مرحلـــة إعـــادة الإعمـــار تقتـــرب.. هـــل نحـــن جاهـــزون للإقـــلاع؟

مرحلـــة إعـــادة الإعمـــار تقتـــرب.. هـــل نحـــن جاهـــزون للإقـــلاع؟

أخبار سورية

السبت، ١ أبريل ٢٠١٧

ينتظر السوريون على أحرّ من الجمر انتهاء الحرب، وعودة الأمن والاستقرار، وانطلاق مرحلة إعادة الإعمار لترميم ما تهدم ودُمّر على مختلف الصعد، مرحلة لن تكون سهلة على الإطلاق، نظراً لحجم الدمار والخراب الذي طال بنية المجتمع، اقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وفي كل مجال، ولكن يبقى الأمل في تجاوز الصعاب، وحرق المراحل بالاعتماد على كفاءاتنا، وإمكاناتنا، ودعم أصدقائنا، وكل من يحب سورية، وتزداد مساحة الأمل مع مشروع الخطة التي وضعتها الحكومة لرسم ملامح المرحلة القادمة ما بعد الأزمة، ولكن رغم هذا الأمل الكبير، ثمة أسئلة لابد من طرحها اليوم لنعرف على أي أرض نقف، في ظل غياب الخطط الاستراتيجية المدروسة، فما هي الأولويات التي يجب أن نركز عليها حتى تكون الطريق سالكة؟ وإلى أي حد يمكن أن نعتمد على إمكاناتنا الداخلية؟ وما هي مخاطر الاعتماد على التمويل الخارجي؟ وماذا عن الصعوبات؟ وكيف يمكن تجاوزها؟.. هذه الأسئلة وغيرها طرحتها “البعث” على المختصين، والباحثين، وأصحاب الخبرة في مفاصل حكومية، وإدارية، فكيف كانت رؤيتهم، ومقترحاتهم لإنجاح المرحلة، واجتيازها بأسرع وقت؟.
استحقاق وطني
الدكتورة لمياء عاصي، “وزيرة سابقة”، أكدت على أهمية النظر لمرحلة  إعادة الإعمار كاستحقاق وطني له أبعاد اجتماعية، واقتصادية كبيرة وهامة، وبرأيها لابد من جمع توافق وطني حول منهجية هذه المرحلة وأولوياتها من جميع الفئات والشرائح في البلد من خلال عقد مؤتمر وطني بغية تحديد أولويات إعادة الإعمار كمناطق جغرافية، وكمنشآت، سواء سكنية، أو تجارية، أو خدمية، ومن أجل التوافق على الشركاء المتوقعين، وخصوصاً الدول، والشركات الذين يحق لها المساهمة في إعادة الإعمار، والآليات المتبعة، وترى “عاصي” ضرورة تحديد مصادر وطرق التمويل المقبولة، ومشاركة بعض المؤسسات المالية بهذا المؤتمر، والترويج للاستثمار في إعادة الإعمار بشكل فعال لدى الدول والمؤسسات المالية المختلفة.

بيئة قانونية خاصة
وحول أهمية وضرورة إيجاد بيئة تشريعية وقانونية خاصة بالمرحلة بهدف تحقيق المرونة، بيّنت “عاصي” أن على الحكومة أن تركّز على الجانب القانوني لجهة إصدار حزمة تشريعات تغطي الجوانب القانونية لمشاريع إعادة الإعمار، مشيرة إلى أن قانون التشاركية (الشراكة بين القطاع العام والخاص لتطوير وبناء المنشآت والمرافق العامة) الذي صدر في 2016 قد يلبي بعض الاحتياجات، ولكن تبقى الكثير من الجوانب التي تحتاج لتشريعات خاصة تساعد على خلق بنية تنظيمية مناسبة تتصف بالكفاءة، والقدرة المؤسساتية على العمل، لذا– حسب عاصي- لابد من إنشاء الهيئة الوطنية لإعادة الإعمار خارج نطاق قانون العاملين الأساسي، وقانون العقود، وقانون المؤسسات، وخلق بيئة قانونية خاصة بها، بحيث توضع لهذه الهيئة لجنة توجيه من الحكومة، وبعض الجهات المانحة أو المشاركة في إعادة الإعمار، مثل ممثّلي البنوك المشاركة في عملية الإعمار، ومجلس إدارة تنفيذي يتكوّن من خبراء ومختصين من القطاعين العام والخاص، ومنخرطين لمتابعة مشاريع البناء والإعمار، بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة، وهيئة التخطيط الإقليمي، وبالمشاركة مع المجتمع المحلي لكل منطقة، وتتم الرقابة على الهيئة من قبل لجنة مؤلفة من مجلس الشعب، وبعض الجهات الأخرى مثل الجهاز المركزي للرقابة المالية.
ودعت عاصي إلى تأسيس صندوق خاص بإعادة الإعمار تكون مهامه متركزة على إعادة تأهيل البيوت والمناطق المتضررة، أما موارده التمويلية فستكون متنوعة من حصيلة الأصول المملوكة للدولة، والمباعة لصالح إعادة الإعمار، بالإضافة إلى حصيلة المساهمة الوطنية لإعادة الإعمار، وهي بنسبة 5% من الضرائب والرسوم، وكذلك من الإعانات، أو المنح الدولية.

