الاقتصاد الهندسي يكشف عن الخيارات المتاحة للتمويل في إعادة الإعمار

الاقتصاد الهندسي يكشف عن الخيارات المتاحة للتمويل في إعادة الإعمار

أخبار سورية

الاثنين، ١٨ سبتمبر ٢٠١٧

تستنهض عملية إعادة الإعمار معارف وخبرات جميع الاختصاصات العلمية والمعرفية في كافة الفروع الجامعية السورية، فهي تحتاج إلى تكامل وتناغم ما بين تلك المعارف الإدارية والاقتصادية والهندسية المعمارية والكهربائية والمدنية، وغيرها من الاختصاصات التي بدأت فعلياً برسم مستلزمات إعادة الإعمار، ووضع ركائز أساسية للعمل الجاد، وتوفير الكثير من الجهد والوقت خلال الخطوات التنفيذية إلى جانب رصد حجم الدمار والتخريب الحاصل في منشآتنا ومدننا ومصانعنا، ثم تقدير الإمكانيات المتاحة أمامنا من عمليات تمويل وأيدٍ عاملة وخبرات فنية وعلمية وإدارية مؤهلة للإقلاع بسوية عالية في إعادة البناء والتشييد، والاستفادة من أخطاء الماضي، وأكثرها متعلق بهدر المال العام، والتوظيف الخاطئ للخبرات العلمية والطاقة البشرية، فمن المهم جداً التوقف أمام منغصات الماضي، وتجاوز العقبات التي كانت تعيق عملية التنمية البشرية، ولكي نحصل على نتائج مرضية وناجحة لابد أن يطال الإعمار في هذه المرحلة الحجر والبشر على حد سواء بحيث يكمل كلاً منهما الآخر.

هندسة اقتصادية

يحمل كل اختصاص علمي وأكاديمي هواجس مرتبطة بجوانب عديدة حول متطلبات المرحلة، حيث سمحت ورشات العمل والندوات العلمية في الإفصاح عنها، وتقديم الحلول والمقترحات حسب معطيات الواقع “رأس المال” لإعادة الإعمار، يتخذ حيزاً كبيراً لدى أساتذة الاقتصاد  الهندسي الذين بحثوا عن المصادر المادية والموارد  الخام المتوفرة لدينا لتحويلها إلى رأس مال،  حسب إمكانية المجتمع، وهنا يؤكد الدكتور محمد الجلالي على دور الاقتصاد الهندسي لدراسة تلك الإمكانيات، وتسخيرها في عملية الإعمار، والبحث في الكفاءات الاقتصادية والتكلفة لإعادة الإعمار ضمن الظروف المختلفة، فاقتصاديات مرحلة الإعمار التي نقدم عليها أشبه باقتصاديات الكوارث الذي يحتاج للتخطيط المسبق والاستجابة اللاحقة بحسب الجلالي، وأن التدمير الحاصل هدم رأس المال المتوفر، وقلل الموارد المتاحة، وتراجعت معدلات الاستفادة من المواد الخام التي تصنع رأس المال، فمن سلبيات إعادة الإعمار في الوضع السوري هو التدمير الكبير الحاصل للبنى والمنشآت، والانتشار الجغرافي الواسع للمساحة الجغرافية المدمرة والتي تسببت بتدهور الاحتياطي العام والخاص.

توظيف الموارد

لم تستثمر المواد الخام في سورية بسنوات الرخاء التي مرت بها، وهذا ما يثير قلق الكثيرين من المهتمين بعملية الإعمار لما في ذلك من أثر هام على عملية التمويل من الجهات العامة، ويوضح لنا عضو نقابة المهندسين عامر خضور أن المخاوف المتعلقة بتوظيف الموارد المحلية من النفط والغاز وغيرها من الأحجار والمعادن، وعدم استثمار الإمكانيات الهائلة التي لم تكن تستثمر سابقاً، ساهم في غياب الدور الهام للثروات الاقتصادية والتراثية لدينا، وبيّن خضور أن الاستثمار الداخلي يعد أكثر أهمية في مرحلة إعادة الإعمار لإيجاد البدائل وخيارات التمويل، ويضيف خضور: إن إهمال العنصر البشري يحمل الأثر السلبي ذاته لإهمال تلك الثروات، ففي الوقت الذي نبحث فيه عن موارد تمويل للمشاريع القادمة سيكون الأجدر بنا استثمار الطاقات الخام الكامنة لدينا، وجميع الإمكانيات المتوفرة لصبها في عملية الإعمار.

