الجامعات الخاصة.. قواسم ربح مشتركة وواقع تعليمي مثير للجدل

الجامعات الخاصة.. قواسم ربح مشتركة وواقع تعليمي مثير للجدل

أخبار سورية

الأحد، ٢٨ مايو ٢٠١٧

بعد عدة جولات مكوكية بين أروقة بعض الجامعات الخاصة اضطررنا لتقمص شخصية طالب لحضور بعض المحاضرات، وشاركنا الطلبة احتساء الشاي في المقاصف والندوات، وبعض الحوارات الموجهة والمقصودة  لمعرفة واقع الحال، وما هو خافٍ تحت الثلج، لكنني لم أتوقع هذا الحد من  الفوضى، فقد أجمع الطلبة على قاسم مشترك بين الجامعات الخاصة، لا مقررات ثابتة ومعتمدة، وإنما ملخصات ” مزاجية” حسب رضى أستاذ المقرر، وبأسعار فلكية، ولا وجود لوسائل نقل، ولا قاعات مكيّفة، ولا برادات ماء، ولا مخابر، ولا قاعات تدريب، كما كانت الوعود، وإنما شللية وعلاقات شخصية لبعض الطلبة من أبناء الطبقة المخملية مع الأساتذة والمتنفذين في إدارات الجامعات وعمداء الكليات،  كما أضاف الطلبة: إنهم أعيوا من المطالبات، وكثرة الوعود، وشماعة الأزمة، وصغر البناء المستأجر، وعدم وجود بدائل، التي لم تعد تتحمل المزيد من الأعذار، مجمعين أن غالبية الجامعات الخاصة مثلها مثل كل المدارس الخاصة والشركات العائلية تبحث عن الربح، وهذا أمر طبيعي، ولكن من  غير الطبيعي أنها تريد الربح المطلق دون تقديم خدمات، كما أضافوا: إن الكليات الطبية والهندسات خالية من أساتذة الصف الأول وحتى الثاني بسبب سفرهم من جهة، وإدارات الجامعات تستجلب أساتذة من يقبلون بأجورها البخسة لتحقق ربحاً فاحشاً على حسابنا.

كلام واقعي

ومن مطالبات الطلبة المحقة التي لا تقبل المواربة رغم خشية البعض  من عصى  إدارات الجامعات الغليظة إلى  دبلوماسية الدكتور عابد فضلية “جامعة دمشق” الذي أكد على  بعض كلام الطلبة، وتحفظ على بعضه الآخر، قائلاً: “ليس لهذه الدرجة الوضع من السوء، ولكن ليس كما يشاء، ولنكن واقعيين ما أصاب الجامعات الحكومية أصاب الخاصة”،  فيما خرج الدكتور إبراهيم  زعرور”جامعة دمشق” عن دبلوماسية فضلية جازماً  أن الخدمات التي تُقدّم للطلبة، لا تتناسب والأقساط الفلكية التي تحصّل من الطلبة، ولكن بالمقابل يلتمس لها العذر أيضاً، فمن حق  الجامعات الخاصة البحث عن الربح، وتقليص الصرفيات، والعمل بمنطقها، فهي ليست “تكية ولا مشاعاً”، على حد تعبير زعرور، ولكن المطلوب  من الجهات المعنية الرقابية مراقبة تنفيذ القوانين المرعية بعيداً عن الكيديات والنكايات إذا أردنا أن يكون القطاع الخاص شريكاً في التنمية، ورفع مستوى التعليم العالي، “ولكن أيضاً  يجب ألّا نترك لها الحبل على الغارب بحجة أنها خاصة ومملوكة لزيد أو لعمر على حد تعبيره”.

