كيف أثّرت الحرب على الحياة الجنسية للسوريين؟

كيف أثّرت الحرب على الحياة الجنسية للسوريين؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢ مايو ٢٠١٧

 لم يعد من النادر أن تستيقظ على أصوات أزواج يتبادلون الصراخ والاتهامات والشتائم، عدد لا بأس به من هذه المشاجرات الليلية سببها -كما يؤكّد مختصّون- عدم رضا أحد الطرفين عن حياته الجنسية مع الشريك.


وإذا كان ما يطفو على السطح هو قمة جبل الجليد، وبالتالي هو أقل بكثير من ذلك المكتوم ، فلنا أن نتخيل حجم المشكلة التي كثيراً ما يعمد الطرفان "الزوجان" على إخفائها عن عين المجتمع الفضولية، إلا ما يتسرّب منها عبر جدران المنازل في لحظات غضب وامتعاض، أو تلك التي تعالجها عيادات الطب النفسي والعضوي على السواء ، وفي المحاكم عبر حالات الطلاق الناتجة عن "عيوب جنسية"، كلها تعبر عن ازدياد الأمراض والمشكلات الجنسية خلال الحرب، مشكلات تعبّر عنها الزوجة بقولها "إنه مقصّر وعاجز عن أداء وظيفته بشكل طبيعي"، فيما يعبّر عنها الرجل بالقول إنها باردة لدرجة تجعل من العملية الجنسية وكأنها من طرف واحد فقط !


"آسيا" استقصت عن الموضوع عبر زيارات لعدد من عيادات الأطباء الأخصائيين في الأمراض النفسية والجنسية والتناسلية للبحث في المشكلة وامتدادها، فهل يمكن القول بأن الحياة الجنسية للسوريين هي ضحية أخرى للحرب ؟


العوامل النفسية أولاً !


مع امتداد الحرب السورية بكل مافيها من تعقيد للعام السابع على التوالي ، أخذت الآثار النفسية تطفو على سطح حياة السوريين، بعد أن كانت أقلّ ظهوراً للعلن، ولعبت جوانب الأزمة وتشعّبها في تعظيم الأثر الناجم عن هذه الحرب، وتحديداً على الحياة الجنسية للافراد.


استشاري الطب النفسي في منظمة الصحة العالمية، د. تيسير حسون، يفسر لآسيا انعكاس الحروب والأزمات على الحياة الجنسية للناس، فيقول "في الأزمات والحروب، وخاصة المعقدة والممتدة كالأزمة السورية، لا يبقى من لا يتأثر بالضغوط النفسية، ولا يبقى أي جهاز أو عضو من الجسد بعيداً عن التأثر" ويضيف "إنه ورغم قدرة الإنسان على البقاء والتكيف، فإن التجارب الصادمة والضغوط النفسية الشديدة يمكن أن تبدل التوازن النفسي والاجتماعي والبيولوجي للناس المتعرضين للصدمات النفسية، إلى درجة أن ذكرى حدث معين تنبثق لتصبغ كافة الخبرات الأخرى في الحياة، مفسدة وعي اللحظة الحاضرة، وهذا جوهر الوظيفة الجنسية الطبيعية، الذي يتطلب من ضمن أمور أخرى، قدرة على العيش في اللحظة الحاضرة".


ويشرح د. حسون الأمر علمياً، فيقول: إن الضغط النفسي المزمن الذي يرافق الحروب والأزمات يمكن أن يقود إلى انخفاض في الدوافع الجنسية، بل وحتى في القدرة على الإخصاب، وتُعزى معظم تأثيرات الضغط النفسي إلى زيادة هرمون الشدة وهو "الكورتيزول" الذي يؤدي إلى كبح الهرمونات الجنسية "الاستراديول" و"التستسترون" .


مقاربات وملاحظات سريرية


من جهته الطبيب الاخصائي في الطب النفسي، د.جميل ركاب، يقول لآسيا "ليست هناك دراسات على الحالة السورية حتى نحدد كيف أثرت الحرب على الحياة الجنسية للسوريين، ولكن من الملاحظات السريرية فإننا نجد أن هذه الاضطرابات في ازدياد بالمجمل، إن كانت كاضطرابات مستقلة أو كمشاكل مرافقة لاضطرابات نفسية أخرى".


ويضيف ركاب "إن الحرب السورية ترافقت مع مضاعفة الاضطرابات النفسية من 10 -12 % قبل الحرب إلى 20 - 25 % في الظروف الراهنة ، ومع أن ذلك لا ينعكس بشكل خطّي في نسبة المرضى الذين يتلقون الخدمات النفسية، إلا أنه يتوقع أن تزداد نسبة مراجعة هذه الحالات أكثر مع انتهاء الحرب أو انحسارها، والذي يفسح المجال أمام الأفراد للتعامل مع الأمور غير الحياتية والمؤجلة، كالشكاوى الجنسية".


