النافذة الواحدة.. قصور بالخدمات وطوابير بالجملة.. مواطنون: «صرعونا» بالأتمتة في الإعلام.. والواقع «راجع محافظتك»

النافذة الواحدة.. قصور بالخدمات وطوابير بالجملة.. مواطنون: «صرعونا» بالأتمتة في الإعلام.. والواقع «راجع محافظتك»

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٢ سبتمبر ٢٠١٧

منال صافـي
طابور طويل، أماكن مزدحمة، صراخ وتدافع قد يصل حدَّ العراك بالأيدي، مشهد مألوف لأغلبيتنا أمام بعض المراكز الخدمية. ناهيك بمشكلات فنية محتملة كانقطاع شبكة الانترنت المتكرر أو التيار الكهربائي الأمر الذي ربما سيفرض عليك المجيء في اليوم التالي، وعلى الرغم من التصريحات شبه اليومية من قبل المسؤولين، وجولاتهم المكوكية على مراكز الخدمات، وتوجيهاتهم بضرورة تسهيل معاملات المواطنين في وقت قصير فإن الواقع لم يرقَ بعد إلى المستوى المأمول، فأين يكمن الخلل ومن المسؤول؟.
تعال بكرا..!
يبدو عدم الرضا والسخط سيدي الموقف عند استطلاع آراء شريحة ممن راجعوا بعض المراكز والمؤسسات للحصول على خدماتهم إذ يقول أحمد منصور الذي اضطر للذهاب إلى الشؤون المدنية للحصول على بيان عائلي : انتظرنا حوالي نصف ساعة ولم يكن هناك أحد من الموظفين خلف النافذة، وعندما سألنا زميلها في النافذة المجاورة قال «الله يعينها طولوا بالكم عليها من الصبح مارفعت رأسها ،بعد قليل تأتي » وعندما حضرت الموظفة ووصل دوري قالت: أعتذر منك انقطعت الكهرباء «تعال بكرى»!
أما ربيع الحلو فيشرح ظروف عمله الصعبة التي لم تسمح له بالذهاب إلى مركز هاتف المنطقة التي يقطن فيها، فتقدم بشكوى لإصلاح خط هاتفه من خلال الاتصال بمركز الدعم الفني، الذي سمع عنه من خلال إعلان في إحدى المحطات الإذاعية بأنه بمجرد الاتصال وتقديم الشكوى ستحل مشكلة الهاتف خلال مده أقصاها 48 ساعة.. ويتابع: بعد أسبوعين على الاتصال بهم لم ألقَ نتيجة، فعاودت الاتصال مجدداً ليقولوا لي: عليك مراجعة مركز الهاتف في منطقتك وتقديم الشكوى هناك.
وفي مركز خدمة المواطنين في المزة تقول السيدة لمى عبود، التي ذهبت لاستصدار إخراج قيد: وقفت طويلاً علماً أنني أعاني آلاماً في الظهر وبين الفينة والأخرى يخرج علينا موظف يطلب منا الوقوف بالتسلسل وحسب الدور، ويخبرنا بأن علينا الصبر لأن النت ضعيف.. لكن المؤلم في الموضوع أن يأتي شخص بعدي بكثير يعرف أحد الموظفين فيدخل على الفور ويحصل على طلبه في غضون عشر دقائق.
بدورها السيدة لينا ديوب تقول: اضطررت لاستصدار إخراج قيد عقاري لمنزلي في منطقة اللاذقية لإتمام ملف خاص بالسفر، فتوجهت إلى مديرية المصالح العقارية في دمشق لكنهم أكدوا أنه لايمكن استخراجه إلا من محافظتي حصراً، مؤكدة أن السفر مكلف مادياً بالنسبة لها ولن تستطيع تقديم الملف في الوقت المطلوب، وقالت: «صرعونا» بتطبيق الأتمتة عبر الشاشات وفي الواقع علينا مراجعة محافظاتنا.
المسوحات العشوائية ضرورة
يرى عبد الرحمن تيشوري، خبير الإدارة العامة، أن على الحكومة تقييم و مراقبة مايقدمه القطاع العام من خدمات للمواطنين بشكل مستمر، ففي الدول المتطورة تلتزم الجهات العامة بتقديم معايير الأداء التي تستند إلى مقاييس محددة، وأهمها زمن الاستجابة، فعلى سبيل المثال ما الوقت اللازم لمعالجة الطلب أو لإصدار جواز السفر، أو عدد الأيام التي تستغرقها عملية قبول المريض لإجراء جراحة، عدد الساعات اللازمة للحصول على رخصة القيادة، إضافة إلى مقاييس أخرى مثل التكلفة وعدد أيام العمل في المكاتب.
