واقع الثروة الحيوانية.. إحصاءات غير دقيقة وتحديات تعالج بالتنظير

واقع الثروة الحيوانية.. إحصاءات غير دقيقة وتحديات تعالج بالتنظير

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧

من يقرأ جيداً ما يكتب عن ثروتنا الحيوانية وعن قطاع الدواجن، تنتابه حالة من التساؤلات، يأتي في مقدمتها ما هذا التناقض الذي تتناوله الصحيفة الواحدة، فتارة دعم كبير لقطاع الدواجن والثروة الحيوانية، وتدخل إيجابي لمؤسسة الأعلاف لحماية القطيع.. وتارة أخرى وفي  الجريدة نفسها نقرأ بعد أيام خبراً معاكساً، مؤداه التدخل السلبي لمؤسسة الأعلاف، وتجار الأعلاف يبقون قطاع الدواجن في دائرة الخسارة ما هذا ؟فهل نحن أمام لغز، أم أنها مجرد محاكاة للواقع المتذبذب والمتغير من يوم إلى آخر مع حضور التملق والترويج لبعض المؤسسات بصورة مغايرة للحقيقة؟.

شكوى مستمرة

شكوى مربي الدواجن، مازالت تحت إبطهم، فالشكوى تلو الشكوى من الخسائر المتلاحقة وفقاً لما يقولونه، تبدأ من ارتفاع أسعار التربية للتسمين، مروراً بأسعار الأعلاف، ولا تنتهي عند تسويق الفروج الذي يباع اليوم من أرض المدجنة بـ550 ليرة سورية، في حين يباع للمستهلك منظفاً ما بين الـ850 -900 ليرة، فما هي تفاصيل ما يجري لقطاع الثروة الحيوانية والدواجن، وأين نحن من زراعة المحاصيل العلفية التي بشرت فيها وزارة الزراعة ؟وأين تين الصبار الذي بشّر به أيضاً مشروع تطوير الثروة الحيوانية؟ ولماذا  أدمن مربو الدواجن /النق/ رغم كل ما قدمته الحكومة من تسهيلات وإلغاء وتخفيض  الضميمة ومواد الاستيراد وإلزام مستوردي الأعلاف من وضع نسبة من المادة العلفية لصالح مؤسسة الأعلاف.. أسئلة كثيرة سنحاول البحث عن جواب لها، قد نوفّق، وقد لا نوفّق، لكننا سننقل بأمانة ما سمعناه من كل أطراف المعادلة، أي “المربون والمعنيون”.

مؤسسة الأعلاف تؤكد

أذكر جيداً أن مدير عام مؤسسة الأعلاف المهندس مصعب العوض، قال لي ولغيري من الصحفيين في تصريحات صحفية:  إن المؤسسة العامة للأعلاف ووزارة الاقتصاد ألزمت المستوردين للمادة العلفية بتسليم مؤسسة الأعلاف والدواجن نسبة 15 بالمئة من مستورداتهم العلفية وبسعر التكلفة، ما حقق مكسباً كبيراً ومهماً للثروة الحيوانية، وانعكس إيجاباً على توفير المادة العلفية، ودعم قطاع الدواجن أيضاً.

وفي آخر اتصال هاتفي لنا مع المهندس مصعب العوض مدير عام مؤسسة الأعلاف كان قبل أيام، حيث أجاب عن أسئلتنا لجهة عدد الثروة الحيوانية وآلية تخصيصها بالمقنن العلفي، وعن الكميات المباعة منذ بداية العام وحتى الخامس عشر من هذا الشهر، فأجاب: إن عدد الأغنام لدينا وفقاً لإحصاء عام 2015 هو ثلاثة عشر مليوناً و684 ألفاً و444رأساً، ومن الأبقار لدينا 913 ألفاً و826 ألفاً، ومن الماعز مليون و829 ألفاً، ومن الجواميس 7576 ألف رأس، ومن الجمال 37 ألفاً و666 رأساً، وقد بلغت كميات الأعلاف المباعة منذ مطلع هذا العام وحتى تاريخه 130 ألف طن من مختلف المواد العلفية، وفيما كانت أقل أو أكثر مما يقابلها من العام المنصرم، أجاب بأنها أقل، وهذا يؤكد صحة ما يطرحه المربون بأن الأعلاف لدى التجار أقل مما هي عليه في مؤسسة الأعلاف وفقاً لشهادات العديد من رؤساء الجمعيات التعاونية.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن مؤسسة الأعلاف تقدّم المقننات وتدخلها في أغلب الأحيان عند الضرورة القصوى، وهذه هي سياسة المؤسسة المعمول بها، لكن لا يمنع من أن يكون لها حضور مميز وبارز في سد قسط مهم مما تحتاجه الثروة الحيوانية.

