مع انتحاله لأحلامهم أصحاب الدخل المحدود يتبرؤون من قطاع التعاون السكني.. وفروقات الأسعار تشعل فتيل الاتهامات!

مع انتحاله لأحلامهم أصحاب الدخل المحدود يتبرؤون من قطاع التعاون السكني.. وفروقات الأسعار تشعل فتيل الاتهامات!

أخبار سورية

الأحد، ٩ يوليو ٢٠١٧

البحث في واقع القطاع التعاوني السكني ليس بالأمر السهل، لأنه يقارب بشكل أو بآخر مصالح الكثير من المستفيدين من شريحة المسؤولين والمتنفذين، ومن أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة الذين يستثمرون هذا القطاع تحت عباءة أصحاب الدخل المحدود الذين يعيشون بدورهم خدعة التعاوني في لعبة تجارية استثمارية عنوانها الأساسي الربح بمئات الملايين، فغالبية مجالس الإدارات سلخت هذا القطاع عن جلدته الشعبية، وحوّلته إلى قطاع الكبار، وبكل تأكيد مسلسل الشبهات والتدخلات التي تتم في قطاع التعاون السكني تخطى مرحلة الاتهام الكيدي ليصبح واقعاً، وصفة ملازمة له، والحديث هنا ليس بقصد تشويه صورة هذا القطاع، أو الإساءة لأية جمعية، أو لشخصية وهوية مجالس الإدارات، ولكننا نحاول رفع الغطاء عن بعض الممارسات التي أبقت هذا القطاع في دائرة الضوء الاتهامي.
وطبعاً تسلل التجار بشخصياتهم الحقيقية وأقنعتهم المختلفة لا يعني تجاهل وجود عشرات الآلاف من الأعضاء التعاونيين المكتتبين، “بغض النظر عن هوياتهم”، والذين يثيرون الآن قضية تحميلهم فروقات الأسعار بشكل يرتب عليهم دفع مبالغ مالية كبيرة نتيجة لتقاعس مجالس الإدارات عن تنفيذ المشاريع السكنية التي تسكنها أحلامهم الضائعة كما يعتقدون!.
صباحاً ومساء
لسوء الحظ فشلت محاولات عديدة قمنا بها للتواصل مع رئيس الاتحاد العام للتعاون السكني زياد سكري لمعرفة موقف الاتحاد، والإجراءات التي اتخذها لجهة تحميل المكتتبين في الجمعيات السكنية قيماً مالية جديدة لتغطية فروقات الأسعار الحاصلة نتيجة التأخير في تنفيذ المشاريع السكنية التي يؤكد الكثير من المكتتبين أن لا ذنب لهم بها، فالتأخير في الإنجاز يعود لتقاعس مجالس الإدارات في مهامها وواجباتها، ومتابعة الأعضاء المقصّرين في دفع التزاماتهم.
وحرصاً منا على عدم تجاوز الاتحاد العام فقد اتصلنا بمكتب السكري  أكثر من مرة دون جدوى، وتحدثنا معه عبر الموبايل لتحديد موعد، إلا أن انشغاله الدائم حال دون لقائه، رغم أننا تقيدنا بأجندة أعماله، وقمنا بالاتصال كما طلب منا في الفترة الصباحية أو المسائية كونها الفترات التي تسمح له بإجراء اللقاءات، وكان ذلك خلال شهر رمضان، ولكن ذلك لم يؤت ثماره، فالإجابة من مكتبه تأتي دائماً “غير موجود”، أو في مجلس الشعب، وفي المساء لا مجيب من مكتبه، والموبايل خارج التغطية، والسؤال هنا: متى يتابع رئيس الاتحاد التعاوني واقع هذا القطاع إذا كان في حالة انشغال دائم في جلسات مجلس الشعب، وفي لجان المصالحة، ألم يحن الوقت بعد سنوات طويلة من الجلوس على كرسي رئاسة الاتحاد لإجراء التغيير مع التقدير لجهوده المبذولة في قيادة القطاع التعاوني السكني، فالمرحلة الحالية والقادمة تحتاج إلى آلية عمل جديدة، وإلى تفرغ ومتابعة آنية لجميع القضايا المثارة؟!.
ولا شك في أن فشلنا مع رئاسة الاتحاد دفعنا للأخذ بنصيحة أمين سر الاتحاد العام، “كما عرف عن نفسه أثناء اتصالنا هاتفياً بالاتحاد”، والذي نصحنا بالاتصال مع محجوب البعلي رئيس اتحاد التعاون السكني في ريف دمشق الذي تجاوب مباشرة معنا، كاشفاً عن وجود لجان تدرس فروقات الأسعار لأي مشروع تعاوني سكني، بحيث لا يمكن تصديق تقريرها إلا من خلال هيئة المستفيدين التي يصبح قرارها ملزماً للجميع، وأوضح أن إنجاز المشاريع يعتمد على التمويل الذاتي المتمثّل بتسديد الأعضاء المبالغ المترتبة عليهم في مواعيدها دون أي تقصير، حيث يتم التنفيذ بالأمانة من قبل المتعهد الذي يحق له المطالبة بغرامات، أو فروق أسعار عند التأخير في تسديد الأقساط المترتبة على الأعضاء.
وبرأ البعلي مجالس الإدارات من واقعة التأخير بالإنجاز بقوله: لا أظن أن لمجالس الإدارات يداً بهذا الموضوع، وإنما تعود أسباب التأخير لقلة “المصاري” نتيجة تقصير الأعضاء في أداء التزاماتهم المالية!.

