مفارقات غير معهودة في ذهنيات المستهلك.. زيادة الرواتب والأجور باتت إجراء غير شعبي في ظل «تمرّد» التجار على قوانين السوق!!

مفارقات غير معهودة في ذهنيات المستهلك.. زيادة الرواتب والأجور باتت إجراء غير شعبي في ظل «تمرّد» التجار على قوانين السوق!!

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٠ يونيو ٢٠١٧

تثير أخبار زيادة الرواتب والأجور مخاوف الناس، وخاصة الموظفين أصحاب الدخل المحدود الذين خبروا تداعياتها على حياتهم، وباتوا أكثر قناعة بعدم جدوى هذه الزيادة في تحسين واقعهم المعيشي نظراً لارتباطها الوثيق بارتفاع أسعار متصاعد لجميع المواد، وبدلاً من أن تحقق الزيادة غايتها في مضاعفة القدرة الشرائية للمواطن، وإدخال “البحبوحة” إلى حياته، نجدها على العكس تماماً، حيث تصبح فرصة هامة يقتنصها التجار لتوجيه مردودها الاقتصادي نحو جيوبهم التي اعتادت اصطياد أية حالة تعافٍ داخل الأسواق.

ورغم استمرار الخلاف على جدوى زيادة الرواتب كحل من الحلول الاقتصادية المعيشية، وانقسام الآراء بين من يضع مبررات لارتفاع الأسعار مع أي زيادة ستحصل، وبين من  يرفض تماماً وجود علاقة تربط الزيادة مع ارتفاع الأسعار، إلّا أن  الجميع يتفقون على  أن عملية” زيادة الراتب” تدل على ضعف القوة الشرائية لدى الأفراد في المجتمع، وتؤثر على مستوى الرفاهية لديهم، ويجعل قدرتهم على تلبية احتياجاتهم منخفضة، ما يسمح لتداعيات خطيرة على استقرار المجتمع وسلامته.

ضعف القوى العاملة

يمكن إرجاع أسباب ارتفاع الأسعار في سورية خلال السنوات الأخيرة إلى العديد من الأسباب التي ظهرت نتيجة متغيرات اقتصادية أثّرت بشكل كبير على القوة الشرائية في سورية، ويرى الدكتور أكرم الحوراني أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق أن أهم هذه الأسباب تعود إلى حجم الإنتاج، ونقص المعروض من السلع مقارنة بالطلب عليها والذي جاء كنتيجة للتدمير الكلي والجزئي الذي أصاب معظم المنشآت الإنتاجية، وانتقال أصحابها للعمل في دول أخرى نتيجة إغلاق قسم كبير من المنشآت، ما أدى إلى تراجع كبير في حجم القوى العاملة بسبب الأوضاع التي تمر بها سورية، وهجرة عدد كبير من الشباب إلى دول مختلفة، وخروجهم من دائرة الإنتاج، وترافق مع هذا الواقع زيادة حجم المستوردات السلعية التي تحتاجها السوق المحلية، وخاصة فيما يتعلق بالمواد الأولية للإنتاج، وارتفاع نسبة تهريب البضائع من الدول المجاورة، ما خلق قنوات للتضخم المستورد خصوصاً مع تراجع قيمة الليرة السورية، وجعل أسعار المستوردات، لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، كما أن عمليات التهريب أو الاستيراد اعتمدت على الشراء بالقطع الأجنبي “الدولار”، والمبيع بالليرة السورية التي فقدت أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار.

تراجع العملة المحلية

لقد تراجعت الثقة لدى قسم كبير من المواطنين بعملتهم المحلية “الليرة السورية” بسبب تذبذبها الكبير خلال السنوات الأخيرة، ما دفع معظم الناس إلى تحويل قسم من مدخراتهم إلى الدولار الأمريكي كمخزن مضمون للقيمة، وهنا يوضح الباحث الاقتصادي إيهاب اسمندر أن الاندفاع باتجاه الدولار وشرائه بكثافة، رفع من قيمته أمام الليرة السورية، وساهم بخلق الصفقات في بيع وشراء الدولار، وزيادة العرض والطلب عليه، ما أثّر بشكل كبير على  قيمة الليرة السورية، وانخفاضها خمسة أضعاف قيمتها التي كانت عليه في السابق، وهذا بدوره أثّر على أسعار السلع عند تقويمها بالليرة السورية، ما خلق حالة من الارتياب التي سادت السوق السورية، ودفعت معظم المنتجين والعارضين إلى زيادة هامش سعري إضافي على أسعار المبيع، واحتكارهم للسلع، وقدرتهم على فرض أسعار أعلى تناسبهم خصوصاً في ظل غياب المنافسة، وقلة مرونة الطلب على عدد كبير من السلع، كخطوة استباقية لأي تراجع محتمل في سعر صرف الليرة، أو حتى لأي ارتفاع محتمل في أسعار مدخلات الإنتاج، أما فيما يتعلق بالظواهر الاقتصادية المحلية بحسب اسمندر، فإن ارتفاع الأسعار كان مرتبطاً بعدة ظروف تتعلق بعملية الإنتاج، أهمها صعوبة تأمين المواد الأولية، وتوفير أماكن جديدة للإنتاج، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل كبير والذي انعكس بدوره على زيادة أسعار السلع المنتجة محلياً والتي يتم نقلها بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستهلاك، فكانت النتائج الحاصلة من التأخير في عملية النقل وطول فترتها خراباً  لقسم كبير من المنتجات أثناء النقل، وما إلى ذلك من أعمال أثّرت بشكل كبير على حجم الإنتاج خلال نقلها.

