تركهم «الجهاد الأسود» ريشةً في مهبّ الريح.. نقاشات وتجاذبات وسجالات بين مؤيد ومعارض لمشـروع قانون مجهولي النسب

تركهم «الجهاد الأسود» ريشةً في مهبّ الريح.. نقاشات وتجاذبات وسجالات بين مؤيد ومعارض لمشـروع قانون مجهولي النسب

أخبار سورية

الاثنين، ٣٠ أكتوبر ٢٠١٧

عـلام العــبد
يمثل الأطفال مجهولو النسب في سورية ظاهرة اجتماعية مقلقة على الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة عنهم باستثناء الموجودين في دور الرعاية الاجتماعية، ويرى البعض أنه من الطبيعي ألا توجد إحصائية عن عددهم ولاسيما أن هناك معوقات اجتماعية تجعل العديد منهم لا يعلنون عن أنفسهم، وربما يقف هذا عائقاً أمام عدم قدرة الجهات المعنية على إيجاد «مخرج» قانوني لهذه المسألة في معظم الحالات، وفي الوقت نفسه عدم قدرة المجتمع الذي تحكمه قيم وتقاليد على التماهي والانسجام والتجاوب مع هؤلاء الأطفال ولاسيما أولئك الذين ولدوا من زيجات لنساء سوريات من أعضاء التنظيمات المتطرفة في مناطق التوتر.
بدأ اليوم ملف الأطفال مجهولي النسب يحظى باهتمام واسع محلياً، وهذا ما دفع الحكومة السورية انطلاقاً من واجب الدولة إلى العمل على توفير الرعاية الاجتماعية لفئات المجتمع كلها وخاصة الأطفال مجهولي النسب وحمايتهم قانونياً واجتماعياً وتوفير سبل العيش الكريمة لهم من خلال نظام متكامل يتضمن رؤية شاملة وواضحة في هذا المجال إذ وافق مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها بتاريخ 7/2/2017 على مشروع قانون رعاية الأطفال مجهولي النسب الذي يكفل توفير وتأمين الحماية لهذه الفئة وتأطيرها في نظام قانوني واضح ومحدد الغاية والهدف ومرن من خلال التطبيق العملي لجهة الإجراءات والتنظيم ويحقق متطلبات الرعاية الكاملة لها.
في خطوة إنسانية كبيرة من شأنها تخفيف الانعكاسات الاجتماعية السلبية التي يمكن أن يتعرض لها جيل بكامله ممن اصطلح عليه بـ «مجهول النسب» أو اللقطاء قامت وزارات الداخلية والعدل والأوقاف والشؤون الاجتماعية والعمل بإعداد مشروع قانون لرعاية مجهولي النسب وجرت مناقشته الأسبوع الماضي تحت قبة مجلس الشعب.
تحت القبة
خلال الجلسة السابعة من الدورة العادية الخامسة للدور التشريعي الثاني برئاسة حمودة صباغ تم التأكيد من قبل عدد من أعضاء المجلس على ضرورة تحديد الجهات المعنية بتوفير الخدمات لهذه الشريحة وكيفية صون حقوقها وتأمين الرعاية اللازمة لها.
وطالبوا خلال جلسة يوم الأربعاء 11/10/2017 بتوضيح مفهوم الوصاية الوارد في نص مشروع القانون لكون الوصاية لا تمنح إلا بقرار من القاضي الشرعي وليس من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مشيرين إلى ضرورة إلغاء عبارة المنظمات غير الحكومية من نص المشروع لأنها لا تندرج ضمن الدستور.
بينما وافق أعضاء المجلس على مقترح لاستبدال عبارة «المنظمات غير الحكومية» أينما وردت في نص المشروع بـ «الجمعيات والمؤسسات الخاصة» لأن مشروع قانون المنظمات غير الحكومية لم تتم مناقشته في المجلس بعد وتوجد تحفظات وملاحظات عليه.
