مجرد روتين أو استعراض أجوف.. الفحوص الطبية ماقبل الزواج.. قبول اجتماعي متردد.. ونتائج مُلغاة بعدم الالتزام..

مجرد روتين أو استعراض أجوف.. الفحوص الطبية ماقبل الزواج.. قبول اجتماعي متردد.. ونتائج مُلغاة بعدم الالتزام..

أخبار سورية

السبت، ٢٥ مارس ٢٠١٧

نستطيع بكل بساطة رصد الكثير من الحالات المرضية التي دخلت قفص الزوجية بتواقيع هاربة من سلطة الرقابة الصحية وبتقارير طبية صورية لحالة المقبلين على الزواج، حيث كان يتم منح التقرير دون إجراء أي تحليل أو فحص سريري، وهذا الواقع كان لسنوات طويلة مضت،  إلا أن تزايد حالات الإصابة بالأمراض الوراثية وفي مقدمتها (التلاسيميا – فقر الدم المنجلي ) وبعض الأمراض وأهمها (الإيدز – التهاب الكبد) والتي تنتقل بسهولة عن طريق الزواج دفع بأصحاب القرار إلى اتخاذ قرار بالإلزام الحتمي لفحص طبي بسيط قبل الزواج يضمن للشاب والفتاة تجنب الإصابة من هذه الأمراض وما ينجم عنها من أعباء مادية ونفسية واجتماعية.

وأمام المسؤوليات التي تقع على عاتق القائمين على القطاع الصحي  قامت وزارة الصحة بالتعاون مع نقابة أطباء دمشق بافتتاح مركز مستقل للفحص الطبي ماقبل الزواج بتاريخ 1/4/2010  بهدف  إجراء الاستقصاءات والفحوصات اللازمة للمقبلين على الزواج وتقديم المشورة والنصح لهم من أجل وقاية الأجيال القادمة من بعض الأمراض الوراثية والمعدية ويعتبر هذا المركز بمثابة مركز طبي وطني مجتمعي تثقيفي وقائي.

عمر التجربة
وبمرور ست سنوات من عمر التجربة تعطي البيانات التي حصلت البعث عليها مؤشرات متباينة مابين عام وآخر من حيث مجموع العينات ونتائج التحاليل الطبية من عام 2010حتى نهاية 2016 لتكشفت  نتائج الأليزا ( العينات الإيجابية ) عن نحو (317,651) عينة تقدمت للفحص وهي حصيلة واقعات الزواج المفترض والتي سجلت في دمشق وحدها حيث كانت في أعلى درجاتها عام 2011 بلغ عددها (72663) وتدنت بالعام 2012 (54054) وفي العام 2016 بلغ (45824) وفي العام 2014 (45695) وفي عام 2015 (44923) وفي عام 2010 (30000) وفي عام 2013 (24492).
وكانت نسب اختبار الايدز لجميع المتقدمين للفحص (9) إصابات، ففي عام 2010 بلغ عددها (4 ) وكانت أعلى نسبة، وانخفضت في عامي 2011و2016 بلغ عددها (2) إصابة في كل عام، وانخفضت بنسبة إصابة واحدة في عام 2013 وانعدمت في الأعوام (2012و2014و2015)، والتهاب الكبد(B) بلغ لجميع السنوات 2,702 حيث كان في أعلاه في عام 2011 بلغ العدد (755)  وفي عام 2012 (503) إصابات وفي عام 2014 بلغ (363) وتدنى في عام 2015 (314) وعام 2010 بلغ (288) وعام 2016 بلغ (285) وانخفض بشكل كبير في عام 2013(194).. كما بلغ عدد الإصابة بالتلاسيميا بكافة السنوات 21 إصابة، وكانت في أعلى درجاتها في عام 2011، عدد الإصابة (7)، وانخفضت في عام 2015 لـ (5) إصابات، وفي عامي 2012 و2016، وفي كل عام (3) إصابات، وانخفضت في عام 2013 (2) إصابة، وإصابة واحدة في عام 2014 وانعدمت في عام 2010..
وبلغت نسبة الإصابة بفقر الدم المنجلي في كافة السنوات (87) إصابة وكانت مرتفعة في عام 2012 بلغ عدد الإصابة (34) وفي عام 2011 بلغ (29) وفي عام 2016 بلغ العدد (8)إصابات، وفي عام 2014 بلغ العدد (7) وفي عام 2013 بلغ العدد (5) إصابات، وفي عام 2015 بلغ العدد (3) إصابات، وانخفض لإصابة واحدة في عام 2010، وبلغ عدد الإصابة بتلاسيميا صغرى  بكافة السنوات (6,775) حيث بلغ في أعلى درجاته في عام 2011 (1836) وفي عام 2012 (1245) وفي عام 2016 (922)، وفي عام 2015 (911) وفي 2014  (846) وفي عام 2010 (518)، وفي عام 2013(497)
وكانت نسبة الخضابات الشاذة مرتفعة في عام 2011 بلغ العدد (220) وبدأ بالانخفاض في عام 2012 حيث بلغ العدد (169) وفي عام 2016 بلغ (114)، وفي عام 2014 انخفض (112) وفي عام 2015 بلغ العدد (80) وفي عام 2013 بلغ العدد (68) وانخفض في عام 2010 (66).

