تهالك وترهل شركات الإنشاءات والدراسات والإشراف في درعا.. تراجع حاد في الكوادر.. ونهب وتخريب للآليات الفنية

تهالك وترهل شركات الإنشاءات والدراسات والإشراف في درعا.. تراجع حاد في الكوادر.. ونهب وتخريب للآليات الفنية

أخبار سورية

الأحد، ١٧ سبتمبر ٢٠١٧

وليد الزعبي
قامت جميع المشاريع الحيوية في مختلف القطاعات في محافظة درعا من سدود ومحطات صرف صحي ومشاف ومراكز ثقافية وطرق مركزية وجسور وغيرها على أكتاف شركات ومؤسسات القطاع العام بمختلف تخصصاتها من تنفيذ ودراسة وإشراف وتصميم، فكانت بحق الحامل الحقيقي لمشاريع التنمية التي كانت تترامى جبهاتها على مختلف بقاع المحافظة قبل الأحداث، حتى أنه لكثرتها كان يؤخذ في كثير من الأوقات على تلك الجهات تأخرها في إنجاز الأعمال، لكن منذ بدء الأحداث خفت بريق تلك الشركات والمؤسسات حتى باتت في طور النسيان ويكاد لا أحد يسمع بها ،وذلك لتراجع عمل بعضها إلى حدود ضيقة جداً وتوقف عمل بعضها الآخر بشكل كامل نتيجة الظروف الراهنة ،حتى أن أغلبها مع مرور سنوات الأزمة تهالك وترهل نتيجة نهب وتخريب المجموعات المسلحة للعديد من منشآتها وتجهيزاتها وآلياتها على اختلافها، وخاصة منها الفنية ولتسرب عدد كبير من عامليها وفي مقدمتهم اليد الفنية الخبيرة لأسباب مختلفة، منها الهجرة والاستقالة والتقاعد وبحكم المستقيل وكف اليد، ومع بشائر النصر التي بدأت تلوح في الأفق القريب وحلول الاستقرار ،يكون قد حان الوقت ليتم العمل على إعادة تأهيل تلك الشركات والمؤسسات لتصبح قادرة على الإسهام بشكل كبير في إعادة الإعمار المنشودة التي تحتاج طاقات بشرية ومادية على قدر عال من الكفاءة والجهوزية.
إن طبيعة عمل فرع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية تتمثل في الإشراف على تنفيذ عقود الصيانة والإنشاء للطرق المركزية التي تبرم مع جهات القطاعين العام والخاص، وعن واقع العمل ما بين الأمس واليوم أوضح المهندس محمود البلخي أن الفرع انتقل بسبب الأزمة من حالة النشاط وجبهات العمل الواسعة إلى حالة الركود، ففي عام 2011 تم إبرام عقود صيانة وإنشاء لشبكة الطرق المركزية في درعا بقيمة 460 مليون ليرة سورية، وهذا المبلغ قياساً للأسعار الرائجة للمواد الداخلة في صيانة وإنشاء الطرق حينها يعد كبيراً جداً وينفذ جبهات عمل واسعة، وقد تمت المباشرة فعلاً بأعمال تلك العقود المبرمة لكن الأحداث أدت إلى توقف الأعمال فيها جميعها، ومع مرور سنوات الأزمة اقتصر عمل الفرع على تنفيذ أعمال الصيانة الإسعافية والضرورية لطريق أوتستراد دمشق – الحدود الأردنية الدولية ،حيث جرى في عام 2016 إنفاق مبلغ قدره 100 مليون ليرة سورية تقريباً، وفي العام الحالي تم إعداد خطة إسعافية لصيانة المناطق المخربة والضروري معالجتها من الأوتستراد المذكور بمبلغ 300 مليون ليرة، منها 200 مليون ضمن طرفه الشرقي و 100 مليون في طرفه الغربي، حيث يعاني الأوتستراد في مواقع متفرقة منه كثرة الحفر والتشققات والهبوطات التي يمكن تركها أو تأجيلها، وجرى العمل مع الإدارة العامة لتلزيم العقد المذكور لجهات القطاع العام من أجل المباشرة بالتنفيذ وإنهاء الأعمال خلال العام الجاري، علماً أن فتح جبهات عمل جديدة لا يؤدي إلى تحسين خدمات الطريق والمحافظة عليها من الخراب فقط، بل ويؤمن أعمال لشركات القطاع العام التي هي بأمس الحاجة إليها لمساعدتها في تأمين موارد تغطي نفقاتها وفي مقدمتها الرواتب وصيانة الآليات والحفاظ عليها لحين بدء عملية الإعمار.
