“الممنوع مرغوب” ثقافة احترام القانون.. انعكاس للتربية الأسرية.. وتجسيد حضاري للرقي الاجتماعي

“الممنوع مرغوب” ثقافة احترام القانون.. انعكاس للتربية الأسرية.. وتجسيد حضاري للرقي الاجتماعي

أخبار سورية

الخميس، ٢٣ مارس ٢٠١٧

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الماضية أخبار عن قانون للسير، سيتم تطبيقه في القريب العاجل، وتم بعد ذلك نفي هذه الشائعات من قبل وزارة الداخلية، وعلى الرغم من احتجاج الناس على النص الوهمي الذي تضمنه هذا القانون الزائف، إلّا أنّ شريحة كبيرة وجدت فيه ما يخلق حالة من الانضباط والنظام، فقد اعتاد مواطننا على السير العشوائي، وتقطيع الشارع بلامبالاة مطلقة، ومخالفة جميع الأنظمة والقوانين على مبدأ “الممنوع مرغوب”، ما يخلق الكثير من التساؤلات حول موضع الخلل، أهو في الفرد نفسه، وأثر التربية والمدرسة والجامعة في خلق حالة من النظام في سلوكه، أم أنّ الخلل هو في صلب هذه القوانين المفروضة على المواطن..؟.

ضرورة حتمية

إن عدم التزام المواطنين بالأنظمة، هو أن العقوبات لا تطبق بحذافيرها وعلى الجميع، وفيه الكثير من التهاون، فبعض المواطنين يستطيع بالواسطة أن يتهرب من تطبيق العقوبة عليه، ويتباهى بذلك أمام الآخرين، مما لا شك أن احترام القوانين أمر غاية في الأهمية، وهي ما تقودنا إلى ما يسمى” ثقافة احترام القانون”، لكن من الضروري أيضاً أن يكون احترام القوانين نابعاً من قناعات داخلية في كل فرد بالمجتمع، بحيث لا يجوز أن يكون في المجتمع قوانين حضارية ومتقدمة مثلاً، لكنها مخترقة، وغير مطبقة من قبل الآخرين، والقناعة ترتبط بالضرورة بتغليظ العقوبات كي تكون رادعة ومؤثرة في ظل التأكيد على أهمية الوعي وضرورته، ما يعني أننا نحترم القانون عندما نلتزم به.

تعزيز الثقة بالقانون

إذا أردنا البحث في الأخطاء الموجودة في عملية سن القوانين، وبالتالي عدم قدرة المواطنين الالتزام بها لا بد من الحديث عن تجارب الدول المتقدمة في آلية سن القوانين والتشريعات، حيث تعمل على إشراك المواطنين بها،  فالمواطن برأي المحامي أحمد فهيم خليل” أمين سر نقابة محامين ريف دمشق” في الخارج هو المشرع سواءً بنفسه أو عن طريق انتخاب أشخاص ينشئون القوانين، وبالتالي فهو جزء من صناعة القوانين، ويعلم لما هذا القانون شرع، ولما ذاك القانون لم يشرع، وبالتالي فإن الفجوة الموجودة لدينا بين القانون وبين المواطن، سببها عدم شعوره  بأنه جزء من عملية التشريع، وبالتالي منفصل ذهنياً ونفسياً عن التشريع، وهنا لا ننكر أن  عملية سن القوانين والتشريعات وإصدارها وإلزام المواطنين بها، عملية صعبة وحساسة، تتطلب دقة عالية لتحقيق الغاية المرجوة منها التي تتمثّل أولاً وأخيراً في تحقيق سلامة الأفراد، والارتقاء بالمستوى الحضاري، حيث يقاس تقدّم الدول ورقيها بحرص أفرادها والتزامهم بتطبيق القانون، وبقدر ما تكون هناك استقلالية للقضاء واحترام لأحكامه، يُبنى المجتمع بشكل سليم، وتتعزز ثقة المواطن بالقانون، ويرى فهيم أن التشدد في تطبيق القانون ضرورة لابد منها، لأنها تسعى لخدمة المجتمع في نهاية المطاف ككيان وأفراد، ولاسيما في قوانين السير ومخالفاتها التي تحدث تأثيرات سلبية على المجتمع، لأن تنشئة جيل على مخالفة بسيطة كتجاوز شارة ضوئية تولّد عنده استعداداً لارتكاب ما هو أخطر في المستقبل، وطالب خليل الجهات المخوّلة إصدار القوانين بالبحث في الأسباب الموجبة والحقيقية التي تقنع المواطن بالغاية التي صدر القانون من أجلها، وتضافر الجهود، وتعاون الجميع على خلق حس المسؤولية لدى الأفراد تجاه بعضهم، وتجاه وطنهم، وذلك في التربية المدرسية والمنزلية، ونشر الثقافة، والوعي القانوني من قبل هيئات المجتمع المدني، ودور المراكز الثقافية، وغرس فكرة أن القوانين تأتي كرادع لحماية المواطن والمجتمع.