وفي المقابل لم نسمع مربياً واحداً شعر بوجود هذا الدعم المقدّم، لا من حيث توافر المادة، ولا من حيث السعر بدليل ما قاله لنا رؤساء جمعيات التاعونة وكفر كمرة وعوج وآخرون أثناء حوارنا هذا في رابطة مصياف الفلاحية، بل أكد رئيس جمعية كفر كمرة بأنهم لم يستلموا الأعلاف من مركز مصياف لعدة أسباب، أولها ارتفاع أسعارها، وثانيها كونها غير نظيفة، وهي عبارة عن جريش، في حين هي عبارة عن كبسول لدى التجار فضلاً عن تمزق الأكياس، وما ينتج عن ذلك أثناء النقل من قلة الوزن متهماً هذه الأعلاف بتدني إنتاجية الحليب لدى قطيع الأبقار، فضلاً عن إلزام رؤساء الجمعيات بالذهاب إلى حماة كي يسددوا على كل رأس 75 ليرة سورية، فلماذا لا يتم تكليف الروابط الفلاحية بذلك تخفيفاً للأعباء عن كاهل الجمعيات؟.

نائب رئيس اتحاد فلاحي حماة قال ردا على سؤالنا: لماذا لاتخول الروابط بذلك، فأجاب: يجب أن يتم ذلك في اتحاد المحافظة.

حكاية دعم حكاية طويلة

قصة دعم قطاع الدواجن والثروة الحيوانية بكافة أنواعها، غدت كحكاية ألف ليلة وليلة أو أشبه بالراعي الكذاب، فحتى عندما صدق لم يصدقه أحد، ما يعني أن العاملين في هذا القطاع أدمنوا، نعم أدمنوا شكوى النق بالخسائر، والمربي يرد بالمثل، فأين المعنيون من كل هذا التناقض الكبير، بدءاً من اتحاد الغرف الزراعية، مروراً بالمنظمة الفلاحية، وصولاً إلى ما ينقله المربون، وما تردده مؤسسة الأعلاف، فالقصة بدأت منذ ما قبل الأزمة، ومازالت رغم العشرات من الندوات الخاصة، والأيام العلمية التي عقدت لمناقشة قطاع الدواجن، كان آخرها المؤتمر الطبي الأول للدواجن الذي عقد بحماة قبل أشهر من الآن، وسمعنا فيه بأن هذا القطاع قد تعافى، وعاد المربون للإنتاج، لنراهم اليوم وقد عادوا لشكواهم القديمة الجديدة، ألا يكفي إلغاء الضريبة لخمس سنوات قادمة؟!.

التراجع والتطور كلمتان متناقضتان، فالمعطيات على الأرض تشي بما لا يدع مجالاً للشك لتراجع قطاع الثروة الحيوانية خلال السنوات الخمس الماضية، ومن هنا نرى استعجال الحكومة بترميم قطيع الأبقار، وهذا ما تحقق، حيث وصلت الدفعة الأولى منها في الوقت الذي بدأت مؤسسة المباقر بفرز الأبقار التي تريد بيعها لمن يرغب.