 

العام والخاص

حملت عملية  تمويل البناء والتشييد اقتراحات عديدة في ظل عدم قدرة الموارد الداخلية على القيام بهذه المهمة، وإنما تحتاج إلى موارد مختلفة، منها تمويل  الجهات الخاصة لتأهيل المصانع والبنى التحتية، وهنا يتابع الجلالي: إن الاقتصاد الهندسي يعزز عملية التمويل الخاص بعد إجراء تقييم المنافع والتكاليف لتلك الجهات، حيث تحتاج إلى تقدير التكاليف، وتقييم للبدائل الفنية ولبدائل التمويل، أما تمويل المشروعات الحكومية فهي أكثر تعقيداً بسبب أثر الزمن على القيمة النقدية للعملة المحلية، والتي تؤثر على تكاليف الدورة الحياتية للمشاريع الحكومية التي تأخذ بعداً زمنياً، “مشاريع مستقبلية”، وهي تجعلنا رهينة للتعامل مع القيم الاحتمالية، وتقييم التمويل الزمني والتدفق النقدي لتمويلها.

سلبيات التمويل

تهيئة الواقع المحلي لعملية التمويل العام تحتاج إلى السرعة، والاستفادة القصوى من الموارد الخام، والمواقع الأثرية، واستثمارها، لذلك لابد من البحث عن موارد خارجية، وبحسب الجلالي فإن خيارات التمويل والبدائل الممكنة ترتبط بالمنح الخارجية، ودخول الشركات للدول المانحة للعمل والاستثمار، لكن سلبيات هذا التمويل تكمن في صعوبة المنح والحصول عليها للتغطية الكاملة للإعمار، في حين أن التمويل والاقتراض العام الداخلي يعتمد على وجود المال الاحتياطي لدى الخاص والعام، وهو على الأغلب غير متوفر بسبب الآثار التضخمية، وعدم توفير الموارد الخام التي يمكنها دعم رأس المال، أما إذا كان التمويل خاصاً فقط فإنه يحتاج إلى ضمانات حكومية في ظل المخاطر التي يمكن أن ترافق عملية الإعمار من إخفاقات وغيرها.

أفضل الخيارات

يقدم الاقتصاد الهندسي رؤية استشرافية للتمويل، ولكن تترافق معها مساوئ وسلبيات كل حالة، لكن الاقتراض العام الخارجي يعد من أكثر الأفكار المطروحة إيجابية، ويعرّف الجلالي هذا التمويل بأنه اقتراض حكومات من حكومات أخرى، وفوائد التمويل فيها كبيرة جداً تتجلى بتدني معدلات الفوائد لهذه القروض، وبفترة سماح دون سداد، كما تأخذ هذه القروض فترة زمنية طويلة، لكنها تعتبر من القروض التي يصعب الحصول عليها، ويجد الجلالي أن من خيارات التمويل الممكنة “فكرة التشاركية” التي من شأنها تخفيف أعباء كفاءة الإنفاق للموازنة العامة للدولة، فهي تحقق الكفاءة في التفعيل والإنفاق، وتساهم في نقل سداد الدين من الحكومة إلى الناس مباشرة، لكن ذلك يتطلب تحقيق استدامة في النمو، وارتفاع معدلات الفائدة، وتوفير البيئة الاستثمارية المناسبة، لكن العائق الوحيد أمام تلك القروض يكمن بصعوبة الحصول على الضمانات الحكومية.

تطبيق اللامركزية

لا تبدو عملية التمويل وإيجاد رأس المال مسألة سهلة أمام متطلبات عملية الإعمار، ما يفرض بلورة مطالب الإعمار البشرية، والفنية، والإعمارية، بالإضافة إلى بلورة الأضرار، وعناصر التكاليف، وهنا يحدد الدكتور في كلية الهندسة المدنية صادق الجوهري جوانب أخرى لدعم رأس المال تتمثّل بتكوين خلايا وفرق تمويل تدرس احتياجات كل محافظة بحسب خصوصيتها، وجوانب الاستثمار فيها لدعم رأس المال، والقرارات المركزية، وتفعيل دور المجالس المحلية في تدعيم عملية التمويل من خلال الاعتماد على مصادر مختلفة كالاستفادة القصوى من الطاقة الشمسية المتوفرة في بلادنا، ودعم البيئة الاستثمارية، ويصف الجوهري الاقتصاد السوري بالقوة والتماسك، ويتفاءل بعمل المرحلة القادمة للإعمار بعد صمود دام سبع سنين.

في المجمل

الاقتصاد الهندسي حمل في جعبته خيارات عديدة لعمليات التمويل، وفرز إيجابياتها وسلبياتها، لنصل أخيراً إلى ضرورة الاهتمام بالموارد المحلية، وتشغيلها كداعم هام وأساسي لدعم عملية التمويل، ووضعها على المسار الصحيح، وحشد جميع الإمكانيات المتاحة لتخفيف الأعباء في هذه المرحلة.

ميادة حسن