بعد أن تحوّل الإفراط في استخدامه إلى نوع جديد من أنواع الإدمان.. الإنترنت يحوِّل 60 % من مستخدميه إلى مدمنين

بعد أن تحوّل الإفراط في استخدامه إلى نوع جديد من أنواع الإدمان.. الإنترنت يحوِّل 60 % من مستخدميه إلى مدمنين

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٢ أغسطس ٢٠١٧

إلهام العطار
في جلسة عائلية اختلفت فيها الأعمار والفئات، غابت الكلمات والأحاديث وحضرت وبقوة نغمات لوحات مفاتيح موبايلات الحضور التي لم تفارق أكفهم وعيونهم المتنقلة من موقع إلى آخر عبر شبكة الإنترنت.. منظر لم يعد مقتصراً في أيامنا هذه على عائلة أو شلة أو حفلة، فوجود الـ wi-fi مفتوحة أصبح شرطاً من شروط الحضور! فهل يعقل أن ندمن الإنترنت من دون أن ندرك؟! وإذا كان كذلك فما أعراض إدمان الإنترنت، والأهم كيف نتخلص من مرض يقال إنه مرض العصر؟
تقول الدكتورة منال الشيخ- اختصاصية الارشاد النفسي في كلية التربية – جامعة دمشق، خلال وقفة مع «تشرين» للحديث عن إدمان الإنترنت: لم يسبق لأداة منذ فجر التاريخ أن خدمت الإنسان بالدرجة التي خدم بها الكمبيوتر بشكل عام والإنترنت بشكل خاص تقدم الإنسان ورفعته، فهذه الشبكة العملاقة غيّرت شكل الكون في مدة زمنية متناهية الصغر، وبينما كان يحلم علماء وكتاب مثل «ماك ماهون» بالقرية العالمية أصبحنا الآن نتحدث عن الغرفة العالمية، ولكن بما أن لكل شيء سلبياته وإيجابياته فقد أدى الإفراط في استخدام الإنترنت إلى ظهور ما يسمى الآن إدمان الإنترنت، إذ أصبح وحسب تأكيدات إحدى الدراسات العلمية الحديثة الصادرة عن جامعة بيتسبرج في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 60% من مستخدمي الإنترنت في العالم في عداد المدمنين!
اضطرابات في السلوك
وتضيف: إدمان الإنترنت هو حالة من الاستخدام المرضي وغير التوافقي للإنترنت، ويؤدي إلى اضطرابات في السلوك ويستدل عليها بعدة ظواهر منها زيادة عدد الساعات أمام الكومبيوتر بشكل مطرد تتجاوز الفترات التي حددها الشخص لنفسه في البداية، ومواصلة الجلوس أمام الشبكة على الرغم من وجود بعض المشكلات مثل السهر، الأرق، التأخر في العمل، إهمال الواجبات الأسرية والزوجية وما يعقبه من خلافات ومشكلات، إضافة إلى التوتر والقلق الشديدين في حالة وجود أي عائق للاتصال بالشبكة قد تصل إلى حد الاكتئاب إذا ما طالت فترة ابتعاده عن الدخول على الإنترنت، وقد أدى بالبعض لفقدان علاقات اجتماعية أو زوجية وتأخر وظيفي، بينما أصيب آخرون بالانطواء والعزوف عن المجتمع.. وهذا الإدمان لا يصيب البالغين فقط بل الأطفال أيضاً خاصة مع توافر الجديد كل يوم في ألعاب الكمبيوتر، وينعكس سلباً وبشكل أكبر على حياة الطفل ومواعيد نومه ودراسته ويصبح انطوائياً لا يمارس أي هوايات سوى الجلوس على الشبكة بلا كلل أو ملل.
أسباب وحالات
لدى مدمني الإنترنت بصفة عامة قابلية لتكوين ارتباط عاطفي مع أصدقاء الإنترنت والأنشطة التي يقومون بها داخل شاشات الكمبيوتر، إذ يتمتع هؤلاء بخدمات الإنترنت التي تتيح لهم مقابلة الناس وتكوين علاقات اجتماعية وتبادل الآراء، إذ توفر تلك المجتمعات المعتبرة تحقيق حاجات نفسية وعاطفية غير محققة لهم في الواقع، هي بعض من الأسباب التي تسبب الإدمان كما أشارت د. الشيخ فمستخدم تلك لخدمات يستطيع إخفاء اسمه وسنه ومهنته وشكله وردود فعله، وتالياً يستغل بعض مستخدمي الإنترنت ولاسيما من يعانون الوحدة وعدم الأمان في حياتهم الواقعية- تلك الميزة للتعبير عن أدق أسرارهم الشخصية ورغباتهم المدفونة ومشاعرهم المكبوتة ما يؤدي إلى توهم الحميمية والألفة.. ولكن حين يصطدم الشخص المدمن بمدى محدودية الاعتماد على مجتمع لا يملك وجهاً لتحقيق الحب والاهتمام يتعرض إلى خيبة أمل وألم حقيقيين.
