ترامب تلفحه شمس واشنطن وتحرقه شمس سورية

ترامب تلفحه شمس واشنطن وتحرقه شمس سورية

أخبار سورية

الأربعاء، ١٧ مايو ٢٠١٧

 أشهر قليلة  ُأعطيت لدونالد ترامب كمرشح و رئيس لإخراج الولايات المتحدة الأمريكية من عنق الزجاجة , ونزع قيودها والتخلص من إخفاقاتها وتفاهماتها وإتفاقاتها التي كبلت اّلية تحركها السياسي والعسكري عموما ً وفي ساحات الحرب على سورية خصوصا ً , والتي إختمتها إدارة أوباما بالجلوس على مقعد المتفرجين ومتابعة الجيش العربي السوري و محاصرته وإخراجه الإرهابيين مهزومين من كامل مدينة حلب , وإعلانه نصرا ً سوريا ً مدويا ً من هناك.
كان لا بد لها من إعادة إطلاق أيديها من جديد , وفق قواعد لعب جديدة , تجاه الخصوم والأعداء والحلفاء والأدوات على حد ٍ سواء .. أشهرٌ رُسم فيها للسيد ترامب حدودا ً ليكون – الظاهرة - , لكن سرعان ما سُحب البساط من تحت قدميه ليكون النسخة الأوبامية التقليدية.
خلافاتٌ وصدامات وسرعة إقالات و اتهامات و ثرثرات إعلامية .. هل حقا ً دونالد ترامب صديق روسيا وعميلها في واشنطن ؟ أم أنه كبش فداء ٍ لدولة ٍ أدمنت و إعتمدت استراتيجية صفع وجهها منذ أحداث أيلول 2001 لتحاصر خصومها وتبتز شركائها و تنقضّ على أعدائها لتحقيق مصالحها ؟ وهل يقود السيد ترامب إدارته والدولة العميقة بالتوافق والرضى , أم تراها تلعن زمانه وتكاد تتهمه بالخيانة العظمى؟.
فمن الواضح أن الخناق بدأ يضيق حوله ، وتصاعدت وتيرة وحدّة تصرفاته كديكتاتور أقرب منها كرئيس , وبدا متشنجا ً أمام كثرة الإتهامات التي ينفيها واحدة تلو الأخرى , وربما ليس اّخرها , إتهامه بإعطائه الوزير سيرغي لافروف  في لقائهما الأخير معلومات عسكرية سرية بشأن تنظيم "داعش" , ووسط قراراته بإقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين , و كبير مستشاريه ستيف بانون , و مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي , و القائمة بأعمال وزير العدل سالي ييتس و اّخرين.
فهل ينتظر دونالد ترامب مصيرا ً مشابها ً من التأييد الشعبي و التهميش و مساكنة كرسي الرئاسة على غرار الفرنسي فرانسوا هولاند الذي أُتهم بتسريب خطط عسكرية سرية , أم سيسير نحو الخروج من البيت الأبيض على خطى ريتشارد نيكسون بفضل فضيحة ووترجيت "Watergate scandal".
على ترامب أن يحسن تقدير الأمور , و أن يدرك بعمق طبيعة المهمة المنوطة به .. فهل تراه استنجد بالعجوز وثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر لينقذه أم ليختبئ وراءه ؟.
يعلم ترامب أن إخراج الولايات المتحدة الأمريكية من عنق الزجاجة  بات ضرورةً  حتميةً , فالعودة إلى داخلها يمنح أعدائه الروس و الإيرانيون وخصوصا ً السوريون فرصة التقدم الميداني العسكري الحاسم , فيما يبدو خروجه الأهوج العاصف من عنق الزجاجة خيارا ً سيئا ً و هروبا ً نحو الأمام , و بالفعل خاضه , لكنه انعكس عليه شتاءا ً بلا مطر , فقصفُ مطار الشعيرات بصواريخ احتاجت لإشارات الإستفهام حول عددها و "إنجازاتها" , و إلقاء أقوى قنبلة غير نووية على أفغانستان والتلويح بالتراجع عن الإتفاق النووي الإيراني , و تهديد كوريا الشمالية بالرد المباشر , أمور بدت بأحسن الأحوال باهتةً إذا لم تكن سلبية النتائج , وبقي إعتماده على الملف الإقتصادي و إنعاش اقتصاد بلاده من خلال عقود بيع الأسلحة  للسعودية والإمارات ، بالإضافة لبعض التفاهمات مع الصين لتصدير بعض البضائع الاميركية إليها ..
