قطاع البناء والتشييد.. دوران في حلقات توفير المواد.. وجهود لتخفيض تكاليف صناعة الاسمنت

قطاع البناء والتشييد.. دوران في حلقات توفير المواد.. وجهود لتخفيض تكاليف صناعة الاسمنت

أخبار سورية

الأحد، ٢٦ مارس ٢٠١٧

كباقي الأحلام التي كانت نهايتها الفشل، تقبّل ايهاب فكرة استحالة قدرته على امتلاك منزل باسمه في يوم من الأيام بعد أن فقد منزله في الأزمة التي عصفت بالجميع، لتبقى القرية التي نقل وظيفته إليها الخيار الوحيد للاستقرار، لكن المصيبة كانت أكبر عندما قرر سحب قرض على راتبه وراتب زوجته للبدء ببناء غرفتين صغيرتين كمأوى لعائلته الصغيرة التي لم تعد بيوت الأقارب قادرة على استقبالهم سنوات أطول، فتأتي الصدمة بأن المبلغ المادي الذي ادخره مع المصاغ الذهبي لزوجته، والسلف، والقروض لا تكفي سوى لبناء هيكل خارجي للكوخ الصغير، فطوال سنوات الأزمة شهدت مواد البناء ارتفاعاً مخيفاً في أسعارها، ليقف معظم المواطنين عاجزين عن شراء أو بناء منزل في ظل إشارات الاستفهام الكثيرة التي تدور حول هذا القطاع، لاسيما أن مرحلة إعادة الإعمار تتطلب من هذا القطاع المرونة، والقدرة على النهوض بسورية جديدة بأقل تكاليف ممكنة، تماشياً مع الظروف التي مرّت بها.

ضحية الغلاء

تسببت الأزمة التي تمر بها البلاد، وارتفاع سعر صرف الدولار، والأوضاع الاقتصادية غير المطمئنة،  في ارتفاع سعر الحديد، والاسمنت، ومواد البناء كافة، والذي بدوره أدى إلى هبوط سوق العمل، وتراجع كمية الإقبال على البناء من أصحاب العقارات، وجعلهم ينتظرون انخفاض أسعار البناء حتى يقبلوا على شرائها، ويقوموا بالبناء والتشييد، وفي ظل هذا الانتظار، يذهب العامل ضحية الغلاء، فقد كشفت تقارير اقتصادية أن أسعار مواد البناء في سورية تضاعفت أكثر من 1000%، مع الإشارة إلى أن الارتفاع طال المصانع، وسبب ذلك هو ارتفاع تكاليف الإنتاج، وكنتيجة طبيعية لهذا الارتفاع في الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وانخفاض الطلب بشكل كبير، أصبحت حركة بيع مواد البناء ضعيفة جداً، الأمر الذي أدى لعزوف الكثيرين عن العمل في هذه المهنة.

ركود سوق العقارات

في المقابل أدى ارتفاع أسعار مواد البناء، وتجهيزات الإكساء لما يقارب 10 أضعاف عن أسعارها قبل 6 سنوات، إلى تخلى بعض المواطنين عن تجهيز شققهم التي اشتروها قبل الأزمة، فقد قفزت أسعار العقارات بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء إلى حد لا يستطيع معه حتى ذوو الدخل العالي اقتناء شقة سكنية لائقة، وهذا ما أكده لنا أحد متعهدي البناء في ريف دمشق، فحسب الوقائع المتأتية من حركة السوق الميتة، فإن كل الطرق المؤدية لامتلاك المسكن باتت مغلقة، ولا أحد يقدر أن يتنبأ متى تعود الحركة للسوق، إذ إن الطلب المحدود اليوم يقتصر على الإيجارات في بعض المناطق الآمنة، بدوره، قال صاحب مكتب عقاري في ريف دمشق: “إن تكاليف قطاع البناء والتشييد تضاعفت بشكل حاد، ما انعكس سلباً على حركة البناء لدرجة التوقف التام، وإذا أردت شراء محضر من الأراضي، فالاحتكار قائم، وأسعاره غالية جداً.

