يبدد الاستقرار ويشتت الأسرة الطلاق في درعا.. نتيجة خاسرة للهاربات من العنوسة.. ووسائل التواصل الاجتماعي تدعم أسبابه

يبدد الاستقرار ويشتت الأسرة الطلاق في درعا.. نتيجة خاسرة للهاربات من العنوسة.. ووسائل التواصل الاجتماعي تدعم أسبابه

أخبار سورية

الاثنين، ١٧ أبريل ٢٠١٧

ظاهرة  الطلاق  ليست غريبة عن مجتمعنا الذي كان يعمل بمؤسساته الأهلية والحكومية على معالجة أسبابها والتخفيف من تداعياتها على الأسرة السورية، وبالرغم من  أن حالة الاستنفار الاجتماعي التي سادت في مواجهة هذه الظاهرة إلّا أن الأزمة قوضت هذه الجهود، وأخذت هذه المشكلة بالتزايد بصورة ملحوظة، وخاصة في الآونة الأخيرة ضمن  عناوين الواقع المعيشي والحياتي الذي بدد الاستقرار، وشتت، وفكك الروابط الأسرية المختلفة، ليزيد من معاناة الطفولة والمرأة التي يفرض المجتمع عليها  الكثير من القيود.

 

السبب والدوافع

الأسئلة الكثيرة التي تدور في أذهاننا حول السبب الرئيس وراء الطلاق وتداعياته، كانت محور حديثنا مع المحامي العام في محافظة درعا سعود المحمد الذي كان له وجهة نظر في هذا الجانب، حيث قال موضحاً: إن جيل الشباب اليوم بعيد كل البعد عن الوعي وكيفية التعايش المنتظم، وأضاف: إن لفئة الشباب دون الخامسة والعشرين عاماً دوراً في خلق الأزمة وتوسيع الفجوة، وإنه من بين أهم الأسباب في زيادة نسب الطلاق بين الزوجين هي وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤدي إلى عدم الثقة وأحياناً إلى الانحراف إذا استغلت بشكل غير سوي، ناهيك عن تحميل الزوجة مسؤولية الطلاق، ولاسيما في الوقت الحالي.

 

الخوف من العنوسة

 

يتابع المحمد حديثه: اليوم نحن في ظل واقع أليم فرض على الفتاة القبول بالشخص غير المناسب لها، ولا يوجد أي توافق بينهما، لا من الناحية

الاجتماعية، ولا حتى في المستوى العلمي، كل هذا سببه الهروب من مصطلح عانس، والتهرب من نظرة المجتمع الذي يفرض على المرأة إرهاباً نفسياً قبل الزواج خوفاً من العنوسة، ويعقب المحمد، قائلاً: إن للأزمة دوراً كبيراً في جعل الفتاة تقبل بأشخاص غير ملائمين بسبب قلة عدد الذكور في المجتمع، حيث كان إفراغ المجتمع من هذه الفئة، وتخريب بنية المجتمع السوري من أهم مفرزات هذه الحرب.

 

سلبية المجتمع

لاشك أن مجتمعنا هو مجتمع ذكوري بامتياز، وهذا ما منح الشاب حق التمرد، وفرض السيطرة في ظل غياب واضح لدور الأهل في حسن تربية أبنائهم، وزرع بذورالمحبة والوعي في نفوسهم، يقول الشاب أحمد عباس البالغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً نافياً هذه القاعدة: إن تدني مستوى المعيشة، وعدم وجود عمل، وارتفاع أجارات السكن، كلها أسباب أدت إلى عزوفه عن فكرة الزواج حالياً، فهو يذكر أن الشاب سابقاً، أي قبل الأزمة التي يمر بها الوطن، كان بإمكانه الحصول على شقة صغيرة بسعر معقول ليتمكن من بناء أسرة، أما الآن فإن هم الشاب الوحيد هو نفسه فقط، وكيف سيتمكن من بناء مستقبله دون التفكير بإنشاء أسرة، فاليوم مجمل تفكير الشباب يكمن في كيفية استئجار منزل دون التفكير بإمكانية امتلاكه، كما كان معهوداً سابقاً.

 

دور القضاء

من يدخل أروقة القصر العدلي في درعا يرى نسبة كبيرة من المتقدمين بطلبات طلاق دون وجود أسباب مقنعة لوقوعه بين الطرفين، ودون وجود أي مبررات تستدعي حدوث الطلاق، مع ملاحظة أن الجميع يرغبون بالطلاق بحجة “عدم وجود تفاهم”، وربما غدت هذه الحجة مسوغاً لكل طلاق. بالتأكيد هنا تقع المسؤولية على عاتق الأهل بالدرجة الأولى الذين من المفروض عليهم أن يمارسوا على أبنائهم حق التوعية للزوجين مع ترجيح مصلحةالزوج، فيما اقتصر دور المحكمة على منح مدة شهر واحد كمهلة لإعادة النظر، ومحاولة منها للتراجع عن القرار.

المشكلات الناتجة

ضياع الأبناء وحرمانهم من العيش في كنف العائلة وتحت جناح أبويهم يجعلهم فاقدين الحنان والعطف، يشكل لديهم إحساساً بالضعف والنقص، إضافة للنظرة الدونية للمرأة المطلقة في مجتمعنا، وإحساسها بالنقص والرهاب الاجتماعي، الأمر الذي يجعلها تشعر بالخوف في كل تصرف تقوم به، كلها مشكلات تنتج عن الطلاق.

