ينذر بانخفاض جدوى مجمل العملية الزراعية.. لهيب أسعار المستلزمات الإنتاجية يربك العملية الزراعية.. والفلاح في حقول العجز المادي

ينذر بانخفاض جدوى مجمل العملية الزراعية.. لهيب أسعار المستلزمات الإنتاجية يربك العملية الزراعية.. والفلاح في حقول العجز المادي

أخبار سورية

الاثنين، ٢٤ أبريل ٢٠١٧

تتوالى الإرباكات الإنتاجية للعملية الزراعية، وتلقي بظلالها القاتمة على المزارعين المثقلين بأعباء تتراكم تباعاً في كل حلقات إنتاجهم الذي بات بالمؤشرات خارج عتبة الجدوى الاقتصادية جراء الارتفاع المتلاحق بتكاليف الإنتاج ومستلزماته، والتدني الواضح في أسعار المحاصيل، وإذا كانت هذه المعادلة الخاسرة والمخسّرة للمزارع لاتزال مستعصية على الحل، فإن الحلقة الأكثر تعقيداً تكمن حالياً في التضاعف المفاجئ في أسعار المستلزمات الإنتاجية الرئيسية خلال الآونة الأخيرة، حيث طرأت زيادة 200% على سعر طن سماد اليوريا، ليصبح سعر الطن الواحد بين ليلة وضحاها 210 آلاف ليرة بعد أن كان يحصل عليه المزارع بسعر 70 ألف ليرة بعد تأخر تأمينه عدة أشهر، ليأتي هذا السعر الملتهب صاعقاً للمزارعين بكل المقاييس، ويضعهم أمام إرباك إنتاجي بالغ التعقيد، ما حال دون تمكّن عدد لابأس به منهم من احتياج إنتاجه الزراعي من السماد، في حين اكتفى البعض باستجرار جزء من الكمية التي تغطي احتياجه لتعذّر شراء كامل الكمية المطلوبة لخدمة المحصول الزراعي بالمعايير المحددة.

ضبط الأسعار

أما تأمين مادة المازوت للآليات الزراعية الضرورية للعملية الإنتاجية فلايزال في طور “المتابعة” المفترضة لتمكين المزارع من الحصول عليه بالسعر المدعوم وفقاً للتوجه الحكومي الذي يقضي بدعم الإنتاج الزراعي في الحصول على مادة المازوت بالسعر المدعوم، وقد استأثرت هذه القضية مؤخراً بحيز واسع من مناقشات مجلس محافظة اللاذقية، حيث جرى التأكيد على إيجاد آلية دقيقة تضمن التوزيع العادل والأمثل لمادة المازوت على القطاعات الإنتاجية، ولاسيما الزراعي في ضوء الاستفسارات المطروحة حول تباين سعر مبيع مادة المازوت بعد صدور قرار حدد سعر ليتر المازوت الخدمي والزراعي بـ 180 ليرة، وللصناعي والتجاري بـ 290 ليرة، وإجراء إحصائيات على مستوى المزارعين في أرجاء المحافظة للإحاطة التامة والدقيقة بالاحتياجات، وحصر الآليات الزراعية، ومضخات المياه، وتبيان كمية الاستهلاك الدقيق لدعم حصول المزارعين على مخصصاتهم بسعر 180 ليرة، أما التعويض الزراعي عن الأضرار الناجمة عن الأحوال الجوية، والكوارث الطبيعية فلايزال بعيداً عن التعويض المجدي الحقيقي، وأما البحث عن حل لغز سعر شراء الكيلوغرام الواحد من محصول المزارع بأقل 3-4 مرات عن سعره في سوق الهال، كما الحال في محصول البندورة على سبيل المثال لا الحصر، فهذه متاهة يضيع في شباكها وتلافيفها المزارع والمحصول، ويخرج منها “التاجر” بالغلّة والمردود!.

لا حول ولا قوة

لم يتوقع المزارع أن يجد نفسه عاجزاً عن تأمين حاجته من سماد اليوريا بعد أن انتظر وصوله، توريداً، أشهراً عدة، لأن التأخير الذي أربك إنتاجه، وعطّل خدمة محصوله، استتبعته زيادة مضاعفة مرتين، وهذه الزيادة غير المنتظرة مطلقاً وغير المبررة لم تكن في وارد حساباته، ولاسيما في ظل التأكيد الرسمي المستمر والمتجدد عن دعم الإنتاج الزراعي بكل السبل والوسائل المتاحة، وبالأخص في ظل الظروف الراهنة التي عصفت بالإنتاج الزراعي قبل غيره، وأمام هذا التحليق السعري اللاهب، كان من البديهي أن ينعكس سعر سماد اليوريا الجديد تراجعاً على العملية الزراعية جراء ما ألحقته الزيادة المضاعفة مرتين من أعباء ثقيلة على المزارعين الذين بات السماد حديثهم وهمّهم ومشكلتهم المزمنة التي تنذر بتردي زراعاتهم ومحاصيلهم، وبحرمانهم من الغلّة والمردود!.

