طقوس “فانتازية” في موسم سياحي سوري.. أسعار “لاذعة ” .. ممنوع اقتراب غير الميسورين

طقوس “فانتازية” في موسم سياحي سوري.. أسعار “لاذعة ” .. ممنوع اقتراب غير الميسورين

أخبار سورية

الأحد، ٢ يوليو ٢٠١٧

في ظل غياب السياحة الشعبية عن محافظتي الساحل، بات “التصييف” لأصحاب الدخل المحدود مشروعاً برسم التأجيل بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الفنادق والشاليهات التي ألهبت جيوب السوريين في موسم سياحي ساخن يضاهي ارتفاع درجات الحرارة، فإذا أرادت عائلة مكونة بالحد الأدنى من أربعة أشخاص أن “تصيّف” على البحر لثلاثة أيام فقط، توجب عليها أن تعد لهذا المشروع الترفيهي ميزانية كبيرة تتراوح ما بين 350000 و400000 ليرة سورية، الرقم الذي يعد عصياً على جيوب  ذوي الدخل المحدود، ما يلجم أحلامهم في “التصييف”، ويؤجلها إلى أجل غير مسمى!.
تنافس على رفع الأسعار!
رغم جنون الأسعار، إلا أن بداية الموسم السياحي التي صاحبت عيد الفطر، وبحسب تقديرات مديرية سياحة اللاذقية، شهدت رواجاً كبيراً، فقد وصلت نسبة الإقبال على المنشآت السياحية، على اختلاف “نجومها”، إلى 90%، والتوقعات تشير إلى إقبال جيد طيلة فترة الصيف.
تتباين المنشآت السياحية في اللاذقية من حيث “النجمات”، والخدمات التي تقدمها للمصطافين القادمين من المحافظات الداخلية، فيما تتقاطع في ارتفاع تكاليف “التصييف”، بدءاً من حجز الغرف، وانتهاء بفواتير الطعام، والخدمات الترفيهية، دون حسيب أو رقيب، في استغلال واضح للموسم الذي لا يأتي إلا مرة واحدة في كل عام، والعين مفتوحة على جيب المصطاف الداخلي لعدم توفر البديل.
وعلى إيقاع هذا الموسم السياحي الساخن، لم يقصد البحر، ولن يقصده إلا من استطاع إليه سبيلاً، فيما هناك كثيرون ينتظرون حلول أيلول والتشرينين ليقصدوا البحر بعد انتهاء الموسم السياحي، أملاً في أن تنخفض الأسعار، وبحسب “النجمة” يصنّف المصطافون كلاً بحسب ما في جيبه، ففنادق خمس نجوم زبائنها يجب أن يكونوا خمس نجوم أيضاً، لأن قيمة حجز غرفة واحدة علوية تتسع لشخصين فقط وليوم واحد تبلغ 50000 ليرة سورية، والطامة الكبرى أن من يتوجه إلى البحر لقضاء إجازة يروّح بها عن نفسه ليس على الأغلب شخصاً أو شخصين، وإنما عائلة بالحد الأدنى تتكون من أربعة أشخاص، إن لم تكن مجموعة عائلات، أو مجموعة أصدقاء!.

أرقام خيالية تتطلب ميزانية
إذا قصدت عائلة مكونة على أقل تقدير من أربعة أشخاص البحر “للتصييف” في فندق خمس نجوم، فإنها بحاجة إلى حجز “سويت” ثمن إيجاره ليوم واحد 98000 ليرة سورية في الطوابق العلوية، وإذا أحبت هذه العائلة أن تتنعم بالقرب أكثر من البحر، فإنها ستضطر إلى حجز “دوبلكس” رملي إيجاره ليوم واحد فقط 147000 ليرة سورية، ناهيك عما يدفع على طاولة الفطور والغداء والعشاء، والتي تكلّف الشخص الواحد وسطياً 10000 ليرة، عدا عن باقي متطلبات الاصطياف على الشاطئ السوري، ما يعني بالمجمل أنه لو قضت هذه العائلة ثلاثة أيام فقط في أحد فنادق خمس نجوم، فإنها ستدفع ما بين 350000 و400000 ليرة سورية بالحد الأدنى، الرقم الذي يعد رقماً خيالياً بالنسبة لأغلبية السوريين!.
والمثير للاستغراب أن الفنادق التابعة لمديرية السياحة، على اختلاف “نجماتها”، تضاهي بأسعارها الفنادق الخاصة، ففي فنادق السياحة يبدأ الحجز بـ 51000 وينتهي بـ  150000 ليرة سورية، فيما يبلغ ثمن حجز الغرفة لشخصين في الفنادق الخاصة 42000 ليرة سورية، وما ينطبق على حجز الغرف ينطبق أيضاً على فواتير وجبات الطعام والشراب داخل الفنادق والمنتجعات المملوكة لوزارة السياحة وشركائها، ما يضع أكثر من إشارة استفهام؟!.