بين الصحي والنفسي
وبالنسبة لمن هم أكثر قابلية لهذا النوع من الإدمان لفتت الشيخ إلى أنه، وحسب بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال، فإنهم أصحاب حالات الاكتئاب والشخصيات القلقة… وهؤلاء الذين يتماثلون للشفاء من حالات إدمان سابقة، إذ يعترف الكثير من مدمني الإنترنت أنهم كانوا مدمنين سابقين للسجائر أو الخمور أو الأكل، يضاف إليهم أولئك الذين يعانون الملل (كربات البيوت مثلاً) أو الوحدة أو التخوف من تكوين علاقات اجتماعية، وقد عدّت تلك الدراسات أن مدمن الإنترنت هو من أصيب بخمسة من الأعراض الثمانية الآتية: التفكير الدائم في الإنترنت حتى مع البعد عن الكمبيوتر، الشعور بالرغبة في زيادة عدد ساعات استخدام الإنترنت والمكوث على الشبكة فترة أطول من المخطط له، الفشل في ضبط عدد ساعات استخدام الإنترنت والتوتر عند عدم استخدامه، الشعور بالندم على فقد مكتسبات معينة (علاقات، صفقات، التزامات) بسبب كثرة استخدام الإنترنت والكذب على المحيطين لأجل التفرغ للإنترنت وأخيراً اللجوء إلى الإنترنت هرباً من مشكلات الحياة.
الإدمان مرض له من الآثار السلبية والمرضية جوانب متعددة، وهنا توضح الشيخ أن تلك الآثار تتوزع بين مشكلات صحية ونفسية، فعلى الجانب الصحي يتسبب في اضطراب النوم حيث يقضي المدمن أغلب ساعات الليل على الإنترنت، ما يعرضه إلى إرهاق بالغ ويؤثر في أدائه في عمله أو دراسته، كما يؤثر في مناعته؛ ما يجعله أكثر قابلية للإصابة بالأمراض، أضف إلى ذلك أن قضاء المدمن ساعات طويلة من دون حركة تذكر يؤدي إلى آلام الظهر والرجلين وإرهاق العينين والأذنين وبخاصة لمستخدمي مكبرات الصوت، ويجعله أكثر قابلية لمرض النفق الرسغي، والإصابة بالبدانة، أما المضار النفسية فهي تتعلق باختلاط الواقع بالوهم ولاسيما بالنسبة للفئات العمرية الصغيرة ما يؤدي إلى تقليل مقدرة الفرد على التمتع بشخصية نفسية سوية قادرة على التفاعل مع المجتمع والواقع.
واقع وعلاج
وتختتم الشيخ حديثها باستعراض عدة طرق لعلاج إدمان الإنترنت، أول ثلاث منها كما قالت تتمثل في إدارة الوقت، ولكنها -عادة- في حالة الإدمان الشديد لا تكفي؛ بل على المريض استخدام وسائل أكثر هجومية أولاها عمل العكس: فإذا اعتاد المريض استخدام الإنترنت طوال أيام الأسبوع نطلب منه الانتظار حتى يستخدمه في يوم الإجازة الأسبوعية، وإذا كان فتح البريد الإلكتروني أول شيء يفعله حين يستيقظ من النوم نجعله ينتظر حتى يفطر، ويشاهد أخبار الصباح، وإذا كان يستخدم الكمبيوتر في حجرة النوم نطلب منه وضعه في حجرة المعيشة… وهكذا، ثانيتها إيجاد موانع خارجية بمعنى الطلب من المريض ضبط منبه قبل بداية دخوله الإنترنت حتى لا يندمج ويتناسى مواعيد عمله وواجباته، لتأتي ثالثتها تحديد وقت الاستخدام أي قيام المريض بتقليل وتنظيم ساعات استخدامه فإذا كان- مثلاً- يدخل على الإنترنت مدة 40 ساعة أسبوعياً نطالبه بتقليصها إلى 20 ساعة أسبوعياً، وبتنظيمها من خلال توزيعها على مدار الأسبوع في ساعات محددة من اليوم حيث لا يتعدى الجدول المخصص والمحدد لذلك.