واعتماداً على متابعاته، يشير د. تيسير حسون، إلى خلاصة مفادها "من خلال المشاهدات السريرية والانطباعات المتشكلة لديّ أثناء الأزمة، وجدت أن الكثير من الرجال الذين يعانون من صدمات، يشتكون من خلل في الوظيفة الجنسية، ومشكلات في الحميمية" مضيفاً "إذا كان 6% من الرجال و13% من النساء يعانون في الأحوال العادية، من اضطرابات الصدمة في فترة ما من حياتهم، فإن هذه النسبة تزداد بشكل كبير أثناء الحروب والأزمات".


دراسات عالمية حديثة كشفت أن اضطراب الصدمة زاد من إمكانية حدوث خلل في الوظيفة الانتصابية بنسبة 30 ضعفاً، وأن الاكتئاب الذي يزيد في الأزمات، والذي قد ينجم عن الصدمات، يؤدي إلى نقص الرغبة الجنسية، ويعلق "حسون" : إن معظم أعراض الصدمة النفسية لا تتوافق مع مشاعر المتعة والحميمية والثقة والأمان، ما يجعل الحياة الجنسية في حالة من التصحر.


بيئة خصبة !


د.جميل ركاب يشرح كيف يؤثر الواقع الذي يعيشه السوريون على استفحال المشكلة فيقول "يمكن لهذا الاضطراب أن يترافق مع الضغط النفسي المرافق لظروف الحرب، أو صعوبات الحياة المرافقة للعيش في سكن غير مناسب ولا يوفر الخصوصية، كالاكتظاظ في السكن، أو التواجد في مراكز الإيواء مع كل المشاكل التالية، وكذلك يرافق البرود الجنسي الكثير من الاضطرابات النفسية التي تزداد وبشدة في الحروب والأزمات، كالقلق والاكتئاب والاضطرابات المتعلقة بالشدة ، وتزداد بعض الاضطرابات السلوكية المرتبطة بالحياة الجنسية، كالسادية والمازوشية، وخصوصاً مع انتشار العنف وقبوله كجزء من حياة المجتمع، ولكن بالطبع لا نستطيع أن نحدد ما إذا كان هذا الازدياد حقيقياً، أو أن العنف سهّل ظهور هذا النوع من الأمراض، وبالطبع يزداد الشذوذ الجنسي خصوصاً في التجمعات أحادية الجنس، والتي تصبح أكثر انغلاقاً وعزلة في الحروب ".


ويضيف د. ركاب "ومع طغيان الاحتياجات الأساسية (البقائية) كالطعام والدواء والمأوى، ربما لا تلقى المشاكل الجنسية الاهتمام الكافي من الأشخاص خلال الأزمة" ويشير إلى أنه "و بالمتابعة السريرية نجد أن البرود الجنسي لدى الجنسين (إن كان تالياً لنقص الرغبة، أو نقص الأداء التالي لضعف الانتصاب عند الذكور، أو نقص تجاوب الأعضاء التناسلية الأنثوية...) هو الاضطراب الأكثر شيوعاً والأكثر طلباً للمعالجة".


الطبيب أيمن حسن (اختصاصي في الجراحة البولية والتناسلية) يكشف لآسيا أن عدد مرضى الضعف الجنسي الذين يراجعون عيادته ازداد بنسبة أربعة أضعاف مقارنة بعدد المرضى قبل الأزمة، ويؤكد "حسن" على أن معظم الحالات المرضية ناجمة عن مشاكل نفسية مرتبطة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني في البلد.


مقويات جنسية..


في ظل هذا الواقع ،وإضافة إلى كل ما سبق يبدو أن ثمة مؤشراً آخر يمكن الاتّكاء عليه لمعرفة مدى استفحال "الأزمة الجنسية" لكثير من السوريين، وهو الاتجاه نحو المقويات الجنسية ، فالصيدليات السورية تشهد طلباً متزايداً على المقويات الجنسية، بما فيها تلك الأجنبية أو الوطنية المنشأ .


يقول الصيدلي غسان عبد الله "إن الأغلبية الساحقة من المرضى الذين يقصدون صيدليته حول مسألة الأمراض الجنسية يطلبون أدوية المقويات الجنسية، مثل منتج "سيلين دافيل " وهو صناعة وطنية، ومنه " سيلدا، كوبرا، اكسترا، فيغا" إضافة الى منتج "فاردينافيل" ومنه أدوية " فاست، فيكس، فاردينترا".


ويؤكد "عبد الله" أن أهم ما يلاحظه في الفترة الأخيرة هو زيادة الطلب على المقويات الجنسية من قبل الشباب والأعمار الصغيرة، بين ال٢٠ سنة و٣٠ سنة، بعد أن كان استعمالها يقتصر على الأعمار ما فوق ال ٤٠ عاماً.


