الجيـوب الخـاوية لم تمنع السوريين من التأنق والتعطـر ..مهنة العطور المركبة واقع فرضته الحاجة

الجيـوب الخـاوية لم تمنع السوريين من التأنق والتعطـر ..مهنة العطور المركبة واقع فرضته الحاجة

أخبار سورية

الاثنين، ٢٦ يونيو ٢٠١٧

دينا عبد

لم يلغِ ارتفاع تكلفة الحياة المعيشية اهتمام السوريين بأنفسهم وترك مبلغ صغير من انفاقهم على أناقة ملبسهم مع رشة «بارفان»، لا يمكن شراؤه إلا تركيباً من محلات العطور المنتشرة بكثافة للحصول على عطرٍ بنكهة الماركات العالمية لكن ذلك لا ينفي أن عشوائية هذه المهنة ينطوي على شق اقتصادي واجتماعي يبرز في اشتغال الشباب من خريجي الجامعات بها بسبب البطالة وعدم إيجاد فرصة عمل تؤمن لهم قوت يومهم، إضافة إلى فقدها لجدواها الاقتصادية جراء سوء تنظيمها علماً أنها تعد من المهن التي تدرّ ربحاً جيداً للعارف بسر المصلحة.
هرباً من البطالة
«تشرين» جالت على بعض محال العطور والتقت عدداً من الشباب الذين امتهنوا هذه المهنة بعد عجزهم عن إيجاد فرصة عمل ضمن اختصاصهم، حيث يقول يوسف العلي «خريج جامعة»: إن البطالة هي ما دفعته إلى هذه المهنة دون امتلاك أي خبرة مسبقاً، لكن بعد عمله قرابة 12 ساعة يومياً أصبح ضليعاً بها».
يوافقه زميله في المهنة أحمد يونس مع تأكيده عدم اشتراط الخبرة في احتراف هذه المهنة، التي أنقذته من البطالة، فجل ما تحتاجه لامتهانها رأس مال صغير ومحل أو واجهة عرض بسيطة وزجاجات فارغة وأخرى مملوءة بالعطر المركز وحقنة طبية مع بعض الكلام المعسول لزوم الصنعة، علماً أنها تبقى أهم من وظيفة براتب ثابت لم يعد يكفي لأيام الشهر الأول، مشيراً إلى أن معروضات محله الصغير لا تقتصر على العطور فقط وإنما سلع أخرى كالإكسسوارات وغيرها بغية تحقيق ربح أفضل خاصة أن مبيعات العطور ليست كثيرة وخفضت مؤخراً نظراً للوضع المعيشي للمواطنين، مع أن الأسعار تعد مقبولة قياساً بتكلفتها، حيث يباع كل واحد سم من العطر بسعر 200، أي كل 5 سم بسعر 1000 ليرة سورية للزجاجة الواحدة علماً أن الأسعار تتفاوت بين مكان وآخر، فبعض المحلات تبيع 1 سم بـ 250 -300 ليرة آخذة بعين الاعتبار سعر الزجاجة الفارغة والكحول وإضافات أخرى، مع أخذ هامش ربح بسيط ليكون المربح من كل زجاجة 150-200 ليرة، مؤكداً عدم التعامل بالعطور الجاهزة لغلائها وعدم المقدرة على شرائها وحتى لو كانت مقلدة، حيث تباع بحدود 5-7 آلاف تقريباً، وهو ما يشكل ربع راتب الموظف، الذي يفضل صرفه على السلع الغذائية الأساسية بدل التعطر.
أباً عن جد
رغم أن هناك كثير من الشباب احترفوا مهنة العطور بغية إيجاد فرص عمل تؤمن لهم مستوى معيشة معيناً إلا أن كثراً أخرين امتهنوها محبة ورغبة وربما أباً عن جد، حيث يقول أبو ياسر الرجل الستيني إنه يعمل في هذه المهنة منذ حوالي عشرين عاماً وإن أرباح عمله تأتي إضافة إلى عملية تركيب العطور المختلفة من بيع زجاجات العطر ذات الماركات المشهورة، والتي كما يقول يعاد بيعها بعد شرائها من زبائن يبيعونها بأسعار بسيطة، مشيراً إلى أنه لا يتعامل ببيع الماركات الشهيرة المستوردة وخاصة أن زبائنها محددين في المناطق الشعبية نظراً لأسعارها المرتفعة حيث تصل أسعار بعضها إلى 20 ألفاً وأكثر.