خطة طموحة
وأشار البلخي إلى أنه تم التنسيق مع الإدارة العامة لوضع تصورات لإعداد خطة العمل لعام 2018 وتضمنت رصد مبلغ 400 مليون ليرة سورية لصيانة المواقع التي يمكن أن تتخرب خلال الفترة القادمة في الأوتستراد المذكور، ولاسيما أنه في حال ترك المناطق المخربة في جسم الطريق من دون تنفيذ أي صيانة إسعافية سينعكس ذلك سلباً على بنية الطريق الإنشائية ويؤدي إلى انهياره، إضافة إلى التأثير على صعوبة حركة الآليات المستخدمة للطريق، وأمل البلخي فور عودة الأمن والاستقرار في القريب العاجل أن تكون الطرق ضمن سلم أولويات إعادة الإعمار لكونها تعد شرايين لمختلف القطاعات وفي مقدمتها القطاع الاقتصادي، حيث يتم إبرام عقود صيانة كاملة لطريق الأوتستراد وكل الطرق المركزية في المحافظة حسب الأولوية وتوافر الإمكانات.
407 كم طرق مركزية
وكشف مدير الفرع أن طول الطرق المركزية في المحافظة قبل الأحداث بلغ 407 كم وكانت على درجة عالية من الجودة والجاهزية نتيجة الاهتمام الحكومي الكبير فيها وتوظيف الإمكانات الكافية لها ، ولا سيما أن درعا محافظة حدودية ومدخل القطر الجنوبي وفيها الكثير من الفعاليات الزراعية والصناعية والسياحية، ومن الأهمية بمكان التنويه بأنه تم خلال عام 2016 تحويل بعض الطرق من محلية إلى مركزية، ولا سيما طريق المسيفرة – أم ولد – الأصلحة – مدينة السويداء ،وذلك لأهميته في ربط محافظة درعا بمحافظة السويداء بطريق مركزي، وكذلك طريق القنية – إنخل – جاسم – نوى -المزيريب ،وطريق جاسم – نبع الصخر، لأهميتها كمحاور طرقية تربط مناطق حيوية ضمن المحافظة.
باكورة العمل دار الحكومة
منذ عام 1980 وفرع شركة الدراسات والاستشارات الفنية في درعا يقوم بأعمال الدراسات والإشراف والتصميم الهندسي للعديد من المشروعات، وأوضح المهندس إيهاب الجرو مدير مركز الشركة في درعا أن جميع أعمال الإشراف على تنفيذ كل المشاريع المتعاقد عليها قبل الأحداث توقفت بسبب الأزمة الراهنة، والمشاريع المتوقفة عن العمل تتعدد بين القصر العدلي في مدينة درعا والمركز الثقافي في مدينة بصرى وتجهيزات محطتي معالجة درعا وداعل ومشروع محطة معالجة الشيخ مسكين ومشروع الصرف الصحي في بلدة الكرك الشرقي ومعمل السماد والمطمر الصحي في درعا البلد ،حتى أن الفرع بسبب الأحداث خسر الكثير من كوادره الهندسية والفنية والإدارية ، حيث تراجع عددهم من 54 إلى 38 عاملا ، كما يعاني الفرع، إضافة عدم وجود أعمال، صعوبات عدم وجود طبابة مناسبة ووسائط نقل للعمال وعدم تسليم لباس عمالي منذ أكثر من ست سنوات، والمأمول أن يتغير هذا الواقع قريباً مع بدء عملية إعادة الإعمار المنتظرة ليعود الفرع إلى سابق عهده، علماً أن بوادر الانفراج بدأت تلوح في الأفق وأولها أن الفرع باشر في الإشراف على إكساء خمسة طوابق من مبنى دار الحكومة الجديدة في درعا التي بدأت أعمالها في شهر أيلول من العام الماضي.