وتضيف مصادرنا بأن قطيع الأغنام كان عدده ما قبل الأزمة حوالي 15 مليون رأس، وإذ به الآن 13 مليوناً، وهذا الرقم مشكوك بصحته وفقاً لمصادر اتحاد الفلاحين بحماة، معتبرة إياه الرقم التأشيري، حيث لا يمكن الاعتماد عليه في أية دراسة تتعلق بواقع الثروة الحيوانية، وهذا ما كان قد أشار إليه في وقت سابق مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة هيثم حيدر.

كيف لا يتكرر الرقم؟

ما يدعو للتساؤل هو أن يقول القائمون على مشروع تطوير الثروة الحيوانية بأن الرقم الذي يعطى للرأس الواحد لا يتكرر على مستوى القطر، هذا يعني، والكلام هنا لنا وليس للقائمين على المشروع، إذا خسرنا نصف الثروة الحيوانية تهريباً أو ذبحاً عبر المسالخ السرية العشوائية، ستبقى الأرقام التي كانت تحملها هذه القطعان سارية المفعول، بحيث تتواصل عملية العد والترقيم، وهذا يعني أننا أمام سباق متصاعد غير منضبط، فكيف يكون لدينا 13 مليون رأس من الأغنام، وقد تم ذبح وتهريب الآلاف إن لم نقل الملايين منها، وما يتم ضبطه يومياً بالعشرات في مسالخ حماة السرية لإناث العواس، فكيف تبقى هذه الأرقام سارية المفعول رغم التهريب والذبح العشوائي؟!.

هنا يشكك عضوا اتحاد فلاحي حماة السيدان: خالد النهار، وقصي درويش، بصحة الأرقام المتداولة لجهة عدد الأغنام، فليس هناك ما يؤكد الثلاثة عشر مليون رأس، فما تم تهريبه، وما يمارس اليوم من ذبح لإناث العواس، كبير جداً، فآخر ما تم ضبطه قبل أيام هو مسلخ سري، وفيه تسعة عشر رأساً مذبوحة معدة للبيع كلحوم تم ضبطها من قبل محافظ حماة شخصياً.

قرصنة وسرقة

في هذا الصدد أكد /للبعث/ عدد من المربين بأن القطيع تعرّض ولايزال لعملية قرصنة، فقد تمت سرقة الأغنام والماعز الجبلي إلى الدول المجاورة، ولترميم القطيع لابد من اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل من قام بتهريب رأس واحد من هذه الأغنام، حيث كانت الدعم والسند القوي للقطاع الاقتصادي، في الوقت الذي تعتبر مشكلة الغذاء أحد أهم مظاهر الأزمات الاقتصادية، وعلامة من علامات فشل السياسات الاقتصادية أن تفرّط بثروة لديك، ثم تعيد البحث عنها مجدداً، وبخاصة في ظل التزايد السكاني المتسارع، وهذا يقود إلى سؤال آخر أكثر مشروعية، بل وموضوعية، مؤداه: هل يبقى التنظير لجهة دعم قطاع الثروة الحيوانية قائماً بلا قرائن على أرض الواقع؟ وأين زراعة المحاصيل العلفية؟ ولماذا لا نكثر من زراعتها تحصيناً لهذا القطيع، وتخفيفاً من استيرادها، وتوفيراً للقطع الأجنبي، أم نحن أدمنّا أيضاً الحديث عن الدعم، لتصبح القضية برمتها إدماناً بإدمان؟!.

الخلاصة

إن ما تقدمه أو ما كانت تقدمه الثروة الحيوانية من فرص وإمكانيات اقتصادية لا يكفي الركون للاطمئنان والتفاؤل، فلابد من تفعيل هذه الفرص، وتطوير هذه الإمكانيات، وبخاصة أن كل ما نسمعه لا يتعدى ترقيم هذه الثروة، وتلوين أذنيها بحلقات بلاستيكية، في حين أن كل المؤشرات تؤكد على ضرورة العودة للارتقاء بقطاع الثروة الحيوانية، وتأمين مستلزماتها عملياً لا نظرياً.

محمد فرحة
Facebook Twitter Google+