خطاب خشبي

غير أن لمرهف حبيب، رئيس فرع  الاتحاد الوطني بجامعة الاتحاد الخاصة، رأياً آخر،  بل مناقض لآراء الطلبة والأساتذة، ولا يتناسب مع الواقع الذي لم يعد خافياً على القاصي والداني،  فقد أمطرنا بفلاشات ثورية وبوجبة خطابات وطنية، لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، وهذا تأكيد على أن الجهات التي يجب أن تكون رقابية وعوناً للطلبة وعينهم في إدارات الجامعات ماتزال تتمترس خلف الشعارات لا أكثر، نذكر بعضها مثالاً “طلبة سورية قاومو الفكر الرجعي المتطرف من خلال الفكر العلماني المتنور”  “ويتأهبون لدورهم القادم في إعادة الإعمار” و”طلبة سورية جنود أوفياء وهم إما شهداء في السماء أو أعزاء كرماء فوق الأرض” نسجل لحبيب هذا الشعور العالي بالانتماء ولكن كنا نتمنى أن يشير ولو إلى بعض الملاحظات السلبية، فليس من المنطق أن ندرس ونطعم ونسقي الطلبة خطابات وشعارات، بينما تجني إدارات الجامعات الدولارات على حساب الوطن والمواطن.

منطق الشراكة

فيما تناول الدكتور أكرم القش “جامعة دمشق” واقع الجامعات الخاصة ومستوى خدماتها من جانب اقتصادي ومادي، وهذا أقرب للحقيقة، معتبراً أن القطاع الخاص شريك في الوطن، ولكنه شريك جبان وليس نزيهاً، لأنه يبحث عن الربح الفاحش والغاية تبرر الوسيلة عنده،  وهذا مخالف لمنطق الشراكة، فمن حقه أن يشارك في بنائه ويحصد ثماره، ولكن أيضاً يجب أن يتحمل بعض الأعباء لأنه ليس من المنطق جني الثمار وليس مستعداًً لدفع ثمن صغير عبر تلبية الخدمات، فالجامعات الخاصة في بلدنا مثل أي قطاع خدمي خاص يريد التهام كل الأرباح وعلى الدولة تقديم الخدمات، وأقساطها أعلى من أعرق الجامعات في العالم، بينما لاتقدم خدمات تقارن بأسعارها فلا مخابر ولا وسائل تعليم ولا وجبات ولا سكن ولا رحلات علمية واطلاعية ولا وسائل نقل بين الجامعة وأحياء المدينة، وحتى إن إدارتها تفضل التعاقد مع أساتذة مغمورين وجدد من أجل توفير المال والحق ليس عليها بالمطلق لأن منطق الخاص هكذا، ولكن يجب على وزارة التعليم أن تجعل الجامعات الخاصة تعمل بأريحية لكن لاتدعها أن تمر دون حساب إن أخلت بشروط العمل مثل كل الجامعات الخاصة في دول الجوار وفي العالم.

كلام حق يراد به حق

ما لم يتجرأ على قوله بعض الطلبة والأساتذة وحتى وزارة التعليم  العالي قاله رئيس فرع جامعة قاسيون الاتحاد الوطني لطلبة سورية أحمد ملحم  بكل واقعية، فخلال جولتنا مع العديد من الطلاب الجامعيين في جامعة قاسيون كشف لنا الغطاء الذي كان قد وصفه رئيس أمناء الجامعة عليهم بهدف كسب مبالغ مالية طائلة، بنفس التعبير الذي مارسه خلال توليه منصبه السابق وهو (التقشف).

الكثير من الوعود الذهبية قدمت على طبق من فضة للطلاب خلال الاجتماعات، ولكن جميعها وضعت على الرف ليأكلها الغبار الداكن بالمقابل صدرت العديد من القرارات السلبية تجاه الطلبة، منها إلغاء الحسومات لجميع الطلاب، إلغاء ترتيب الأوائل، إلغاء الامتحان الاستدراكي، إلغاء النشاطات بالكامل وعدم دعمها.