من الواقع
جمال عقيل، رئيس مجلس إدارة جمعية الولاء في دمر،  كان واثقاً من نفسه، وإجابته كانت واضحة وصريحة، فلم يخف وجود إشكالية مع المكتتبين في الجمعية نتيجة فروقات الأسعار، والتي تعود في أسبابها إلى تقصير الأعضاء في برنامج التمويل الذاتي، حيث يحدث انزياح زمني في خطة التنفيذ التي ترتبط بمدى الالتزام المالي للأعضاء، فالمتعهد يقوم بتثبيت الأسعار وفقاً لدفعات المكتتبين، ولفترة زمنية معينة، وأي نقص بالتمويل يؤدي إلى خلل في التنفيذ، وخاصة في حال طرأ تبدل في أسعار المواد، كما يحصل الآن!.
والشيء اللافت في كلام عقيل أنه نعى العلاقة بين ذوي الدخل المحدود والقطاع التعاوني السكني، فبرأيه تجربة هذا القطاع كانت ناجحة في فترة السبعينيات، أما الآن فشعاراته التعاونية براقة، وليس لها مكان على أرض الواقع، وطبعاً نحن نؤيد هذه الحقيقة، فسعر المتر في مشاريع جمعيته في دمر حوالي 1,5 مليون ل.س، وفي بعض الجمعيات الأخرى تخطى 2 مليون ل.س، وهذه الأرقام كافية لإسقاط كلمة التعاوني عن هذا القطاع، والأمر ذاته على المشاريع التي أطلقتها المؤسسة العامة للإسكان ضمن منظومة إسكان أسموها السكن الاجتماعي!.

