لِمَـنْ الأهمية . . لمواقـع التواصل الاجتماعي . . أَمْ لوسائـل الإعلام؟ الأولى أكثر سرعة والثانية أكثر مصداقية وحرفية

لِمَـنْ الأهمية . . لمواقـع التواصل الاجتماعي . . أَمْ لوسائـل الإعلام؟ الأولى أكثر سرعة والثانية أكثر مصداقية وحرفية

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٥ أغسطس ٢٠١٧

منذ سنوات قليلة، لم يكن لدى المواطن السوري مصدر معلومات سوى القنوات الإخبارية الموجودة على جهاز (الستالايت)، وربما يساعده الهاتف المحمول في الحصول على بعض المعلومات من أشخاص في أماكن محددة، ينقلون له بعض ما يحدث أمامهم.
أما اليوم، وبعد احتلال (فيس بوك) و(تويتر) -وتحديداً (فيس بوك) الأكثر انتشاراً واستعمالاً- حيزاً كبيراً من حياتنا، فقد صار لدى المتلقي مئات آلاف المصادر التي من الممكن أن يستقي منها المعلومة التي يشاء بكل أنواعها. مع هذا «الغزو» الإلكتروني التكنولوجي –إن صح التعبير– أين دور وسائل الإعلام؟ وهل بقي لها دورٌ أصلاً؟ وهل ستستطيع هذه الوسائل إيجاد طرق جديدة تعيد فيها اعتبارها وانتشارها بين الناس؟
(تشرين) أجرت استطلاعاً للرأي على موقع (فيس بوك)، طرحت فيه على 60 شخصاً السؤالين الآتيين:
1- من أين تحصل على الأخبار.. من وسائل التواصل الاجتماعي، أم من وسائل الإعلام؟ ولماذا؟
2- هل تُغني وسائل التواصل عن وسائل الإعلام؟
بعد جمع الإجابات وتصنيفها في عدة أبواب تبين أن 45% من المستطلعة آراؤهم يحصلون على أخبارهم من مواقع التواصل الاجتماعي فقط، و35% يحصلون عليها من وسائل الإعلام، و20% من الاثنين معاً مع ميل واضح إلى تعدد المصادر في مواقع التواصل. أما السؤال الثاني فكانت إجابته (نعم وسائل التواصل تغني عن وسائل الإعلام) عند أغلبية الذين يستقون أخبارهم من وسائل التواصل، و(لا تغني) عند أنصار وسائل الإعلام، وعند الذين يحصلون على معلوماتهم من الاثنين معاً.
وسائل التواصل أدق وأسرع
الدكتورة في الاقتصاد نسرين زريق قالت إنها تأخذ أخبارها من مواقع التواصل التي تغني -بالنسبة لها- عن وسائل الإعلام، لأنها توفر الكثير من وجهات النظر، وتسمح لها في النهاية بتحكيم عقلها والوصول إلى خبر منطقي، إضافة إلى ما تؤمنه هذه المواقع من سرعة في التواصل والتوصل للمعلومة المطلوبة، ولتوافرها في كل مكان وكل وقت. أما الأهم، فلأن هذه المواقع تسمح لها بإعطاء رأيها فيما يحدث، ولأنها تظهر الناس على حقيقتهم، على عكس وسائل الإعلام التي يظهر فيها الجميع ببزة وربطة عنق.
طالب الإعلام صالح المطرب قال إنه يعتمد على وسائل التواصل، ولاسيما من حيث الحصول على المعلومات، والسبب أن هناك الكثير من المناطق التي لم يتسن لوسائل الإعلام أن يكون لها فيها مراسلون، فكان الاعتماد على بعض الصفحات المحلية على (فيس بوك) وبعض الناشطين.
راشد الرفاعي وفيصل الفرحان يؤكدان أن مواقع التواصل أكثر مصداقيةً وتعبر عن حال الشارع بشكل أكبر وأفضل، كما أنها –من ناحية أخرى- تكشف (المستور) في كثير من الموضوعات، ويضيف الفرحان أن وسائل الإعلام موجودة أيضاً على مواقع التواصل، لذا فهي تغني عنها، كما أنها مناسبة أكثر للتحقق من دقة الخبر.
سرعة وتوافر
كثيرون ممن يفضلون مواقع التواصل أرجعوا السبب إلى سرعة متابعتها للحدث وسهولة الوصول إليها إضافة إلى أنها طبيعية وعفوية على الأغلب.
