الحكومة في أحدث دراسة لها حول الأسعار وأسباب ارتفاعها: عدم التكامل بين «الاقتصاد» و«التموين» يساعد على الاحتكار والتلاعب بالأسعار

الحكومة في أحدث دراسة لها حول الأسعار وأسباب ارتفاعها: عدم التكامل بين «الاقتصاد» و«التموين» يساعد على الاحتكار والتلاعب بالأسعار

أخبار سورية

السبت، ٣ يونيو ٢٠١٧

عبد الهادي شباط
شخّصت دراسة تحليلية في رئاسة مجلس الوزراء أعدتها مديرية دعم القرار العديد من الأسباب التي تقف وراء الارتفاعات السعرية للمواد والسلع في الأسواق، ومن هي الجهات المعنية بضبط هذه الظاهرة ومدى مسؤوليتها، حسب المهام والأدوار الموكلة لها، كما أشارت إلى أهم نقاط الخلل التي تعاني منها منظومة ضبط الأسعار ومراقبة الجودة، وضمنت دراستها بجملة من المقترحات لمعالجة ظاهرة الارتفاعات السعرية للمواد والسلع في الأسواق المحلية.
في عرض موجز لأهم مفاصل ومحاور الدراسة التي حصلت «الوطن» على نسخة منها، كانت البداية برصد لأسعار العديد من المواد والسلع أهمها الخضار والزيوت والسمون واللحوم والحليب والدقيق والرز والسكر والشاي وغيرها من المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية، إذ حيث كشفت الدراسة أن مادة البطاطا سجلت زيادة بنسبة 74 بالمئة خلال الثلث الأول من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، والبصل 8 بالمئة والبندورة 5 بالمئة، في حين رصدت الدراسة زيادة بواقع 110 بالمئة لمادة زيت الزيتون ونحو 80 بالمئة للحوم البلدية و46 بالمئة لمادة الحليب البقري و15 بالمئة لمادة الدقيق.
وحول أبرز نقاط الخلل التي تعاني منها منظومة ضبط الأسعار ومراقبة الجودة اعتبرت الدراسة أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك واجهت تعارضاً بين سياسات الانفتاح الاقتصادي التي اعتمدت منذ بدايات العقد الماضي وما راكمته خلال تلك الفترة من قوانين وتشريعات تحدّ من دور الدولة التدخلي، وأن ذلك أسهم في تأخر تبلور رؤية واضحة لدور الوزارة في التعاطي مع تداعيات الأزمة، خاصة ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار والجودة وصعوبة وضع حدّ لارتفاع الأسعار وانتشار السلع منخفضة الجودة.
كما اعتبرت الدراسة أن أداء وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تأثر بجملة من العقبات، أبرزها في مجال الاستيراد بسبب الحظر الخارجي والعقوبات الاقتصادية، وأن الوزارة لم تتمكن من تعديل مهامها بما يتناسب مع تطورات الأزمة المستجدة، وعدم التكامل في الأدوار مع وزارة التجارة الداخلية والجهات المعنية الأخرى لينعكس ذلك سلباً على تدفق السلع المستوردة للأسواق المحلية بما يساعد على ممارسة الاحتكار والتلاعب من قبل بعض التجار وبالتالي تفاقم ارتفاع الأسعار.
واعتبرت الدراسة أن فترة الأزمة شهدت تراجعاً واضحاً في أدوار ومهام كل من مؤسسات التدخل الإيجابي وترهلاً وتراجعاً أيضاً في دور مؤسسة التجارة الخارجية، كما بينت أن عمل هيئة المنافسة ومنع الاحتكار بقي في ظل الأزمة محكوماً بفكرة عدم وجود عمليات احتكار كبيرة بصورة تستلزم التدخل مقتصراً دورها بالدرجة الأولى على تقديم جملة من المقترحات للحكومة لضبط الأسواق وعمليات متابعة محدودة لبعض حالات الاحتكار.
بينت الدراسة أيضاً أن جهاز حماية المستهلك «المراقبون التموينيون» يعاني من النقص في أعداد لمراقبين ونقص الآليات وضعف التواصل بين بعض المناطق، في حين أسفرت ظروف الأزمة عن عرقلة في الأدوار الرقابية الأخرى، منها الجودة، مثل هيئة المواصفات والمقاييس وعدد من مراكز مديرية الجمارك والحجر الصحي البيطري الحدودية.
