شكوك المواطن تقلل من جدوى الإنتاج.. صناعــــة الأدويـــــةالمحليــــة أمـــــام تحديـــــات الفشـــــل والاســـــتنزاف..

شكوك المواطن تقلل من جدوى الإنتاج.. صناعــــة الأدويـــــةالمحليــــة أمـــــام تحديـــــات الفشـــــل والاســـــتنزاف..

أخبار سورية

السبت، ٢٢ أبريل ٢٠١٧

اعتدنا سابقاً على رؤية الكتب الثقافية والكتب الجامعية تباع على بسطات الشوارع بالجملة، لكن ما لم نكن لنتخيله أننا قد نصل إلى يوم نجد فيه علب الأدوية تُباع ” بالفرط” عمداً على  بسطات، أو من قبل أشخاص موثوقين على حد زعم من يتعامل معهم، ضاربين صحة المواطنين، ومهنة الصيدلة، ودراسة الخمس سنوات عرض الحائط، ومما لا شك فيه أن الأزمة انعكست على الواقع المعيشي والحياتي للمواطن وصولاً إلى الأدوية التي تضرر قطاعها بشكل كبير، حيث توقفت العديد من المعامل عن الإنتاج والتي كانت تساهم في تغطية نسبة مهمة من احتياجات السوق المحلية، ورافداً مهماً في صناعة الدواء الوطني، واليوم ومع مرور سنوات عديدة على الأزمة نجد انعدام أصناف كثيرة من الأدوية الهامة من الصيدليات لنجد المرضى يبحثون عنها في الدول المجاورة، فشجع بعض أصحاب المعامل الذين هم في النهاية تجّار يبحثون عن مصالحهم الشخصية بعيداً عن الإنسانية، وغياب الرقابة الفعلية من قبل الجهات المختصة جعل المرضى يقعون ضحية لأسعار الأدوية المتأرجحة في الصعود دائماً، وفقدانها تارة أخرى، وقيام بعض ضعاف النفوس بتخزينها.

تصريحات

لسنا بصدد الحديث عن ارتفاع أسعار الأدوية الذي جعل الذهاب إلى الصيدلية لشراء أي صنف من الدواء يسبقه ألف حساب عند المواطن الذي لم يعد يقوى على تحمّل الغلاء المخيف الذي طال في نهاية المطاف صحته ليبحث عن هذه البدائل الكيميائية في أسواق الأعشاب، علّها وعسى، تخفف آلامه النفسية قبل الجسدية، فتصريحات المسؤولين حول رفع سعر الدواء، سببت أمراضاً نفسية للمواطنين الذين لم يعرفوا حتى اليوم على من يقع عاتق هذا القرار المجحف والذي نفاه وزير الصحة “نزار يازجي” مبرراً عدم وجود أي زيادة على أسعار الدواء، وأن ما تقوم به الوزارة حالياً هو تحقيق عدالة بالأسعار حتى لا تستمر عجلة الإنتاج في المعامل، ولا يتوقف المنتج، علماً أنه لدينا كميات كبيرة من الأدوية، مؤكداً أن هناك 11,300 صنف دواء، وأن هناك زمراً من الأدوية بحاجة إلى تعديل، والمطلوب تعديله هو ما يقارب 4000 زمرة دوائية، والوزارة تعمل ضمن هذه السياسة، مشيراً إلى أنه لا يوجد أي احتكار لأي صنف من الأدوية، وهناك لجنة تنصبُّ مهمتها على ضبط احتكار الأدوية في الصيدليات، وبالمقابل قامت الوزارة بوضع ضابطة عدلية أيضاً للقيام بدورها لتلافي احتكار أي دواء، سواء في الصيدليات، أو لدى الصيادلة أنفسهم، لكن ما نراه على أرض الواقع لا يعكس صدق هذه التصريحات، فتلاعب الصيادلة بأسعار الأدوية وعمليات الغش والتزوير لأصناف الدواء هي التي تشكل خطراً محدقاً بصحة المواطن.

غش وتزوير

لم تترك الأزمة باباً من أبواب الغش، إلّا وتم التلاعب به من قبل ما يسمى تجار الأزمة، فمن ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية إلى ضبط عمليات غش هائلة في بيع اللحوم، وغش في تصنيع الذهب، وصولاً إلى عمليات الغش التي طالت صحة المواطن السوري، إذ أننا نستطيع تحمّل الضغوط والأعباء المعيشية التي فرضتها الأزمة، لكن ما لا يمكن السكوت عنه التلاعب بالأدوية والعقاقير التي ستفتك بأجسادنا إن لم تكن موثوقة، فقد دفعت الظروف الاستثنائية البعض إلى الوقوع فريسة لجشع بعض تجار الأزمات الذين يستغلون حاجة الناس، وقلة وعيهم في تركيبة الأدوية، ناهيك عن عدم فعالية الكثير من الأدوية والتي وصفها البعض “بكذبة الدواء”، فشراب السعال عبارة عن ماء معالج بالسكر، وكذلك أدوية ارتفاع الحرارة، ما اضطر الكثيرين لاستبدال الدواء بالأعشاب الطبية والتي لها فوائد تفوق الأدوية المصنعة محلياً، حيث لا تخلو المشافي والمراكز الصحية من المراجعات المتكررة من المرضى بسبب أدوية منتهية الصلاحية، أو غير فعالة بسبب تزويرها، وخصوصاً السيرومات وأدوية الأجهزة التنفسية، لذا اتجهنا بالسؤال إلى نقابة صيادلة دمشق ليجيبنا الدكتور أحمد بدران نقيب الصيادلة بأنه وعلى الرغم من أن هناك أدوية مفقودة نسبتها10 % إلا أنه  لا توجد أية حالة مرضية من دون دواء، فربما ينقطع إنتاج دواء مُصنّع لدى شركة معينة، لكن يكون له بديل في شركة أخرى، وفيما يتعلق ببيع الدواء من دون علب كرتونية ونشرات طبية أوضح بدران أن المعامل الدوائية التي بقيت تعمل تبذل أقصى جهدها لإنتاج الدواء في ظل الصعوبات المتراكمة عليها، لذا فمن غير المعقول مطالبتها بما يفوق طاقتها، وهي تحدد الأدوية التي تحتاج لعلب كرتونية ونشرات طبية من تلك التي لا تحتاج لها، ولجان المراقبة والتفتيش لا تهدأ عن القيام بدورها سواء في ضبط هذه الأدوية “الفرط المزورة” الممنوع بيعها، والتي نرفق أسماءها مع أعضاء اللجنة إلى كل الصيدليات، وتم للأسف ضبط الكثير خاصة خلال الأزمة، حيث يتواجد عدد كبير من الأشخاص الذين تخلوا عن أخلاقهم في سنوات الأزمة، والذين استطاعوا إدخال هذه الأدوية مزورة وأدوية مغشوشة ليبيعوها بشكل متقطع، إما في الصيدليات، أو بشكل ” فرط” للمرضى الذين يجدون في رخص ثمنها حلاً لهم، بعد أن أثقل ارتفاع سعر الدواء كاهل المرضى، وشدد بدران على ضرورة إرفاق الدواء بنشرة طبية من الطبيب، وقد شددت النقابة على عدم صرف أي دواء دون نشرة طبية للمريض، ولكن لا تزال المخالفات مستمرة.