ولاستيضاح منعكسات زيادة سعر السماد على الفلاحين وإنتاجهم الزراعي، توجهنا بالسؤال عن هذه المنعكسات إلى رئيس اتحاد فلاحي محافظة اللاذقية هيثم أحمد الذي أكد أن زيادة السعر بهذا الشكل وبهذا الحد وضعت الإخوة الفلاحين أمام مشكلة إنتاجية كبيرة، لأن السعر الجديد يفوق كثيراً طاقة الإخوة الفلاحين، ولا يتناسب مطلقاً مع إمكاناتهم ومردودهم، وأوضح أحمد أن تضاعف سعر سماد اليوريا من 70 ألفاً إلى 210 آلاف سبّب إرباكاً وتعقيداً للعملية الزراعية، وللإخوة الفلاحين الذين يتردد الكثير منهم يومياً إلى اتحاد فلاحي المحافظة للمراجعة وطرح معاناتهم، لأن الكثير منهم غير قادر على استجرار الكميات المطلوبة التي تغطي احتياج محصوله!.

تحرّك لاستدراك المشكلة

وأضاف رئيس اتحاد فلاحي المحافظة: من كان من الإخوة الفلاحين يستجر على سبيل المثال طناً واحداً لم يعد بوسعه استجرار سوى ربع طن ما يعني أن محصوله سيتأثر حتماً بنقص الكمية اللازمة للتسميد، وهذا سيؤثر بالنتيجة على الإنتاجية، وأوضح أحمد أن اتحاد فلاحي المحافظة سارع على الفور بعد طرح مادة السماد بالسعر الجديد إلى مراسلة ومخاطبة الجهات المعنية بمذكرات وكتب خطية تبيّن وتشرح الآثار السلبية المباشرة لارتفاع سعر السماد على الإخوة الفلاحين من جهة، وعلى الإنتاج الزراعي لأن زيادة السعر بهذا الشكل تعتبر إجحافاً للمزارع، كما أنها مشكلة تفرز آثارها ومنعكساتها السلبية على الإنتاج الزراعي وقبل ذلك على الإخوة الفلاحين.

رفع المعاناة

يؤكد رئيس اتحاد فلاحي المحافظة على ضرورة مساعدة الفلاحين والتخفيف من أعبائهم الإنتاجية ويقترح بهذا الخصوص كحل سريع أنه يمكن دعم كل دونم واحد زراعي بـ 25 ألف ليرة لتمكين الفلاحين من تأمين الحدّ الممكن المقبول من الاحتياجات الضرورية، مبيّناً أن الحيازات الزراعية في اللاذقية كثيرة ولكنها ليست واسعة وأيضاً يؤكد أحمد على الدراسة الفعلية الدقيقة لتكلفة العملية الإنتاجية بهدف مراعاتها ولحظها في العملية التسويقية لأن ارتفاع التكاليف يستوجب أن يتلازم مع أسعار تسويقية تكافئ الكلفة الإنتاجية، وهذا يجعل الفلاح بمنأى عن الخسارة ويمكن أن تحقق له الأسعار المدروسة غلّة زراعية بجدوى اقتصادية.

أعباء جديدة

وحول دور المصرف الزراعي بوصفه الجهة التي يتم استجرار مادة السماد منها أوضح مدير المصرف التعاوني الزراعي في اللاذقية المهندس ميلاد عيسى أن سعر مادة سماد اليوريا يباع حالياً بسعر 210 آلاف ليرة للطن الواحد بعد أن كان سعر الطن سابقاً 70 ألف ليرة، وأن الكمية الإجمالية التي وصلت المصرف من مادة السماد بلغت 3000 طن  تمّ لغاية تاريخه استجرار 1200 طن، ولفت إلى أن الاستجرار مقبول ولكنّه ليس بنفس الإقبال سابقاً، مشيراً إلى أن الزيادة التي طرأت على سعر الطن ومقدارها تزيد مرتين عن السعر السابق، ومن الطبيعي أن تنعكس على المزارع بأعباء جديدة لم تكن محسوبة في جدول احتياجاته للموسم الحالي، ولفت عيسى إلى أن ارتفاع سعر السماد حاضر على نطاق واضح في الاجتماعات الزراعية والفلاحية لأن منعكساته ستكون على العملية الزراعية الإنتاجية وعلى قدرة الإخوة المزارعين على استجرار كامل احتياجاتهم لأجل إنجاز العملية الزراعية بالمعايير والمؤشرات المطلوبة لخدمة المحاصيل.