محاولات ضبط الأسعار

الإجراءات الحكومية حاولت خلق التوازن المطلوب مابين القدرة الشرائية وأسعار المنتجات لكن من وجهة نظر حكومية أن هناك محاولات جادة لضبط الأسعار لتتماهى مع القدرة الشرائية للمواطن، هذا ما حاول إيضاحه لنا معاون وزيرة التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب، حيث أكد على سعي الوزارة من خلال مؤسسات، “التدخل الإيجابي” بإجراءات هامة منها تقديم السلع بأسعار تنافس الأسعار في الأسواق الأخرى لمختلف السلع وبجودة عالية، كما سمحت النشاطات الأخرى للوزارة كمهرجانات التسوق وغيرها بتقديم عروض سلعية هامة، إضافة إلى انتهاز فرصة الأعياد والمناسبات الاجتماعية لتقديم منتجات عديدة بأسعار مخفضة وسلات غذائية تسمح للمواطنين باقتناء أكبر عدد من السلع، ويضيف أن هناك العديد من التجاوزات التي يقوم بها التجار والباعة في الأسواق، إلا أن الوزارة تعمل وبشكل دائم بالاعتماد  على دورياتها الرقابية لضبط عمليات الغش والتلاعب بالأسعار.

غياب الحلول الجذرية

ورغم المحاولات العديدة والمختلفة لسياسات التدخل الإيجابي إلا أن الواقع يشير أنها لم تعط النتيجة المطلوبة منها فحجم التحدي أكبر من إمكانية مواجهته بالآليات البسيطة والآنية، بدليل أن أسعار التجار تفرض على أسواقنا ولا تعنى بالقدرة الشرائية للمواطن فهي خارج هذه التوازنات ما ينفي العلاقة بين زيادة الراتب وارتفاع الأسعار في سورية، فهناك ظروف عديدة ساهمت في التضخم الحاصل وارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة، ومن وجهة نظر أكاديمية لم تكن زيادة الأسعار في سورية ناجمة عن زيادة في الدخل أدى إلى زيادة في الطلب الكلي قياساً بالعرض الكلي، بل نتجت حالة ارتفاع الأسعار عن تغير في ظروف التكلفة الإنتاجية التي أثرت بمنحنى العرض الكلي بمجمله إلى الأعلى أي “التضخم الركودي”، ما يجعلنا نصل إلى أن زيادة الرواتب والأجور لا ترتبط بزيادة مماثلة في الأسعار، وبالعكس فإن عدم زيادة الرواتب والأجور لن تؤدي إلى انخفاض الأسعار، لكن يمكننا القول إن مسألة القدرة الشرائية مرتبطة بجملة من العوامل والسياسات الحكومية على مستوى الاقتصاد الكلي.

تحليل الاقتصاد السوري

يؤكد بعض خبراء الاقتصاد السوريين على أن من مساوئ عدم زيادة الرواتب والأجور أنه في حال تطورت معدلات الإنتاجية، فإن استفادة ذوي الدخول المحدودة من الناتج تصبح أقل وبذلك يحصل المزيد من سوء توزيع الدخل القومي، وتتفاقم مشكلة الفقر، ما يدعو لإجراء تحليل دقيق دوري للاقتصاد السوري ومعرفة نقاط ضعفه وعوامل قوته والتغيرات الطارئة عليها باستمرار، وإيجاد سياسات حكومية اقتصادية تعالج بعض العوامل التي تساهم في ارتفاع الأسعار كفتح أبواب الاستيراد وعدم الاعتماد على المنتج المحلي وعدم تشجيع التصدير الذي من شأنه تأمين القطع الأجنبي. لكن سعي الحكومة لإقامة مناطق إنتاج جديدة ودعمها ببنية تحتية متكاملة وإقامة مناطق خاصة بالصناعات الصغيرة وخصوصاً ذات الطبيعة التكاملية له دور هام في تقليل تكاليف الإنتاج وزيادة قدرته التنافسية، وإطلاق مشاريع ضخمة برعاية حكومية وبتعاون مع القطاع الخاص على أساس تكامل المصلحة الخاصة والعامة، ولابد من النظر إلى تنظيم عملية نقل المنتجات بين المحافظات والمناطق السورية المختلفة بإشراف حكومي يقلل قدر الإمكان من تكاليف النقل وانعكاسه السلبي على الأسعار وعلى حجم الإنتاج، بالإضافة  لدعم برامج تطوير النقل الجوي، البري، السككي، البحري، سواء في داخل سورية أو مع الدول الأخرى، ما سيحرك عجلة الاقتصاد السوري، للاهتمام ببعض المناطق السورية كأقطاب نمو والاعتماد عليها في تحقيق نمو الاقتصاد السوري، واتباع سياسات تنمية أكثر توازناً بين جميع المناطق والعمل على زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي بمحتوى تقني عال لمواجهة الضعف الحاصل في توفر اليد العاملة خلال الفترة المقبلة، وتعديل سياسة الرواتب والأجور في سورية، كما يجب لحظ فوارق مهمة بين العاملين على أساس التحصيل العلمي تشجيعاً للتعليم، بما ينعكس على تطوير رأس المال البشري السوري.

ميادة حسن