حول الأسباب الفعلية لارتفاع الأسعار اعتبرت الدراسة أنها تعود لجملة من العوامل، أبرزها ضعف منظومة الرقابة على الأسعار وانتشار حالات التلاعب والاحتكار للعديد من السلع في الأسواق المحلية وعدم تمكن مؤسسات التدخل الإيجابي من الاضطلاع بالدور المأمول منها حتى الآن للتدخل في السوق بصورة فعالة، وبالتالي الحدّ من الارتفاع المستمر في أسعار مختلف السلع، وتدهور عملية الإنتاج بشقيها الصناعي والزراعي، جراء الدمار الذي لحق بالبنى الإنتاجية، وارتفاع مستلزمات الإنتاج وصعوبة تأمين بعضها، لاسيما حوامل الطاقة أحياناً «مازوت، كهرباء»، مما تسبب بالنتيجة في خروج العديد من المنتجين من عملية الإنتاج، إضافة إلى الارتفاع الكبير في تكاليف النقل بين المحافظات بسبب ارتفاع أسعار المازوت الذي يعد الوقود الرئيسي المستخدم في الشاحنات والناقلات، حيث يضطر أصحاب الحافلات غالباً إلى شرائها من السوق غير النظامية وبسعر يتجاوز في أحيان كثيرة ضعف السعر الرسمي، هذا إضافة للتكاليف الناجمة عن فاتورة الترفيق التي يتم دفعها لتسهيل المرور عبر الحواجز عند الانتقال بين المحافظات، ضعف التنسيق بين الجهات المعنية في عمليات التخطيط والإنتاج والتسويق وضبط الأسواق، وخاصة فيما يتعلق بالسلع الزراعية المنتجة محلياً، الانخفاض الكبير في قيمة الليرة السورية أمام باقي العملات الأجنبية وتآكل قوتها الشرائية، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بتدهور العملية الإنتاجية وبتزايد المستوردات مقابل تراجع كبير في الصادرات وغيرها، الحصار والعقوبات الاقتصادية الجائرة التي فرضت على سورية من قبل الغرب وغالب الدول العربية، مما تسبب في صعوبات كبيرة واجهت عمليات الاستيراد، وهذا انعكس بالنتيجة في ازدياد أسعار السلع المستوردة، الأعباء المادية التي يتكبدها بعض التجار المستوردين، أثناء عملية التخليص الجمركي في الميناء، وهذا يؤدي بالنتيجة في ارتفاع سعر السلعة على المستهلك بسبب تحميل التاجر كل المصاريف الإضافية على السلع ما يتطلب العمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعزيز الشفافية والبعد الاحترافي للعملية الجمركية للسلع المستوردة.
مقترحات
أبرز المقترحات التي رأت الدراسة أنها قد تكون فاعلة ومؤثرة في معالجة ظاهرة ارتفاع الأسعار والحد منها هو وضع آلية للتنسيق المستمر بين وزارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الزراعة، تقوم على التخطيط المسبق، فيما يخص مساحة الأراضي المزروعة، وكميات إنتاج بعض السلع الزراعية الأساسية، وبناء قاعدة بيانات خاصة بالسلع المستوردة إلى السوق المحلية لإتاحة إمكانية التحقيق من مصداقية البيانات المقدمة من التجار المستوردين، وبناء مرصد لرصد تطورات أسعار السلع الأساسية المستوردة في الأسواق العالمية، لتحديد أسواق الاستيراد المناسبة من حيث التكلفة والنوع، يمكن من خلاله الاشتراك مع الوكالات العالمية المخصصة لرصد الأسعار، واعتماد آلية فعالة، لمنع الاحتكار، ولمواصفات وأسعار السلع المستوردة التي تباع في السوق المحلية، بما يضمن انسياب السلع في السوق المحلية، والتزام بائعي الجملة والمفرق، بأسعار البيع التي تحددها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وهذا يتطلب بالدرجة الأولى، زيادة عدد مراقبي السلع التموينية في المحافظات وتدريبهم بصورة احترافية، لتفعيل دورهم في الرقابة على جودة وأسعار السلع المباعة في الأسواق، مع التأكيد على اختيار العناصر المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، إضافة لقيام المؤسسة السورية للتجارة بالدخول كمنافس قوي في السوق، من خلال تخزين السلع الأساسية بشكل مدروس، بما يمكنها من كسر الاحتكار، وتحقيق الاستقرار في الأسعار، لما فيه مصلحة المزارع والمنتج والمستهلك في آن معاً.
