الزراعة في ريف دمشق.. تحديات إنتاجية ومناخية وانتظار طويل  لتنفيذ البرامج الزراعية

الزراعة في ريف دمشق.. تحديات إنتاجية ومناخية وانتظار طويل لتنفيذ البرامج الزراعية

أخبار سورية

الثلاثاء، ١ أغسطس ٢٠١٧

تأثرت العديد من قطاعات الإنتاج والاستهلاك في محافظة ريف دمشق  بتبعات الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقارب ست سنوات وحتى الآن، فبعضها بدأ يعاني من أزمات خانقة على الصعيدين الإداري والاقتصادي حتى وصل بها الأمر إلى التوقف أو الانهيار شبه التام، ويعتبر القطاع الزراعي من أهم القطاعات المنتجة في المحافظة، وتشير العديد من التقارير المحلية أن العامل الزراعي كان يشكل أحد أهم الدعائم والركائز المالية لخزينة الدولة، عن طريق عائداته المالية الكبيرة التي كانت تشكل ما يقارب ثلث الخزينة العامة، وتقدّر بمئات الملايين كل سنة، فمحافظة ريف دمشق  ذات مناخ جيد،  وتمتلك مقومات جيدة لنمو وتطور القطاع الزراعي، من خلال توفر المناخ المناسب، والأرضية الخصبة، وكميات المياه اللازمة بعلاً ورياً، حيث تمتد الأراضي الزراعية الخصبة على مساحات واسعة من المحافظة، إضافة إلى الأشجارالمثمرة، عدا عن توفر مساحات زراعية شاسعة في منطقة الزبداني وسرغايا، أما اليوم فالقطاع الزراعي يعاني العديد من المشاكل التي لا تنتهي والتي كان لها تأثير كبير على الوضع المعيشي للسكان بالمقام الأول، والمزارع ثانياً.

المهندس الزراعي عبد المجيد خيطو في دائرة زراعة الزبداني، تحدّث عن الواقع الزراعي  في محافظة ريف دمشق وخاصة في الزبداني التي  يوجد فيها ملايين الأشجار من الزيتون والتين والكرمة والكرز والتفاح واللوز وغيرها من الأشجار المثمرة، وجميعها تعاني اليوم من تسلّط العديد من الآفات والحشرات عليها، فنحن لم يعد لدينا اليوم الإمكانيات اللازمة لرش الأشجار بالمبيدات، وهذا الأمر انعكس بشكل كبير على إنتاج هذه الأشجار، أما على صعيد المزروعات الحقلية، فهي ليست أفضل حالاً من سابقتها، فكميات الأمطار ليست كافية، واستخراج المياه الجوفية يحتاج لإمكانيات كبيرة،  ولأن العنصر الأهم في عملية الإنتاج الزراعي، بعد توفر الأرضية والمناخ، هو الإنسان الفلاح والمزارع، ودوره  المتراجع، والذي لم يعد كما يجب في السابق، ما أثّر وبشكل مباشر على سير العملية الزراعية في مختلف المناطق، فمع موجات النزوح والتهجير التي حصلت في العديد من المناطق جراء الإرهاب، نزح العديد من الفلاحين والمزارعين، وغادروا أرزاقهم  وأراضيهم، وبقيت العديد من المساحات الزراعية المهجورة دون استثمار، وانخفضت أعداد الرؤوس من الماشية والأبقار نتيجة حالة النزوح والتخريب للثروة الزراعية،  ومن بقي يقوم بهذه المهنة لا يمتلك الإمكانيات الكافية، فأسعار المحروقات مرتفعة، والعملية الزراعية اليوم تعتمد على توفر هذه المواد بشكل أساسي، لذلك حتى من بقي من الفلاحين ولم يهاجر لم يعد يرغب بزراعة أرضه، لأنها تكاد تكون خاسرة تماماً.

الرؤى والغايات

أما محمد خلوف رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها، قال: تعتبر إدارة القطاع الزراعي عملية  متشعبة، ولا تتم بغير التعاون مع مجموعة من الشركاء الذين يعملون جاهدين للنهوض به، والوصول إلى تحقيق الأهداف المحددة لتطويره، ويعتبر الإنسان متمثلاً بالفلاح، والمنتج الزراعي  البوصلة الأساسية في تحقيق الرؤى والغايات والسياسات المحددة للقطاع، ولا يمكن تطويره إلّا بتأهيله وتمكينه من استغلال الفرص الملائمة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية من استثماره للموارد المتاحة، ولابد من اتخاذ كل ما يلزم لدعم استقراره في الريف، والاستمرار بممارسته لنشاطه، وتعد الزراعة المحلية والخبرة المكتسبة للفلاح إرثاً ثقافياً له تاريخه والذي يمكن تطويره لمواكبة التطور العلمي الزراعي عبر التكافل والعمل التشاركي مع المهندسين الزراعيين،  ويعتمد الاستثمار في القطاع الزراعي بشكل عام على مجموعة من الأدوات التي تحقق له النجاح في حال تم توظيفها واستثمارها بشكل علمي ومنظم، ولعل أهمها هي إدارة الخدمات المساعدة على تحقيق السياسات الزراعية المقررة، وتشمل البحوث العلمية الزراعية والإرشاد والتدريب والتأهيل للكوادر البشرية وتنظيم التسويق والإقراض الزراعي والدعم، ولكن  لا تخلو أي عملية تنمية أو استثمار من المعوقات التي تعترض سبيلها، وتصعّب مهامها، وتعرقل نجاح أهدافها والتي يتحتم مواجهتها، وحلها للتغلب عليها، وتابع: أبرز معوقات نمو الاستثمار الزراعي محدودية الموارد الطبيعية والزراعية: المياه والأراضي، وتأثرها بالعوامل البيئية والمناخية، حيث وصلت الموارد المائية والأرضية المستثمرة إلى ذروتها، وأصبحت فرص إدخال موارد جديدة بالاستثمار صعبة للغاية، وأصبح معظمها لا يحقق الجدوى الاقتصادية لاستثمارها، وبات الملاذ الوحيد للاستمرار بالعمل الزراعي، والحفاظ على استقراره، هو التوجه نحو الإدارة العلمية والتقنية للموارد المستثمرة، ووضع الدورات الزراعية المناسبة للترشيد، ورفع كفاءة الاستثمار، والاتجاه نحو الزراعات التي تحقق الميزة النسبية، والتنافسية، والعائد الاقتصادي الجيد، مع ضرورة التشديد بتنفيذ القوانين والتشريعات الناظمة لها.