حماية المنتج

لانبالغ إزاء ما يتعرض له الإنتاج الزراعي من تحديات متلاحقة تحدق به من كل حدب وصوب إذا قلنا إن الإنتاج الزراعي يواجه تقليصاً واضحاً ولو كان تدريجياً في مظلة حماية هذا الإنتاج، وليس أدلّ على صحة ما نذهب إليه من تلك النسبة الخجولة المتواضعة المعتمدة للتعويض عن أضرار الإنتاج الزراعي من خلال صندوق التخفيف من آثار  الجفاف والكوارث الطبيعية حيث يقتصر التعويض عن الأضرار الزراعية على نسبة تتراوح ما بين  5% إلى 10 % في أحسن الأحوال، وهذه النسبة متدنية جداً ولايمكنها أن ترفع الضرر عن الإنتاج الزراعي ولا تعوّض  المزارعين عن الأضرار التي تلحق بمحاصيلهم.

تعويض زهيد

ما يدعو للتساؤل والاستغراب أن مستلزمات الإنتاج تحلّق أسعارها ارتفاعاً مضاعفاً بشكل مباغت ودون انتظار بينما يقف المزارعون عاجزين تماماً عن معاودة العملية الإنتاجية لأن النسبة المحددة تحسب على أساس كلفة خسائر الإنتاج، وهذا ما يؤكده المعنيون في مديرية زراعة اللاذقية أن صندوق التعويض على الفلاحين عن الأضرار التي تتعرض لها محاصيلهم تتراوح بين 5 إلى 10 بالمئة من خسائرالإنتاج، إزاء المتغيرات المناخية المستجدة التي باتت تلقي بظلالها على محاصيلنا الزراعية، ولاسيما أن مزروعات الشتاء تضررت بشكل واضح في محافظة اللاذقية على مستوى الحمضيات والخضار والزراعات المحمية وترافق الضرر الشتائي مع تراجع معدل الهاطل المطري ما يجعل الضرورة أكثر من ملّحة ومستعجلة لتوسيع مظلة حماية الإنتاج الزراعي برفع نسب التعويض وبشمول التعويض لجميع المزروعات ووضع نسب تعويضية تلائم كلفة إنتاج كل محصول تبعاً لاحتياجاته وأسعار هذه الاحتياجات، وهذه القضية الزراعية نجدها حاضرة مطلبياً في كل اللقاءات والمؤتمرات الفلاحية والزراعية والاقتصادية، وبالأخص أن العملية الإنتاجية باتت مكلفة ومرهقة للمزارع جراء ارتفاع كلفة الإنتاج وتواضع مردوده على المزارع نفسه لأن الحلقات الوسيطة لاتزال تجني الربح الأكبر على حساب الريعية الضئيلة التي يحصل عليها المزارع.

كفة الخسارة

ولا يخفى مطلقاً أن هذا الواقع المستجّد بما يحمله من ارتفاع في أسعار وتكاليف مستلزمات العملية الإنتاجية يضيف تحدياً جديداً للإنتاج الزراعي المثقل أصلاً بتحديات مناخية وإنتاجية وتسويقية تتمثل في ارتفاع مضاعف متلاحق غير منضبط في تكلفة الإنتاج وعجز تسويقي واضح، وغير ذلك من عقبات تواجه الإنتاج الزراعي، ما يستوجب الإسراع في دعم تمويل المزارعين لتمكينهم من تخطّي الصعوبات التي تعترضهم والتي أصبحت كابحاً للتوسع من جهة ومعيقاً لتحسين الإنتاجية في وحدة المساحة نتيجة عدم قدرة المزارع على تغطية مستلزمات وتكاليف الإنتاج، ودون أن يتلازم ارتفاع التكاليف على أسعار المحاصيل ما يجعل كفة الخسارة هي الراجحة في ميزان الجدوى الإنتاجية والاقتصادية.

مروان حويجة