للرغبة بالدراسة، فكانت بحق بوصلة وتجربة للعمل التطوعي، وجميل أن نراها مجدداً لغرس روح التعاون، وتنمية حب العمل الجماعي بين فئات الشباب.

رغبة في التطوع

ولعل من الملفت أن الكثير من الشباب المستطلعة آراؤهم يظهرون حماساً لتقديم الأعمال التطوعية، لكن دون أن يكون لأحدهم مثلاً نشاط ما في جمعية أو نادي، وحجتهم في ذلك غياب جمعيات تقود أنشطة مجتمعية فعالة، أو أن تلك الجمعيات، إن وجدت، فإنها لا تعلن أو تسوق عن نشاطاتها بالشكل الذي يمّكن هؤلاء الشباب من الانخراط في صفوفها، وتقول (نورا) طالبة جامعية: أهوى العمل التطوعي، وأرغب أن أكون جزءاً من جمعية أو مؤسسة ما تنفذ أعمالاً، وتقوم بنشاطات تساهم من خلالها في بناء المجتمع، لكنني لا أعرف أسماء تلك الجمعيات، ولا طريقة الانتساب إليها، وتكمل: سألت مرة عن طريقة التطوع في منظمة الهلال الأحمر، فقالوا لي: إن الأمر يحتاج إلى تقديم طلب وموافقات يطول قبولها، إضافة لكثرة التنقل وضغط العمل، فغيّرت رأيي، وأحجمت عن الفكرة، في حين تبيّن (هناء)، طالبة من كلية الحقوق، أن من الأسباب الأخرى لغياب نشاط مثل تلك المؤسسات عدم وجود أنشطة ترويجية كافية لها، كالإعلانات في الصحف، أو الإعلانات الطرقية، أو الانتشار في مواقع الكترونية معروفة.

بيروقراطية متحكمة

في المقابل يرى علاء، طالب في كلية الطب البشري، وجهة نظر أخرى، فيقول: إن ارتباط العمل التطوعي بمنظمات تأخذ طابع الرسمية من حيث المبدأ، يؤدي إلى ابتعاد الشباب في كثير من الأحيان عن تلك المنظمات لما أسماه البيروقراطية الواضحة في عملها، ويقول: المنظمات تكبل فكرة العمل التطوعي التي يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن الرسميات، وأرى أن الحل يكون بتعزيز تلك المؤسسات الخاصة بدعم مباشر من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أما بسام، الطالب في كلية التربية، فيقارب مشكلة التطوع من ناحية أخرى، إذ يرى أن ثقافة العمل التطوعي مرتبطة بمفاهيم وقيم يؤسس لها منذ الصغر لتصبح سلوكاً بحد ذاته، ويقول: نحن بحاجة أن تركز جهات العمل التطوعي، أياً تكن الجهات التي تقف وراءها، على زرع مفاهيم التطوع وحب الآخرين في نفوس الأطفال والشباب، دون الاستهانة بأي جهد يبذل في هذا الاتجاه، لأنه يؤسس لثقافة مجتمع، ويتمنى عودة معسكرات التدريب والأنشطة التطوعية في المدارس لما تساهم به في تنمية هذا النشاط عند الطلاب.

أدوار ملحوظة

في المقابل لا يمكن إنكار أدوار ملحوظة نفذتها مؤسسات العمل التطوعي التي تشكّلت خلال ست سنوات مضت من الأحداث السورية، أو تلك الموجودة سابقاً كاتحاد الطلبة الذي نفذ الكثير من الأعمال والنشاطات التطوعية، فزارت فرق شبابه جرحى الجيش العربي السوري، وكانوا عوناً ورديفاً لهم في كل معركة خاضها رجاله، وكذلك كانت بعض فرق العمل الشبابية الأخرى التي نفذت أعمالاً تطوعية كثيرة، وأفكاراً لنشر روح التعاون بين السوريين، فكانت مبادرات كثيرة لتقديم الطعام واللباس للمحتاجين، وزرع الأمل ما استطاعوا في كل مكان وصلت له يد الإرهاب، ولعل آخر تلك المبادرات ما حدث في مدينة طرطوس حين أضاءت مجموعة من الشباب التطوعي شموعاً في المناطق التي تعرّضت لتفجيرات إرهابية مؤخراً، يريدون بذلك إيصال رسالة واضحة بأنهم يتحدون الإرهاب، ويستمرون في نشر المحبة والتسامح، ويمضون في تصميمهم على نشر ثقافة الحياة والحب، والعمل لإعادة بناء الوطن، وربما يكون من المهم جداً في المراحل القادمة التركيز على نقطة هامة تتلخص في تنمية روح المبادرة الفردية عند الشباب، دون الإملاء عليهم من قبل منظمي الأعمال، والنظر بصورة مستمرة إلى الشباب بوصفهم موارد، فالشباب عندما يمتلكون زمام المبادرة يحققون النجاحات النوعية حتى لو فشلوا في المرات الأولى.

رمز التقدم

يؤكد معظم مدرّسي علم الاجتماع أهمية العمل التطوعي، ويرى إبراهيم ملحم، اختصاصي علم الاجتماع، والمدرّس في كلية التربية بجامعة البعث، ضرورة وأهمية انخراط مجتمع الشباب في الأنشطة التطوعية، فالتطوع رمز من رموز تقدم الأمم وازدهارها، وكلما ازداد المؤمنون بالعمل التطوعي في أمة ما ازدادت بالتقدم والرقي، فهذا النوع من العمل مطلب ضروري من متطلبات الحياة المعاصرة التي ستساهم بالتنمية والتطور السريع في كافة المجالات، ويبدو أن أضرار الحرب الحالية التي تخوضها سورية تتطلب وعياً أكبر، وجهداً إضافياً مشتركاً على المستويين الرسمي والمجتمعي، يبدأ بترسيخ ثقافة التطوع، وينتهي بتأكيد ثقافة الانتماء، لتتغير تلك الصورة السلبية في المجتمع، ويصبح العمل التطوعي ثقافة يؤمن بها جميع السوريين.

محمد محمود