مشروع الضرورة
وبشأن مشروع دار الحكومة الجديدة أوضح المهندس كمال برمو مدير الخدمات الفنية في درعا أن أعمال الهيكل تضمنت 11 طابقا بمساحة إجمالية تبلغ 22900 متر مربع وانتهت في شهر نيسان من عام 2009 بقيمة 248.111 مليون ليرة سورية، فيما بدأت أعمال الإكساء في شهر تشرين الأول من العام نفسه بقيمة إجمالية 473.244 مليون ليرة وأنجز منها حتى شهر آذار من عام 2012 ما قيمته 33 مليون ليرة ،وبسبب الأحداث التي تمر فيها المحافظة توقف إكمال الأعمال حينها، لكن الظروف الحالية أعادت من جديد الحاجة الماسة لاستثمار جزء من هذا البناء ،وبالفعل تمت الموافقة على تنظيم ملحق عقد مع مؤسسة الإسكان العسكري لإكساء خمسة طوابق (قبوين وأرضي وأول وثاني فني) مساحتها 12100 متر مربع بقيمة 857 مليون ليرة سورية، وحالياً تسير الأعمال بوتائر مقبولة إلى حد ما ،حيث أنفق حتى تاريخه 107 ملايين ليرة أي ما نسبته 12,5% ،وهناك متابعة حثيثة من السيد محافظ درعا لتسريع وتيرة الأعمال وتذليل الصعوبات التي قد تعترض سير الأعمال ، ومن المتوقع إنجاز كامل أعمال الإكساء المطلوبة خلال الستة أشهر القادمة في حال استمرت الظروف الملائمة.
على لائحة الانتظار
إن تأسيس مركز الشركة العامة للمشاريع المائية في محافظة درعا قديم يعود لعام 1978 ،وهو متخصص في تنفيذ مشاريع الري والصرف الصحي وبناء خزانات المياه العالية، وذكر مدير المركز المهندس محمد سعيد الشعير أن العمل متوقف في جميع المشاريع بسبب الظروف الراهنة، ولاسيما إعادة تأهيل سد عدوان وسد غدير البستان وسد عابدين ومشروع شبكة ري الهرير وإعادة تاهيل سد عابدين، إضافة إلى تنفيذ شبكة صرف صحي في كل من مدينة داعل وبلدة علما التي توقفت أعمالهما بنسبة تنفيذ 30% ،كما أن عدد عمال الفرع تراجع من 121 عاملاً قبل الأزمة إلى 20 عاملاً حالياً بسبب تسرب عدد كبير من العمال لأسباب مختلفة خلال الأحداث، ولم تسلم آليات الفرع الهندسية والخدمية اللازمة للتنفيذ ،إذ تمت سرقة وتخريب عدد منها ورحل القسم الأكبر إلى الإدارة العامة.
الخطورة قائمة
وبشأن منعكسات عدم إتمام إنجاز مشاريع الري، بين المهندس عكاش علوه مدير الموارد المائية في درعا أن ذلك أثر في السلامة الإنشائية للسدود وجعلها عرضة للخطر خاصة في الظروف الراهنة التي كثرت خلالها التعديات على منشآت الري على اختلافها لوقوع معظمها ضمن المناطق الساخنة، لافتاً إلى أن عملية تأهيل السدود كانت تتم من دون أي تأخير للمحتاج منها ووفق معطيات علمية مدروسة، وبالنسبة لإعادة تأهيل سد غدير البستان فقد توقفت الأعمال عند نسبة تنفيذ 68% وتأهيل سد عدوان توقف عند نسبة 94% ، بينما لم تنفذ أي أعمال من عقد صيانة سد عابدين، أما شبكة ري الهرير فتوقفت أعمالها عند نسبة تنفيذ 66%، وعندما تسمح الظروف ينبغي الكشف ومن دون أي تأخير عن جميع سدود ومشاريع الري الأخرى في المحافظة وتقييم واقعها واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تأهيلها قبل أن تتفاقم مشكلاتها ويصعب تلافيها وخاصة للسدود.