تجربة قاسية

داليا المحمد فتاة في مقتبل العمر، روت لنا تجربتها في الزواج والتي باءت بالفشل، تقول داليا: إن عمرها حين تزوجت لم يتجاوز الثامنة عشر عاماً، وحسبما قالت: إن السبب وراء انفصالها عن زوجها كان صغر سنها، والفارق الكبير بينهما بالعمر، وأضافت: إن الفارق لم يكن بالعمر فحسب، ولكن هناك عدم توافق في الآراء وطريقة التفكير.

 

توعية الجيل

لن نبرئ الأزمة وتداعياتها من دورها في زيادة نسب الطلاق في مجتمعنا، ولو حاولنا جاهدين التغاضي عنها، مدير الأوقاف أحمد الصيادي، أفادنا بموقف الشرع من موضوع الطلاق بقول النبي (ص): أبغض الحلال إلى الله الطلاق، فقد نهى الإسلام عن الطلاق، وجعل اللجوء إليه آخر مرحلة من مراحل المعالجات، وعن دور خطباء المساجد في التوعية قال الصيادي: هذه الأزمة أفرزت مشاكل اجتماعية متنوعة، أبرزها الطلاق، وما يترتب عليه من مضاعفات خطيرة تهدم الأساس الذي يقوم عليه المجتمع ألا وهو الأسرة. من هنا تظهرأهمية الكلمة ودور خطباء المنابر، ولاسيما الشباب منهم في التصدي لهذه الظاهرة من خلال الخطب التي تستهدف فئة الشباب، وإجراء ندوات توعوية حول الطلاق، ومدى الخطر المترتب عليه، إضافة إلى العمل على ترسيخ مبادئ الخلق القويم، والحض على الابتعاد عن المفاسد والرذيلة التي انتشرت مؤخراً والتي تقوض بنيان المجتمع، وأدت إلى تشتت الأسرة.

ويضيف: إن الأزمة أفرزت نماذج لحالات من الزواج تؤدي إلى الطلاق السريع نظراً لغياب الضوابط الشرعية، وذلك نتيجة التشتت الأسري الحاصل، وفقدان المرأة للرجل الذي يعد حصناً وسياجاً لهذه الأسرة، ما دفع الفتيات للزواج بطرق غير شرعية، وانتقاء الشخص غير المناسب، إضافة لغياب الوعي من الرجل لدور الزوجة في المجتمع ما أدى لتخوينها، كما أن فرض النظرة المتشددة لطبيعة عمل المرأة التي تهدف من خلال دورها إلى بناء الوطن أولاً، والمساهمة في تدعيم أسس اللبنة الأولى ألا وهي الأسرة، إضافة لنظرة الرجل إلى مفهوم (الرجال قوامون على النساء)بأنها تكبر واستعلاء وحياة من طرف واحد، تكون له فيها السيطرة والقول الفصل، وإن خالف الصواب، زاد من حدوث المشاكل العائلية التي تؤدي في أغلبها إلى الطلاق، مع أن هذا المفهوم ينبغي فيه أن يكون الرجل رجلاً بحق في صيانة أسرته، والحرص عليها، وحمايته لها.

دور المرأة

تبقى الأسرة وإدارة شؤونها من أولويات عمل المرأة التي طالما سعت لتكون المجتمع كله لا نصفه، وعن دور الاتحاد النسائي قالت نبيهة شديد رئيسة الاتحاد: إن إقامة الندوات والدورات التثقيفية التي تهم المرأة والأسرة كان من أهم نشاطات الاتحاد بهدف تقديم الدعم لكل إمرأة وتوعيتها بما يفيدها في بناء أسرتها على أسس سليمة، وتقول شديد: إن هذه الفترة تشهد حالة من اللاوعي، فما تعانيه المرأة في الأسرة والمجتمع، وما أصابنا من تفكك أسري فرض على الاتحاد مسؤولية تكثيف الجهود لقمع ظاهرة الطلاق الذي يسببه عدم استقرار الأسرة بسبب هجرة الشباب وما سببته من ضغوط نفسية واجتماعية، فكان نشاط المنظمة واضحاً وفاعلاً في هذا المجال وفي جميع الروابط والوحدات التي تواصل عقد لقاءات مع النساء ونوعيتهن بما يساهم في استمرار هذه الأسر، مؤكدة أن الندوات أغلبها تتحدث عن أسباب الطلاق التعسفي، وتأثير الطلاق على الأسرة وخاصة الأطفال، إضافة إلى  زيادة نسب الطلاق في هذه الأزمة، وكيفية معالجتها من خلال اللقاءات المكثفة من قبل محامين ومختصين في هذا المجال، وعن الدور الذي قدمته المنظمة لهذه الفئة ذكرت شديد أنه تمّ البدء بتأمين فرص عمل للنساء المطلقات والمعنفات عن طريق إقامة مشاريع صغيرة، وتأمين عمل يساعدها على رعاية أطفالها.

 

دور الرعاية الاجتماعية

الأخصائية النفسية سميرة عقل في مركز الرعاية الاجتماعية، تحدثت عن دور المرشد النفسي في وضع الحلول، والمساهمة في الحد من وقوع حالات الطلاق، ولاسيما في ظل انتشار الأسباب المؤهلة لذلك، ومن أهمها زواج القاصرات أو الزواج المبكر للفتيات بسبب اضطرار الأهل لتزويج ابنتهم في سن صغيرة للتخلص من مصروفها، ودفعها لترك الدراسة، ما يجعل الفتاة تقع في مأزق بعد زواجها من الشخص غير المناسب، وتضيف عقل: إن غياب أساسيات الحياة الكريمة، والعيش الرغيد عن مجتمعنا حالياً، عرّض الزوجين لعدة ضغوط نفسية أثرت على العلاقة بينهما، وربما أدت هذه الخلافات والمشاكل للوقوع في الطلاق.

دعاء الرفاعي