عشق السرعة.. أمنية سرية للموت ازدياد حوادث الدراجات النارية في السويداء والرعونة المتهم الأول

عشق السرعة.. أمنية سرية للموت ازدياد حوادث الدراجات النارية في السويداء والرعونة المتهم الأول

أخبار سورية

الثلاثاء، ١ أغسطس ٢٠١٧

ثلاثة شباب خرجوا مزهوين بدراجاتهم النارية الجديدة والمزركشة… ثقة عمياء بالنفس جعلتهم يختالون وسط الشوارع، وكأن لا مستخدم لها سواهم، ولإبراز المزيد من رعونتهم بدؤوا بتضييق الخناق على فتاة تقود سيارتها بشكل جعلها تنفد صبرها، وتوجه سيارتها نحوهم، والنتيجة النهائية شلل دائم لأحدهم وعاهة مستدامة للآخر، أما الثالث فأصيب ببعض الإصابات الخفيفة.

هي واحدة من القصص اليومية التي يسطرها أصحاب الدراجات النارية، خاصة من فئة الشباب والمراهقين، وحوادث وإصابات غالباً ما تكون نهاية كل قصة.

عشرات الحوادث وغيرها، والتي تم توثيقها لدى الجهات المعنية، ظاهرة خطيرة تستدعي تضافر كل الجهود من الأهالي، وقيادات المجتمع المحلي، والجهات المعنية، ونشر الوعي بين الشباب لتخفيف الأضرار الناجمة عن هذا السلوك الذي ينتج عنه إزهاق الأرواح بشكل رخيص وغير مسؤول.

تصاعد ملحوظ

معظم الحوادث المرورية في محافظة السويداء أحد الأطراف فيها هو الدراجة النارية التي تفتقد لأدنى مقومات السلامة والتي غالباً ما تكون غير مسجلة ودون لوحات، وفِي مثل هذه الحوادث غالباً ما يلوذ صاحب الدراجة بالفرار إذا أسعفه القدر وكان من الناجين.

هذه الظاهرة التي تفاقمت كثيراً خلال الآونة الأخيرة، ازدادت خطورة باستخدام الدراجات النارية غير النظامية في عمليات السرقة والتشليح والتحرش، وإزعاج المواطنين بالأصوات العالية، وانتشارها بشكل فوضوي في الشوارع الرئيسية للمحافظة مسببة الحوادث ومخلة بالأمن المروري والآداب العامة.

وتزايدت في الأشهر الأخيرة حوادث الدراجات النارية التي كان للعنصر الشاب الدور الأكبر في رسم حوادثها، وطرح هذا التصاعد في حوادث الدراجات.. أسئلة كثيرة عن الأسباب التي تكمن وراء هذه الحوادث المميتة في بعض الأحيان، فهل تعود الأسباب إلى الطرق، أم إلى كون معظم سائقي الدراجات النارية من الشباب، أم إلى الانتشار الملحوظ للدراجات النارية في أوساط الشباب والمراهقين من دون رقابة تذكر؟.

أرقام وإحصائيات

حسب أرقام رسمية بلغ عدد حوادث الدراجات النارية في السويداء وحدها 12  منذ بداية هذا العام، ويبدو هذا الرقم صغيراً أمام المجموع الكامل للحوادث غير الموثقة والتي تصل إلى حادث على الأقل يومياً، وما يثير القلق أن حوادث الدراجات النارية بدأت تتصاعد بشكل ملفت للأنظار، حيث بلغ عدد الدراجات المسجلة/14170/دراجة مرخصة، وما يقارب مثيلاتها دون ترخيص، أما الفئات العمرية التي كان لها نصيب الأسد من هذه الحوادث، فهي الشبان ما بين سن 17 و24 عاماً، إذ بلغت نسبة هذه الفئة العمرية من مجموع الأعمار المتورطة بحوادث الدراجات النارية،  وخلفت حوادث الدراجات النارية وفيات وصل عددها إلى 7، إضافة  إلى إصابات بليغة وأخرى بسيطة، سجل عنصر فقدان الخبرة، وعدم التعود على قيادة الدراجات النارية أعلى سبباً لتلك الحوادث.