ويشير إلى أن خطة التنمية الإدارية في بلادنا، وتحديداً فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للمواطنين، لاتزال قاصرة ولم تنجح في وضع الآليات في مكانها الصحيح لمعرفة كيفية تقديم الخدمات بشكل جيد يرضي توقعات المستخدم النهائي، سواء كان مواطناً أو مؤسسة أو موظفاً عاماً، لافتاً إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في معارف ومنهجيات وأساليب مختبرة جيداً في هذا المجال، إذ تعتمد الإدارة العامة في عدة دول أوروبية على أساليب متعددة لتحديد مقدار رضا الزبون عن أداء القطاع العام، وشدد على أهمية أن يكون الإعلام قوة مستقلة ومنتدى للمواطنين لطرح القضايا والتعبير بأنفسهم عن الجوانب السلبية والإيجابية للأداء.
وأشار إلى ضرورة أن تتبع التنمية الإدارية أسلوب المسوحات العشوائية الدورية في كل القطاعات الخدمية في كل المناطق لتساهم في التقييم السنوي لنوعية الخدمات العامة وحسن الاستجابة الإدارية، وضرورة وجود مجموعات عمل تتابع نتائج المسوحات وتناقشها وتخرج بملخص تتم مناقشته مع مختصين ومحامين وسماسرة ومواطنين… الخ، كتقييم وتحسين خدمات الكاتب بالعدل.
تقاسم «للرزقة»
اللافت في أغلب المؤسسات ظاهرة معقبي المعاملات فهل هي ظاهرة مشروعة؟ ومن يلجأ لهم؟ هذا السؤال توجهنا به إلى المحامي عارف الشعال الذي أكد أن معقب المعاملات هو الشخص الطبيعي الذي أجيز له بموجب المرسوم التشريعي أن يحترف مهنة تعقيب وإنجاز المعاملات لدى الجهات العامة وغير العامة نيابة عن أصحابها مقابل أجر، موضحاً أن المرسوم التشريعي رقم 12 لعام 2014 نظّم عمل معقبي المعاملات وحدد الشروط التي يجب توافرها فيهم.
ولدى سؤالنا إن كان المعقب – كما يشاع- يقوم بإنجاز المعاملات بسرعة تفوق سرعة المحامي أجاب: هذا صحيح وخاصة في الجهات الحكومية، والسبب أن الموظف يرتاح لمعقب المعاملات أكثر من المحامي لأن معقب المعاملات يشركه «بالرزقة» أما المحامي فلا.
مؤكداً أن مجرد وجود مهنة لمعقبي المعاملات يعترف بها القانون، فهذا يعني أن الدولة تعاني بيروقراطية متفشية وترهلاً إدارياً غير مقبول على الإطلاق.
متسائلاً: ما حاجة الناس لأن تدفع لمعقب المعاملات أتعاباً ليقوم بالسير بمعاملة هم لا يستطيعون السير بها؟ مضيفاً: في الدول المتقدمة يقوم المواطن بطلب الخدمة من الدولة بالبريد فترسل له الدولة المطلوب.
مشدداً على ضرورة تطبيق النافذة الواحدة وأتمتة كل شيء في الدولة ومنع احتكاك المواطن بالموظف نهائياً، أو تخفيفه قدر الإمكان، مشيراً إلى أن النافذة الواحدة لم تحقق الهدف المرجو منها مادام الموظف يرسل المواطن لنوافذ أخرى.
رقابة غائبة
بدوره القاضي حسين أحمد أشار إلى أن القانون الخاص بمهنة معقبي المعاملات ينظم عملهم والجزاءات التي يمكن أن تفرض عليهم في حالة مخالفة الأصول القانونية، وهي تصل لحدَّ العقوبات الجزائية فيما إذا كانت المخالفة تشكل جرماً جزائياً، لكن الدور الذي يلعبه أصحاب هذه المهنة انحصر بالسمسرة وفرض أجور ومبالغ خيالية بحجج وغايات معروفة للكل وهم بذلك يخالفون ما يفترض أنهم ملزمون بالقيام به.
وهنا يأتي دور الرقابة والإشراف والمحاسبة الذي فرضه القانون والنقابة التي يعملون تحت إشرافها ذلك أنه لأصحاب هذه المهنة تنظيم نقابي خاص لكن هذه النقابة دورها إداري رقابي وعلى الورق فقط، وهي لا تمارس الدور الذي افترضه القانون لها ،حتى إنه بات من المسلم به أنه بمجرد ذكر هذه المهنة يتبادر إلى الذهن الكثير من الأوصاف غير اللائقة بالبشر!.
مرحلة النهوض
الدكتور زياد عربش عضو في المجلس الاستشاري لرئاسة مجلس الوزراء يؤكد أن الأزمة التي مرت فيها بلادنا يجب أن تتيح لنا فرصة للتغيير الإيجابي ويجب علينا التقاطها لافتاً إلى أنها منحت فرصة لبعض الأشخاص المغمورين للظهور للصف الأول، وهؤلاء يمتلكون شيئاً من الكفاءات والمهنية والأفكار المبدعة في مجال التطوير، وهناك مؤسسات لم تستطع خلال الأزمة أن تلعب دوراً إيجابياً ربما بسبب ترهلها فأزيحت عن الخريطة التنموية.
