قدرات الجيش السوري بعد ست سنوات من الحرب..

قدرات الجيش السوري بعد ست سنوات من الحرب..

أخبار سورية

الخميس، ١١ مايو ٢٠١٧

عمر معربوني* - بيروت برس -

ها هي الحرب على سوريا تدخل سنتها السابعة ولا يزال الجيش السوري يقاتل على اغلب الجغرافيا السورية بمواجهة الجماعات الإرهابية على أكثر من 400 محور وقطاع، حيث يتم عادةً استخدام مصطلح جبهة القتال عندما تصطدم الجيوش ببعضها على جبهة مفتوحة ومعلومة الخط والأنساق، وهو ما لم يحصل في سوريا ما يستدعي قبل الدخول في شرح عنوان المقالة وتفصيله القيام بتعريف لطبيعة الحرب وماهيتها في بعدها المصطلحي وبعدها العسكري، وهو الأمر الذي لا يمكن تجاوزه أبدًا.

في المصطلح، لا ينكر احد الإنقسام الكبير حول تعريف الحرب بين المدافعين عن سوريا وقوى الهجمة عليها، ففي حين ذهب خبراء المحور المعادي باتجاه تثبيت مفهوم ومصطلح الحرب في سوريا، ذهب خبراء محور المقاومة نحو تثبيت مفهوم الحرب على سوريا وبين الـ"في" والـ"على" هناك فارق كبير لا يمكن القفز عنه وتقتضي الإشارة اليه.
-    الحرب في سوريا، وهو العنوان الذي عمّمته غرف الإعلام المعادي لسوريا لتأكيد خاصية الحرب الأهلية وأنتجت من أجل تثبيته مئات الشعارات ذات البعد الطائفي والمذهبي في كل مراحل الحرب منذ بدء ما سمي بـ"الحراك الشعبي" وصولًا حتى اللحظة الحالية لتغطية طابع الحرب الحقيقي واهدافها. ففي متابعة مسار النهوض والتنمية والتقدم الذي كانت تشهده سوريا، لم يكن هناك مبررات جدية تذهب بالأمور باتجاه الثورة او الإنقلاب رغم تمسك الجماعات الإرهابية حتى اللحظة بلفظ الثورة كمسمّى ومبرر لاستمرارها، بالإضافة طبعًا الى موضوع السجناء السياسيين وهم باغلبهم في الحقيقة ممّن شاركوا فيما بعد إطلاقهم بمبادرة حسن نيّة بعد بدء الحرب بشكلها "المدني" بتأسيس وتنظيم جماعات مسلّحة، وهو ما يؤكد ضرورة سجنهم لكونهم سجنوا بناء على اعمال وممارسات ترتبط بمس الأمن القومي لسوريا من خلال نشر الأفكار الإرهابية ومحاولتهم تنظيم جماعات سريّة.
-    الحرب على سوريا، وهو العنوان الذي ينطلق منه خبراء محور المقاومة والذي بات مكشوفًا للجميع مدى دقته حيث باتت الأهداف الأميركية معلنة لجهة الرغبة في تقسيم سوريا والمنطقة، ولم يعد هناك شيء مخفي يؤكد استخدام المبررات الإصلاحية والشعارات المرتبطة بها للوصول الى مرحلة تحقيق الأهداف الأميركية وكذلك ادوار الجماعات الإرهابية كأدوات لتنفيذ مضامين المخطط الأميركي.

وحتى لا أطيل كثيرًا في شرح تعريف الحرب في بعدها المصطلحي، أنتقل الى البعد العسكري وهو المرتبط اكثر بعنوان المقالة.
ما نشهده في سوريا هو بكل تأكيد حرب من نوع مختلف عن كل الحروب التي شهدناها خلال المائة عام الفائتة، فقبل هذه المرحلة ومنذ الحرب العالمية الأولى كنا امام نوعين من الحروب وهما الحروب التقليدية الكلاسيكية التي تحصل بين جيوش نظامية على جبهات قتال جبهية تعتمد التقدم عبر أنساق متتالية في الهجوم وعلى خطوط صد متتالية في الدفاع، اضافة الى عمليات الإنزال خلف الخطوط وهي بحد ذاتها عمليات مرتبطة بعمق الجبهات ومدى تماسكها وطبيعة الثغرات فيها ولم تخرج في اي حال لتشكل نمطًا خاصًا مستقلًا او منعزلًا عن سياق العمليات الشاملة.
النوع الثاني من الحروب وهو ما يُصطلح على تسميته بـ"حرب العصابات" والتي تحمل اسماء أخرى تختلف بين مكان وآخر حيث حملت اسماء "الحرب الأنصارية" و"حرب الغوار" و"حرب الفدائيين"، لكنها بكل مسمياتها اتّسمت بأنماط متقاربة لجهة التخفي والسرية وطبيعة العمليات بهدف رئيسي هو استنزاف العدو من خلال توجيه ضربات خاطفة لقواته ومنشآته وغير ذلك.

في سوريا كان الوضع مختلفًا حيث الحرب اللانمطية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمنذ بداية الحرب على سوريا كنا امام تنوع كبير في العمليات التي استهدفت الجيش السوري ومواقعه وثكناته وأرتاله سواء من خلال الهجمات المباشرة او التفجيرات او الكمائن، وهو ما سميناه مرحلة تلقي الصدمة حيث لم يكن متيسرًا تحديد حجم وقدرات ومواقع تموضع العدو ولا حتى توجهاته وكان لا بد من المرور بمرحلة تلقي الصدمات لتقدير الموقف المعقد واتخاذ القرارات الأكثر ملاءمة في الرد على نوع الإستهدافات والتي تضمنت إجراءات عسكرية واستخباراتية وسياسية ايضًا.