الحد من الانتشار
وحسب الدكتور مصطفى مسالمة مدير مركز الفحوصات الطبية لعقد الزواج، فإن هذه النتائج تساهم إلى درجة مهمة و كبيرة في الحد من انتشار بعض أمراض الدم الوراثية وأهمها (فقر الدم المنجلي – التلاسيميا) وبعض الأمراض المعدية عن طريق الزواج وأهمها (الايدز – التهاب الكبد) والتقليل من الأعباء المالية الناتجة عن طريق المصابين على الأسرة والمجتمع والدولة وتخفيف  الضغط على المؤسسات الصحية وبنوك الدم، بالإضافة إلى تجنب المشكلات الاجتماعية والنفسية للأسرة التي يعاني أطفالها من أمراض وراثية ونشر الوعي حول مفهوم الزواج الطبي الصحي، ما يساهم في تحسين الواقع الصحي للمجتمع بشكل عام. ويضيف الدكتور مسالمة،  لأهمية الإحصائيات التي توفرها العيادة تقوم  وزارة الصحة بدراسة التقارير الشهرية المرسلة  منها، وقد أصدرت  قراراً بالتعاون مع نقابة الأطباء والذي تم دعمه من قبل وزارة العدل وتعميمه على قضاة المحاكم الشرعية لاعتبار التقرير الطبي الصادر عن هذه العيادة وثيقة رسمية من ضمن الوثائق المتعلقة بأوراق إتمام عقد الزواج،  واعتبار هذا الفحص واحداً من أهم سبل الرعاية الصحية الوقائية لما لها من آثار إيجابية على صحة المقبلين على الزواج وصحة أطفالهم مستقبلاً، وبالتالي الأسرة والمجتمع بشكل عام.
وفيما يتعلق بالرسوم المفروضة، يقول مدير المركز، بأنه يتم استيفاء مبلغ رمزي وقدره (12000ل.س) لقاء تحاليل طبية ومعاينة وتقرير طبي خاص بالزواج.

استشارة وراثية
الدكتور عصام سلمان مدير العيادة، أكد على أنه تقع على عاتق طبيب الصحة العامة وطبيب الأسرة تحديد الأشخاص الذين يحتاجون لاستشارة وراثية اختصاصية، وبالتالي تحويلهم إلى المراكز المختصة، وذلك بحكم طبيعة اختصاصهم والخبرة في قراءة التحاليل نوعية الشائعة (رحلان الهيموغلوبين) والقدرة على تحديد الحمل، وبالتالي اتخاذ القرار الصحيح حول من يتم تحويلهم من الحملة أو المصابين للطبيب المختص، بالإضافة إلى معرفة المراكز المختصة في المنطقة والأسلوب السليم والصحيح لتحويل المرضى والحملة المعرضين للخطورة لهذه المراكز التخصصية، إضافة إلى الإلمام بالجوانب النفسية عند مخاطبة المريض وذويه.
وحول  التساؤلات المتعلقة بوجود شبه بين النتائج السلبية التي تترتب على زواج الأقارب أومن لا يوجد علاقة قرابة، يجيب الدكتور سلمان، بأن زواج الأقارب يلعب دوراً كبيراً في الإصابة بالأمراض الوراثية الناتجة عن الوراثة المنتحية كفقر الدم المنجلي والتلاسيميا، ولكن هذا لا يعني أن عدم الزواج من أحد الأقارب يضمن أن تكون الذرية سليمة من أي مرض وراثي. ولا حتى من الأمراض الوارثية المتنحية، ولذلك من المهم القيام بالتحاليل لكشف إذا ما كان الشخص حاملاً للمرض  بغض النظر عن صلة القرابة بين العروسين، لذلك فحوصات ماقبل الزواج هي مهمة للأقارب أو غير الأقارب، وتكون أكثر أهمية للأقارب، إذا كانت هناك أمراض وراثية.