سر المصلحة
نسأله عن سر مصلحته وإقبال الزبائن على الشراء منه رغم الوضع المادي التعيس لأغلب الناس فيقول بحذر من باب الحفاظ على سره كعادة جميع من يمتلك حرفة خاصة به: العاملون في هذه الحرفة يفضلون الاحتفاظ باسم المواد المخففة والمثبتة باعتبارها أحد أهم أسباب مهنة تركيب العطور وسر تميز عطورهم عن غيرها في سوق تشهد منافسة قوية من جانب العطور الأصلية ومنعاً للغش أيضاً ليضيف: سعر العطر المركب غالباً ما يعتمد على نوعية وجودة المواد المستخدمة بصنعه كنوع وماركة الزيت العطري المركز ونوع الكحول المستخدم في التخفيف والتثبيت ونسبة تركيز العطر في المحلول ونوع العبوة.
منافسة غير شريفة
في حين يشكو زميله في الكار أبو سليم الرجل الخمسيني من منافسة غير شريفة من دخلاء على المهنة من قبل باعة متجولين يبيعون عطراً يسمونه مركباً بسعر متدنٍ، ما زعزع الثقة والقناعة لدى المستهلك بالنسبة للعطر برمته في عملية يساورها الغش من بدايتها إلى نهايتها، حيث يبيعون العطر مركباً من مادة (الكحول) أو السبيرتو مع بخة عطر واحدة تتلاشى رائحتها بعد بضع دقائق من رشها وبسعر 1500 ليرة.
حل مرضٍ للفقراء
تركيب العطور اعتبره بعض المواطنين وخاصة من ذوي الدخل المحدود حلاً مرضياً ضمن لهم المقدرة على شرائها في ظل غلاء العطور الجاهزة وخاصة المستوردة علماً أن سورية تعد من الدول التي تمتلك قائمة طويلة من الأعشاب العطرية تجعلها من أوائل الدول المنتجة للعطور في حال تم استثمارها بشكل جيد، وهنا نسأل رهف طالبة جامعية عن العطور المركبة وثقتها بها فتقول: لا خيار لي كفتاة من عائلة متوسطة الحال إلا بشراء العطور المركبة نظراً لسعرها المقبول قياساً بالجاهزة لكن لضمان حصولي على عطر جيد الرائحة غير مغشوش أفضل شراءها وعملية التركيب تتم أمام ناظري حتى لو كنت غير قادرة على التفريق بين المغشوش والمقلد لكن شراء العطر من مكان واحد معروف وارتيادي له باستمرار يضمن حصولي على عطر مقبول السعر ورائحة زكية كما أرغب.
عشوائية
سوء تنظيم محلات العطور وعشوائية هذه المهنة أفقدها أهميتها وجدواها الاقتصادية مع أنها تعد من المهن التي قد تدر ذهباً على صاحبها إذا كان عارفاً بسر مصلحته على الأصول, وهو أمر تتحمل مسؤوليته جهات عديدة والتي لا تبالي بأهمية هذه المهنة الحرفية وغيرها من المهن لتترك المشتغلين فيها يعملون على هواهم دون حسيب ولا رقيب، وعن هذا الأمر نسأل ياسين حسن رئيس اتحاد الجمعيات الحرفية فيقول: مهنة العطور بالأساس تعد مهنة تقطير ومن يرد أن يمتهنها أو ينتسب إليها عليه الحصول على ترخيص من جمعية العطور المتوقفة حالياً، ونحن الآن نمنح ترخيصاً للمنشأة التي تقطر العطر من الوردة نفسها كالوردة الدمشقية والياسمين الدمشقي وغير ذلك، فالحرفي هو الذي يقطر وليس الذي يبيع العطر، لذلك فإن الرخصة تمنح لمحل التقطير أي لمحل صناعة العطر وليس لمحل البيع.