 

متغيرات مناخية

من جانب آخر، تعتبر العوامل المناخية أحد أهم المعوقات، إذ تؤثر على الإنتاج الزراعي برمته، حيث تتعرّض بعض المناطق الجبلية لموجات جفاف وصقيع متتالية ومتتابعة، كانت على أشدها في الأعوام الماضية والتي ترافقت مع تغيرات مناخية خطيرة أدت إلى تدني مردود الإنتاج الزراعي، وانعدام الزراعات البعلية، وتراجع الزراعات المروية نتيجة إصابة المزروعات بالأمراض، وانتشار الآفات، وأضاف خلوف بأن القطاع الزراعي يستهلك ما يزيد عن 85% من الموارد المائية الإجمالية، وقد تأثرت هذه الموارد بسنوات الجفاف بشكل كبير، وارتفاع العجز المائي، وذلك نتيجة الجفاف، واستمرار الاستثمار الجائر على كافة المصادر المائية، وأثر هذا الجفاف على المراعي الطبيعية، وأدى لندرة الأعلاف، ولفقد عدد كبير من المواشي، وبيّن أن المساحات المزروعة، والتي تعتمد على المياه السطحية زادت، في حين تراجعت المساحة المروية من الآبار نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وتوقف عدد من الآبار عن الاستثمار بسبب تعدي المجموعات الإرهابية عليها، وسرقة المضخات من الآبار وشبكات الري الحديث، أو تخريب الآبار، أو ارتفاع أسعار المازوت، وعدم توفر الكهرباء، ولاسيما أن نسبة كبيرة تتجاوز 50% تعمل على الكهرباء.

وأضاف: إن اتحاد الفلاحين يسعى لتنفيذ كامل الخطة من خلال التنسيق مع وزارة الزراعة، ومحافظة ريف دمشق، وقد تم تأمين جميع المستلزمات الخاصة بتنفيذ الخطة من أسمدة، وبذار، ومحروقات، وفق ضوابط معينة ونعمل على تأمين وصول الأسمدة إلى مستحقيها الحقيقيين، وبالنسبة لمادة المازوت، نسعى بدعم من المحافظة، وبالتنسيق مع الجهات المعنية، وخاصة لمنطقة الزبداني من خلال لجنة المحروقات لتأمين احتياجات المزارعين الذين بدؤوا العمل في أراضيهم الزراعية.

في جعبة الفلاح

مجموعة من الفلاحين تحدثوا للبعث حول الواقع الزراعي،  حيث قالوا: منذ السنوات الأخيرة التي سبقت الأزمة التي تعصف بسورية، كان القطاع الزراعي يواجه مشاكل لم يتم حلها، وخاصة المتعلقة بتجزئة الأراضي بسبب الإرث، وندرة الأراضي الزراعية، وعدم تلبية الطلب المتزايد عليها، وارتفاع أسعارها، مع انخفاض العوائد الاقتصادية من استثمارها، وكذلك انتشار الزراعة التقليدية الموروثة، وعدم تطبيق تعليمات الإدارة السليمة للموارد، وعدم التمكن من اقتناء التقنيات الزراعية لارتفاع أسعارها، وعدم تحقيق الكفاءة من تشغيلها في ظل صغر حجم الحيازة، ما يسبب تدهور الخصوبة، وتملّح بعض الأراضي، وتراجع إنتاجها، وفي ظل الأزمة والحرب الكونية التي تشن على سورية، تعاظمت هذه التحديات، وزاد التعدي على الأراضي الزراعية، سواء بالتحطيب الجائر، أو بالتوسع السكني، والصناعي، والحرفي، وإقامة منشآت لاستثمار الثروة الحيوانية، وتفاقمت مشاكل استثمار الأراضي، وأصبحت بحاجة لمشاريع وبرامج متخصصة لمعالجتها، وطالب مزارعو ومربو الثروة الحيوانية في منطقة  الزبداني بفتح آبار جماعية للري، وتأمين آليات لاستصلاح الأراضي الزراعية، وتأمين الأدوية والمبيدات الحشرية، وزيادة مادة المازوت، والمقنن العلفي للثروة الحيوانية.‏

عبد الرحمن جاويش