الصيدلي "عامر حمزة" يقول أن ما كان يبيعه من المقويات الجنسية قبل الأزمة تضاعف عدة مرات خلالها ، مؤكداً على كلام زميله بأن شرائح جديدة من الشباب باتت ضمن زبائنه ، بما يشير إلى مشكلة حقيقية في الحياة الجنسية للناس. ويكشف "حمزة" أن من يطلبون المقويات الجنسية دون وصفة هم أضعاف من يطلبونها بوصفة طبيب، ما يعني أن نسبة المتضررين الأكبر هي تلك التي لا تراجع العيادات النفسية أو الاختصاصية بالأمراض الجنسية لأسباب مادية، أو نفسية.


أمراض قديمة .. متجددة!


لا تقتصر الأمراض الجنسية التي ضاعفتها الأزمة على تلك التي جاءت كنتيجة مباشرة للحرب ومنعكساتها النفسية ، بل تعدّتها إلى أمراض أخرى هي أصلاً أمراض عضوية.


يقول الأخصائي بالأمراض التناسلية "جوزيف إسبر" أنه لاحظ ازدياد الأمراض المنتقلة عبر الجنس، مثل مرض السيلان ، وعزا السبب إلى الفوضى الجنسية والعلاقات المتعددة، إضافة إلى ازدياد حالات الشذوذ الجنسي، ولاسيما بين المراهقين والطلاب، وكثيراً ما يكون ذلك في المناطق التي تضم عدداً كبيراً من النازحين ومخيمات الإيواء .


كما يظهر "التحول الجنسي" كواحد من الإفرازات التي بدأت تطفو على سطح الأزمة، و التي يبدو أنها في ازدياد.


ويعلّق د. ركاب على ذلك بقوله "لا نستطيع أن نحدد ما إذا كانت الحرب هي السبب، أم أن التطور المجتمعي والديني قد بدأ يتقبل إلى حدّ ما هذه التغيرات في المجتمع، مع الإشارة إلى أن ظروف الحرب والمخاطر المترتّبة على الذكور عوامل شجّعت الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهوية الجنسية على التحول إلى إناث.


طلاق سببه "جنسي"


لا إحصائيات دقيقة عن حالات الطلاق التي تسببت بها المشاكل الجنسية في العامين الأخيرين، لكن دراسة صدرت عن قصر العدل تؤكد ارتفاع حالات الطلاق ، وتعزوها إلى الفروق التعليمية والثّقافية بين الزوجين، أو إلى مرض خطير، أو بسبب عيب جنسي. فقد أشارت آخر إحصائيات تعود للعام (2014) إلى أن عدد حالات الطّلاق بسبب العيوب الجنسية بلغت 100 حالة في محافظة القنيطرة، أما في إدلب فوصلت إلى 2540 حالة، وقد تراوحت أعمار اللواتي طلبن الطلاق لهذا السبب بين20 إلى 30 سنة، في حين بلغ عدد حالات الطّلاق بسبب العقم ثلاثة آلاف حالة طلاق حصلت في دمشق وريفها، وألفي حالة في حلب، وألف حالة في حمص، أما في السويداء فقد سجلت 300 حالة طلاق، وفي درعا 250، في حين سجلت إدلب 300 حالة.


لا حلول نهائية ..


حول أساليب علاج الاضطرابات الجنسية يقول الاخصائي بالأمراض التناسلية والبولية، أيمن حسن " في معظم الحالات يكون العلاج دوائياً عن طريق المقويات الجنسية، إضافة إلى نصائح تؤخذ بعين الاعتبار خلال العملية الجنسية، مثل عدم التفكير بالمشكلة (الضعف) وعدم الانشغال بأي شيء قد يصرف الانتباه والتركيز.


أما وجهة نظر الطب النفسي فيختصرها د. جميل ركاب، بأن الحل له جوانب متعددة، مرتبطة بالحرب والمجتمع والبنى التي توفر الخدمات، ويعتبر أن بناء منظومة صحية وخدمية أفضل، بالإضافة للبنى النفسية والاجتماعية الداعمة والعلاجية، هي جميعها عوامل هامة في التخفيف من هذه الاضطرابات، وكذلك تخفيف أثرها على حياة الأفراد والمجتمعات، ويلفت إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص للمّ شمل الأسر، وتمكين الأفراد من استعادة فاعليتهم في الحياة بشكل عام، وبما يعزز شعورهم بالكفاءة التي ستلقي بظلالها على حياتهم الجنسية.


في المحصلة لا بدّ من الإشارة إلى أنه إذا كان العلاج الدوائي والنفسي قد يفيد في علاج الأمراض الجنسية وإعادتها إلى نسبتها الطبيعية ما قبل الحرب، فإنه لن يكون كافياً بالتأكيد في ظل استمرار الحرب ، فطالما استمرت الحرب بما فيها من خسائر بشرية واقتصادية ونفسية ، فإن السوريين مستمرون في التعرض لأسوأ أنواع الضغوط التي ستنعكس على كل جوانب حياتهم ، ولن تترك جانباً دون أن تصيبه بعطب أو أذى، بما في ذلك حياتهم الجنسية .