حياتها  استثنائية  الأم العاملة.. أداء إنساني شامل.. تضحية على مدار الساعة.. جهود مكتنزة بالعطاء

حياتها استثنائية الأم العاملة.. أداء إنساني شامل.. تضحية على مدار الساعة.. جهود مكتنزة بالعطاء

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢١ مارس ٢٠١٧

لا يمكن للكلمات التعبير عن ما تجسّده شخصية الأم العاملة على وجه الخصوص من إرادة وتحدٍ وجهد جبار، تبذله للتوفيق ما بين عملها خارج المنزل وداخله، وقد نجحت، وتفوقت في عملها، وتبوأت مراكز مرموقة، واستطاعت أن تنافس الرجل في كثير من المجالات، وعلى مدار ست سنوات من عمر الأزمة التي أنهكت الجميع، حيث عاشت، ومازالت الأم السورية تعيش  تجربة استثنائية مليئة بالصعوبات، دفعت ربات المنازل ممن فقدن أزواجهن، أو خسروا أعمالهم، وحتى ممن لم يخسر عمله للعمل في أكثر من مجال، فقد ذاق الجميع  مرارة العيش مع الغلاء الفاحش الذي أفقدهم القدرة على تأمين احتياجات الأسرة،  فانطلقت الزوجة إلى ميادين العمل سعياً لتأمين رزق عائلتها، وخلقت من وسائل بسيطة تقتنيها في منزلها نواة لمشاريع صغيرة تعود عليها بالربح، فعاشت حرة كريمة، وفي عيدها اليوم يخالجنا سؤال عن أي كلام، وأي هدية تليق بعظمة تلك المرأة الجبارة، وكيف لنا أن نوفي الأم المعطاءة حقها ؟؟!.

خوري: عملية المشاركة في الإنتاج مع الزوج يشعر المرأة بوجودها وفاعلية دورها في المجتمع

عطاء الأم

بين مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و11 سنة، جلسنا في حديقة تشرين، وأعطينا كل واحد منهم ورقة وقلماً، وطلبنا أن يكتب كل واحد فيهم عبارة لأمه، فبدأ الجميع بالكتابة، إلّا طفل وحيد، كان يتأمل فينا، وعلامات الخوف والحزن بادية على وجهه، وعند سؤاله قال لنا: أنا لا أعرف أمي، فقد ماتت وأنا صغير، وأراها فقط في أحلامي .. رغم صعوبة الموقف إلّا أننا حاولنا أن نخفف من حزنه، وقلنا له كيف تراها في الحلم،  وهنا بدأ الطفل برسم الشمس وأشعتها ليقول: هذه هي أمي التي أحبها وأحن إليها .. في هذا الوقت انتهى رفاقه من كتابة عباراتهم التي تقول: (أمي يا نبع الحنان – أمي يا ملاكي – أمي يا كل حياتي – أمي يا أغلى الناس – بحبك كثير).

بعد ذلك طلبنا من الأطفال تقديم أرواقهم إلى الأمهات اللواتي كن ينتظرن قراءة ما كتبه أطفالهن، حيث تشابهت ردات فعلهن بعد قراءة ما كُتب، فكل أم  انحنت لتقبّل ابنها، ولتضمه بقوة، ولتكشف الدموع ذلك المخزون العاطفي من مشاعر الأمومة التي لاتقدّر بثمن.

هذا المشهد كان فاتحة حديثنا مع الأمهات اللواتي تجمع بينهن زمالة العمل (الوظيفة)، حيث أكدت منى زين أنها تعمل ليل نهار من أجل سعادة أبنائها الذين يمدونها بطاقة الحياة، وهي تقوم بواجباتها الوظيفية كاملة لتعود إلى بيت لتؤدي دورها كأم في رعاية أطفالها والاهتمام بهم، وهذا ما أكدته لمياء الحمد التي تحرص على توفير جميع متطلباتهم، ولو كان ذلك على حساب حياتها وراحتها، وهي تعيش يومياً في سباق مع الزمن منذ ساعات الصباح الأولى حتى ساعات الليل المتأخرة، ومع ذلك تشعر بسعادة كبيرة، أما هدى المحمد فكانت لها قصة خاصة، فهي الأم والأب بالنسبة لأطفالها، فبعد وفاة زوجها زادت أعباؤها ومسؤولياتها، ولكن ذلك لم يثن عزيمتها رغم صعوبة الواقع المعيشي، وهي على استعداد تام، (كما قالت) لتفني حياتها في سبيل سعادة أولادها.

