معالم النصر بين الميدان والمصالحات..

معالم النصر بين الميدان والمصالحات..

أخبار سورية

السبت، ١٣ مايو ٢٠١٧

عمر معربوني* - بيروت برس -

رغم حقائق الميدان الثابتة والتي تتجه بميزان القوى يومًا بعد يوم لمصلحة الدولة السورية والجيش السوري، هناك من لا يزال يتكلم عن حتمية سقوط "النظام" وإجبار الرئيس الأسد على التنحّي، وهو كلام اردت الإشارة اليه في مقدمة المقالة حتى تتم مقاربته مع المعلومات والوقائع التي سترد في سياق النص لدحض وتكذيب كل ما يتم الترويج له عن حتمية سقوط "النظام" وتنحي الرئيس بشار الأسد.
وإن كنّا لسنا في وارد السجال او المناكفة او التحدي مع أحد، إلّا ان ما ورد في المقدمة يعتبر جزءًا لا يتجزأ من مسار لا يزال مستمرًا في التلفيق والمكابرة والنكران لوقائع وثوابت تفرض نفسها كل يوم وفي كل محاور وقطاعات المواجهة وتحديدًا في سوريا.
 
في الميدان، يبدو واضحًا أنّ عمليات الجيش السوري تتركز الآن في محيط مدينة تدمر وبشكل خاص شمال وشمال غرب المدينة، حيث تستمر العمليات في منطقة المشيرفة بعد سيطرة الجيش على مقلع المشيرفة وفي محيط جبال الشومرية الهامة في موقعها والتي كانت تستخدم كمنصات وقواعد لتنظيم "داعش" في القصف وشن الهجمات على المحيط، في حين ان تصاعد العمليات في المشيرفة سيؤثر ايجابًا لمصلحة الجيش السوري لجهة استكمال العمليات باتجاه جبل بلعاس والتوجه شمال غرب اكثر باتجاه عقيربات التي تعتبر احد قواعد الارتكاز الاساسية والهامة لتنظيم "داعش"، كما ستساعد هذه العمليات في بسط سيطرة الجيش شمال جبل شاعر وجبل ابو الضهور لوصل هذه النقاط مع منطقة السعن شرق السلمية، وهي جزء من الممرّ باتجاه حلب من سلمية والتي تعتبر فيه منطقة السعن النقطة الأقل اتساعًا في الممر ما يحقق مساحة أمان اكبر وينهي سيطرة "داعش" في منطقة واسعة.

من المؤكد أنّ هذه العمليات بعد استكمالها بالشكل الذي استعرضناه ستستمر باتجاه الشرق وتترابط مع عمليات مؤكدة انطلاقًا من خناصر واثريا باتجاه السخنة شرق تدمر، وبالتزامن ايضًا مع عمليات من ريف حلب الجنوبي الشرقي بالوصول الى مسكنة وحوض مسكنة، ليتشكل خط جبهة سيكون بمثابة خلفية محمية لأي قوات ستتقدم باتجاه دير الزور، وهو ما تشير اليه العمليات الحالية حيث يتم العمل على تحرير مناطق عمق خط الجبهة المنوي الوصول اليه قريبًا لضمان عمق حماية كبير للقوات.

بالتوازي مع عمليات محيط تدمر وجنوب شرق حلب انطلقت عمليات لا تقل اهمية عن العمليات المشار اليها باتجاه اعادة ربط طريق دمشق – بغداد، حيث كنا امام عمليات خاطفة وسريعة قطعت خلالها وحدات الجيش السوري حوالي 65 كلم في عمق خط البادية ووصلت الى مثلث الظاظا لتتخطاه بقليل وتفرض سيطرتها على مجموعة من التلال الحاكمة، علمًا بأنّ هدف هذه العمليات الرئيسي هو تأمين وصول القوات الى خط الحدود في المرحلة الأولى اضافة الى منع اية عملية تواصل بين الجماعات الإرهابية المتواجدة في الجنوب مع تلك التي يمكن للقوات الأميركية تحريكها في الشمال الشرقي، والكلام هنا عن قوات عشائرية تعمل اميركا على تشكيلها ودعمها.
هذه العمليات في البادية في حال وصولها الى خط الحدود ستعمل برأيي على السير من الجنوب الى الشمال على خط مدن وبلدات الفرات للإلتقاء مع قوات أخرى ستنطلق باتجاه دير الزور.

لا أحد يستطيع اعطاء مواقيت محددة عن سير العمليات وتفاصيل وجهتها حتى اللحظة، إلّا أنّ هذا السيناريو هو الأقرب الى المنطق اذا ما نظرنا الى طبيعة الجغرافيا وتضاريسها.
هذه العمليات الحالية والقادمة هي بامتياز إحدى اهم المعارك التي ستؤسس لبدء العد العكسي لإنتهاء الحرب على سوريا، ولسنا نبالغ في ذلك رغم ان قناعتي تتجه نحو امكانية عرقلة الأميركيين لهذه التوجهات ولكن في نفس الوقت امكانية التغلب على هذه العراقيل اذا ما تمت العمليات ضمن مستوى مقبول من التنسيق واذا ما استطاع الجيش السوري تطهير عمق خط الجبهة المزدوج الذي ستسير عليه القوات المتقدمة باتجاه الشرق.

في الجانب الآخر، تتسارع عمليات التسوية وآخرها ما تم الإعلان عنه اليوم في القابون وما سيحصل في محافظة درعا من تسوية اوضاع آلاف المسلحين الذين يرغبون بالتخلي عن السلاح والعودة الى الحياة الطبيعية.
بالرغم من أنّ التسويات لا تشكل حلولًا جذرية ونهائية، إلّا انها خطوة هامة واولية ستضع الأمور باتجاه مختلف ومغاير للوضع الحالي، ما يجعلنا نذهب باتجاه الإشارة الى اهمية مسار الميدان ومعالمه ومسار المصالحات ومعالمها في تحقيق الخروج من حالة الحرب على مساحات شاسعة من الديموغرافيا السورية ويؤثر تأثيرًا كبيرًا في تحول المزاج العام لدى القواعد الشعبية التي ناصرت الجماعات الإرهابية للكثير من الأسباب، ما سيشكل نماذج متراكمة ترمي بظلها على اغلب مناطق الصراع الحالية.

لهذا، فإنّ استمرار تزامن العمليات الميدانية وعمليات التسوية والمصالحة سيؤدي الى نصر مؤكد للدولة السورية وتاليًا للشعب السوري بمجمله الذي يشكل عصب الدولة، على امل البدء بمرحلة اعادة البناء ضمن رؤيا جامعة وضامنة تحت سقف الدولة للجميع.

(*) ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.