وبيّن أن مسار الإصلاح الإداري ليس وليد اللحظة بل تم البدء به منذ عام 2000 وكانت البلاد تشهد وقتها انفتاحاً اقتصادياً وتحديثاً للبيئة التشريعية والضريبية ، غير أن الأزمة كسرت هذا المسار وفرضت مساراً بين الأعوام 2011 -2017 يرتكز على القرارات الإسعافية والآنية والحلول الترقيعية ، ومع الدمار الهائل الناجم عن الأعمال الإرهابية والعقوبات والحصار الاقتصادي كان من الصعب المتابعة بالإصلاح الإداري، وكان الهدف الأساس تأمين الحاجات الأولية من غذاء ودواء.
وأشار إلى أن الأزمة في سورية مرت في أربع مراحل، وهي مرحلة الصدمة والارتباك ومرحلة النزوح القسري وهجرة الكفاءات من أغلب المؤسسات ومرحلة التأقلم، أما المرحلة الرابعة، والتي نعيشها اليوم فهي مرحلة النهوض من الركام، وفي هذه المرحلة تحديداً أبدى البنيان السوري تماسكا فلم تنهر المؤسسات الحكومية.
بالإرادة لا بالكلام
ويضيف الدكتور عربش، إننا نمتلك اليوم، في مجال الإصلاح الإداري، ثلاثة خيارات؛ الأول: هيكلة المؤسسات القائمة مع أنظمتها الداخلية، والثاني: تغيير البنية الناظمة لهذه المؤسسات وتشريعاتها وقوانينها، أما الخيار الثالث فهو تغيير المفاصل، فالأفكار والأدوات القديمة لم تعد صالحة اليوم ونحتاج أدوات ابتكارية، موضحاً أن الحديث عن الإصلاح الإداري اليوم من قبل بعض الإدارات يبدو كأنه موضة جديدة لكنه في واقع الحال حاجة تتطلبها المرحلة المقبلة التي تحتاج إلى أفعال على أرض الواقع وليس التنظير فقط .
وأشار إلى أن الإصلاح الإداري لن يتحقق بالدورات والبرامج التدريبية التي ينفق عليها الكثير بل بالإرادة الجدية وتعاون كل الأجهزة الحكومية والارتكاز على قيادات كفوءة ونزيهة واستغلال القدرات الكامنة.
وفيما يتعلق بالفترة الزمنية التي نحتاجها لتطبيق الحكومة الإلكترونية على أرض الواقع قال : يجب أن ننطلق فوراً، فالفرصة هائلة الآن لإحداث تغييرات إيجابية وفق النموذج الذي يناسبنا، لافتاً إلى أنه تحقق بعض التقدم في هذا المجال، ففي السابق كان المواطن يضطر للذهاب إلى محافظته للحصول على إخراج قيد على سبيل المثال وهذا يكلفه مبالغ مادية، إضافة إلى أيام سفر، أما اليوم فيستطيع من خلال زيارة أي مركز لخدمة المواطن القريب من سكنه الحصول عليها. متابعاً: صحيح أن هناك بعض العراقيل التي قد تصادفه لكن تبقى ضمن المعقول، والأزمة أثرت سلباً، لكن الطموح أن يحصل المواطن اليوم على هذه الخدمة وهو جالس في منزله، وكذلك بالنسبة لخدمات أخرى كالتقديم على المسابقات ودفع الفواتير الهاتفية وغير ذلك.
وأكد أن بعض المنتفعين يعرقلون مسيرة الخدمات الإلكترونية، لأن تطبيقها سيلغي جميع أشكال الفساد الإداري، منوهاً بأهمية الرقابة الإلكترونية وبأن الوزارات التي تتيح للمواطن التقدم بشكاوى عبر مواقعها الإلكترونية لا فائدة منها إن لم يتابعها رأس الهرم والقيادات، ويحاسب كل مقصر.
وعن ضعف الأجور والرواتب ودور ذلك في انتشار الفساد والرشاوى لدى الموظف الحكومي أجاب: إن الزيادة ضرورية ولكن ذلك ليس مبرراً فهناك من يتقاضى رشاوى بحجة عدم كفاية الرواتب، وهناك من لايقبل لأن أخلاقه تمنعه، وعندما تتحسن الأوضاع وتفتح المعابر وتقلع عجلة الإنتاج سيتحسن الوضع المعيشي للجميع، موضحاً أن هناك متابعة جادة من قبل الحكومة الحالية لكشف ملفات الفساد.
مقياس حضاري
تقاس حضارة الدول بمدى ما تقدمه لمواطنيها من سرعة في إنجاز معاملاتهم ما يوفر المال والجهد ويخفف الضغط، والأهم من ذلك الحد من الفساد والرشاوى وإلغاء دور معقبي المعاملات والسماسرة ، لأن التعقيدات الإدارية والروتين من أهم أسباب التخلف الإداري وتدني كفاءة الأجهزة الإدارية.