عدم تطبيق القانون
مدير التعاون السكني في وزارة الأشغال العامة والإسكان  المهندس سامر دلال باشي الذي استقبلنا كالعادة بكل رحابة صدر، ولمدة ساعتين، أعاد على مسامعنا أهداف القطاع التعاوني السكني، وماهية العلاقة الجدلية (كما نراها) والتي تربط وزارة الأشغال العامة والإسكان بهذا القطاع،  والحق يقال كان بارعاً في سرد التفاصيل وصك براءة الوزارة ومقنعاً في حديثه لجهة واقع الخلل الحاصل في قطاع التعاون السكني، ويمكن القول إنه حاول أن يكون متوازناً ومعتدلاً في رأيه حول آلية العمل في القطاع التعاوني وكيفية إدارته، وقدم لنا إجابات واضحة ولم يتردد في شرح أي قضية طرحناها، وصحيح.. أننا قرأنا في كلماته عدم الرضى عن عمل هذا القطاع وعن قضايا أخرى تخص المعالجات الحاصلة بحق بعض الجمعيات، إلا أننا لانستطيع تجيير ذلك له فهذه قراءة شخصية ولايمكن إلزامه بها وهذا مافرض علينا الالتزام بماقاله لنا وبما اتفقنا على نشره فحديثه كان ضمن مسؤولياته الوظيفية التي يرى من خلالها أن قطاع التعاون السكني، بموجب ما ورد بأحكام قوانين التعاون السكني السابقة (القانون 13 لعام 1981 والقانون 17 لعام 2007)، وما ورد بأحكام المرسوم التشريعي النافذ حالياً رقم 99 لعام 2011، يهدف إلى تحسين ورفع مستوى أعضائه اقتصادياً واجتماعياً من خلال تأمين الأراضي وتشييد المساكن وملحقاتها وتمليكها للأعضاء وبسعر التكلفة وذلك وفقاً للمبادىء التعاونية وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في مجال الإسكان، أي إن دور الجهات الوصائية ممثلة بالوزارة “مديرية التعاون السكني” وعلاقتها مع القطاع التعاوني يتمثل بالرقابة والإشراف على هذا القطاع وفقاً للأنظمة والقوانين وليس لإدارته فكل جمعية تعاونية سكنية هيئة عامة تمثّل السلطة العليا في الجمعية وتسري قراراتها على جميع الأعضاء التعاونيين، وتابع دلال باشي ولتصويب أداء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية السكنية لابد أن تكون البداية من قبل العضو التعاوني وإدراكه لحقوقه وواجباته تجاه الجمعية المنتسب إليها وأن يكون لحضوره اجتماعات الهيئات العامة وهيئات المستفيدين قيمة مضافة تصحح أي خلل في عمل الجمعية وأداء مجلس الإدارة ولجنة المراقبة، ويتوجب عليه أن ينتخب لعضوية مجلس إدارة الجمعية من تتحقق فيه النزاهة والخبرة والسوية العلمية والتفاني بالعمل لخدمة الجمعية وأعضائها للوصول إلى الهدف من الجمعية.
وبدورنا كمديرية تعاون سكني نسعى وفق لما نص عليه المرسوم التشريعي رقم 99 لعام 2011 ووفقاً للصلاحيات المتاحة لنا إلى تخفيف الفوضى السائدة في هذا القطاع من خلال متابعة عمل مجالس الإدارات واقتراح تشكيل مجالس مؤقتة للجمعيات التي شغرت عضوية مجلس الإدارة فيها أو انتهت مدة ولايته كما يتم إسقاط عضوية أعضاء مجلس  الإدارة المخالفين للأنظمة والقوانين وحل وتصفية الجمعيات غير الفعالة وذلك لنحقق قفزة نوعية بعمل قطاع التعاون السكنية الذي سيساهم بشكل قوي وفعال في المرحلة المقبلة لإعادة الإعمار.
وأورد دلال باشي بعض المقترحات الخاصة بعمل القطاع كالسماح بإشادة الضواحي التعاونية السكنية خارج المخططات التنظيمية وضمن محاور التنمية المعتمدة من قبل هيئة التخطيط الإقليمي ووفق معايير وأسس واضحة بالإضافة إلى إحداث صندوق للإقراض التعاوني بالتنسيق مع وزارة المالية ومجلس النقد والتسليف الذي سيمكّن القطاع التعاوني من شراء الأراضي، وتوزيعها على الجمعيات السكنية، وإقراض الجمعيات التعاونية السكنية المشتركة فيه لتنفيذ مشاريعها، الأمر الذي سيخفف العبء على المصرف العقاري لجهة منح القروض للقطاع التعاوني ولفت إلى  أن مشروع تعديل المرسوم رقم 99 لعام 2011 تضمن مواد أخرى سوف تحد من الخلل الحالي الموجود في أداء وعمل مجالس الإدارات لجهة تبليغ الأعضاء التعاونيين لحضور اجتماعات الهيئات العامة وهيئات المستفيدين، واتفق دلال باشي فيما يخص تحميل المكتتب التعاوني فروقات الأسعار مع الآراء التي تعيد المسؤولية لتقصير المستفيدين في دفع التزاماتهم المالية (التمويل الذاتي ) مع تحميل مجالس الإدارات المسؤولية وفق المادة (68-69) من القانون 99لعام 2011لجهة تقصيرها في متابعة الأعضاء بتسديد الالتزامات المالية المترتبة عليهم وفق ما أقرته هيئة المستفيدين لتنفيذ البرنامج الزمني للمشروع السكني.
ووضع دلال باشي مايحدث في خانة عدم تطبيق القوانين والمراسيم الصادرة، وفي رأيه معالجة واقع القطاع التعاون السكني لاتكون فقط من خلال القانون الناظم لعمل هذا القطاع، بل يجب العمل كسلة متكاملة من القوانين الناظمة لإشادة الأبنية في بلدنا، واستشهد بالمرسوم التشريعي رقم 82 للعام 2010 المتعلق بتعريف التجمعات العمرانية والعراصات وشروط الترخيص بالبناء على المقاسم والبرنامج الزمني لتنفيذ أي مشروع ضمن المخطط التنظيمي ولكنه صدر ولم يطبق والجهة المسؤولة عن تطبيقه وزارة الإدارة المحلية.
وختم  دلال باشي بأن ما تم إنجازه في قطاع التعاون السكني خلال مسيرته ليس بحجم الطموح، وكان من الممكن إنجاز أضعاف مضاعفة من المساكن التعاونية لو توفرت الأراضي اللازمة والقروض الكافية وبالشروط الميسرة، لكن أمام العراقيل التعاونية التي جابهت عمل هذا القطاع، فإن ما تم إنجازه مقارنة بما تم إنجازه في القطر وبذات المواصفات مقبول.

شرنقة التعاوني
في كل مرة نبحث فيها قضايا التعاون السكني تزداد قناعتنا بضرورة إخراج هذا القطاع من شرنقة التعاوني بكل مشكلاته ومخالفاته وتحويله إلى شركة تطوير عقاري تعمل وفق قوانين استثمارية واضحة وخاضعة لقوانين أكثر صرامة وقدرة على إحداث تغيير في بنيته التنظيمية وتطهيره بشكل كامل وعلى كل المستويات.
وما يدعو للأسف أنه بعد استشارة بعض المختصين في القانون، والذين نصحوا برفع دعاوى قضائية على مجالس الإدارات وفق مواد قانون التعاون السكني لمعالجة قضية فروقات الأسعار بالنسبة  للأعضاء الملتزمين، تبيّن أن هذا الحل سيؤدي إلى إيقاف أعمال الجمعيات، وبالتالي التأخير من جديد في إنجاز المشاريع السكنية، وبالمعنى الشعبي: (العودة بخفي حنين)!.
بشير فرزان-البعث