التفوق.. حصاد مثمر لقاعدة “لكل مجتهد نصيب”.. وبداية متقدمة لصناعة المستقبل

التفوق.. حصاد مثمر لقاعدة “لكل مجتهد نصيب”.. وبداية متقدمة لصناعة المستقبل

أخبار سورية

الجمعة، ١٤ يوليو ٢٠١٧

إنه التفوق، ذلك الإحساس الجميل الذي يغمر قلب صاحبه بالسعادة، يغمره بتلك الفرحة والغبطة التي لا توازيها فرحة أو غبطة أخرى، فتسري وتملأ كيان الجسد بنشوة الانتصار على معركة الذات، إنه مرحلة الحصاد والقطاف وجني الثمار، والتلذذ بذلك الطعم الحلو والمذاق اللذيذ للسهر والتعب والجد والعمل والمتابعة، حين يثبت حضور الإرادة كلياً، ويتجلى بالصورة الأمثل في محيطه الاجتماعي، فتكون اللحظة الجميلة التي استحقت كل العناء، تكون اللحظة التي تُحفظ لسنوات طويلة في أرشيف الذاكرة، وتصبح الركيزة والدافع والعنوان لأية نجاحات مقبلة، وتبث الأمل في سنوات المستقبل، أية لحظة يمكن أن توازي كل هذه المعاني، ما أعظمها من لحظة، وما أروعه من شعور، وكيف حين يكون لطلاب وشباب في مقتبل العمر هم الناجحون في الثانوية العامة، لأولئك الشبان المقبلين على الحياة، والمتطلعين لغد أجمل في مجتمع يعيد صناعة نفسه، ويرنو بأمل لمستقبل جديد؟!.

توزيع الجهد

من المؤكد أن النجاح هو نتيجة وثمرة نهائية يقطفها الطالب المجد الذي عمل منذ بداية العام على تنظيم وقته، وحسن استثمار كل دقيقة فيه، ليكون الامتحان معياراً لما تم إنجازه والعمل عليه، والتفوق محصلة طبيعية، ونتيجة نهائية لكل ذلك، هكذا بدأ الطالب المتفوق طارق عدل، ابن محافظة حلب الذي تحصل على مجموع قدره 2882، حين قال بأن بدايته كانت مع انتهاء امتحانات طلاب المرحلة الثانوية الذين سبقوه، فبدأ برسم مخطط زمني متدرج يعتمد على الزيادة التصاعدية لعدد ساعات الدراسة، وهذا الأمر مكّنه من إنهاء المنهاج باستثناء مادة الرياضيات منذ الشهر الثاني في شباط 2017 تقريباً، بحسب ما أخبرنا، وهو ما دفعه لإعداد جدول زمني آخر يمكنه من المراجعة لثلاث مرات تقريباً بكل سهولة، وبالتالي كان لتوزيع الجهد الأثر الإيجابي في تخفيف الضغط والتوتر الذي يسبق الامتحان، وعن ساعات الدراسة اليومية أخبرنا الشاب المتفوق طارق بأنها كانت تقريباً بين ست وثماني ساعات حسب الضغط الدراسي، وهو أمر يمكن أن يختلف بين طالب وآخر بحسب القدرة على الفهم، والتركيز، والاستيعاب.

تحدي الظروف

وإذا كان تنظيم الوقت وتوزيع الجهد عاملاً مهماً في التفوق والنجاح، فيمكن القول بأن العامل الآخر الأكثر أهمية هو الإرادة الصلبة التي تتفوق على أي ظرف مهما كان صعباً، وهو ما يؤكده الشاب طارق حين يقول بأنه توقف عن الدراسة لمدة أسبوعين نتيجة المشاكل والأحداث التي تعرّضت لها منطقة سكنه في حلب الجديدة، وكذلك فأهلي حرصوا ألا يتركوا المنزل، خاصة أنه منزل أجرة، وعقده كان قد شارف على الانتهاء!.

عامل الإرادة ذاته وتحدي الظروف كان دافعاً لطالب آخر هو الشاب المتفوق بدران زاهر بدران، الطالب الأول في مدرسة الريادة العلمية الخاصة بضاحية الأسد بمجموع عام 2793، يقول الطالب بدران: رغم كل ما تعرّضت له المنطقة التي أقطن فيها من قذائف للإرهابيين، أعداء العلم والتفوق، كنت مصمماً أن أركز في نيل الشهادة الثانوية بتفوق، ولم أسمح للظروف بتشتيت جهدي عن الهدف الذي أسعى إليه، ويؤكد بدران بأن أهم عوامل النجاح كان سببها تنظيم الوقت لتجنب الملل، لأن الكثير من الطلبة يصابون بالملل، فينعكس ذلك في الامتحان، مضيفاً: من العوامل الأخرى بالطبع الأساتذة، والمدرسة، والأهل في توفير الأجواء المناسبة للوصول إلى الهدف المنشود، لم يسجل بدران، كما أوضح، أية دورات، لكنه تابع في الصيف دورة في الرياضيات، وكانت له مراجعات مع بعض الأساتذة خلال العام الدراسي.

أمل وطموح

يطمح الشابان بدران وطارق للتسجيل في كلية الطب، ويتحدث طارق بأنه كان يخطط منذ البداية لدخول هذه الكلية، والتخصص في جراحة القلب حتى رغم سنوات دراستها الطويلة، ويقول بأنه حالياً ينوي أن يقوم ببعض دورات التقوية في اللغة الانكليزية والفرنسية لدعم الاختصاص الذي ينوي التسجيل به، كما يؤكد الشابان أنهما يأملان بغد أفضل يكون فيه للشباب دور في بناء وطنهم، وتقديم الغالي والنفيس لرؤيته وطناً متقدماً ومتفوقاً، وللمساهمة بالنهضة والحضارة الإنسانية، خاصة أن الإرهاب فيه إلى زوال بعد البطولات التي قدمها جيشه، والتي ترسم الطريق إلى انتصاره، ليحتضن العلم والمتفوقين.

رسالة تحد

هناك من يرى أن العظمة في لحظة التفوق توازي مقدار التعب والألم والمعاناة للوصول إليها، وفي هذا أمثلة كثيرة في طلاب الثانوية العامة من سوريين تفوقوا على ذواتهم وواقعهم، فتحدوا كل الظروف في سبيل الوصول لثمرة التفوق، وشقوا الطريق الشائك بثبات نحو أحلامهم الصغيرة التي تتطلع لمستقبل أكثر جمالاً، يكون فيه نجاحهم رسالة تحد من مجتمع لا تعرقله ظروف الحرب، ولا تمنعه أية ظروف أخرى عن المضي قدماً في بناء تطوره، وتحقيق رفعته، وتقدمه الذي يبنى بالناجحين والمتفوقين من أبنائه.

محمد محمود