بعد انتقال الجيش الى مرحلة الدفاع السلبي والتي تمثلت في الحفاظ على المواقع وطرقات الإمداد، بدأنا نشهد انماطًا أخرى لا ترتبط بقواعد معلومة، حيث كان لكل جماعة إرهابية ناشئة نمط خاص بها اعتمدت جميعها كعنوان مشترك رغم اختلافها في السلوك على التوحش كقاعدة اساسية لزرع الرعب ونشره في صفوف الوحدات العسكرية التي دخل بعضها في حالة الحصار وانقطاع خطوط الإمداد، وكانت هذه المرحلة الأكثر كلفة كما مرحلة تلقي الصدمة في الرواح والمعدات وفقد فيها الجيش الكثير من مواقعه وأسلحته ما شكّل تحديًا جديًا فرض على القيادة القيام بمراجعة إلزامية لما حصل والدخول في مرحلة فهم طبيعة الحرب وتنوع انماطها للبدء في وضع خطط الإنتقال الى مرحلة الدفاع الإيجابي، من خلال استعادة طرق الإمداد وربطها ببعضها لتحسين شروط المُدافعة وتثبيت المواقع في بعدها الجديد المتداخل والمعقد.

بعد تحرير الجيش السوري لحي باب عمرو في حمص بنهاية شهر اذار 2013 كنا امام عملية تحرير أخرى في القصير بعد ثلاثة اشهر، لتبدأ مرحلة الهجوم المضاد والهادفة الى انهاء مفاعيل الخطة الأخطر على سوريا وهي ربط القلمون بحرمون (سفوح جبل الشيخ) على كامل خط الحدود اللبنانية – السورية، وهي الخطة التي دُفنت نهائيًا مع تنظيف كامل خط الحدود بين لبنان وسوريا باستثناء جيب جرود قارة – عرسال المحاصر وجيب بيت جن عند سفوح جبل الشيخ.
مرحلة الهجوم المضاد التي تستمر الآن ببعد جديد مرتبط بالبادية وخط الحدود مع العراق سبقتها مرحلة تحرير حلب واجزاء كبيرة من الغوطة الشرقية وعملية تنظيف كاملة للغوطة الغربية ووادي بردى والهامة وقدسيا والتل واخيرا الزبداني ومضايا وقريبا حي الوعر في حمص وبرزة والقابون ومخيم اليرموك.

خلال مرحلة الهجوم المضاد شهدنا اخفاقات عديدة للجيش السوري ولكنها لم تؤثر في البعد العملاني الشامل لمرحلة الهجوم المضاد، وهي إخفاقات تم احتواؤها بأغلبها واستعيدت فيها المبادرة بشكل سريع لنصبح الآن امام مرحلة تثبيت نهائية وكاملة لمنطقة الثقل الإستراتيجي للدولة، والتي تضم المدن الكبرى وطرقات الربط بينها وغالبية المنشآت الحيوية والبنية الأساسية مع الوصول الى وضع الجماعات الإرهابية في أربع مناطق اثنتان منها محاصرة بالكامل (الغوطة الشرقية ومنطقة الرستن وتلبيسة)، ومنطقتان تم تثبيت ما يكفي من القوات عند خطوط التماس فيها لشل اي قدرات هجومية للجماعات المتموضعة فيها (الجنوب السوري وادلب)، وهذا يعني سواء تم تنفيذ اتفاق "مناطق خفض التصعيد" او لم يتم تنفيذه، ان الجيش السوري بات قادرًا اكثر من اي وقت سابق على تنظيم قوات احتياطية وقوات زجّ، وهو ما ساعد الآن في بدء معركة البادية وتفعيل المعركة ضد تنظيم "داعش" في شرق تدمر وجنوبها وشمالها وكذلك على خط الربط بين دشق وبغداد، وهي معركة ربط وفصل في الوقت نفسه حيث ان وصول القوات المتقدمة الى الحدود العراقية سيؤمن الربط ويؤدي الى منع الجماعات الإرهابية جنوب وشمال نقطة الربط من التواصل.
والذين يعرفون الحد الأدنى من قوانين العلوم العسكرية يعلمون ان ما ينوي الجيش السوري تنفيذه باتجاه دير الزور والحدود العراقية يؤشر باتجاه استعادة الجيش قدرة تنفيذ العمليات الشاملة بكل ما تتضمنه من مناورة بالوسائط وبالنار.

اذن نحن امام مرحلة جديدة تؤكد من خلال شكل الميدان وطبيعة العمليات ان كل ما يقال عن انهاك الجيش، والذي هو امر طبيعي بعد ست سنوات من الحرب، يتعارض مع طبيعة وشكل واتجاه العمليات ليذهب باتجاه تأكيد ان هناك الكثير من الدروس والعبر التي تمت الإستفادة منها في فهم طبيعة الحرب وانماطها دون ان ننكر الدورين الروسي والإيراني في العمليات، وخصوصًا في المرحلة الأخيرة مع التأكيد على الدور الهام والكبير للمقاومة اللبنانية في تحرير وتنظيف خط الحدود بين لبنان وسوريا وكذلك معارك الغوطتين الشرقية والغربية ومعارك حلب، وهذا كله برأيي امر طبيعي لطبيعة ومتانة العلاقة بين سوريا وحلفائها انعكس وسينعكس ايجابًا في الميدان خلال المرحلة القادمة.