كما وافقوا بالأكثرية على إعادة صياغة تعريف «دار الضيافة» الوارد في نص المشروع ليصبح «دار الرعاية التابعة للوزارة أو أقسام الضيافة المخصصة من قبل الجمعيات والمؤسسات الخاصة المعتمدة من الوزارة في كل محافظة لاستقبال واستضافة مجهولي النسب ورعايتهم ومتابعة أمورهم طوال الفترة اللازمة لاستكمال الإجراءات القانونية المتعلقة بهم لحين تسليمهم إلى دار الرعاية المختصة».
وزير الداخلية اللواء محمد الشعار في كلمة له، أمام أعضاء مجلس الشعب، أشار إلى أن الغاية من مشروع قانون مجهولي النسب «إنسانية بحت»، وقال: إن حالات مجهولي النسب التي يتم تسجيلها في الشؤون المدنية أو دور الرعاية ليست كثيرة، بل هي قليلة جداً ولا تتجاوز حالتين فقط شهرياً، وهناك ضوابط وقيود حقيقية في الشؤون المدنية بالنسبة لتسجيلهم على أنهم مجهولو النسب.
بينما لفتت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريمة قادري إلى أن الأطفال مجهولي النسب هم ضحايا في المجتمع، ويجب تقديم الخدمات لهم وتوضيح الإجراءات المتخذة لحمايتهم من قبل الجهات المعنية ودور الرعاية.
آراء ووجهات نظر
وعلى هامش مناقشة مجلس الشعب مشروع القانون عدّ الدكتور محمود عكام مفتي محافظة حلب وفي تصريح خاص لــ «تشرين» أن مشروع القانون الخاص بهؤلاء الأطفال الذي يعمل مجلس الشعب على إقراره والحكومة على إصداره، يتضمن مواد قانونية أشمل من قانون اللقطاء.
وحسب عكام فمشروع القانون يهدف إلى الحفاظ على المبادئ الدينية والاجتماعية والأخلاقية وفيه الكثير من الضوابط لم يرده الإسلام لكونه دين المحبة والتسامح والسلام والحكمة والموعظة الحسنة واللين والطيبة.
واستنكر عكام المصطلح الذي يتناقله البعض تحت ما يسمى «جهاد النكاح» الذي تسبب بولادة أطفال غير معروفي الأب وجاءت به بعض الفتاوى الصادرة عن بعض المشايخ في الدول الداعمة للإرهاب، وقد باتت موضع نقد ورفض، فالجهاد أسمى من ذلك، وطرح هذا المصطلح تراد منه الإساءة إلى «الجهاد» في معناه الحقيقي والسامي وأيضاً «النكاح» الذي يعني الزواج في الإسلام وكلاهما يحوزان مرتبة متقدمة من السمو والرفعة في الإسلام لكن من أفتى بهما كان همه زج شباب الأمة وإزهاقهم في الحرب السورية لتنفيذ أجندات خارجية.
ودعا عكام إلى التوقف عن الحديث عما يسمى «جهاد النكاح» وما ينتج عنه من أطفال مجهولي النسب وعدم تحويل هذه الحالة المحدودة في المجتمع إلى ظاهرة، وليكن الجهاد ضد الإرهاب وكل ما كان وسيكون سبباً مباشراً في تخلف الأمة وتراجعها.
في هذا السياق، أكدت عضو مجلس الشعب السوري عن محافظة إدلب فاطمة خميس أو في تصريح لـ «تشرين»، أن الأطفال مجهولي النسب قد اضحوا واقعاً لا يمكن إنكاره، وأن الأعداد التي يتم تداولها مبالغ فيها فهي ليست بالكبيرة بل محدودة لكون مجتمعنا السوري مازال متمسكاً بعاداته وقيمه وتقاليده وأخلاقه، ومن غير المقبول والمعقول أن يتم تزويج بنات مجتمع يصحو وينام على عاداته وتقاليده للغرباء، حسب خميس.