البناء والتعمير على الرف
فرع الشركة العامة للبناء والتعمير حديث العهد في درعا قياسا لغيره ،إذ يعود إنشاؤه إلى عام 2003 ويعمل في تنفيذ المشاريع المتعلقة بالبناء ،وعلى الرغم من قصر عمره الزمني قبل بدء الأزمة إلا أنه حاز على تنفيذ عدة مشاريع، لكن آخرها توقف مع بداية الأحداث، وذكر مدير مركز الشركة بدرعا المهندس مأمون الرفاعي أن المشاريع التي توقفت لوقوعها في مناطق خارج السيطرة ولا يمكن العمل ضمنها تتعدد بين قصر العدل في درعا ومدرسة في داعل وأخرى في درعا البلد والصرف الصحي في بلدة الكرك ،حتى أن كوادر العمل تراجعت بشكل حاد لأسباب متعددة، وذلك من 145عاملاً قبل الأزمة إلى 43 عاملاً حالياً، ولفت مدير الفرع إلى وجود صعوبات في العمل تتمثل بقلة السيولة المالية وعدم كفاية الطبابة التي تعد في حدها الأدنى، وصعوبة تأمين وسائط نقل للعاملين، والمقترحات أن يتم إشراك العاملين بالضمان الصحي وتأمين وسائط نقل لتأمين العاملين إلى مقر الفرع.
لا تتعدى الترقيعات
يعمل فرع شركة الطرق والجسور في درعا منذ تأسيسه عام 1981 على تنفيذ الطرق والجسور ضمن مدن وقرى المحافظة إضافة للطرق المركزية، وبيّن المهندس غسان الزعبي مدير الفرع أن خطة العام الحالي تبلغ 808 ملايين ليرة سورية، وما جرى تنفيذه من الخطة حتى الآن قيمته 75 مليون ليرة ، وهناك عقد جديد بقيمة 113 مليوناً لتنفيذ صيانة في أجزاء من أوتستراد دمشق – درعا ،وهذه الأعمال بمجملها عبارة عن صيانة وترقيع طرقات ولا تعبر بأي حال من الأحوال عن قدرة عمل الشركة الحقيقية في إنشاء طرق وجسور من الدرجة الأولى، والحاجة ماسة إلى جبهات عمل جديدة ، خاصة أن إمكانات التنفيذ متوافرة على الرغم من أن آليات الفرع البالغة 120 آلية لايعمل منها الآن سوى 40 آلية وسرق وحرق منها 15 آلية من قبل العصابات الإرهابية المسلحة، وكذلك على الرغم من تراجع عدد العاملين من 265 عاملاً قبل الأزمة إلى 95 عاملاً حاليا ،وبشكل عام يعاني الفرع من صعوبات عدم وجود جبهات عمل وقدم الآليات وحاجتها إلى تكاليف إصلاح باهظة جداً، يضاف لذلك إرباكات عدم توافر قطع تبديل لها ضمن مدينة درعا لكون المنطقة الصناعية خارج الخدمة منذ بداية الأزمة.
مطلوب جهوزية لإعادة الإعمار
ما تقدم يؤشر إلى الحال التي آلت إليها شركات ومؤسسات القطاع العام المتخصصة بالإنشاء والتنفيذ والإشراف والدراسة والتصميم خلال سنوات الأزمة، حيث ترهلت وتهالكت بفعل التعديات من نهب وتخريب ونتيجة التسرب الحاد للكوادر وخاصة منها الفنية الخبيرة، وأوضح محمد كيوان رئيس نقابة عمال البناء والأخشاب في درعا ضرورة إعداد دراسات دقيقة لتقييم وتشخيص واقع حال تلك الجهات بكل مفرداتها، والعمل على وضع الخطط اللازمة ورصد الاعتمادات الكفيلة بإعادة تأهيلها لتصبح بجاهزبة تامة وتكون من الركائز الأساسية في مشروعات إعادة الإعمار للبنى التحتية وعلى جميع الصعد.