انعدام الثقافة

السبب الأول والأخير في انعدام الالتزام بالقوانين والأنظمة هو انعدام الثقافة، فهناك فرق كبير بين أن يكون القانون مواد ونصوصاً جافة أو جامدة، وبين أن يكون ثقافة، وأخلاقاً، وتصبح جزءاً من الشخصية، وركناً هاماً في بناء الإنسان، بحيث يصبح احترام القانون منهج حياة، برأي الدكتور طلال مصطفى، “علم اجتماع”، وللأسف فإن حالة عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة ازدادت خلال فترة الأزمة التي نمر بها، حيث نجد أغلب المواطنين بعيدين كل البعد عن الالتزام بها تحت ذريعة “الطاسة ضايعة”، وأن كل شيء يسير بالعكس، ولن تتوقف الحياة على مخالفاتهم، لكن لا يجوز اتخاذ الأزمة كشماعة نعلّق عليها كل ما يحدث من فوضى، وتسيّب، وعدم انضباط، بل إن ما فاقم من حجم الأزمة التي نعيشها هو الاستعداد الكامن في نفوس البعض للخروج عن القوانين، وارتكاب المخالفات التي ترتقي في كثير من الأحيان إلى درجة الجرائم، وكانت تنتظر الأزمة لتكشف عن وجهها الحقيقي، وتعبث بأمن وسلامة أفراد المجتمع، فأولئك المنحرفون لا يدركون معنى المواطنة، وقد نشؤوا في الأساس على عدم الإحساس بالمسؤولية، وعدم احترام القوانين والأنظمة، والأهم أنهم يفتقدون للرادع الأخلاقي، وللضمير الذي يحكم الإنسان، ويحدد تصرفاته، وكل السلبيات التي ظهرت على مدار السنوات الست من عمر الأزمة ليست إلا حالة تراكمية سلوكية، وأخلاقية، وأن الالتزام بالقوانين واحترامها هو تربية، ومنهاج حياة، يبدأ من اصطفافي في رتل، وانضباطي في مدرستي، وانتهاء بعدم جواز رمي المنديل الورقي في الشارع، ويلعب هنا الوعي القانوني، والتعريف بأهداف القوانين، وشرح أسباب التزامنا بها، ومعاقبتنا إذا ما خالفناها، أنجع وسيلة لتقريب المسافة بين المواطن والقانون، وألا يكون الخوف من العقوبة هو سبب التزامنا بالقانون، وإنما الوازع الداخلي، والضمير، والأخلاق، والقناعة بجدوى الالتزام التي تفرض على المواطن عدم الخروج عن القانون وخرقه، وثقته بفاعليته ونجاحه في حل المشكلات، والأهم من ذلك عدالته، وعدم تمييزه بين شخص وآخر، فالجميع سواسية أمام تطبيق القانون.

ميس بركات