فنادق  للنخبة
وبسبب أن فنادق خمس نجوم يجب أن يكون مصطافوها خمس نجوم أيضاً، ولأن أغلبية السوريين ليسوا كذلك، فإنهم يقصدون فنادق النجمتين والثلاث، لأنها أرخص للجيب المنكوب بفعل “التصييف”، ففي فنادق أربع نجوم يبلغ حجز الغرفة ليوم واحد لشخصين 20000 ليرة، ووجبة الغداء  لشخص واحد 4000 ليرة، أما في فنادق ثلاث نجوم، ثمن حجز غرفة مماثلة 15000 ليرة، ووجبة الغداء ما بين 3200 و3500 ليرة، والرقم في فنادق النجمتين لا يقل كثيراً عن ثلاث نجوم، فحجز غرفة واحدة 12000 ليرة، والغداء يتراوح بين 2500 و3000 ليرة.
وما بين النجوم الخمس، يقول ياسر، وهو أحد المصطافين: الخدمات المقدمة في فنادق خمس نجوم أقل بكثير مما يجب أن تكون عليه، فيما أكد محسن أن الأسعار خمس نجوم، فيما تكون الخدمات نجمتين، متسائلاً عن غياب الرقابة من وزارة السياحة على التجاوزات التي تجري على عينك يا تاجر دون حسيب أو رقيب!.
ورغم التذمر الشديد من سوء الخدمة في بعض الفنادق، إلا أن الشواطئ تكتظ بشتى ألوان وأنواع لباس البحر، فيما يمارس الزوار رياضاتهم المائية، ويسهرون على أنغام حفلات الشاطئ الليلية.
ريم من اللاذقية: نحن أبناء المحافظة ندفع ثمناً باهظاً بسبب الموسم السياحي، فالارتفاع الحاد في الأسعار لم يقتصر على الفنادق، والمطاعم، وإنما طال حتى المحال التجارية التي ترفع أسعار كل المواد الغذائية دون رقابة، مضيفة: بعض الأهالي يحاولون العثور على بقعة هادئة من المدينة لقضاء وقت مريح، لأن الازدحام يقضي على السكينة التي نفتقدها خلال الصيف.
عمار أشار إلى أنه يصطحب عائلته خلال الموسم السياحي إلى الجبال المحيطة باللاذقية هرباً من ضجيج المدينة، وحرارة الطقس، وطمعاً بالهدوء، والهواء العليل.

الشاليهات ليست أرحم
وإذا أراد أحد المصطافين أن يوفر على جيبه التكاليف الكاوية للإقامة في الفنادق فإنه يتوجه إلى الشاليهات اعتقاداً منه بأنها أوفر على الجيب، لكنه سرعان ما يصاب بخيبة الأمل عندما يخبره صاحب الشاليه عن الأسعار التي تشهد ارتفاعاً حاداً، فإيجار الشاليه المكون من غرفة وصالون لليوم الواحد 25000 ليرة، وكلما اتسعت مساحته وزاد عدد غرفه زادت قيمة إيجاره.
أما سامي القادم من دمشق فقال: جئت لأقضي يوماً كاملاً على الشاطئ فلا أستطيع أن أحجز في الفنادق لي ولعائلتي بسبب ارتفاع الأسعار، مضيفاً: نحن أصحاب الدخل المحدود ليس لنا مكان في مثل هذه الفنادق التي باتت للأثرياء فقط.
بدوره أكد أبو مهند أن أصحاب الدخل المحدود ليس لهم مكان في الفنادق والمطاعم التي لا ترحم، مشيراً إلى أنه استطاع استئجار طاولة أمام شاطئ الكورنيش الجنوبي مع عائلته بمبلغ زهيد، وأتى بطعام الغداء معه من المنزل.