الأسرة المثالية

بقدر ما تحتاج الأنثى إلى الزواج، وإنجاب الأطفال، وتكوين الأسرة المثالية، تحتاج بالقدر ذاته إلى العمل الذي يفتح لها آفاقاً جديدة، ويخرجها من الروتين القاتل في المنزل، هذا ما قالته لنا مارييت خوري، أمينة الثقافة والإعلام في الاتحاد العام لنقابات العمال، ورئيسة لجنة المرأة العاملة، عندما أخبرناها عن مشهد الحديقة، وحديث الأمهات المكتنز بالعطاء والحب، حيث ترى خوري أن العمل يكسب المرأة (الأم) قدرة، ويميزها عن غيرها في احتواء الخلافات العائلية، ولاسيما الزوجية منها، والتعامل معها بموضوعية أكثر، وذلك بعد مقارنتها بمشاكل أكبر، ومواقف عديدة تشاهدها، أو تتعرّض لها في عملها، ثم إن عملية المشاركة في الإنتاج مع الزوج تشعرها بأنها عنصر فعال، وتقوّي من إمكانياتها الذهنية، والعقلية، وتمكنها من اتخاذ القرار بشأن قضاياها الاقتصادية، والاجتماعية بشكل أفضل، بحيث تعرف كيف تدير المال، وتحقق التوازن في عملية الإنفاق، وتمارس جميع الأدوار، فترتقي للأداء الإنساني الشامل، ولا تبقى مجرد أنثى تؤدي وظائف بيولوجية، فضلاً عن اهتمامها بمظهرها، والتحسين الدائم به، ما يكسبها ثقة أكبر بنفسها، كما يكتسب الوقت بالنسبة للمرأة أهمية، بحيث يجعلها تبرمج حياتها، وتضع جداول زمنية لكل أعمالها، وهذا ما يجعلها تحقق النجاح في عملها خارج المنزل، وداخله، ويجعلها تتفوق على ربة المنزل في مسألة الانضباط والانتظام.

4

مهام تقليدية

(لا شك في أن الأم العاملة تواجهها تحديات عديدة)، بهذه العبارة بدأ الدكتور سمير زين الدين (علم اجتماع) حديثه الذي حاول من خلاله الانتصار للمرأة العاملة التي تبذل جهوداً كبيرة، فهي تقوم بالمهام التقليدية التي تقع على عاتق الزوجة، والمتعارف عليها في المجتمعات الشرقية من واجبات منزلية، والاهتمام بالأطفال، على خلاف الرجل الذي تقتصر مهمته على العمل خارج المنزل، فنادراً ما نجد ذلك الزوج الذي يساعد زوجته في الأعمال المنزلية، ويعتبرها كثيرون، للأسف، انتقاصاً من رجولتهم، وأشار زين الدين  إلى أن الأزمة التي عصفت بالبلاد فاقمت من تلك التحديات، وخلقت صعوبات جديدة كان لها تأثيرها الذي ظهر جلياً في أدائها الوظيفي في بعض الدوائر، فكثيراً ما نلاحظ موظفات شاردات الذهن، وترددن عبارة: «آسفة عقلي ليس معي»، وهي نتيجة حتمية لما يعشنه من ضغط نفسي يتمثّل، على سبيل المثال، بقلقهن على أطفالهن الذين يذهبون لمدارسهم، وخوفهن من أي حادث إرهابي قد يحرمهن منهم، أو القلق على الزوج الذي طلب لتأدية واجبه في الدفاع عن الوطن من أن تطاله يد الغدر، عدا عن أزمة المواصلات، وتكاليف رياض الأطفال التي ارتفعت، كل تلك التحديات لم تعتد المرأة السورية عليها، فهي طارئة على المجتمع، وهي مرحلة استثنائية تتطلب صبراً، وقوة إرادة، وتعاوناً بين جميع الأطراف: الزوج مع زوجته، ورب العمل مع العامل للتغلب على الصعوبات، وتجاوز العقبات، والوقوف بثبات، والانتصار على المؤامرة القذرة التي أرادت النيل من كرامة المواطن السوري.

فريق عمل

أمام تلك العطاءات، والتضحيات التي تقدمها الأم العاملة، نوجّه لها في عيدها تحية إكبار وإجلال لما تقدمه وتكافح من أجله، وهي التي صمدت وأدركت أن الحرب الهمجية أرادت استهدافها في شرفها وكرامتها، وإعادتها إلى عصور السبي، وانتهاك إنسانيتها، وهي في كل يوم عمل تضع لبنة أو حجر أساس لإعمار ما خربه الإرهاب، وهي قادرة على تجاوز الصعوبات، وضبط انفعالاتها، وتوظيفها بشكل إيجابي، والتخفيف من الضغط عندما تتعامل مع أسرتها كفريق عمل متفهم، ومتعاون، ومبادر، ولا يمكن الحديث عن أي نوع من أنواع  التطور إلا ويكون للمرأة حضور فيه، لأنها بجدارة نصف المجتمع.