كذلك اقترحت الدراسة إعادة تفعيل دور مؤسسة التجارة الخارجية التابعة لوزارة الاقتصاد، التي لم يلمس لها أي دور يذكر طوال فترة الأزمة، لتتمكن من استيراد السلع الأساسية عند الضرورة، بما يسمح بإعادة التوازن إلى السوق، وهذا يتطلب من هذه المؤسسة بذل جهود استثنائية وابتكار آليات عمل لتجاوز ظروف الحصار المفروض على سورية التي تصعب من إمكانية قيامها بالدور المطلوب منها، إذ إن تمكين هذه المؤسسة يعني امتلاك ذراع حكومية قوية لكسر الاحتكار، تستطيع من خلالها استيراد السلع في الوقت المناسب وبصورة شفافة، من ثم الدفع بها عبر منافذ التدخل الإيجابي للمؤسسة السورية للتجارة.
كما اقترحت قيام لجان متخصصة من الجهات المعنية، بإجراء دراسات معمقة حول تكاليف إنتاج السلع الأساسية، ووضعها في نماذج يمكن الرجوع إليها وتعديلها عند الضرورة، والعمل على تعديل وتطوير آليات وقوانين عمل الجمارك والتخليص الجمركي، والاستفادة من تجارب أخرى في هذا المجال، بشكل يعزز البعد الاحترافي والشفافية والنزاهة لمنظومة عمل الجمارك وبما يتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة، وتعاون الجهات المعنية مع المكتب المركزي للإحصاء حول إمكانية إجراء مسح لدخل ونفقات الأسرة، وفق المتاح وفي المناطق الآمنة، للوقوف على تغييرات عادات الاستهلاك عند الأسرة السورية خلال فترة الأزمة، ووسطي استهلاك الفرد من السلع الأساسية.
إضافة إلى العمل بشتى السبل الممكنة لتشجيع أكبر عدد من التجار لاستيراد السلعة الواحدة، لأن ذلك من شأنه الحدّ من إمكانية احتكارها في السوق، التعاون بين الجهات المعنية، لوضع ضوابط لعمليات تصدير السلع، بحيث تعطى الأولوية لتلبية حاجة السوق منها والاكتفاء بتصدير الفائض فقط، والقيام بالإجراءات المناسبة الرادعة، لمكافحة التهريب، بالاتجاهين إلى داخل وخارج القطر، ومراجعة الآلية المعتمدة لجمع أسعار السلع من الأسواق في المحافظات، وطريقة حساب المتوسط على مستوى القطر، لتعكس الواقع الفعلي للأسعار الرائجة في السوق، وذلك من خلال وضع آلية لجمع الأسعار المحلية بصورة تغطي من خلالها مختلف مناطق المحافظة، وتباين عدد السكان في كل محافظة، واختلاف نوعية السلعة الواحدة المعروضة في الأسواق.
اقترحت الدراسة أيضاً العمل على بناء نظام معلومات للإنذار المبكر عن تغيرات أسعار السلع الأساسية، ترتبط به مديريات حماية المستهلك في المحافظات، بحيث تتم عملية إدخال البيانات الخاصة بالسلع الأساسية، بصورة مباشرة وإجراء العمليات الحسابية اللازمة، وتزويد متخذي القرار في الجهات المعنية فورياً بالتطورات المستجدة في أسعار السلع الأساسية، بما يتيح اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط الأسعار في الوقت المناسب، وأخيراً اقترحت الدراسة أنه لا بد من وضع آلية لتنظيم وتسهيل نقل البضائع والسلع بين المحافظات، بحيث يتم تجاوز أعباء الترفيق والتفتيش المتكرر على الحواجز.