تهريب الدواء

يتفق جميع أصحاب الصيدليات على وجود أصناف خاسرة من الأدوية، لا تزال تباع بأسعار مجحفة، فسعر العموم المحدد من وزارة الصحة لهذه الأصناف حتى بعد قرار رفع سعر الدواء الأخير، مازال لا يغطي تكلفة استيراد موادها الأولية بسبب ارتفاع سعر الدولار، لذا نجد حالات من تهريب الدواء المنتج محلياً إلى دول مجاورة، وهذا الأمر ساهم في فقدان تلك الأصناف من السوق المحلية، وفوت الفرصة على أصحاب المعامل  بتصدير منتجاتهم، علماً أن التصدير كان يعوض جزءاً من خسارتهم في السوق المحلية، ما جعل بعض المعامل تتوقف عن إنتاج تلك الأصناف الخاسرة، وتركز على الأصناف الرابحة، فاستفادت من الزيادة الأخيرة على أسعار الدواء، وحققت أرباحاً إضافية.

مسح كامل للصيدليات

وزارة الصحة، أكدت ممارستها لدورها في الرقابة من خلال إجراء جولات عشوائية دورية بالتعاون مع مديريات الصحة في المحافظات، تؤمن مسحاً كاملاً لكافة الصيدليات للتأكد من عدم وجود وتداول الأدوية المزورة و المهربة، ويتم رفع ضبوط بالصيدليات والمستودعات المخالفة إلى اللجنة المشتركة بين وزارة الصحة، ونقابة صيادلة سورية، والإجراء الأصولي بحق المخالفين، إضافة إلى أنه تتم الرقابة على التحضيرات التي يتم تحليلها الزامياً من قبل مخابر الرقابة الدوائية في وزارة الصحة، إضافة إلى تحاليل عينات من المعامل الدوائية المحلية من كل طبخة لأي صنف دوائي ينتج، وذلك قبل طرحها في الأسواق المحلية، وهذا الأمر يؤخر وصول الدواء إلى الصيدليات، حيث كانت الآلية السابقة تأخذ عينة من كل عشر طبخات، وليس من كل طبخة، كذلك أكدت نقابة صيادلة سورية على أن النقابة طالبت في جميع المؤتمرات السابقة بوضع اللصاقة الصيدلانية التي تمنع تزوير الأدوية، فمصلحة المواطن هي الأساس، لذا يجب أن يبقى الجميع على معرفة تامة بنوعية الدواء ومصدره حتى تكون لديه القدرة على التعرف على الدواء المزور، فالثقافة الدوائية ضرورية للجميع، ولابد من جعل الأفراد جميعاً على دراية تامة بالأدوية المغشوشة والأدوية النظامية، وهذه اللصاقة من شأنها التمييز بين النوعين.

رقابة وتشديد

أمين الشؤون الصحية في اتحاد نقابات العمال عبد القادر النحاس، أشار إلى  صعوبة الحصول على الأدوية هذه الأيام وعدم توافرها، بل فقدان جزء كبير منها تماماً من الصيدليات، حيث بات غياب الدواء الوطني يشكل عبئاً كبيراً على العمال الذين لا طاقة لهم لشراء الدواء الأجنبي البديل، هذا وإن وجد أصلاً في السوق، موجهاً أصابع الاتهام إلى وزارة الصحة المتهمة من الجميع بأنها تتجه لوقف الدواء المحلي لتنشيط الاستيراد في ظل حاجة السوق الملحة لبدائل مفقودة، مشيراً إلى أن الكثير من المستودعات تقوم بتخزين الأدوية، وتقوم بفقدانها لاستخدامها كورقة ضغط على وزارة الصحة لرفع أسعار الأدوية لاحقاً، ويتساءل: إذا كانت وزارة الصحة أكدت عودة عدد لا يستهان به من معامل الأدوية للعمل بطاقة إنتاجية تؤمن حاجة السوق المحلية من أغلبية الزمر الدوائية، فما سبب هذا الفاقد الكبير في الدواء الوطني، ولمصلحة من يتم إخفاؤه في المستودعات، على حد تعبيره؟.

ميس بركات