عاطف برهوم يقول إنه يستقي أخباره من صفحات أشخاص محددين على مواقع التواصل، حتى إن أخطؤوا أحياناً، أما وسائل الإعلام المحلية والعالمية فهي مسيسة على الأغلب، ويؤيده أحمد الضللي الذي قال: إن لكل وسيلة إعلام ميولاً سياسية تحاول فرضها على المتلقي، أما وسائل التواصل فهي أكثر شفافيةً وصدقاً، خاصة عند بعض الأشخاص الذين بنوا ثقة بين الناس.
أما نسرين عبد الحميد فأكدت أنها لا تأخذ أي خبر مهما كان نوعه إلا من وسائل التواصل، وهي في رأيها تغني عن وسائل الإعلام، والدليل أنها لم تشغل التلفاز في منزلها منذ أشهر.
كذب وتلفيق
أغلب الذين يعتمدون على وسائل الإعلام كان دافعهم المصداقية التي تتمتع بها ويفتقدونها في مواقع التواصل.
الكاتبة رماح إسماعيل قالت: إنه وعلى الرغم من الكم الهائل من المعلومات الموجودة على مواقع التواصل، فإنها لا تتغلب على وسائل الإعلام من حيث المصداقية، فالكثير من الصفحات والأشخاص على مواقع التواصل لا يبحثون عن الحقيقة ولا المصداقية، بل عن المادة اللافتة للنظر فقط.
كذلك يفضل ماجد هويدي الحصول على معلوماته من وسائل الإعلام لأنها في رأيه أكثر مصداقيةً، لأن العاملين فيها أكثر خبرةً، خاصة في القنوات المتخصصة بالأخبار.
أما إنانا محلوبي فتوضح أنها تقرأ ما تنشره مواقع التواصل، لكنها لا تصدق الخبر حتى تراه أو تسمعه في وسائل الإعلام، لأن في تلك المواقع الكثير من الخيال والتأليف والبروباغندا، ومثلها كندا حربة التي ترى أن وسائل الإعلام أكثر دقةً في نقل الخبر.
الاثنان لا ينفصلان
25% أكدوا أنهم لا يأخذون الخبر من جهة واحدة بل من مواقع التواصل ومن وسائل الإعلام، يقول محمد السهو: إن أغلب وسائل الإعلام لها صفحات على مواقع التواصل، وتالياً يمكن الاستفادة من الاثنين معاً في الوقت ذاته.
كذلك، فاديا رستم ولينا غنامة تعتمدان على الاثنين معاً، مع البحث عن مصدر الخبر، وأخذ مصداقية الناشر على مواقع التواصل في الحسبان، وتؤكد رستم أن وسائل الإعلام بصيغتها الجديدة على مواقع التواصل تكفي. أما كندا حداد، فلا تأخذ أخبارها سوى من قنوات الإعلام السوري الوطني حصراً، إضافة إلى قناة أخرى فقط.
انعدام إمكانية الرقابة
عدم وجود رقابة فعلية على ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي دفع الكثيرين لمقاطعتها أو على الأقل عدم الأخذ بالأخبار التي تنشر فيها.
بسمة جولاق تقول إنه قد ثبت أن الكثير مما ينشر في وسائل التواصل شائعات مغرضة ومقصودة بهدف التخريب، وللأسف، ليست هناك مراقبة فعلية ممكنة لما ينشر على صفحات هذه المواقع.
وقال سفيان علوان إنه لا توجد أي وسيلة لضبط ما ينشر على مواقع التواصل سوى مصداقية وأخلاق من يقومون بنشر الأخبار فيها.
نتائج مضللة ومخادعة
نقلت «تشرين» أسئلة الاستطلاع وأجوبته إلى الدكتورة في الإعلام نهلة عيسى التي أكدت أن نتائج الاستطلاع في هذا الموضوع مخادعة ومضللة وغير صحيحة، ولا تعني أن وسائل الإعلام غير جيدة، لأن القضية ترتبط أيضاً بوسائل إعلام جماهيرية تحقق حضوراً كبيراً جداً.
وأوضحت د. نهلة أن عدّ نتائج الاستطلاع غير ذات دلالة له أسباب متعددة، أولها اندماجية واعتمادية وسائل التواصل والاتصال المعاصرة بعضها على بعض، لأن وسائل التواصل الآن هي ملتيميديا فيها كل وسائل الإعلام بكل أنواعها، وفيها ما يسمى بصحافة المواطن، أي المواقع التي أنشأها أشخاص عاديون يمارسون فيها عملاً إعلامياً بشكل شخصي، أو يطرحون فيها آراءهم أو أفكارهم في قضايا المجتمع المختلفة.