صعوبة واقع المقاولات

نقيب المقاولين السوريين، المهندس محمد رمضان، وصف واقع المقاولات وما وصل إليه اليوم بعد سلسلة الارتفاعات المتواصلة للمواد الأساسية للبناء، وعدم حسم موضوع فروقات الأسعار كل هذا الوقت، حيث رأى أن الواقع سيئ لدرجة كبيرة، وهناك مشروعات من الصعب إنجازها في ظل استمرار الصعوبات، فالأزمة التي تمر بها سورية هي التي سببت ارتفاعات الأسعار الجنونية، وافتقاد الحالة الأمنية، وفقدان المواد من الأسواق المحلية، وأثرت تأثيراً كبيراً على موضوع الاستيراد نتيجة للحصار الذي تمر به بلادنا، وانتشار العصابات المسلحة على الطرقات، وما قامت به من حالات قتل، وخطف، وسلب، ونهب، وفتكت بهذا القطاع كما في القطاعات الأخرىو وأضاف رمضان: يعمل في قطاع المقاولات قرابة 16 ألف مقاول في سورية، وذلك في كافة المجالات والاختصاصات لتنفيذ مشاريع مع الجهات العامة، وقد تأثرت مهنة المقاولات بارتفاعات الأسعار المتزايدة، والتي تدرجت بشكل متسارع، بالإضافة إلى فقدان مواد متعددة تدخل في تنفيذ العقود، منها ما هو ذو منشأ محلي، ومنها ما هو مستورد، وذلك إلى أن وصلت الأعمال إلى شبه التوقف التام في كل محافظات القطر.

شركات متوقفة

إن تشييد أي بناء هو عبارة عن دائرة مستديرة يكمل بعضها البعض، وإن حدث أي خلل أو تباطؤ فى الدائرة يعود سلباً على باقي المجموعة، وما حدث اليوم هو جلوس معظمنا بجوار الحائط، وبقاؤنا دون عمل بعد ارتفاع سعر الاسمنت، وعدم إقبال المستثمرين، وأصحاب العقارات على البناء، وشراء مستلزمات البناء في ظل غلاء سعر الاسمنت، هذا لسان حال العديد من العمال الذين تحدثوا عن صناعة الاسمنت اليوم، والتي تتوقف عليها مرحلة إعادة الإعمار لاحقاً، ما دفعنا للتوجه بسؤالنا إلى رئيس الاتحاد المهني لنقابة عمال البناء والأخشاب خلف حنوش، والذي أكد أن شركات الاسمنت كغيرها من الشركات ومفاصل الدولة التي طالتها يد الإرهاب، وأوقفتها عن الإنتاج، فالشركة العربية للإسمنت ومواد البناء في حلب متوقفة منذ عام 2012، واليوم وبعد تحرير مدينة حلب من رجس الإرهاب أصبح من الممكن إعادة ترميمها وتأهيلها، وهذا ما نعمل عليه، لكن الحاجة إلى رصد اعتمادات استثمارية ضخمة بهذا الخصوص أكبر مما نملك حالياً، وأضاف حنوش بأن حال شركة إسمنت الرستن لصناعة الإسمنت ومواد البناء بحمص لم يختلف عن باقي الشركات المتوقفة الناتجة عن سيطرة القوى الظلامية وهي متوقفة حالياً بسبب الظروف الأمنية المحيطة بالشركة، وتقع ضمن محيط يسيطر عليه حالياً عناصر العصابات الإرهابية المسلحة، لكن حال هذه الشركات مؤقت، حيث ستعود للعمل بحال أفضل من السابق في وقت قريب، وفيما يخص الطاقة التصميمية لمعامل الإسمنت العامة  في سورية، أشار حنوش إلى أن الطاقة التصميمية في شركة إسمنت عدرا /96000/طن كلنكر سنوياً، وفي شركة إسمنت السورية بحماة بلغت الطاقة التصميمية /1500000/طن كلنكر سنوياً، أما في شركة إسمنت طرطوس الطاقة التصميمية للشركة/2050000/طن كلنكر سنوياً، وفي شركة إسمنت العربية بحلب /960000/طن كلنكر سنوياً، وأضاف حنوش بأن الطاقة التصميمية لشركة إسمنت الشهباء في حلب /1100000/طن كلنكر سنوياً وهي حالياً متوقفة، كذلك الأمر في شركة إسمنت الرستن التي كانت طاقتها التصميمية /142000/طن كلنكر سنوياً.