وتابع: اشتكى العديد من الطلاب من المعاملة السيئة، وعدم وجود الخدمات الثانوية: (بوفيه– كافيتيريا.. إلخ)، وعدم تأمين سكن جامعي، ومواصلات، والتعارضات وتقديم امتحانين لمادتين في اليوم نفسه، وعدم وجود مكتبة، وصعوبة تأمين الكتب في كل فصل، والمقاعد القديمة، والقاعات الصغيرة، وعدم وجود التدفئة شتاء، والتكييف صيفاً، وعدم الالتزام بخطة دراسية، وعدم وجود بروشورات للطلاب، وانعدام النظافة بالقاعات، والباحة، والمرافق، وعدم وجود مرشدين أكاديميين بشكل فعلي، ما شجع العديد من الطلاب على ترك الجامعة والدراسة في سورية، والتوجه نحو السفر والهجرة، ومن المتعارف عليه دولياً أن التعليم الجامعي يحتاج إلى كادر تعليمي متمكن في الاختصاصات المختلفة، ويحتاج إلى طرح اختصاصات مطلوبة لسوق العمل تتناسب مع التقدم التكنولوجي الهائل، ويحتاج إلى إدارة نوعية لها نظرة ثاقبة في التخطيط السليم، والتعليم الجامعي، ولا يحتاج إلى حيتان لبناء جامعات خاصة لاستثمار الأموال فقط، والجامعات الخاصة بحاجة إلى إيجاد مكتبات تتناسب كتبها مع روح العصر التقني من أجل التوسع في البحث العلمي المبني على قاعدة سليمة.

ومن أكبر المشاكل في الجامعات الخاصة أنها تبحث عن الربح أكثر من أن تكون لها سمعة طيبة لكي تجذب لها أعداداً كبيرة من الطلبة.

“رب البيت بالطبل ضارب”

في وزارة التعليم العالي كانت المفاجأة المحبطة، فقد اقتضت المهنية أن نحاور الطرف الثاني بعد عدة جولات في أروقة الجامعات الخاصة، وكانت المشاهدات أبلغ من كل الأقوال، وحتى لا نتهم ببخس التعليم العالي حقها بالدفاع عن نفسها، أرسلنا الأسئلة التالية منذ بداية الشهر الجاري، وبعد التأكد أن الأسئلة وصلت بتنا ننتظر، ومرت الأيام وليس للنفع موضع، نتصل بالزملاء في المكتب الصحفي الذين ليس لهم حول ولا قوة، والعذر الجاهز أننا أوصلنا الأسئلة لمعاون الوزير المختص، ثم ننتظر أياماً أخرى، ونتصل، وتكون الإجابات ذاتها، وحتى لا نتهم بأننا نتصيد الهفوات والنواقص، ذهبت مرتين الى وزارة التعليم العالي لمعرفة أين أمست الإجابات، ولكن لا أحد، وليس مسموحاً رؤية المعني بالأجوبة، نعود بخفي حنين، وننتظر من جديد، ونلتمس لوزارة التعليم العالي الأعذار، فهي مشغولة بالمفاضلة العامة، وبالامتحانات، وبربط الجامعة بالمجتمع، وتطوير المناهج، و.. و.. ولكن لا جدوى، نتصل بمديرة مكتب معاون الوزير، والاستفسار عن الإجابات، ونعود ونتصل بالزملاء في المكتب الصحفي، ليست لنا علاقة، ولا يستطيعون إجبار معاون الوزير على الرد، عندها أيقنا لماذا الجامعات الخاصة تسرح وتمرح، وتعطي علامات لمن يدفع، وكذلك المعدلات والإيفادات إن وجدت، لأن وزارة التعليم العالي اكتفت بمراقبتها، والوزارة التي لا تستطيع الرد على أسئلة صحفية بعد شهر، غير أمينة على مستقبل الجيل، وأنصاف المجتهدين من الجامعات الخاصة، ويكفي تعليق أخطائنا لغايات في نفسها قضتها التعليم العالي، والشماعة الأزمة وارتداداتها!.

“ع الماشي”

نضع هذه الحقائق في ملعب الجهات المعنية لأننا حريصون على الجامعات الخاصة كونها شريكة في خدمة الجيل، والعملية التعليمية، ولكن بالمقابل يجب عدم المبالغة بالثقة في أدائها،  وعدم مراقبة عملها وعلاماتها، وتوافق الخدمات المقدمة مع صاروخية الأسعار.

عارف العلي