وأضافت إن المتابعة العالية لوسائل التواصل الاجتماعي لا تلغي على الإطلاق متابعة وسائل الإعلام، لأن هذه الوسائل موجودة على مواقع التواصل، وتالياً يمكن لأي شخص متابعة بثها المباشر أو الأخبار التي يريدها.
وعن أسباب اتجاه الناس إلى متابعة الأخبار والبحث عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشارت د. نهلة إلى أن السبب الرئيس يكمن في سهولة الوصول إليها، لأن هذه الوسائل موجودة في اليد، فالعالم الآن أصبح جهازاً صغيراً في الجيب الصغير لكل منّا (الموبايل)، إضافة إلى الإحساس بالسيطرة من قبل المتلقي، فالتعرّض لوسائل الإعلام عبر مواقع التواصل تشعر المتلقي بأنه هو المتحكم، فهو من يبحث ويختار، بينما في وسائل الإعلام التقليدية ليس للمتابع خيار غير اختيار القناة، أما استعادة الخبر والتأمل والتمعن به فليست متاحة.
وزادت د. نهلة على ما سبق القصور في وسائل الإعلام التقليدية وخاصة خلال الحرب، بسبب عدم قدرتها على نقل الأخبار بالسرعة المطلوبة وبالتفاصيل المطلوبة، بينما كانت قدرة وسائل إعلام أخرى على إيهام المتابع بسرعة بث الخبر والوصول إلى تفاصيل الخبر واحداً من عوامل قدرتها على اجتذاب الجمهور السوري، إضافة إلى التفاوت الكبير في الخبرات والقدرات المهنية بين كوادرنا وكوادر القنوات الأخرى، والتفاوت في الميزانيات أيضاً، فالإعلام صناعة، ويحتاج ميزانيات ضخمة ليست متوافرة في سورية، إذ إن الميزانيات الكبيرة قادرة على صناعة إعلام يلبي حاجات الناس.
وشددت دكتورة الإعلام على أن الإعلام في العصر الراهن هو صورة، وفي مجتمعاتنا لدينا افتقار شديد للصورة، وثقافتنا أساساً ثقافة شفهية تعتمد على الكلام والجدل، بينما الثقافة المعاصرة ثقافة بصرية تعتمد على الرؤية وعلى تأكيد الوقائع بالصور، فالصورة تعادل ألف كلمة، والصورة حتى لو كانت مضللة ومفبركة ومصنوعة، هي دليل إثبات ودليل حدوث، بينما الكلام لا يملك القدرات الإقناعية والدلالية نفسها الموجودة في الصور. كل هذه العوامل ساهمت في أن تكون وسائل إعلامنا المعاصرة وسائل إلكترونية.
من جهة ثانية، صارت مواقع التواصل واحدة من وسائل الانتماء في غياب الانتماء في بلداننا حسب د.نهلة، إذ إن أعداداً هائلة من شباننا، خاصة في هذه الحرب، يشعرون بالفراغ والضياع، فصارت وسائل التواصل حاملاً من حوامل الانتماء إلى جماعة حتى لو كانت وهمية أو افتراضية، في ظل الاحتقان الوطني الشديد والثقوب الكثيرة التي طالت الثوب الوطني.
وعند سؤالها عن إمكانية استعادة وسائل الإعلام التقليدية رونقها وجمهورها، أكدت أنها لن تستطيع لعدة أسباب، أهمها أننا أمام جيل له قيم وتقاليد وثقافة وآليات مختلفة في التعرض للأمور، ثانياً إن الجهاز المحمول فيه كل الدنيا، فكيف ستستطيع وسائل الإعلام التقليدية الثابتة مجاراته؟ لذلك بدأ الكثير من وسائل الإعلام التقليدية بتصميم مواقع مميزة له على الشبكة العنكبوتية ليستعيد جمهوره عبر هذه الشبكة، لأن هذا هو إعلام العصر، وهذه طبيعة العصر، فالشخص قد يوجد في عشرة أماكن في يوم واحد، ولا يستطيع أن يرافقه فيها سوى هذا الجهاز المحمول والشبكة، لذا هناك توجه عالمي لتحسين مواقع الإعلام التقليدي على شبكات التواصل، ومعظم القنوات الكبرى وخاصة الإخبارية صار لديها بث مباشر على الانترنت بقصد التواصل الدائم مع جمهورها.

فراس القاضي - تشرين