خبير يشخِّص ثلاثية الضعف الصناعي تدنّي القدرة التنافسية.. الافتقار إلى البيئة المحفّزة.. القصور في مواجهة آثار تحرير التبادل التجاري

خبير يشخِّص ثلاثية الضعف الصناعي تدنّي القدرة التنافسية.. الافتقار إلى البيئة المحفّزة.. القصور في مواجهة آثار تحرير التبادل التجاري

أخبار سورية

الأربعاء، ٣١ مايو ٢٠١٧

طالما كان الحديث عن واقع الصناعة السورية يركّز بالدرجة الأولى على ما تتمتع به من مزايا ونقاط قوة عديدة في مقدّمتها الموقع الجغرافي والعراقة الصناعية، إضافة إلى توفر كل حلقات الإنتاج في العديد من الصناعات كالصناعات النسيجية والغذائية، إلى جانب وفرة ورخص اليد العاملة، وهي حقيقة مزايا جديرة بالاهتمام، وكفيلة بأن تكون عوامل جذب لأغلب المستثمرين. لكن في المقابل تعاني الصناعة في الوقت ذاته من مجموعة مهمة من نقاط الضعف الأساسية الناجمة عن ظروف نشأتها وتطوّرها خلال المرحلة السابقة للأزمة، ويمكن تصنيف هذه النقاط التي ربما تضاعفت خلال فترة الأزمة، ضمن محاور أساسية يمكن من خلال تشخيصها وتحليلها الوقوف على حيثيات الخلل الذي ينتاب واقع الصناعة السورية من جهة، واستنباط حلول المعالجة له من جهة ثانية.

حماية مطلقة
وأول هذه المحاور التي صنّفها الخبير الصناعي فؤاد اللحام يتمثل بضعف القدرة التنافسية، وذلك بسبب اعتمادها على الصناعات التقليدية الخفيفة التي تقوم إما على موارد زراعية وتعدينية محلية ذات قيمة مضافة متدنية ومكوّن تكنولوجي بسيط، أو صناعة تجميعية (إحلال الواردات). وتطبيق نظام حماية مطلق للإنتاج الوطني (عام وخاص) تجاه المنتجات الأجنبية من ناحية، وحصر مطلق لعدد من المنتجات الصناعية الوطنية بالقطاع العام، دون تحديد فترة زمنية لهذه الحماية أو ربطها بصناعات مستقبلية محدّدة، ووضع شروط محفزة أمام الشركات الوطنية لتحسين قدرتها التنافسية، إضافة إلى ضعف التشابك والتكامل ضمن مختلف أنشطة قطاع الصناعات التحويلية من ناحية، وبينه وبين القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى، إلى جانب غلبة الأسلوب الإداري التقليدي لدى القسم الأعظم من منشآت القطاع الخاص الذي تندرج نسبة 99% من منشآته تحت تصنيف الصناعات الحرفية والصناعات الصغيرة والمتوسطة. وضعف البحث والتطوير والابتكار في المجال الصناعي وعدم ربطه عملياً مع احتياجات الصناعة وأولوياتها، إضافة إلى محدودية الإنفاق عليه من ناحية وتوزعه بين عدة جهات.

عناء
ويتمثل المحور الثاني لنقاط ضعف الصناعة السورية بالافتقار إلى البيئة المحفّزة على الاستثمار الصناعي، ويتجلى ذلك بضعف التمويل الصناعي وارتفاع تكاليفه وصعوبة شروطه، ما يضطر الصناعيين إلى الاعتماد على مواردهم الذاتية في إقامة وتشغيل منشآتهم الصناعية، أو كما يحصل في كثير من الأحيان تشغيل أموال الأقارب والغير وبفوائد كبيرة. والافتقار إلى العديد من الهيئات الداعمة الضرورية لتعزيز القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية مثل المراكز الفنية المتخصصة والمخابر المعتمدة دولياً، والهيئات المختصة بالتسويق والترويج والتمويل، والمكاتب والشركات الاستشارية المؤهّلة، إضافة إلى ضعف إمكانات الهيئات الداعمة القائمة حالياً ومحدودية دورها في هذا المجال، وعدم الاهتمام الكافي بأشكال الملكية الأخرى، حيث تتركز الصناعة السورية بشكل أساسي في القطاعين العام والخاص مع وجود متواضع جداً للقطاع المشترك والقطاع التعاوني وهما القطاعان اللذان يملكان مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة، ويمكن أن يلعبا -في حال تشجيعهما- دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن توزع الشأن الصناعي من الترخيص حتى التنفيذ والتشغيل بين عدة وزارات وجهات عامة (اقتصاد، مالية، إدارة محلية، نقل، كهرباء، نفط…..) تفتقر في معظم الأحيان إلى التنسيق والفعالية في الأداء ما يزيد من فترة وعناء ممارسة العمل الصناعي، ويشجع على انتشار وتوسع المنشآت الصناعية الحرفية والصغيرة غير النظامية.

بأدنى الحدود
ويتجلى المحور الثالث بقصور السياسات الصناعية في مواجهة آثار تحرير التبادل التجاري وتأهيل الصناعة، ويبرز ذلك بشكل رئيسي بفتح السوق السورية نتيجة استكمال تنفيذ الاتفاقيات الجماعية والثنائية مع عدد من البلدان العربية وتركيا، دون أن يسبق ذلك أو يترافق معه على الأقل تنفيذ برامج ملموسة لرفع القدرة التنافسية للصناعة السورية وتمكينها من الاستفادة من الفرص التي تتيحها هذه الاتفاقيات ومواجهة المخاطر والسلبيات الناجمة عنها وجعلها في أدنى الحدود، إضافة إلى ضعف وتأخر الإجراءات المتخذة لمواجهة الآثار السلبية التي رافقت تطبيق هذه الاتفاقيات، وانعكاس نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وما رافقها من تراجع الصادرات وتوقف العديد من المعامل، وعدم  تنفيذ البرنامج الشامل للتحديث والتطوير الصناعي الذي أعدّ في عام 2007 بهدف تحديث وتطوير 1000 شركة صناعية خلال 3 سنوات، إضافة إلى عدم إحداث المؤسسات الداعمة التي كان من الضروري إحداثها في هذا المجال وتضمّنها هذا البرنامج (مجلس التنمية الصناعية، مركز التحديث الصناعي، مراكز فنية للصناعات النسيجية والغذائية والكيميائية والهندسية، صندوق التحديث الصناعي…)، إضافة إلى البطء في معالجة أوضاع القطاع العام الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى برنامج توافقي متكامل لإصلاحه ومعالجة مشكلاته، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها وأسلوب اختيار إداراته.

تمكين
وأشار اللحام إلى أن المهمة الأساسية اليوم فيما يتعلق بالصناعة الوطنية  تتمثل بتمكين أكبر عدد ممكن من المعامل من معاودة الإنتاج ولو جزئياً، من أجل تلبية حاجة السوق المحلية من السلع الضرورية منها، واستيعاب ما يمكن من العمال العاطلين عن العمل لإعادة عجلة الإنتاج إلى العمل وتحريك الأسواق الداخلية وعملية التصدير، وهذا يتطلب توفير الشروط والتسهيلات اللازمة لذلك في جميع المجالات وعلى كل المستويات وبشكل مؤقت ريثما تستقر الظروف.
حسن النابلسي