وأشارت إلى أن المراد من مشروع القانون ليس التبني بل التأكيد على أن الدولة قادرة على تحمل أعباء هؤلاء الأطفال الذين يدفعون اليوم أخطاء الأبوين، ففي خضم هول الأحداث الجارية في سورية لم ننسَ بعضاً من فئات مجتمعنا بحاجة منا إلى لمسه حنان وواجب أخلاقي وإنساني وديني برعاية من هم بحاجه للرعاية من دون النظر إلى أصلهم وحتى لا يتم تحويلهم إلى لقمة سائغة يتاجر بها أعداء الوطن، ومن دون أي تمييز لكونهم مواطنين سوريين واجب علينا تقديم يد العون بمختلف الوسائل لهم ولاسيما مع تقلص الخدمات المقدمة لهم وتوقف العمل في بعض برامج الرعاية الاجتماعية بسبب ظروف البلد وقله مخصصات مثل هذه البرامج الاجتماعية.
ويقول القانوني المحامي جهاد مرعي من مدينة حلب إن تسجيل هؤلاء الأطفال قانونياً في سجلات الأحوال المدنية غير ممكن مشيراً إلى عشرات الأطفال الذين يسكنون في مناطق التوتر في الشمال السوري. وحسب مرعي فإن مقترح تسوية الملفات القانونية لهؤلاء يثير حساسية لدى المجتمع الأهلي، لأنها حسب مفهوم الأوساط الاجتماعية تسهم في تشجيع الإرهاب.
وأشار مرعي في تصريح لــ «تشرين» إلى أن الزواج المدني المخالف للنظام العام السوري وقانون الأحوال الشخصية، لا يمكن الاعتراف به بأي شكل من الأشكال، كما لا يمكن تسجيله في المحكمة لأنه مخالف للأحكام الشرعية وحكمه كالزنى تماماً.
الأسباب الموجبة
من جهتها، مصادر مطلعة أكدت لــ «تشرين» أن مشروع قانون مجهولي النسب حسبما جاء في مواده الــ 34 مادة التي وزعت على خمسة فصول سيحل بديلاً عن قانون اللقطاء، وسيعطي امتيازات بتوفير كل أساليب الرعاية للأطفال سواء بتعليمهم أو غيره، كما سينص على إحداث دار مؤقتة للضيافة متوافر فيها كل ما يحتاج إليه مجهول النسب وهي مؤقتة تستقبل الطفل من مخافر الشرطة أو من الشخص الذي وجده ثم تنظم الإجراءات لتسليمهم لإحدى دور الرعاية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومشروع القانون هذا، حسبما جاء في الأسباب الموجبة، ينسجم ويتماشى مع قانون الأحوال الشخصية وكل أحكام الشرائع السماوية تأصيلاً وتنزيلاً، ويلبي متطلبات العناية والرعاية لهذه الفئة من أبناء المجتمع، ولعل من أهم ما جاء به المشروع هو تكريسه مفهوم الرعاية البديلة التي تهدف إلى تحقيق الانسجام مع المتطلبات والتطورات الاجتماعية الطارئة.
الجدير ذكره أنه لا يوجد توثيق دقيق لحالات الأطفال «مجهولي النسب» في سورية لأن بعض المناطق مازالت تحت التوتر، ولا يقتصر الوضع على الداخل السوري، وإنما يوجد أطفال مجهولو النسب بين السوريين اللاجئين في دول الجوار، إذ كشف تقرير صادر عن مفوضية اللاجئين عام 2014 وجود عدد كبير من الأطفال السوريين الذين لا يحملون شهادات ميلاد.
مع الإشارة إلى أن المناطق التي توجد فيها التنظيمات المتطرفة، مثل ريف حلب ودير الزور والرقة وإدلب ودرعا وريف دمشق، ولاسيما في الاعوام 2011 إلى العام 2017، فيها العشرات بل المئات من الأطفال الذين ولدوا نتيجة زاوج الفتيات سواء أكنّ سوريات أو من تلك اللواتي قدمن إلى سورية من تونس وغيرها من البلدان العربية والأجنبية تحت ذريعة «جهاد النكاح» من أعضاء التنظيمات المتطرفة.