لن تسبح دون أن تدفع
وعن البحر والمسابح و الشواطئ “المحتكرة”، قال أبو علي أحد سكان المدينة: البحر اليوم لم يعد ثروة عامة لجميع المواطنين، فالمواطن العادي لم يعد قادراً على ارتياد المسابح التي تسّعر وفقاً “لنجومها” التي ربما لا تكون موجودة.
وأضاف: لا تستطيع اليوم أن تسبح دون أن تدفع، فأنا أب لخمسة أولاد، ودخلنا الشهري 40000 ليرة، في السابق كنا نستطيع أن ندخر بعض المال من أجل أن نقصد المسبح مرة أو مرتين خلال الصيف، لكننا اليوم وبسبب ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام وارتفاع تكاليف التصييف بمختلف أنواعها بشكل خاص أصبحنا محرومين من التوجه إلى المسبح عازياً السبب في ذلك إلى أن أرخص مسبح يأخذ 700 ليرة رسم دخول للشخص الواحد، أي أن أدفع 4900 ليرة رسم دخول فقط لي ولزوجتي وأولادي الخمسة. ناهيك عن إيجار الطاولة والطعام والشراب ما يعني أن الذهاب للمسبح مرتين في الشهر يكلفني أنا وعائلتي وسطياً 000 25  ليرة.
أبو شادي يقول: اليوم نذهب “لننحشر” مع العائلات التي تشابهنا في الدخل لبعض الأمتار الخارجة حالياً عن استثمار الشاطئ، مضيفاً: من المستحيل أن تجد مسبحاً شعبياً خالياً من الأوساخ والنفايات، وحتى الشواطئ التي لا توجد عليها مسابح تحتكرها “كافيتريات” لأشخاص يضعون طاولات ومظلات لا نعلم إن كانت مرخصة فعلاً أم لا.
والكثير ممن التقيناهم  طالبوا باعتماد تسعيرة مقبولة ومناسبة لجميع المسابح، أو على الأقل تسعيرة تتوافق مع دخل المواطن الذي لم يعد يجد له ملجأ للتنزه أو الاصطياف، إلاّ الجانب الآخر من البحر حيث عمليات التنظيف شبه غائبة.
وعليه تساءل الكثير من أبناء اللاذقية والمصطافين: ماذا يمكن للسوري الذي يشقى طيلة العام أن يفعل خلال موسم الصيف الحار غير التوجه إلى البحر الذي يجب أن يكون ملكاً لجميع المواطنين، لكن في سورية أصبح البحر لناس وناس.

لكل شيء ضريبة
مدير سياحة اللاذقية المهندس رامز بربهان أكد أن الإقبال في الموسم السياحي خلال فترة عيد الفطر وصل إلى 90% متوقعاً أن يمتد طيلة فصل الصيف  على نحو جيد.
وأشار بربهان إلى أن هناك قرارات خاصة صادرة عن وزارة السياحة حددت تسعيرة الفنادق والمنتجعات والمطاعم وصنفتها بدءاً من نجمة وانتهاء بأربع نجوم، لافتاً إلى أن فنادق خمس نجوم أسعارها محررة بسبب ضخامة المنشأة وارتفاع تكلفة بنائها وتجهيزها بالإضافة إلى الخدمات المميزة التي تقدمها للزبون ما يجعلها ملاذاً سياحياً مناسباً لرجال الأعمال وللنخبة.
وأضاف بربهان: تحرير هذه الفنادق من تسعيرة السياحة لا يعفيها من الإعلان عن تسعيرتها في مكان واضح وإعلام مديرية السياحة بها، إذ لا يسمح لأي منشاة مهما بلغت ضخامتها أن تسعّر كيفما تشاء بأرقام مبالغ بها، موضحاً أن عمل المديرية مراقبة تطبيق وإعلان الأسعار المصدقة، وفي حال وجود أي خلل يمكن تقديم شكوى عن طريق الاتصال بالرقم 137 ليصار إلى معالجتها فوراً وإجراء الضبوط اللازمة.
وأشار إلى أن هناك لجاناً مشتركة من السياحة والتموين والصحة والبلدية والمحافظة يقومون بضبط عينات من المطاعم وتحليلها عن طريق مخبر التموين حسب نوعية المواد وقيمتها، بالإضافة إلى لجنة سياحية تدقق في الأسعار وتحدد مدى التقيد بها، ومراقبة الخدمات والنظافة.
وأعرب بربهان عن أسفه بسبب انعدام التنافس بين المنشآت السياحية، متسائلاً: لماذا لا يتنافس أصحاب المنشآت والمطاعم في تخفيض تسعيرة وزارة السياحة فيما يتعلق بالمنامة والطعام والشراب، فلو كانت التسعيرة المحددة من قبلنا على سبيل المثال 2000 ليرة لماذا لا يتنافسون بتخفيضها إلى 1700 و1800 لجذب الزبون.
وأكد بربهان أن وزير السياحة نزار اليازجي زار اللاذقية مؤخراً وقام بجولة على عدد من الفنادق ودقق بالأسعار واطلع على واقع الخدمات، كاشفاً عن سعي اليازجي لإقامة شواطئ مفتوحة لينعم جميع السوريين بالاصطياف.
وحول ارتفاع الأسعار في المنشآت التابعة للسياحة مقابل المنشآت الخاصة، بيّن بربهان أن هذه المنشآت هي قطاع مشترك بين وزارة السياحة وبلدية اللاذقية وشركة خاصة لم يذكر اسمها، الحال الذي يبرر ارتفاع أسعارها، ناهيك عن تموضعها على الشاطئ مباشرة وتملكها لإطلالة بحرية مميزة عن غيرها من المنشآت الخاصة.
ودلل بربهان على قوله بمنتجعات الشاطئ الأزرق الذي يوجد فيه “دوبلكس” يتسع لثمانية أشخاص و”تريبلكس” يتسع لعشرة أشخاص فيما بقية المنشآت لا يوجد فيها أكثر من “سويت” يتسع لثلاثة أشخاص بالحد الأعلى، مضيفاً: لكل شيء ضريبة.

باسل يوسف