نهوض من جديد

شهدت مؤسسة الإسمنت قفزات هائلة، حيث إن وزارة الصناعة أولت هذا القطاع أهمية كبيرة نظراً لحاجة البلد لمادة الإسمنت في المرحلة القادمة حسب رأي مفيد سليمان مدير شركة عدرا للإسمنت والذي تحدث عن واقع عمل الشركة، معتبراً أن الحالة الفنية للخطوط الإنتاجية الثلاثة لديها بحالة جيدة لكنها تعاني من صعوبة تأمين مادة الغاز بسبب توقف تزويد الشركة بالمادة المذكورة، نتيجة تعرض خط الغاز إلى تخريب من العصابات الإرهابية المسلحة، وعن تأمين المواد الأولية للشركة أفادنا سليمان بأنه تم تزويد الشركة بكمية لا تتجاوز الـ50% من الطاقة الكهربائية للشركة وتم الاعتماد عليها لتشغيل مطاحن الإسمنت وقسم التعبئة لاستكمال كمية الإسمنت التي تحتاجها السوق المحلية وتأمين حاجة المواطن منعاً لخلق سوق سوداء حرة، والمطاحن تستجر بحدود3و3.5ميغا، واعتمدنا على تشغيل مطاحن الإسمنت وأقسام التعبئة، ولدينا مخزون جيد من الكلينكر بحدود 350ألف طن كلينكر، وأضاف سليمان أن هناك تسرباً كبيراً في العمالة نتيجة الأحداث الأخيرة، وأن الشركة تعمل بحدود 70% من العمالة لتجهيز الخطوط وتحقيق الطاقات الإنتاجية المطلوبة وهناك صعوبات أخرى تواجه الشركة تتجلى في أن أغلب العمال تجاوزت أعمارهم الـ50 عاماً، وفيما يتعلق بالاستعداد للمرحلة القادمة، يقول سليمان، هناك استعداد كامل للمرحلة القادمة، حيث يتم العمل على مجموعة من الخطط المستقبلية للبحث والتعويض عن النقص بالفيول والغاز بالطاقات البديلة، وهناك دراسات وتواصل مع الشركات الخارجية وانتقاء أفضل السبل لإنتاج مادة الإسمنت بأقل كلفة ممكنة.

حلول بديلة

يعتبر نقص الفيول هو الوقود الرئيس في معامل الإسمنت، وعدم تأمين التغذية الكهربائية الدائمة للمعامل من أبرز المشاكل والعوائق التي تقف وراء توقف وتعطل شركات الإسمنت، في هذا الإطار سعت كل شركات الإسمنت إلى إيجاد حلول بديلة وممكنة للمشاكل التي تواجهها في محاولة منها للاستمرار بعملية الإنتاج وتأمين المادة ورفد السوق بحاجته، منها الاعتماد على الفحم الحجري كطاقة بديلة لمادة الفيول لتوفرها، ولأنها ذات جدوى اقتصادية، إذ إن كلفة طن الفحم تساوي 1من 10 من تكلفة الفيول، الأمر الذي يؤدي لتخفيض سعر الإسمنت وينافس القطاع الخاص، حيث أكد محسن عبيدو، مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت، أن المؤسسة تعمل بشكل مستمر على تطوير خطوط الإنتاج وزيادة الإنتاجية وإقامة معامل إسمنت جديدة بطاقات إنتاجية عالية، إذ قامت المؤسسة بإعداد دراسات جدوى اقتصادية لعدد من المشاريع المستقبلية، وعن إمكانية استبدال مادة الفيول بالفحم الحجري، فقد أوضح عبيدو أن الموضوع قيد الدراسة، منوهاً أن الفحم الحجري أيضاً مادة مستوردة وتكلفتها عالية، وتعمل المؤسسة على مادة المرفوضات وتنتظر الموافقة من جمهورية مصر لإرسال بعثة وزيارة معاملهم باعتبار مصر رائدة في هذا المجال، وفيما يخص معمل إسمنت العربية، فقد تم وضع خطة لإعادة تشغيل المطاحن الإسمنتية بكلفة 15 مليون دولار، مؤكداً أن مادة الإسمنت من المواد الهامة التي تهتم بها الحكومة كونها مادة أساسية لا سيما في المرحلة القادمة من إعادة إعمار سورية، وتساهم هذه الصناعة برفد الخزينة العامة للدولة من خلال الأرباح السنوية التي تحققها نتيجة الفوائض المتوفرة من الشركات الرابحة، إضافة إلى الضرائب والرسوم التي يتم تحويلها إلى وزارة المالية من جهة رسم الإنفاق الاستهلاكي ورسم حق الدولة.

ميس بركات