عدم التوافق
وفيما يتعلق بأهمية تقبل فكرة عدم التوافق وإخراجها من كونها مجرد فحص روتيني، يتابع مدير العيادة كلامه بأن فكرة عدم التوافق من الأمور الحساسة في مجتمعنا نظراً لارتباطها بالعادات والتقاليد، فضلاً على أنه أمر جديد لم يتعود عليه المجتمع، ففي بداية الأمر لم يتقبل البعض فكرة إجراء الفحص بعد ما كان سائداً لعقود طويلة منح التقرير الطبي الذي يثبت توافق الزوجين صحياً لإتمام عقد الزواج بشكل روتيني وكأي ورقة عادية وكأنه تحصيل حاصل دون التفكير بعواقب ما سينجم عنه من أمراض وراثية من أحد الطرفين الذي يحمل صفة وراثية لمرض ما، كما أن البعض اعتبر هذا الفحص تدخلاً في مصيرهم ومنعهم من الزواج عند اكتشاف مشكلة لديهم نتيجة الفحص.

اختلاف المواقف
ومن خلال استطلاع آراء وانطباعات المواطنين ممن هم مقبلون على الزواج كانت الآراء متضاربة، ففي الوقت الذي تقبل الأشخاص فكرة الفحص السلبي لم يكن لديهم مشكلة، ولا تتوقف الحياة عند هذا الشخص، سواء الفتاة أم الرجل، الأهم كان بالنسبة لهم مستقبل زواجهم ووجود أطفال سليمين، رأى فريق آخر ممن حاورناهم أن هذه الوثيقة الصادرة عن هذا الجهة لايحق لها أن تحدد مصيرهم، وهم طالما انتظروا تأسيس المؤسسة الزوجية بفارغ الصبر وبنوا عليها الآمال والأحلام القائمة على الحب ولا يحق لأي شخص أو جهة أن تتدخل بمصيرهم.  في حين كانت هناك شريحة فاجأتنا بأن شرط الفحص كان بمثابة فرج لهم لأن زواجهم قائم على رغبة الأهل، وبالتالي لا مانع لديهم من محاولة إقناع الفريق الطبي بأن يمنحهم تقريراً سليباً يقدمونه كشهادة إثبات للأهل  بأنهم غير صالحين للزواج المشترك، وهذا ما يراه البعض أنه مخالف لأنظمة المركز، ولكنه بنفس الوقت شكل من أشكال المرونة التي ينتهجها المركز في تسهيل قضايا الناس الاجتماعية وحل بعض المعضلات الأسروية.

طب الأسرة
وتشرح الدكتورة مي سعود، اختصاصية طب الأسرة في المركز، عن قصص وحوادث تحكي حالات الانفعال والبكاء والصراخ التي صدرت عن بعض الحالات ممن عاشوا قصص حب طويلة وجاءت النتائج الطبية صادمة بالنسبة لهم وحطمت أحلامهم في بناء العش الزوجي.
وهناك من يتسلم التقرير، ويطمئن على أنه سلبي أم إيجابي، ليدير ظهره دون أن يستفهم من الاختصاصيين الطبيين والنفسيين التفاصيل على أمل أن عقد الزواج سيتم إن كان التقرير سلبياً أم إيجابياً، وهذا مايؤكد عليه القائمون على المركز، بأن النتيجة لا تؤثر ولا تمنع ولا توقف عقد الزواج، علماً أن الكثير من الحالات المرضية البسيطة يمكن معالجتها باستدراك المشكلة مبكراً قبل أن تتفاقم بعد حصول الزواج وعندها يصبح الحل صعباً.

رمسيس دريوسي