ويبقى السؤال .. هل نجح ترامب في تحسين صورته , واقتنعَ و أقنعَ أحدا ً " بإنتصاراته " ؟؟
تبدو الأمور أكثر تعقيداً خصوصا ً في الميدان السوري ، فالخلط بين محاربة "داعش" وتحقيق الأهداف الأمريكية على الأرض السورية لا تبدو من السهولة ليرتكن إليها السيد ترامب , فالدولة السورية أقوى مما اعتقد مهندسوا الحرب عليها , وما ينجزه الجيش العربي السوري و حلفائه لا يمنحه الفرصة ليحقق إنتصارا ً خارجيا ً سريعا ً ومضمونا ً.
ويبقى إعتماده في شرق و شمال سورية على دعم و تسليح "قوات سوريا الديموقراطية" بالسلاح الثقيل وحمايتها , بهدف التحضير لمعركة الرقة - معقل تنظيم "داعش"- , أمرا ً يثير غضب شريكه التركي في العدوان على سورية , وخيارا ً صعبا ً بما له  من عواقب قد تُزيح أردوغان نحو الحضن الروسي والإيراني أكثر فأكثر , ولن تجدي نفعا ً إجراءات الطمئنة أو الإقناع , فالشرخ كبير وهواجس الأتراك و مخاوفهم من إقامة دويلة كردية في الجنوب أكبر من أن تبددها تصريحات أو تطمينات , خاصة ً أن تركيا ترى "قوات سورية الديمقراطية" بمنظار حزب " العمال الكردستاني" , خصوصا ً بعد أن أنشأت هذه القوات ما سمي ب "مجلس الرقة الشعبي" على الرغم من إعتماده على غالبية عربية من العشائر المحلية , بما يتماشى مع تصريحات ترامب حول الجهة التي ستتسلم إدارة المدينة بعد تحريرها , لكن الرد التركي جاء أيضا ً قبل لقاء ترامب – أردوغان في 1752017 , عبر إعلان إقامة قاعدة عسكرية تركية في مدينة الباب و تحديدا ً في منطقة جبل الشيخ عقيل.
فيما تسعى إدارة العدوان الأمريكي والبريطاني على زيادة عديد قواتها وعدتها و تحويل مناطق تواجدها إلى قواعد عسكرية , الأمر الذي يقلق السوريين لكنه لا يخيفهم , و لا يثنيهم عن هدفهم الأوحد في تحرير كامل الأرض السورية و تطهيرها من رجس دول العدوان و الإرهاب و أذرعها المتطرفة الإرهابية , وعلى طريق تحقيق وعد الرئيس الأسد ب "تحرير كل شبر" , فالسباق نحو تحقيق الأهداف الأمريكية و السورية لا بد أن يدفع لمواجهة ٍ مباشرة لطالما حاول الأمريكان تجنبها كما حدث في مدينة منبج , وعليهم أن يفكروا بالعواقب الوخيمة.
لا أفق لإستمرار الحرب على الدولة السورية , فقد عبرت منطقة الخطر , و غدت رقما ً صعبا ً يفوق ما كانت عليه في السابق , ولا بد للولايات المتحدة الأمريكية التخلي عن استراتيجية التدخّل في المنطقة والتحكم بمصير قادتها و شعوبها، من سوريا إلى لبنان ومصر و العراق والبحرين واليمن , فلا مكان لأي موطئ قدم للسعودية و قطر وتركيا و إسرائيل و غيرها في حكومات هذه الدول , فالشعوب دافعت عن أوطانها , و دفعت أغلى الأثمان , ولا بديل عن الإنتصار.
فلن تستكين الدول والحكومات والشعوب المقاومة , لهلوسات ترامب و أحلام أبقاره الحلوب , ويبقى الحديث عن "مناطق خفض التوتر" , فرصة ً للسلام , أو مناسبة ً للحسم السوري الكبير , فالصيف الساخن ينتظر الشمس السورية التي ستحرق ترامب بأكثر ما لفحته شمس دولته العميقة.
هو دائما ً الصراع و السباق المحتدم على الأرض السورية , إذ لم يتوقف تكالب الأعداء عليها , و لم تتوقف المخططات العدوانية في الداخل وعبر الحدود ومن خلفها في عمق دول الجوار, على الرغم من تشدق قادتهم بالحل السياسي كحل وحيد ٍ "للأزمة" , الأمر الذي يعكس إفلاسهم وعجزهم السياسي و العسكري في مواجهة القيادة والجيش العربي السوري وحلفائه و قواته الرديفة وصمود الشعب السوري العظيم , و يبقى إصرار أعداء سورية على متابعة العدوان جزءا ً من هزيمتهم الحتمية .
المهندس : ميشيل كلاغاصي