حلول مكملة
وفي إطار الحلول المكملة، دعت وزيرة الاقتصاد السابقة إلى تطوير حزمة من الحلول الخلاقة، والإجراءات الضرورية كتأسيس شركات مساهمة سورية كبرى، يكون معظم مساهميها من السوريين، على أن تعطى هذه الشركات الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار، كما لابد- من وجهة نظرها- من طرح أصول عقارية زراعية، وتجارية، أو سكنية تملكها الدولة لاستثمارها لفترات طويلة في مجالات مختلفة من قبل مستثمرين سوريين بطرق المزايدات القانونية المتبعة عالمياً، لافتة إلى أن المضي قدماً في تحقيق التنمية وإعادة الإعمار مرهون بشكل كامل بحلول الأمان في أرجاء البلد، وحصول مصالحة وطنية تاريخية لتضميد الجراح.

وضع منهجية جديدة
عضو مجلس الخبراء في وزارة التنمية الإدارية عبد الرحمن تيشوري أشار إلى وجود آراء متضاربة بشأن امتلاك كل وزارة من وزارات الدولة قدرات داخلية كافية للشروع في مختلف النشاطات المطروحة، والنجاح فيها في مشروع الإصلاح الإداري، وإعادة الإعمار، وحل مشاكل السوريين الكثيرة بفعل تداعيات الحرب.
ويعترف بأن المهام المطروحة تظل جسيمة بالنظر إلى أفق التنفيذ المقرر أن يمتد لسنوات عديدة، مؤكداً على ضرورة أن تحرص الوزارات على متابعة العمل اليومي في أية مؤسسة، ويرى أن وزارة التنمية الإدارية يمكن أن تلعب دوراً تنسيقياً بين كل وزارات ومؤسسات الدولة، كونها تمثّل مصدراً استشارياً، أو مجلس خبراء يستطيع العمل ضمن كل وزارة، بحيث تساعد (حسب الطلب) في إعداد مختلف الخطوات الإصلاحية، وتنفيذها، لاسيما برامج إعادة الإعمار.
ولأن مشاريع الإصلاح تشمل الكثير من الميادين، وتشمل عمليات كثيرة، وتخترق عدة قطاعات، وعدة وزارات، يرى “تيشوري” بأنه من المستحسن أن تضم الحكومة إلى هذه الجهة الخبرات، والكفاءات التي تتصل مباشرة بجوهر هذه الجهود، من قبيل الإدارة العامة، والتحليل التنظيمي مثلاً، أو التقييم القانوني، أو تنمية الموارد البشرية، أو تبسيط سير العمل، أو حتى تقديم الخدمات، ومن شأن تزويد هذه الجهة بهؤلاء العاملين أن يدعم إدارتها، وأن يمثّل “شريكاً مؤهلاً للحوار والعمل” في مجالات بعينها، كما يجب وضع منهجية جديدة في كل القضايا، فليس من المعقول، حسب تيشوري، أن نقيس كل الأمور بالمنطق نفسه، وأن يشمل ضغط النفقات وزارة التنمية الإدارية، على سبيل المثال لا الحصر، أو برامج إعادة الإعمار.

وللمتقاعدين دور!
ويرى الخبير والمستشار غسان العيد أهمية تكاتف الجهود، وحشد الطاقات، باعتبار مرحلة إعادة الإعمار مهمة وطنية بامتياز، ما يتطلب الإفادة من كافة الخبرات الوطنية، وحشدها في مختلف المجالات، ولاسيما المتقاعدون منهم، من خلال تأسيس جمعية تضم المتقاعدين وفق نظام ترخيص الجمعيات الأهلية المعمول به في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بحيث يتم تقسيمها إلى لجان متخصصة حسب الحال بهدف تلبية نداء الوطن، وتقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار من خلال الخبرة والمشورة للجهات العامة والخاصة في مختلف المجالات المهنية، والمالية، والتشريعية، والثقافية، والفكرية، وغيرهم من متقاعدين امتلكوا الخبرة والمعرفة العلمية والعملية، وإجراء الدراسات والأبحاث والإفادة منها في مختلف المجالات، ما يغني البحث العلمي، ويسهم في بناء الكوادر البشرية، ويدعم الجهد الوطني لإعادة إعمار بلدنا.
بالمختصر، مرحلة إعادة الإعمار تحتاج لجهد استثنائي، ولأفكار إبداعية، وأدوات جديدة تؤسس لمشاريع تنموية وطنية بامتياز تضمن مستقبلاً مشرقاً للأجيال القادمة في سورية المتجددة.

غسان فطوم