مصدر في فرع المرور يقول: «الرقم الذي يمثل عدد حوادث الدراجات النارية في السويداء ليس رقماً كبيراً بالنسبة إلى المجموع، لكنه مؤشر واضح على ارتفاع نسبة الحوادث في هذه الفئات من المركبات مقارنة بالأعوام السابقة، إذ بدا واضحاً لنا انتشار واسع لركوب الدراجات النارية بين فئات الشباب، وساعد عنصر التقليد بين الشباب على هذا الانتشار الذي لم يكن ملحوظاً في سنوات التسعينيات، وربما يعود هذا إلى أن الشباب كانوا يدركون خطورة هذه الفئة من المركبات، في حين أن السنوات الأخيرة  بدا عنصر التقليد الأعمى يطغى على الموضوع بصورة كبيرة، ونحن لا نختلف مع الشباب كإدارة معنية بشؤون المرور والترخيص طالما أنهم ملتزمون بالتعليمات وإرشادات وشروط السلامة، لكن المشكلة بدأت تأخذ شكلاً خطراً عندما بدا استخدام الدراجات ترتفع بها نسبة الخطورة، وتتزايد ضرورة توافر عنصر الخبرة. ويتحدث  المصدر عن دور الأسرة التي ترى أبناءها في مرحلة عمرية صغيرة، وتقود دراجة نارية، بل هناك بعض الأسر توفر المبلغ للابن لشراء الدراجة، وهذا أمر يحتاج إلى وقفة وتعاون من قبل الأسر، فلا يمكن أن يقف أولياء الأمور مكتوفي الأيدي أمام ميول أبنائهم في مرحلة عمرية مبكرة دون فعل شيء، وبالتالي أن يلقى اللوم على إدارة المرور، هل يمكن أن تكون إدارة المرور أحرص على الأبناء أكثر من الأسرة نفسها؟.

 

السرعة مطلوبة

الأمر يتطلب بذل الكثير من الجهود والاهتمام بجانب التوعية والإرشاد للتعريف بعالم الدراجات النارية التي بدا أن الكثير من الشباب مهتم بهذا النوع من المركبات، أما الفئات العمرية التي تقبل على الشراء، فكان الشبان الذين لم تتجاوز أعمارهم 25عاماً، وهناك شباب يقتنون الدراجات في أعمار أصغر من ذلك، ولكنهم يشترونها من شباب آخرين، وليس من المحال بحثاً عن رخص الثمن.

يقول علي، وهو موظف المبيعات في أحد المحال: “غالبية الشبان يقبلون على شراء الدراجات التي تتمتع بميزات السرعة الكبيرة، وبعضهم يقوم بعد الشراء بزيادة سرعة الدراجة من خلال تغييرات ميكانيكية في المحرك”.

أحد الشبان الذي كان يقف في المحل، ويبدو أنه لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، ولم يشأ أن يذكر اسمه، أجاب: “إنها وسيلة محببة لنا، فهناك متعة كبيرة في قيادتها لعامل السرعة فيها، إلى جانب سهولة الوصول إلى الأماكن التي ننوي الذهاب إليها بعيداً عن الازدحام لصغر حجمها، وقدرتها على تفادي الازدحام”.

وعند سؤالنا عن خطورتها، بدا مدافعاً عنها بصورة كبيرة، كما أن الحوادث التي تحصل للذين يقودون الدراجات النارية ليست بهذا الحجم من الخطورة.

وبعد خروجنا من محل بيع الدراجات النارية، اكتشفنا أن محدثنا الشاب الذي رفض ذكر اسمه كان قد تعرّض لحادث دراجة نارية قبل زمن ليس بالبعيد، ولولا تدخل العناية الإلهية، وجهود الأطباء لما كان اليوم حياً يرزق.

الإصابات جراء الحوادث

غالبية الإصابات التي تحدث نتيجة حوادث الدراجات هي إصابات بليغة، وبعضها مميت، لأن جسم الإنسان على الدراجة معرّض للإصابة المباشرة بصورة أكبر مما إذا كان يقود مركبة أخرى.

الدكتور فارس الباسط، وهو طبيب مقيم في شعبة العظمية في المشفى الوطني بالسويداء، تعامل مع أكثر من حالة إصابة ناتجة عن حوادث الدراجات النارية، وربما كان آخرها شاب في مقتبل العمر لفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يستطيع الأطباء فعل شيء، وبسبب حادث دراجة نارية، يقول الباسط: “إن خطورة حوادث الدراجات النارية تكمن في كون كامل الجهاز العظمي معرّضاً للضرر الذي قد تنتج عنه تشوهات مستقبلية، أما إذا كانت الأذية عصبية فإنها غالباً ما تكون مميتة”.

وبيّن الباسط أن المشفى يستقبل وسطياً ثلاث حوادث كبيرة أسبوعياً تحتاج إلى عمليات، إضافة إلى حالات يومية خفيفة، منوّهاً إلى أن أعلى نسبة حوادث هي حوادث الدراجات النارية، أما بالنسبة للأعمار فإن أغلب الإصابات التي تأتي للمشفى تكون من عمر 15– 25 سنة.

وحول تأثير هذه الحوادث بيّن الباسط الإرباك الذي تسببه  للكادر الطبي والتمريضي للمشفى، ومن الناحية الاقتصادية فإن هذه الحوادث تستنزف الكادر البشري في المشفى، إضافة إلى مواد “استجدال” الكسور، وهي مكلفة، حيث تصل كلفة العملية الواحدة في بعض الحالات إلى 500 ألف ليرة، إضافة إلى عمليات المتابعة في العيادات الشاملة، ونزع مواد الاستجدال بعد عام، وهي تحتاج إلى عمل جراحي آخر.

 

وجه آخر

قد لا يكون الانطباع السائد عن سائقي الدراجات النارية صائباً في كل الأحيان من حيث السرعة، والقيام بحركات بهلوانية، فهناك من اختار هذه الهواية وهو مدرك لكيفية التعامل مع هذه المركبة التي باتت تربطه بها علاقة حميمة.

سلمان الذي يبلغ من العمر 34 عاماً يقود الدراجات النارية منذ 15 عاماً، إذ ورث هذه الهواية عن أبيه الذي كان هو الآخر يعشق الدراجات النارية، يقول سلمان: «هناك الكثير من الممارسات الخاطئة من قبل بعض الشباب صغيري السن، وحديثي القيادة، تعطي انطباعاً خاطئاً عن سائقي الدراجات النارية، هذا بالإضافة إلى أن البعض ينقصه عامل الخبرة، ما يتسبب في حوادث مرورية تكون مميتة في بعض الأحيان، ويضيف: “الناس يعتقدون أن الشباب الذين يقودون الدراجات ليسوا إلا متسكعين لا أكثر، وهذا انطباع خاطئ، فنحن خضنا هذه التجربة عن هواية ودراية، ونتمنى أن يكون هناك تعاون مع الجهات المختصة لتطويرها بشكل أفضل، وإعطاء دورات تدريبية للراغبين بقيادة الدراجات النارية على أسس صحيحة لتفادي حصول الحوادث، لقد شاركنا في الكثير من المناسبات الوطنية على شكل مسيرات من على دراجاتنا”.

أمنية الموت

قد نختلف مع الكثيرين منهم، ولكن في النهاية لا نستطيع أن ندعي أن أحداً يقدر على إنهاء ظاهرة الدراجات النارية، والمشاكل الناجمة عنها، ولكن نستطيع أن نتعامل معها لكي لا تكون قاتلة، وخصوصاً لمن يعشق السرعة التي تزيد من احتمالات المخاطر في أي نوع من أنواع المركبات، فعشق السرعة يبقى أمنية سرية للموت، وهذا يتطلب تشديد الإجراءات الوقائية أولاً عبر تكثيف الدوريات المرورية، ونشر الوعي حول مخاطر هذه المظاهر، وكذلك تشديد العقوبات بحق المخالفين.

رفعت الديك